من المدينة المنورة إلى قم المقدّسة
ولادة السيدة المعصومة(ع)
عاشت صلوات الله عليها في أحضان أبيها الإمام الكاظم عليه السلام الذي كان أوصل الناس لأهله ورحمه1 وبعد سجن أبيها عليه السلام ترعرعت في كنف أخيها الإمام الرضا عليه السلام وقد عاصرت جملة من الأحداث التي مرَّت على أبيها الكاظم ومحنه وابتلاءاته العظيمة ومن بعدها ما جرى على أخيها الإمام الرضا عليه السلام.
عدد الزوار: 250
في المدينة بعد شهادة أبيها عليه السلام:
عاشت صلوات الله عليها في أحضان أبيها الإمام الكاظم عليه السلام الذي كان أوصل
الناس لأهله ورحمه1 وبعد سجن أبيها عليه السلام ترعرعت في كنف أخيها
الإمام الرضا عليه السلام وقد عاصرت جملة من الأحداث التي مرَّت على أبيها الكاظم
ومحنه وابتلاءاته العظيمة ومن بعدها ما جرى على أخيها الإمام الرضا عليه السلام.
فبعد شهادة أبيها الإمام الكاظم عليه السلام عانت من ظلم الرشيد أيضاً وتعرّضت
للخوف والسلب مع باقي العلويّات والمخدّرات وذلك حينما خرج محمّد بن جعفر بن محمّد
الصادق عليه السلام بالمدينة في خلافة الرشيد فبعث إليه الجلوديّ وأمره إن ظفر به
أن يضرب عنقه وأن يُغِير على دُور آل أبي طالب وأن يسلب نساءهم ولا يدع على واحدة
منهن إلّا ثوباً واحداً ففعل الجلوديّ ذلك. فصار إلى باب دار أبي الحسن الرضا عليه
السلام وهجم على داره مع خيله فلمّا نظر إليه الرضا عليه السلام جعل النساء كلّهن
في بيت ووقف على باب البيت فقال الجلوديّ لأبي الحسن عليه السلام: لا بدّ من أن
أدخل البيت فأسلبهنّ كما أمرني أمير المؤمنين! فقال الرضا عليه السلام: "أنا أسلبهن
لك وأحلف أنّي لا أدع عليهن شيئاً إلّا أخذته" فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتّى سكن
فدخل أبو الحسن الرضا عليه السلام فلم يدع عليهن شيئاً حتّى أقراطهنّ وخلاخيلهنّ
وأزرارهنّ إلّا أخذه منهنّ وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير2.
ولا بدّ أنّها حزنت على أخيها الرضا عليه السلام-كبقيّة العلويّات- حينما غادر
المدينة لمّا استدعاه المأمون إلى خراسان, فعن الوشّاء قال: قال لي الرضا عليه
السلام: "إنّي حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليّ
حتّى أسمع ثمّ فرّقت فيهم اثني عشر ألف دينار ثمّ قلت: أمَا إنّي لا أرجع إلى عيالي
أبداً"3.
في سبب خروجها من المدينة وسفرها إلى قم:
وبعد أن أخرج المأمون الإمام الرضا
عليه السلام من المدينة إلى خراسان واستقدمه لولاية عهده وبعد تولّي الإمام عليه
السلام للعهد مكرهاً من قبل المأمون4 قصد الكثير من العلويّين خراسان
ولكن أكثرهم لم يصل, خصوصاً بعد استشهاد الإمام عليه السلام وأمر المأمون الحكّام
وأمراء البلاد بقتل أو القبض على كلّ علويّ.
كما أنّ بعض المصادر التاريخيّة تذكر: أنّ "أحمد بن موسى"5 أخا الإمام
الرضا عليه السلام.. لمّا بلغه غدر المأمون بأخيه الرضا، وكان آنذاك في بغداد، خرج
من بغداد للطلب بثأر أخيه، وكان معه ثلاثة آلاف من العلويّة. وقيل: اثنا عشر ألفاً.
وبعد وقائع جرت بينه وبين "قتلغ خان"، الذي أمره المأمون فيهم بأمره، والذي كان
عاملاً للمأمون على شيراز.. استشهد أصحابه، واستشهد هو، وأخوه "محمّد العابد" أيضاً..6.
ممّا يجعلنا لا نستبعد أن تكون السيّدة فاطمة عليها السلام قد خرجت في أحد هذه
المواكب.., ولعلّه في أوّلها..
وقد روي عن كتاب تاريخ قمّ قصّة
قدومها نقلاً عن مشايخ قمّ أنّه لمّا أخرج المأمون عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
من المدينة إلى المرو في سنة مئتين خرجت فاطمة أخته في سنة إحدى ومئتين تطلبه،
فلمّا وصلت إلى "ساوة" مرضت..
ويذكر بعض المحقّقين: أنّ هذه القافلة التي كانت تقصد خراسان، كانت تضمّ 22 علويّاً،
وعلى رأسها السيّدة فاطمة أخت الرضا عليه السلام. فأرسل المأمون إلى هذه القافلة
شرطته، فقتل وشرّد كلّ من فيها، وجرحوا هارون أخا الرضا عليه السلام، ثمّ هجموا
عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه. وأمّا زعيمة القافلة السيّدة فاطمة بنت موسى عليهما
السلام فيقال: إنّها هي الأخرى قد دسّ إليها السمّ في ساوة، ولهذا لم تلبث إلّا
أيّاما قليلة واستشهدت7..
ولا يخلو هذا الكلام من بعد، فإنّ-المأمون-على ما يظهر- لم يتعرّض للعلويّين في
حياة الإمام الرضا عليه السلام، وإنّما كان ذلك بعد شهادتهعليه السلام، والسيّدة
فاطمة توفّيت قبل أخيها على ما يظهر من الروايات ومنها ما ورد عن الإمام الرضاعليه
السلام نفسه في زيارتها وفضلها.
وعلى أيّ حال فإنّها في ساوة- على ما في تاريخ قمّ- سألت: كم بيني وبين "قمّ"؟
قالوا: عشرة فراسخ، فأمرت خادمها فذهب بها إلى قمّ وأنزلها في بيت موسى بن خزرج بن
سعد.
قال: والأصح- من الروايات- أنّه لمّا
وصل الخبر إلى آل سعد اتفقوا وخرجوا إليها لأن يطلبوا منها النزول في بلدة قمّ،
فخرج من بينهم موسى بن خزرج، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى قمّ
وأنزلها في داره، فكانت فيها ستّة عشر يوماً ثمّ مضت إلى رحمة الله ورضوانه، فدفنها
موسى بعد التغسيل والتكفين في أرض له، وهي التي الآن مدفنها وبنى على قبرها سقفاً
من البواري إلى أن بَنَت زينب بِنْت الجواد عليه السلام عليها قبّة.
ويروي أيضاً: أنّه لمّا توفّيت فاطمة - رضي الله عنها- وغسّلوها وكفّنوها ذهبوا بها
إلى بابلان ووضعوها على سرداب حفروه لها، فاختلف آل سعد بينهم فيمن يدخل السرداب
ويدفنها فيه، فاتفقوا على خادم لهم شيخ كبير صالح يقال له: "قادر" فلمّا بعثوا
إليها رأوا راكبين سريعين متلثّمين يأتيان من جانب الرملة، فلمّا قربا من الجنازة
نزلا وصلّيا عليها ودخلا السرداب وأخذا الجنازة فدفناها، ثمّ خرجا وركبا وذهبا ولم
يعلم أحد مَن هما8...
ثمّ ماتت أم محمّد بنت موسى بن محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام فدفنوها في جنب
فاطمة- رضي الله عنها- ثمّ توفّيت ميمونة أختها فدفنوها هناك أيضاً وبنوا عليهما
أيضاً قبّة، ودفنتْ فيها أمّ إسحاق جارية محمّد وأمّ حبيب جارية محمّد بن أحمد
الرضا وأخت محمّد بن موسى9.
في سبب اختيارها قمّ ونزولها فيها:
تعتبر قمّ من المدن المعروفة بانتمائها للتشيّع وموالاتها لأهل البيت عليهم السلام10
وقد كان لها دور كبير في الدعوة لأهل البيت عليهم السلام والترويج لتراثهم ومذهبهم
على مرّ التاريخ خصوصاً في العصور المتأخّرة حيث تضمّ أضخم حوزة علميّة للشيعة في
العالم. بل إنّ الروايات تؤكّد أنّه سيكون لها دور كبير في زمان ظهور صاحب العصر
أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. ولعلّه لهذا السبب اختارت السيّدة المعصومة عليها
السلام النزول في قمّ, أو قبلت دعوة أهلها للنزول عندهم كما في الرواية الأخرى.
ولعلّه لهذا أيضاً مرَّ عليها الإمام الرضا عليه السلام حينما استدعاه المأمون إلى
خراسان فإنّ موكب الإمام توجّه من المدينة إلى البصرة ولم يصل الكوفة، ومنها توجّه
على طريق الكوفة إلى بغداد، ثمّ إلى قمّ ودخلها وتلقّاه أهلها وتخاصموا فيمن يكون
ضيفه منهم. فذكر عليه السلام أنّ الناقة مأمورة فما زالت حتّى بركت على باب وصاحب
ذلك الباب رأى في منامه أنّ الرضا عليه السلام يكون ضيفه في غد، فما مضى إلّا يسيراً
حتّى صار ذلك الموضع مقاماً شامخاً وهو اليوم مدرسة مطروقة.
ونقل أنّ المأمون قال لريّان بن الصلت في حديث: ما أجد أحداً يعينني على هذا الأمر،
أي اتخاذ عليّ بن موسى الرضا عليه السلام وليّ عهده. ثمّ قال- أي المأمون-: لقد
هممت أن أجعل أهل قمّ شعاري ودثاري. ومن ذلك يُعلم شدّة تصلّبهم في ولاية الأئمّة
عليهم السلام11.
1- المجلسيّ: بحار الأنوار ج
101.
2- الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 172.
3- سلسلة مجالس العترة, غريب خراسان ص 31- 32.
4- أنظر حول هذا الموضوع المصدر السابق.
5- قالوا فيه: كان كريماً جليلاً ورعاً وكان أبو الحسن موسى عليه السلام يحبّه
ويقدّمه ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة، ويقال: إنّه رضي الله عنه أعتق ألف
مملوك..وكانت أمّه من الخواتين المحترمات، تدعى بأمّ أحمد، وكان الإمام موسى عليه
السلام شديد التلطّف بها، ولمّا توجّه من المدينة إلى بغداد، أودعها ودايع
الإمامة..ولمّا شاع خبر وفاة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في المدينة اجتمع
أهلها على باب أمّ أحمد، وسار أحمد معهم إلى المسجد ولِما كان عليه من الجلالة،
ووفور العبادة ونشر الشرايع، وظهور الكرامات ظنّوا به أنّه الخليفة والإمام بعد
أبيه فبايعوه بالإمامة، فأخذ منهم البيعة ثمّ صعد المنبر وأنشأ خطبة في نهاية
البلاغة، و كمال الفصاحة، ثمّ قال: أيّها الناس كما أنّكم جميعاً في بيعتي فإنّي في
بيعة أخي عليّ بن موسى الرضا واعلموا أنّه الإمام والخليفة من بعد أبي، وهو وليّ
الله و الفرض عليّ وعليكم من الله ورسوله طاعته، بكلّ ما يأمرنا. فكلّ من كان حاضراً
خضع لكلامه، وخرجوا من المسجد، يقدمهم أحمد بن موسى عليه السلام وحضروا باب دار
الرضا عليه السلام فجدّدوا معه البيعة، فدعا له الرضا عليه السلام, وكان في خدمة
أخيه مدّة من الزمان إلى أن أرسل المأمون إلى الرضا عليه السلام وأشخصه إلى خراسان
وعقد له خلافة العهد.
وهو المدفون بشيراز المعروف بسيّد السادات، ويعرف عند أهل شيراز بشاه جراغ، وفي عهد
المأمون (في الأعيان: وكان ساكناً في دار السلام بغداد ولمّا سمع قضيّة الإمام عليّ
بن موسى الرضا عليه السلام الهائلة حزن كثيراً وبكى بكاءً شديداً وخرج من بغداد
لطلب ثاره) قصد شيراز مع جماعة وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا عليه السلام
فلمّا سمع به "قتلغ خان" عامل المأمون على شيراز توجّه إليه خارج البلد في مكان
يقال له: "خان زينان"، على مسافة ثمانية فراسخ من شيراز، فتلاقى الفريقان ووقع
الحرب بينهما، فنادى رجل من أصحاب "قتلغ": إن كان تريدون ثمّة الوصول إلى الرضا فقد
مات، فحين ما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرّقوا عنه ولم يبق معه إلّا بعض عشيرته
وإخوته، فلمّا لم يتيسّر له الرجوع توجّه نحو شيراز فاتبعه المخالفون وقتلوه حيث
مرقده هناك.
وكتب بعض في ترجمته أنّه لمّا دخل شيراز اختفى في زاوية، واشتغل بعبادة ربّه، حتّى
توفّي لأجله، ولم يطَّلع على مرقده أحد إلى زمان الأمير مقرّب الدّين مسعود بن بدر
الدّين الذي كان من الوزراء المقرّبين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكيّ فإنّه لمّا
عزم على تعمير في محل قبره حيث هو الآن، ظهر له قبر وجسد صحيح غير متغيّر وفي أصبعه
خاتم منقوش فيه "العزّة لله أحمد بن موسى" فشرحوا الحال إلى أبي بكر فبنى عليه
قبّة..(أنظر: بحار الأنوار ج 48 ص 307 – 309, وهو ما ألحق بهذا الجزء مما اقتبس من
كتاب تحفة العالم في شرح خطبة المعالم للسيد جعفر آل بحر العلوم, وانظر أيضاً:
الأمين السيّد محسن: أعيان الشيعة ج 3 ص 192).
6- مرتضى السيّد جعفر: الحياة السياسيّة للإمام الرضا عليه السلام ص 428.
7- المصدر السابق ص 428.
8- يحتمل بعضهم كون هذين الرجلين من المعصومين عليهم السلام, وذلك لما روي من أنّ "الصدّيق
لا يغسّله إلّا صدّيق", كما في الكافي ج 1 ص 459: عن المفضّل، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من غسّل فاطمة؟ قال: "ذاك أمير
المؤمنين"- وكأنّي استعظمت ذلك من قوله- فقال: "كأنّك ضقت بما أخبرتك به؟" قال:
فقلت: قد كان ذاك جعلت فداك، قال: فقال: "لا تضيقنّ فإنّها صدّيقة ولم يكن يغسّلها
إلّا صدّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إلّا عيسى".
9- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 219- 220.
10- في صورة الأرض لابن حوقل ص 315: وجميع أهل قمّ شيعة لا يغادرهم أحد.
11- القمّي المحدّث الشيخ عبّاس: سفينة البحار ج 7 ص 361.