أدب المجلس
كيف نتواصل مع الناس؟
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس في مجلس يُسبّ فيه إمام، أو يُغتاب فيه مسلم"
عدد الزوار: 329
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾1.
اهتمّ الإسلام بمجالس الناس، فدعا إلى بعضها، ونهى عن بعضها الآخر، ورسم لها آدابًا وسُننًا.
المجالس التي نهى الإسلام عنها
نهى الإسلام عن اختيار بعض المجالس، والاستمرار في القعود فيها، من هذه المجالس:
1- مجالس الاستهزاء بالمقدّسات
قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾2.
2- مجالس الغيبة
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس في مجلس يُسبّ فيه إمام، أو يُغتاب فيه مسلم"3.
3- مجالس الخمر
عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا تجلسوا على مائدة يُشرب عليها الخمر, فإنّ العبد لا يدري متى يؤخذ"4.
4- مجالس البطّالين
في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام المعروف بدعاء أبي حمزة الثماليّ تمَّ طرحُ حالة سلبيّة تعترض المؤمن مع ذكر أسبابها، أمّا الحالة، فهي ما طرح في قوله عليه السلام: "ما لي كلّما قلت قد صلحت سريرتي، وقرب من مجالس التوّابين مجلسي، عرضت لي بليّة أزالت قدمي، وحالت بيني وبين خدمتك"5.
وعن أسباب تلك الحالة يورد الإمام زين العابدين عليه السلام السبب الآتي: "...لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين، فبيني وبينهم خلّيتني"6.
والبطّال هو الذي لا يعمل مع قدرته على العمل، وقد ورد ذمّه في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله يبغض العبد البطّال، ويحبّ المؤمن المحترف .. ما أكل أحد طعامًا قطّ خيرًا من عمل يده"7.
وورد عن الإمام الباقر عليه السلام "أنَّ نبيّ الله موسى عليه السلام سأل ربَّه: أيّ عبادك أبغض إليك؟ قال: جيفة بالليل، بطّال بالنهار"8.
المجالس التي دعا الإسلام إليها
دعا الإسلام إلى المشاركة في مجالس ذكر الله تعالى، وذكر أنبيائه وأوليائه، ومن تلك الأحاديث الداعية إلى ذلك:
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ارتعوا في رياض الجنّة، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: مجالس الذكر"9.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما قعد عدّة من أهل الأرض يذكرون الله إلاّ قعد معهم عدّة من الملائكة"10.
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لصاحبه: "يا فضيل، تجلسون وتحدَّثون؟ قال: نعم، جُعلت فداك، قال عليه السلام: إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا"11.
آداب المجالس
اهتمّت النصوص الإسلاميّة بتوضيح تفصيليّ لآداب المجلس الذي يدخله المسلم، وهذا ما يظهر من خلال عرض الآداب الآتية:
1- قبل المجلس
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾12.
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ابدأوا بالسلام قبل الكلام"13.
2- مكان الجلوس
فصّلت الأحاديث في المكان الذي يختاره الإنسان للجلوس حينما يدخل أحدَ المجالس، وذلك في صورتين:
الأولى: أنْ يُخصَّص له مجلس ويُدعى إليه، فإنّ الأولى أن لا يردّ الدعوة، باعتبار أنّ هذا يدخل في تلبية إكرام الأخ الذي دعاه، وقد يكون ذلك من باب كون المكان الذي دُعي للجلوس فيه مناسبًا أكثر من غيره لجهة عدم المواجهة لاتجاهات في المنزل لا يحسن النظر إليها، كأن يكون فيها نساء صاحب المنزل.
الثانية: إنْ لم يُدعَ للجلوس في مكان خاصّ، فإنّ الأولى أن يختار المكان الذي ينتهي به المجلس، بغضّ النظر عن موقعه، بحيث يكون ذلك المكان فيه فسحة له وللآخرين.
وفي ما مرّ ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أخذ القوم مجالسهم، فإنْ دعا رجل أخاه، وأوسع له في مجلسه فليأته، فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه، وإن لم يوسع له أحد، فلينظر أوسع مكانٍ يجده فيجلس"14. وفي حديث نبويّ آخر: "إذا أتى أحدكم مجلسًا، فليجلس حيث ما انتهى مجلسه"15.
وفي المقابل دعا الله تعالى الحاضرين إلى الإفساح في المجالس للقادمين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾16.
كما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ من آداب لقاء من يريد الجلوس التزحزح له، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ حقّ المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له"17.
3- كيفيّة الجلوس
دعت الأحاديث الشريفة إلى كون الجلوس لائقًا، يتناسب مع احترام الحاضرين، ففي أوصاف النبيّ الأسوة: "ما رُئي مقدِّمًا رجله بين يدي جليس له قطّ"18. وفي أوصاف الإمام الرضا القدوة: "ما رأيته... مدّ رجليه بين يدي جليس له قطّ، ولا اتكى بين يدي جليس له قطّ"19.
4- عدم التناجي
نبّهت بعض الروايات إلى عادةٍ سلبيّة قد تؤذي الجالس، وهي التناجي سرًّا بين اثنين دون أن يسمعهما الثالث، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كان القوم ثلاثة، فلا يتناجى منهم اثنان دون صاحبهما, فإنّ في ذلك ما يحزنه ويؤذيه"20.
5- أمانة المجلس
أكّدت بعض الأحاديث على حفظ ما يكون في المجلس باعتباره أمانة، وإفشاؤه خيانة، فعن النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: "المجالس بالأمانة، وإفشاؤك سرّ أخيك خيانة، فاجتنب ذلك"21.
* كتاب كيف نتواصل مع الناس؟، سماحة الشيخ أكرم بركات.
1- سورة المجادلة، الآية 11.
2- سورة النساء، الآية 140.
3- الأهوازي، الحسين، كتاب المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ط1 قم، 1404هـ، ص70.
4- الصدوق، الخصال، ص619.
5- الطوسي، محمد، مصباح المتهجّد، ط1، بيروت، مؤسّسة فقه الشيعة، 1411هـ، ص 588.
6- المصدر السابق نفسه.
7- مغنيّة، محمّد جواد، التفسير الكاشف، ط2، بيروت، دار العلم للملايين، 1987م، ج2، ص 321.
8- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج13، ص 354.
9- الحلي، ابن فهد، عدّة الداعي، (لا،ط)، مكتبة وجداني، قم، (لا،ت)، ص238.
10- المصدر السابق نفسه.
11- البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، ج10، ص 398-399.
12- سورة النور، الآية 27.
13- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج2، ص644.
14- الطوسي، الأمالي، ص393.
15- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج16، ص 240.
16- سورة المجادلة، الآية 11.
17- الطبرسي، الحسن، مكارم الأخلاق، ط6، منشورات الشريف الرضي، (لا، م)، 1972م، ص25.
18- الطبرسي، الحسن، مكارم الأخلاق، ص23.
19- الصدوق، محمّد، عيون أخبار الرضا، (لا،ط)، مؤسسة الأعلميّ، بيروت، 1984م، ج1، ص197.
20- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج2، ص660.
21- الطوسي، محمّد، الأمالي، ص537.