يتم التحميل...

الصدقة

كيف نتواصل مع الناس؟

صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومًا من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال:

عدد الزوار: 449
 

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ1.

قصّة الآية

ورد في مورد نزول هذه الآية عن أبي ذرّ رضي الله عنه: "صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومًا من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهمَّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعطني أحد شيئًا ، وكان عليٌّ عليه السلام راكعًا، فأومأ إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختّم فيها, فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء، وقال: اللهمّ موسى سألك فقال: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي2: فأنزلْتَ عليه قرآنًا ناطقًا: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ3. اللهمَّ، وأنا محمّد نبيُّك وصفيُّك، اللهمَّ، واشرح لي صدري, ويسِّر لي أمري ، واجعل لي وزيرًا من أهلي عليًّا اشدد به ظهري.

قال أبو ذرّ: فما استتمَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلمة حتّى نزل عليه جبرئيل عليه السلام من عند الله تعالى: فقال: يا محمّد, اقرأ. قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ4"5.

فضل الصدقة

قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ6.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خُلَّتان لا أحبّ أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي, فإنّه من صلاتي، وصدقتي, فإنّها من يدي إلى يد السائل, فإنّها تقع في يد الرحمن"7.

والصدقة على نوعين: صدقة سرّ وصدقة علانية, وقد ذكر الله تعالى هذين النوعين بقوله: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ8.

صدقة العلن

عن الإمام الصادق عليه السلام: "صدقة العلانية تدفع سبعين نوعًا من أنواع البلاء"9، وورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "...صدقة العلانية, فإنّها تدفع ميتة السوء"10.

صدقة السرّ

عن الإمام الصادق عليه السلام: "صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ"11.

وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "سبعة في ظلِّ عرش الله عزّ وجلّ يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه...رجل تصدّق بيمينه، فأخفاه عن شماله"12.

وورد أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان يخرج في الليلة الظلماء, فيحمل الجراب على ظهره حتّى يأتي بابًا فيقرعه, ثمّ يناول من كان يخرج إليه, وكان يغطّي وجهه لئّلا يُعرَف.

آثار الصدقة

1- تدفع البلاء: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصدقة تمنع سبعين نوعًا من أنواع البلاء"13.
2- تدفع القضاء: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصدقة ...تدفع القضاء وقد أُبرم إبرامًا"14.

3- تزيد العمر: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "تصدّقوا, وداووا مرضاكم بالصدقة, فإنّ الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض, وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم"15.
4- تدفع ميتة السوء: عن الإمام الباقر عليه السلام: "البرّ والصدقة ينفيان الفقر, ويزيدان في العمر, ويدفعان سبعين ميتة سوء"16.

5- تجلب الرزق: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا أملقتم، فتاجروا الله بالصدقة"17.
6- تبرِّد القبر: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الصدقة لتطفىء عن أهلها حرّ القبور"18.

7- تُظلُّ المتصدّق يوم القيامة: عن الإمام الصادق عليه السلام: "أرض القيامة نار ما خلا ظلِّ المؤمن, فإنَّ صدقته تظلّه"19.

على من نتصدَّق؟

1- الرحم, فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صدقة وذو رحم محتاج"20, وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الصدقة على أختك وابنتك"21.

2- المحتاج, فعن الإمام الصادق عليه السلام: "أفضل الصدقة إبراد الكبد الحرّى"22.

3- المتعفِّف, قال تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ* لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ23.

الإقراض

تلبية لحاجة الآخر, وصوناً لتعفّفه, وحثّاً له على العمل كان هناك عمل أفضل من الصدقة هو الإقراض, فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رأيت ليلة أُسري بي على باب الجنّة مكتوبًا: الصدقة بعشر أمثالها, والقرض بثمانية عشر, فقلت: يا جبريل, ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لأنّ السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلاّ من حاجة"24.

تأمين فُرص العمل

ومن روحيَّة تفضيل الإقراض على الصدقة, وكذا من الفضل الكبير لقضاء حوائج الناس، تأتي أهميّة وفضل وقيمة تأمين فُرص العمل للمحتاجين، والذين يسعون للكدّ على عيالهم, فيكون سعيهم كالجهاد في
سبيل الله تعالى, أليس "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله"25؟, فمن يؤمِّن فرصة عمل لهذا الكادّ، فهو كمن يسعى لتحقيق عمل جهاديّ في سبيل الله. فمن كان عنده مؤسّسة تجارية, فعليه أن ينوي القربة في تأمين فرص عمل الناس فيها.

وعندها يمكن له حينما يحتسب أرباحه السنويّة أن يلتفت إلى هذا الربح المعنويّ الكبير في قضاء حوائج هؤلاء.

* كتاب كيف نتواصل مع الناس؟، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1- سورة المائدة، الآية 55.
2- سورة طه, الآيات 25-32.
3- سورة القصص, الآية 35.
4- سورة المائدة, الآية 55.
5- الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، ج6، ص21.
6- سورة التوبة، الآية 104.
7- المجلسيّ, محمّد باقر، بحار الأنوار, ج77, ص 329.
8- سورة البقرة، الآية 271.
9- البروجرديّ، حسين، جامع أحاديث الشيعة، ج8، ص 433.
10- الواسطيّ، عليّ، عيون الحكم والمواعظ، ص 304.
11- المجلسيّ, محمّد باقر، بحار الأنوار, ج71, ص 82.
12- المصدر السابق, ج81, ص 2.
13- الريشهريّ، محمّد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1595.
14- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج91، ص 137.
15- الريشهريّ، محمّد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1595
16- المجلسيّ, محمّد باقر، بحار الأنوار, ج93, ص 119.
17- ابن أبي طالب، الإمام عليّ، نهج البلاغة، ج4، ص 57.
18- الريشهريّ، محمّد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1594
19- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج4، ص 3.
20- المجلسيّ, محمّد باقر، بحار الأنوار, ج93, ص 147.
21- الطبرسيّ، حسين, مستدرك الوسائل, ج7, ص 194.
22- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص 172.
23- سورة البقرة، الآيتان 272- 273.
24- الريشهريّ, محمّد, ميزان الحكمة, ج3, ص 2549.
25- الحليّ, الحسن، تحرير الأحكام، تحقيق إبراهيم البهادريّ، ط1، قم، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، 1420هـ، ج2, ص 247.

2014-03-03