يتم التحميل...

معايير الحق والباطل

ربيع1

قال عبد الله بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النَعل؟فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السلام: "والله لَهيَ أحبُّ إليَّ من إمرتكم إلاّ أن أُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً".

عدد الزوار: 59

نور الأسبوع: معايير الحق والباطل


قال عبد الله بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النَعل؟

فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السلام: "والله لَهيَ أحبُّ إليَّ من إمرتكم إلاّ أن أُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً".

في الوقت الذي يسعى فيه الكثيرون للوصول إلى أعلى المقامات في الدنيا، والنيل من زخارفها ومباهجها، ولا يبالون في الوصول إلى هذه الأهداف حتى ولو كانت على دماء الأبرياء، وإتباع الشيطان، وظلم الناس يَرى إمام الحق والعدالة الإنسانية أنّ ذلك كلَّه لا يساوي شيء في مقابل إقامة الحق ودفع الباطل.

إنّه علي بن أبي طالب الذي ما أن يُذكر اسمه إلاّ ويقترن بأقدس العناوين والتي منها الحق والعدل والزهد والورع وعدم الإغترار بالدنيا ومافيها.

إنّه الإمام العظيم الذي لم يكن ليسلب نملةً جُلب شعيرة حتى ولو كان الثمن أن يُعطى الأقاليم السبعة بقوله (عليه السلام): "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جُلب شعيرةٍ ما فعلت، وإنّ دنياكم لأهون عليَّ من ورقةٍ في فم جرادة، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذةٍ تبقى".

بين الحقّ والباطل:

يتحمّل الإنسان المؤمن المسؤولية الكبرى في الوقوف إلى جانب الحق في مواجهة الباطل، وعند تشخيص الحقّ من الباطل لا يجوز لأيٍ كان التذرع بأيّ حجّة لعدم نصرة الحق؛ ولذا يوصي الإمام علي (عليه السلام) أبا ذر بقوله: "يا أبا ذرّ: لا يؤنِسَنَّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنّك إلا الباطل".

ولأن الفاصلة قصيرة بين الحق والباطل، يرشدنا الإمام علي (عليه السلام) إلى المسافة بينهما محذراً من الوقوع في الإلتباس نتيجة ذلك بقوله (عليه السلام): " أما إنّه ليس بين الحقّ والباطل إلاّ أربع أصابع..الباطل أن تقول : سمعتُ، والحقّ أن تقول : رأيتُ".

مقياس الحق والباطل:

من القواعد التي أسّس لها أمير المؤمنين (عليه السلام) في معيارية الحق وكيفية التعرّف عليه، هو كونه غير مرتبط بأشخاص، وأنّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بالرجال، ففي معركة الجمل اشتبه الأمر والتبس الحق بالباطل على أحد رجال علي (عليه السلام) الذي نظر إلى الإمام (عليه السلام) ومعه الحسن والحسين (عليهما السلام)، وجملة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء الصفوة أصحاب الحق، ونظر إلى الجهة المقابلة التي وقف فيها المحاربون للإمام (عليه السلام)، فرأى فيهم أيضاً أصحاب المنزلة في المجتمع المسلم، فتساءل كيف يكون هؤلاء على باطل؟ حينها وقف هذا الرجل ويدعى الحارث حائراً، لا يدري ماذا يصنع، ولا يستطيع تحديد المعتدي من المُعتدى عليه!!

فتوجه الحارث إلى الإمام (عليه السلام) وقال: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟

فقال (عليه السلام): "يا حارِثُ، إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك، فَحِرْتَ! إنّك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه"؛ فقال الحارث: فإنّي أعتزل...فقال له: "... وإنّك امرؤ ملبوس عليك، إنّ دين الله لا يُعْرف بالرجال، فاعرِف الحقّ تعرف أهله".

المتلوّنون:

ونعني بهم أصحاب المواقف المتزلزلة والذين لا يدور الأمر عندهم مدار الحق والباطل، بل المصالح الشخصية، والمنافع الفردية، ومن الأمراض والابتلاءات في المجتمع هو الأشخاص الذين لا قدرة لهم على الشهادة بالحق، والنُطق به.

يقول صادق أهل البيت (عليه السلام): " اعلموا أنّ الله يبغض من خُلُقُه المتلوّن فلا تزولوا عن الحقّ وأهله، فإنّ من استبدّ بالباطل وأهله هلك وفاتته الدنيا.."

وهذا هو حال أصحاب اللسانين في المجتمع البشري؛ ورد في الحديث أن الله تعالى قال لعيسى (عليه السلام): "يا عيسى ليكن لسانك في السرّ والعلانية لساناً واحداً، وكذلك قلبك، إنّي أحذّرك نفسك، وكفى بك خبيراً، لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا سيفان في غمدٍ واحد، ولا قلبان في صدرٍ واحد"..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

2014-01-31