لوم سيد الشهداء عليه السلام للنّخَب الساكتين على الظلم
عاشوراء في فكر الولي
هذا الحديث الطويل، الذي صدر عن الإمام الحسين عليه السلام في مكة، بالطبع لم يكن مثبتا في المصادر التي راجعتها الأشخاص الذين خاطبهم الإمام به على نحو دقيق ومسلّم، وأين حصل هذا الأمر، إلا أنه مكان الحديث هو مكة،
عدد الزوار: 299
هذا الحديث الطويل، الذي صدر عن الإمام الحسين عليه السلام في مكة، بالطبع لم يكن
مثبتا في المصادر التي راجعتها الأشخاص الذين خاطبهم الإمام به على نحو دقيق ومسلّم،
وأين حصل هذا الأمر، إلا أنه مكان الحديث هو مكة، أو خارج مكة، حيث جمعهم الإمام في
موضع وخاطبهم بهذا الحديث. تحدث معهم الحسين بن علي عليه السلام بنحو صريح وحاسم،
وخلاصة كلامه عليه السلام : إن أساس شقاء (ظلال) الناس هو أنتم، فأنتم لديكم
المعرفة والاطلاع، ويمكنكم بثّ الوعي بينهم، انتم من لديه النفوذ ويمكنه إيجاد
الحركة بين الناس، انتم أصحاب الوجاهة وباستطاعتكم منع الجهاز الجبار والظالم من
الاستفادة من جاهكم، أنتم من كان باستطاعته الوقوف والدفاع عن حقوق الضعفاء
والمستضعفين والمحرومين، ولكنكم ما فعلتم.
هذا الخطاب - اليوم- هو لكل أصحاب النفوذ في العالم الإسلامي، الخطاب الذي تنقله
أمتنا اليوم، شعبنا، ثورتنا، إلى أصحاب الفكر النيّر في العالم، إلى أصحاب النفوذ،
إلى السياسيين، إلى رؤساء البلدان الإسلامية، إلى المفكرين والمصلحين في البلدان
الاسلامية، إلى علماء البلدان الاسلامية، إلى الشعراء، إلى الخطباء المسلمين، (ثورتنا،
شعبنا) اليوم تنقل هذه الرسالة، فهؤلاء(النخب وأصحاب النفوذ) كان عليهم القيام
والنهوض، وإن عامة الناس غير مطلعين، وليس لديهم- مع بداية النهضة والثورة- الجرأة
والاندفاع، وجمهور الناس وعامتهم لا يدركون أنه يمكن القيام والثورة. ففي البلدان
الإسلامية وفي عالم الإسلام، يتحمل القادة والمسؤولون مسؤولية التحدث (إلى الناس)،
وإن الرواد والطليعة هم من عليهم تشجيع الناس، وإن أصحاب النفوذ وأهل القلم والبيان
(أهل العلم) هم من يجب عليهم تعريف الناس بوظائفهم.
هذا العمل الذي حصلت تجربته في بلدنا، حيث قام الخطباء والعلماء وأهل القدوة
والريادة، والقادة والمسؤولون، والمفكرون الملتزمون والعلماء المجاهدون بإرشاد
الناس وتوعيتهم، ومتى ما أصبح الشعب على دراية ومعرفة بالقضية، تحرك هذا السيل
العظيم المهيب، ولم يعد الوقوف بوجه الشعب مجديا، يمكن القضاء على ألف عالم ومفكر،
إلا أنه لا يمكن القضاء على ملايين الناس، وهنا انكسر الظلم، وهنا تحطمت أركانه
وتلاشت.
إذاً، إن تكليف استنهاض الناس والسير بهذا السّيل المتدفق واستثارة هذا البحر
العظيم من القوى الإنسانية هو على عهدة النخبة، وإن خطاب الإمام الحسين عليه السلام
في هذا الحديث هو لتلك النخبة في عصره، وتكلم معهم بهذه الكلمات.
من جملة كلماته في هذا الخطاب العظيم، والذي نُقل في كتاب "تحف العقول": "فأما حق
الضعفاء فضيعتم وأما حقّكم بزعمكم فطلبتم" .
أنتم تسعون وراء مقامكم، وراء حقوقكم، وامتيازاتكم وشؤوناتكم، فقد تواضعتم، وتذللتم
(تصاغرتم) حتى توصلوا أنفسكم إلى ذلك الشيء الذي تظنون أنه حقكم، لكنكم غفلتم عن
الناس، تركتم حق الناس وتركتم الناس المستضعفين والفقراء والمحرومين والمظلومين
لشأنهم ولحالهم.
ويشير في مكان آخر من كلامه العجيب والمزلزل إلى ضعف هؤلاء النخب، (فقد خاطبهم):
أنتم غير مستعدّين للتنازل والتخلي عن أي شيء، لا عن أرواحكم، ولا عن أموالكم، ولا
عن وجاهتكم وماء وجهكم، لستم حاضرين لأخذ أي موقف ( ولو عبسة واحدة)، لستم مستعدين
لتلقي صفعة واحدة في سبيل إحقاق حقوق الضعفاء، "فلا مالاً بذلتموه"، "ولا نفساً
خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله".
لستم مستعدين لأن تغضبوا في وجه عشيرتكم وبطانتكم إن انحرفوا عن جادة السبيل ولستم
مستعدّين لأن تعادوهم.
يبين الإمام الحسين عليه السلام مدى لامبالاة وعدم اكتراث هؤلاء إزاء القيم
الحقيقية ودين الله، إلا أنهم فيما يتعلق بأمورهم الشخصية هم حاسمون متعصبون.
"وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون"
ترون (هؤلاء) ينقضون العهود والمواثيق الإلهية، وانتم ساكتون، لا تقولون شيئا
وتخافون من اتخاذ الموقف وإبداء الرأي.
كيف يُنقض عهد الله؟: ينقض عهد الله عندما يُجعل الجبارون على رأس الأعمال، فيضيعون
حقوق الناس، لا يعلمون - أساساً- بوظائف الوالي والحاكم، ويعتبرون أنفسهم أصحاب
حقوق وامتيازات، ويعتبرون الناس خدماً وعبيداً لهم. هكذا يُنقض عهد الله ويحطّم.
"وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون"
أنتم غير مبالين إلى الحد الذي لو وجدتم أن تعصبكم الجاهلي وذمم آبائكم وأجدادكم في
معرض الزوال، لصرختم ورفعتم النداء.
"وذمة رسول الله صلى الله عليه وآله محقورة والعمي والبُكم والزمنى في المدائن
مهملة".
قضوا على عهود النبي صلى الله عليه وآله وكسروها، والرعية المستضعفة والمقعدة في
أنحاء البلاد الإسلامية متروكة مهملة لا أحد لها. تُرِك الفقراء لحالهم ومصيرهم، لا
أحد يدافع عن حقوقهم، أنتم تركتم كل ذلك، ولا تقومون بأي عمل لأجلهم. وأنتم غير
مبالين أمام هذا الظلم الكبير الذي ينتشر في هذا العالم.
"لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون ولا من عمل فيها تعينون وبالإدهان والمصانعة
عند الظلمة تأمنون" .
لا ترحمون أنفسكم، ولا تعملون بتلك المنزلة والشأن الذي أعطي لكم، ولا تساعدون من
أراد النهوض والثورة. وتوقّعون على صحة أعمالكم بتملقكم للظلمة وممالأتكم لأصحاب
السلطة والمال والمتغطرسين.
وهذا الوضع نفسه اليوم الذي عليه بعض رؤساء البلدان الإسلامية المستضعفة أمام
الولايات المتحدة الأميركية، أمام القوى الدولية، يعمل المتجبرون على تخويفهم،
وهؤلاء (الرؤساء المداهنون) ليسوا مستعدين للإتيان بأي حركة في مواجهة الظلم والقهر
الذي ابتلي به هذا العالم، وكذلك الأمر بالنسبة للعلماء والمفكرين والشعراء
والخطباء في العالم الإسلامي الذين يرون هذا الوضع ويضربون على أفواههم بختم السكوت
ولا يأتون بحركة، هذا الدرس خطاب لهم .
* من كتاب (دروس من عاشوراء)، للإمام السيد علي الخامنئي دام ظله -يصدر قريباً-. 2013-11-18