عاشوراء، جهاد العدو والنفس
عاشوراء في فكر الولي
ما حدث مع الإمام الحسين عليه السلام هو جمع لهذين الأمرين، بمعنى انه نجد أن الجهاد ضد العدو وجهاد النفس يتجليان في أعلى مراتبهما في واقعة عاشوراء، أي أن الله تعالى يعلم ان هذه الحادثة ستقع وينبغي أن يظهر نموذجها الرفيع،
عدد الزوار: 222
ما حدث مع الإمام الحسين عليه السلام هو جمع لهذين الأمرين، بمعنى انه نجد أن
الجهاد ضد العدو وجهاد النفس يتجليان في أعلى مراتبهما في واقعة عاشوراء، أي أن
الله تعالى يعلم ان هذه الحادثة ستقع وينبغي أن يظهر نموذجها الرفيع، ويصبح هذا
النموذج السامي قدوة، كما يحدث – مثلا- في البلدان مع الأبطال الذين يبرزون في لعبة
رياضية، ويصبح البطل محفزا لغيره في هذه الرياضة. بالطبع هذا مثال لتقريب الفكرة
إلى الأذهان.
ما جرى في كربلاء حركة جهادية عظيمة على كلتي الجبهتين:
- جبهة مواجهة العدو الخارجي الذي هو جهاز
الخلافة الفاسد نفسه وطلاب الدنيا الملحقين بجهاز السلطة، تلك السلطة التي استخدمها
الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله لنجاة البشرية، لكن هؤلاء قد اختاروا السير عكس
الاتجاه الذي رسمه الاسلام والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله،
- والجبهة الداخلية، حيث كانت حركة المجتمع في
ذلك اليوم أيضاً تسير بشكل عام نحو الفساد الداخلي،
النقطة الثانية والّتي هي الأهمّ: فقد مرّ
مقطعٌ من الزمن، طويت خلاله مرحلة الشدائد الأولى للدعوة. فحدثت الفتوحات، وتمّ
الحصول على الغنائم، واتّسع نطاق الدولة، وتمّ القضاء على أعداء الخارج هنا وهناك،
وتدفقت الغنائم الوفيرة إلى داخل البلاد، وأثرت جماعة وأضحت من أصحاب المال وطبقة
الأثرياء، أي أنّه بعد أن حارب الإسلام هذه الطبقة وقلعه، عادت وتشكّلت طبقة جديدة
منها في العالم الإسلاميّ. ودخلت عناصر باسم الإسلام وبعناوين إسلامية- ابن الصحابيّ
الفلاني وابن هذا التابع وهذا المقرّب للنبيّ- في أعمال غير لائقة وغير مناسبة. وقد
سجّل التاريخ أسماء بعض هؤلاء. فقد ظهر أشخاص وضعوا لبناتهم مهورا فاحشة - مليون
درهم- بدل أن يكون مهر السنّة – 480 درهماً - الّذي جعله النبيّ الأكرم (صلى الله
عليه وآله) وأمير المؤمنين عليه السلام ومسلمو صدر الإسلام الأوائل (الأولون). من
هم هؤلاء؟ هم أولاد صحابة أجلّاء كمصعب بن الزبير، وأمثاله.
عندما نقول فساد الجهاز (السلطة) من الداخل، فهذا هو معناه: ظهور أفراد في المجتمع
ينقلون أمراضهم الأخلاقيّة المعدية والمهلكة ـ الدنيوية والشهوانية ـ تدريجياً إلى
باقي أفراد المجتمع. في مثل هذه الحالة، من هو صاحب القلب والمبادرة والروية الذي
سيمضي لمواجهة جهاز يزيد بن معاوية؟! هل سيحدث مثل هذا الأمر حينها؟ فمن هو الّذي
كان يفكّر بمواجهة الجهاز اليزيديّ الظالم والمفسد في ذلك الزمان؟
في مثل تلك الأوضاع حدثت النهضة الحسينية العظيمة، الّتي واجهت العدوّ مثلما واجهت
روحيّة السعي للراحة والرضا بالفساد المهلك المنتشرة بين المسلمين العاديين
وعامّتهم. وهذا أمرٌ مهمٌّ.
بمعنى أنّ الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام قام بعمل
أيقظ وجدان الناس. لذلك نرى أنه بعد شهادته، توالت الثورات الإسلامية
الواحدة تلو الأخرى، والّتي تمّ القضاء عليها. إلا أنه ليس مهمّاً أن يجري إخماد
هذه الثورات من قبل العدوّ، وإن كان ذلك مرّاً بالطبع، ولكن ما هو أكثر مرارة منه
أن يصل المجتمع إلى حدّ لا يُظهر فيه أيّة ردّة فعل مقابل العدو، هذا هو الخطر
الكبير.
لقد قام الإمام الحسين بن علي عليه السلام بعملٍ، أدّى إلى ظهور أشخاصٍ في مختلف
عهود الحكومات الطاغوتية التي تلت- مع أنّهم كانوا أكثر بعداً عن عصر صدر الإسلام -
كانت لديهم الإرادة والعزم على مواجهة أجهزة الظلم والفساد أكثر من عصر الإمام
الحسن المجتبى عليه السلام. كان يُقضى عليهم جميعاً. بدءاً من نهضة أهل المدينة
المعروفة بواقعة "الحرّة"، إلى الأحداث اللاحقة وقضايا التوّابين والمختار إلى عصر
بني أمية وبني العبّاس، التي حصلت وقامت داخل المجتمعات بشكل متتالي. فمن هو الّذي
أوجد مثل هذه الثورات؟ إنّه الحسين بن علي عليه السلام. فلو لم يثر الإمام الحسين
هل كانت لتتبدّل روحية الخمول والتهرّب من المسؤولية إلى روحيّة مواجهةٍ للظلم
وتحمّل المسؤولية؟ لماذا نقول إنّ روحيّة تحملّ المسؤولية كانت قد ماتت؟ بدليل أنّ
الإمام الحسين عليه السلام قد ذهب إلى مكة تاركاً المدينة، الّتي كانت مهد الرجال
العظام في الإسلام. فأبناء كبار الصحابة: إبن عبّاس، ابن الزبير، ابن عمر وأبناء
خلفاء صدر الإسلام كانوا قد اجتمعوا كلّهم في المدينة، ولم يكن أيّ واحد منهم حاضراً
أو مستعدّاً لمساعدة الإمام الحسين عليه السلام في هذه الحركة الثورية والتاريخيّة.
فإلى ما قبل ثورة الإمام الحسين عليه السلام، لم يكن الخواصّ على استعداد للنهوض
والحركة، لكن بعد ثورة الإمام عليه السلام عادت الحياة إلى هذه الروحيّة.
* من كتاب دروس من عاشوراء، للإمام السيد علي الخامنئي دام ظله-يصدر قريباً-.
2013-11-13