عاشــوراء
إضاءات عاشورائية
وهو يوم العاشر من محرم يوم استشهاد الحسين وأبنائه وأصحابه في كربلاء. كان يوم العاشر من المحرم في الجاهلية عند العرب من الأعياد الكبيرة وكانوا يصومونه. وكان عيد تفاخر وفرح واحتفال، يرتدون فيه أفخر ثيابهم ويتخضّبون وينشرون الزينة.
عدد الزوار: 112
وهو يوم العاشر من محرم يوم استشهاد الحسين وأبنائه وأصحابه في كربلاء. كان يوم
العاشر من المحرم في الجاهلية عند العرب من الأعياد الكبيرة وكانوا يصومونه. وكان
عيد تفاخر وفرح واحتفال، يرتدون فيه أفخر ثيابهم ويتخضّبون وينشرون الزينة. ولما
شرع الإسلام صوم شهر رمضان نسخ صوم ذلك اليوم. وقيل أن سبب تسميته بعاشوراء يعود
إلى أن الله كرّم في هذا اليوم عشرة أنبياء (حياة الإمام الحسين 179:3، نقلاً عن "الأنوار
الحسينية").
يعتبر هذا اليوم لدى الشيعة يوم حزن وعزاء على استشهاد الحسين عليه السلام الذي يعد
أكبر مصيبة وقعت على آل الرسول، وفرح فيه أعداء الإسلام وأهل البيت، وصار يوم مأتم
ومواساة لشيعة آل الرسول يبكون فيه قتلى هذا اليوم. قال الإمام جعفر بن محمد الصادق
عليه السلام: "وأما يوم عاشوراء فيوم أُصيب فيه الحسين عليه السلام صريعاً بين
أصحابه وأصحابه حوله صرعى عراة" (بحار الأنوار 45-95).
وقال الإمام الرضا عليه السلام: "من كان عاشوراء يوم مصيبته وبكائه جعل الله عز
وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره" (بحار الأنوار 284:44، وسائل الشيعة 394:10).
وجاء في زيارة عاشوراء: "اللهم هذا يوم تبرّكت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد".
دأب أئمّة الشيعة على إحياء ذكرى هذا اليوم، حيث يقيمون فيه المآتم ويبكون على مصرع
أبي عبدالله عليه السلام، ويزورونه فيه ويحثّون شيعتهم على زيارته، وكان يوم حزن
لهم، ومن جملة الآداب المتعارفة في مثل هذا اليوم اجتناب اللذّات، والكفّ عن العمل،
والحزن والبكاء، وعدم الأكل والشرب حتى الظهر، وعدم ادخار شيء للدار، وإظهار الحزن
والأسى وما إلى ذلك (وسائل الشيعة 394:10، سفينة البحار196:2).
لم تكن الظروف في العهدين الأموي والعبّاسي تسمح بإقامة شعائر العزاء بشكل علني
وواسع على الحسين. ولكن حينما توفرت الظروف المناسبة كان الشيعة يقيمون شعائر
العزاء بأبهى صورة ممكنة، وذكرت كتب التاريخ أن معزّ الدولة الديلمي ألزم أهل بغداد
النوح وإقامة المأتم على الحسين عليه السلام وأمر بغلق الأبواب وعلّقت عليها
المسموح ومنع الطباخين من الأطعمة وأن تخرج النساء بثياب سوداء ويندبن الحسين،
واستمر هذا لعدّة سنوات ولم يستطع السنة منعه لأن الحكومة كانت بيد الشيعة (سفينة
البحار 2: 196).
اعتبرت واقعة عاشوراء منذ عدّة قرون مضت رمزاً ليوم صراع الحق والباطل، ورمزاً ليوم
الفداء والتضحية في سبيل الدين، ففي هذا اليوم واجه الإمام الحسين بن علي عليهما
السلام بفئة قليلة ولكن مؤمنة وصابرة وتتحلى بالعزّة والصلابة والعظمة جيش حكومة
يزيد على كثرة عدده وكمال عدته، ولكنه كان مجرداً من الدين والرأفة، وجعل من كربلاء
ساحة للبطولة والحرية، ومع أن يوم عاشوراء كان يوماً واحداً من الصراع إلاّ أنّ
نطاق تأثيره امتد إلى الأبد، ودخل في أعماق الضمائر والقلوب حتّى صارت العشرة
الأولى من محرم وخاصة اليوم العاشر منه فرصة تبرز فيها ذروة المحبة والولاء لعلم
الحرية، وأسوة الجهاد والشهادة الحسين بن علي عليهما السلام، حتى أن غير الشيعة
يبجّلون سمو أرواح أولئك الرجال العظام.
عاشوراء يعكس معنى "حسين مني وأنا من حسين" إذ أن دين رسول الله سقته وأحيته
دماء الحسين. أو كما عبّر أحد العلماء عن هذه الحقيقة بقوله: "… كان يوم عاشوراء
يوم ثورة عدد قليل من دعاة العدالة المؤمنين ضد الجائرين من أصحاب القصور
والمتسلّطين …"(صحيفة النور 75:9)، وقوله: "لولا عاشوراء لساد منطق جاهلية
أبي سفيان ومن هو على شاكلته ممّن كانوا يستهدفون القضاء على أي وجود للوحي والقرآن،
وكان يزيد تذكار عصر عبادة الأصنام المقيت يظن أن قتل أبناء الوحي قد يعينه على هدم
صرح الإسلام، وطي صفحة الحكومة الإسلامية بصراحة وبإعلانه (لا خبر جاء ولا وحي نزل)،
ولولا عاشوراء لكان من غير الواضح ما الذي سيحل بالقرآن الكريم والإسلام العزيز"
(صحيفة النور:265:14).
سار الإمام الحسين من مكّة إلى الكوفة بدعوة من أهاليها لكي ينضم إلى الشيعة
الثوريين فيها ويتسلّم زمام قيادتهم بيده، وقبل بلوغ الكوفة حاصره جيش ابن زياد في
كربلاء ولكنه أبى أن يبايع حكومة يزيد الظالمة الغاضبة، فقاتله جيش الكوفة، فقاتل
هو وأصحابه في يوم عاشوراء ببسالة منقطة النظير حتّى قتلوا وهم عطاشى، واقتيد
الباقون من قافلة النور أسرى بيد قوى الظلم وأخذوا إلى الكوفة، وسطّر أصحابه
الإثنان والسبعون أفخر ملحمة في تاريخ البشرية وخلدوا ذكراهم في قلب التاريخ
والضمير البشري. أو كما وصف أحد الكتاب المعاصرين عاشوراء بالقول: "عاشوراء مائدة
روح الإنسان الفسيحة على مدى العصور، وتجسيد لسمو الضمير فيه كمحكمة التاريخ،
وانعكاس لصلابة وشجاعة الإنسان في موضع تجلّي الإيمان، وطواف الدم في إحرام الصيحة،
وتجلي الكعبة في ميقات الدم.
عاشوراء إعادة لقراءة التوراة والإنجيل والزبور في معبد الأقدام، وترتيل آيات
القرآن في ألواح الأبدية، وهو دم الله الجاري في أوردة التنزيل، والحنجرة الدامية
لجبل "حراء" في ذروة الإبلاغ، وصراع جديد بين محمد صلى الله عليه وآله وجاهلية بني
أميّة وشرك قريش، وتجديد لمطلع رجز "بدر" و "حنين"، وانفجار الصلاة في الشهادة
وانفجار الشهادة في الصلاة، وتبلور أبَّهة خلود الحق في خندق حتف الباطل، وناشر
صيحة المظلومين عبر التاريخ، ويد الله الإنسانية
التي تمسح على رؤوس الجياع، ورواق الحماسة القاني في ظلمات الليل والجور، والقلب
النابض لعشاق العدالة في محكمة الإنسانية، ودوي الانتصار في إذن الأمصار، وهو العطش
الذي يصب البحار في محيط الحياة، ورسالة كبرى على عاتق "السبي" الحافل بالحريّة،
عاشوراء كرامة المصلين وعزة المسلمين، وأخيرا فعاشوراء ركن الكعبة وعمود القبلة،
وعماد الأمة وحياة القرآن، وروح الصلاة، وبقاء الحج، وصفاء الصفا والمروة وروح
المشعر ومنى. عاشوراء هدية الإسلام للبشرية والتاريخ.
* موسوعة عاشوراء /المؤلف حجة الإسلام و المسلمين الشيخ جواد محدثي 2013-11-12