يتم التحميل...

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشباب النخبة

2013

كما جرت العادة، فإن اللقاء بكم أيها الشباب الأعزاء جميل جد ومُلهم جداً بالنسبة لي، وباعث في الغالب على خطوات عملية في السياسات والخطط والبرامج. الأمور التي ذكرها الأعزاء في كلماتهم كانت في الغالب ذات عمق وجديرة بالاهتمام.

عدد الزوار: 167

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في الملتقى الوطني السابع للشباب النخبة1_09-10-2013

بسم الله الرحمن الرحيم

كما جرت العادة، فإن اللقاء بكم أيها الشباب الأعزاء جميل جد ومُلهم جداً بالنسبة لي، وباعث في الغالب على خطوات عملية في السياسات والخطط والبرامج. الامور التي ذكرها الأعزاء في كلماتهم كانت في الغالب ذات عمق وجديرة بالاهتمام. لم أسجّل اليوم شيئاً، لأنني قررت أن آخذ الكلمات المكتوبة كلها. وسوف يجمعون في مكتبنا - والأصدقاء يسمعون مني الآن ما أقوله- المقترحات ويفرزونها، فبعضها ضروري لنا وینبغي الاهتمام به، وسوف يجري الاهتمام به إن شاء الله، وبعضها مما يجب التذكير به للمؤسسات والأجهزة المختلفة أو تبليغه لها أو اقتراحه عليها. ذكر الأعزاء بعض النقاط التي تحتاج إلى إيضاحات، أي أن المراد لم يتضح بالنسبة لي. أشار أحد الأعزاء مثلاً إلى ضرورة إعداد خارطة للعلم2، ولم أفهم هل المقصود شيء آخر غير الخارطة العلمية الشاملة التي جرى العمل فيها لفترات طويلة وتم إعدادها كوثيقة وتبليغها؟ وإذا كان المراد شيء آخر غير هذه الخارطة فيجب إيضاحه. قد يكون من اللازم للأعزاء أن يوضّحوا بعض النقاط، وقد تطرح عليهم الأسئلة من مكتبنا ويدونون إجاباتهم وإيضاحاتهم.

أنتم أيها النخبة الأعزاء سواء منكم الحاضرون هنا أو النخبة الكُثُر الموجودون والحمد لله في كل أنحاء البلاد، والذين لم يحضروا لهذه الجلسة لأسباب متعددة، في أي حقل علمي تدرسون وتعملون وتبحثون - سواء العلوم الإنسانية أو العلوم التقنية أو العلوم الأساسية أو العلوم الطبية والعلوم ذات الصلة بالصحة والسلامة، وفي أي مجال وحقل آخر تنشطون - كلكم في الواقع مهندسو التقدم المستقبلي للبلاد. أنتم الذين تخططون وتصممون مستقبل بلادكم ومستقبل إيرانكم العزيزة، وإذا تابعتم هذه المهمة إن شاء الله بعزيمة راسخة وهمّة عالية وعمل دؤوب فسوف تصلون إلى النتائج المنشودة وستصنعون إيران المستقبل.

النقطة التي أود ذكرها لكم هي أن تعلموا أن سياسة "التقدم العلمي ذي السرعة العالية" سياسة أساسية للنظام الإسلامي. لقد توصّلت مجموعة العقول المفكّرة في البلاد إلى نتيجة أن اجتياز الصعاب والمخاطر والمزالق في إيران الإسلامية إذا كان بحاجة إلى اثنين او ثلاثة أركان ومقدمات فإن أحد هذه الأركان هو التقدم العلمي. هذه سياسة بنيوية أساسية تُتابع منذ نحو عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً. وقد عملت الحكومات المختلفة والمسؤولون والعناصر المعنيّة والشباب والنخب أنفسهم في هذا المضمار وبذلوا الجهود، والحمد لله حين يشاهد المرء حصيلة العمل في الوقت الراهن ينبعث في نفسه الأمل والتفاؤل. لقد قلت لكم أيها الشباب مراراً وقلتها للمسؤولين أيضاً وأقولها لكم اليوم أيضاً: لا ريب أن الطاقات الشابة في بلادنا والقدرات الإنسانية في إيران والنخب الإيرانيين قادرون على إيصال بلادهم وشعبهم إلى قمم التقدم الشاملة. هذه المقدرة والطاقة والإمكانية موجودة فيكم. كنا نقول هذا في السابق على أساس أقوال الآخرين وحسب تجاربهم، لكنه تحول تدريجياً إلى تجربة عشناها نحن بأنفسنا. وقد قلت مراراً: أي عمل علمي وتقني، تتوفر بناه التحتية في البلاد اليوم يمكن للإيرانيين والشباب الإيراني والنخب الإيرانيين تنفيذه وإنجازه، ولا يوجد شيء يمكن أن نقول [بشأنه] إن المواهب الإيرانية وشباب النخبة الإيرانيين غير قادرين على إنتاجه وصناعته، إلّا إذا كانت بناه التحتية غير متوفرة في البلاد، وهنا يجب طبعاً توفير هذه البنى التحتية وإيجادها. هذا هو وضع المواهب والطاقات في بلادنا ومستواها. وتقدم البلاد الحقيقي غير متاح من دون التقدم العلمي. وهذا هو السبب في تأكيدنا على أن هذا هو الخطاب الأصلي والسياسة الأصلية في إيران. التقدم الحقيقي لن يتحقق من دون تقدم العلوم.

بعض البلدان قد تنقل ثرواتها الجوفية ونفطها إلى أصحاب الثروة والعلم في العالم ويشترون بضائعهم ومنتجاتهم فتتوفر لديهم مظاهر التقدم، لكن هذا ليس تقدماً. التقدم لا يكون تقدماً إلّا إذا كان ذاتياً ومعتمداً على المواهب (الطاقات) الداخلية للشعب. ووزن البلدان والحكومات والشعوب واعتبارها تابع لهذا التدفق الداخلي. إذا حصلت تحركات وقفزات وتنمية من الداخل فهذا ما يمنح الوزن والاعتبار والأبّهة والقيمة لبلد أو لشعب. أما إذا لم يكن التقدم ذاتياً بل كان مستورداً ومن فعل الآخرين فلن يتحقق الاعتبار والقيمة. في زمن النظام الطاغوتي كان الأجانب والغربيون مستعدون للقيام ببعض الأعمال المتعلقة بالتقنية النووية في إيران، وكانوا مستعدين لإبرام عقود واتفاقيات. مثلاً محطة بوشهر التي حصلنا عليها بعد كل هذه الأعوام من الجهود كان المقرر أن ينشئها الألمان -وقد استلموا الأموال ونهبوها ولم يتحملوا مسؤولية تعهداتهم تلك بعد الثورة- ولنفترض أن البلد الغربي الفلاني كان يريد أن يأتي إلى إيران وينشئ محطة طاقة نووية ويديرها وننتفع نحن من الكهرباء الذي تنتجه هذه المحطة. هذا لا يعدّ وزناً واعتباراً للشعب. الاعتبار والقيمة تحصل للبلاد عندما تصل بنفسها الى قدرات معينة. إذا تحققت هذه القدرات فيكم عندئذ تستطيعون في ظروف متكافئة الانتفاع من قدرات الآخرين، كما سينتفعون هم أيضاً من قدراتكم. وصدق أحد الأصدقاء3 إذ قال إن أي بلد من البلدان لا يستطيع لوحده توفير كل الجوانب والمستويات اللازمة من العلوم والتقنيات، وعليه أن يأخذ بعض الأشياء من الآخرين، لكن هذا الأخذ من الآخرين لا يكون بشكل مدّ الأيدي للآخرين، إنما بشكل معاملات متكافئة ومتوازية، تعطون علماً وتأخذون علماً، وتعطون تقنية وتأخذون تقنية، وتبقون محترمين في العالم. هذه حالة ضرورية ولازمة.

وأقولها لكم أيها الشباب الأعزاء، وأنتم من أبناء الثورة وأبناء النظام الإسلامي: إن الجبهة التي تصطف اليوم مقابل إيران الإسلامية وتمارس عداءها ضد إيران إنما تركّز هجماتها على هذه النقطة، أعني اقتدار إيران وتحولها إلى قدرة. إنهم لا يريدون حصول هذا الشيء. يجب أن تنظروا هذه النظرة العامة دوماً لجميع الأحداث والقضايا السياسية والاقتصادية والدولية والإقليمية المتنوعة ذات الصلة ببلادكم، ولا تنسوها. ثمة جبهة سياسية قوية في العالم اليوم لا تريد أن تتحوّل إيران الإسلامية إلى بلد مقتدر وشعب قوي، وقد كانوا على هذه الشاكلة منذ بداية الثورة. وأنقل لكم أنه في سنة 57 هـ ش (1979م)حين قامت الثورة الإسلامية وأحدثت تلك الضجة الهائلة في العالم، كتب بعض النخب السياسيين الكبار في الغرب - مثل كيسنجر، وهانتينغتون، وجوزيف ناي، وأمثالهم من الوجوه البارزة للنخبة السياسية في أمريكا وأوروبا - كتبوا مقالات في بداية الثورة وعلى مدى فترة من الزمن، كان مضمونها تحذيرات للأجهزة السياسية الغربية والنظام السياسي الغربي والحكومات الغربية من أن هذه الثورة التي وقعت في إيران لا تعني تغيير هيئة حاكمة وحلول هيئة حاكمة محل أخرى، إنما تعني ظهور قوة جديدة في المنطقة التي يسمّونها الشرق الأوسط - وأنا لا أحبّ هذه التسمية أبداً - والتي نسمّيها منطقة غرب آسيا. ثمة قوة جديدة آخذة بالظهور قد لا تضاهي القوى الغربية من حيث التقنية والعلم، لكنها تفوقهم أو هي في مستواهم من حيث النفوذ السياسي والمقدرة على التأثير في الأجواء المحيطة بها، وستخلق لهم التحديات. هذا ما أعلنوه يومها وقرعوا أجراس الخطر.

وهذا يعني أن ظهور مثل هذه القوة - من وجهة نظرهم - معناه انتهاء بساط نفوذ الغرب في هذه المنطقة الحساسة والغنية والاستراتيجية جداً؛ وهذا القطب الموصل[نقطة الوصل] بين ثلاث قارات، وقطب(مركز) النفط والثروة والمعادن المهمة التي يحتاجها البشر، والتي كان الغرب مصرّاً على بقاء هيمنته فيها -هيمنته السياسية والاقتصادية، وهيمنته الثقافية طبعاً- سيخرج من تحت الهيمنة الغربية أو أن تتزلزل هذه الهيمنة على الأقل وتُنْتَقَصْ. هذا ما خمّنوه في ذلك اليوم وكان تخمينهم صحيحاً بالطبع. واليوم بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود تحوّل ذلك الكابوس الذي شاهدوه إلى واقع، بمعنى أن قوة وطنية كبيرة في المنطقة ظهرت ولم تستطيع شتى انواع الضغوط الاقتصادية والأمنية والسياسية والنفسية والإعلامية أن تسقطها، بل على العكس، استطاعت هذه القوة التأثير على شعوب المنطقة وتكريس الثقافة الإسلامية العامة ونشرها، وإشعار شعوب المنطقة بهويتهم.

هذه الأحداث التي وقعت في المنطقة منذ نحو سنتين أحداث مهمة جداً، وترون ما هي ردود أفعال الغربيين اتجاهها. وإن أحداث مصر وأحداث منطقة شمال أفريقيا وأحداث هذا الجانب، تمثل تطورات مهمة جداً. وأن صحوة الشعوب وهي خالية الأيدي، ووقوفها بوجه الإهانات التي فرضها الغرب -وخصوصاً أمريكا- عليها عن طريق عملائهم، حدث كبير جداً، وهو بالطبع حدث لم ينته بعد، وهم يتصورون أنهم قمعوه وكبتوه، لكننا نعتقد أنه لم يقمع، وقد كان منعطفاً تاريخياً تجتازه المنطقة في الوقت الحاضر، ولم يتحدد مصيره على نحو نهائي لحد الآن. وهذا ما يعلمه الغربيون أنفسهم، وهو ما يظهر بشكل أو بآخر في تحليلاتهم، فهم لا زالوا قلقين ولا يدرون ما الذي يحدث في المنطقة. وهذا بفضل نهضة شعب إيران وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبفضل الثورة الإسلامية التي بشّرت بظهور قوة وطنية عميقة مؤمنة صامدة موهوبة متنامية، وسائرة نحو التألق والاقتدار.

حسن، واليوم تصديتم وحملتم على أكتافكم، -أنتم مجموعة النخب في كل أرجاء البلاد، في أي حقل كنتم من حقول العلم والتقنية والبحث العلمي، والواقع أن عدداً كبيراً من الأفراد يشكّلون هذه المنظومة الهائلة التي تنهض بهذه الرسالة التاريخية- أعباء مثل هذا الحدث العظيم والمهمة الخطيرة. المهم أن لا تتوقف مسيرتكم ولا تصاب بالرتابة والسكون في وسط الطريق. وهكذا هو الحال في كل الحركات الاجتماعية والسياسية والعسكرية المهمة، فحينما تنطلق الحركة ويبدأ عمل كبير عظيم طويل الأمد يجب عدم السماح بأن يتوقف. وهذا ما شاهدناه عياناً في فترة الدفاع المقدس وفي ساحات الحرب والاشتباكات العسكرية. حينما تنطلق حركة فإذا لم تتلكّأ وتتعرقل فسوف تنتصر، أما إذا خارت العزائم في وسط الطريق، وتغلغلت الشكوك والتردّد، وعَرَض الكسل، وتراجع العمل، فسيكون عاقبة ذلك الإخفاق والفشل. يجب أن لا تسمحوا بتوقف هذه الحركة العلمية المتسارعة أو ان يتعرقل مسارها.

المعنيّ[المخاطب] بكلامي طبعاً هم كل أطراف القضية4... بما في ذلك أنتم أيها الشباب الأعزاء الذين تعملون وتطلبون العلم وتبحثون وتحققون وتربّون أنفسكم من الداخل، وتنجزون بعض الأحيان أعمالاً مميزة ولافتة -وهذا الكلام الذي قلتموه هنا من هذه الأعمال، وهو ليس بالعمل الفيزيائي الحركي، بل هو عرض أفكار وطرح آراء وسعي للوصول إلى افكار ونظريات أفضل، وهذا من أهم الأعمال شرط أن لا يبقى في حدود الذهنيات(الأفكار) والكلام- أنتم معنيّون بهذا الكلام وكذلك الأجهزة والمؤسسات المختلفة من قبيل وزارة العلوم والتعليم العالي، ووزارة الصحّة والمعاونية العلمية لرئاسة الجمهورية.

المعاونية العلمية لرئيس الجمهورية هذه من القطاعات والمؤسسات المهمة جداً وتتولى عملاً حساساً للغاية - وقد تأسّست هذه المعاونية بإصراري ومتابعتي منذ عدة سنوات - وهناك أيضاً مؤسّسة النخبة. وقد قدم الذين عملوا هناك خدمات حقيقية، مثل السيدة سلطان خواه، والسيد واعظ زاده، ويتولى مسؤولية هذه المعاونية وهذه المؤسسة اليوم السيد ستاري وهو من أبناء الشهداء5. توصيتي للمسؤولين في المعاونية العلمية ومؤسسة النخبة هي أن يتابعوا الأعمال ولا يبدأوها من الصفر. لقد أنجزت أعمال ممتازة، ليعملوا على أساس تلك الأعمال السابقة، وليحاولوا ردم الثغرات وملأ النواقص ورفع نقاط الضعف بعد تشخيصها ومعرفتها، وعدم خسارة أو إفلات نقاط القوة.

وأرى أن أهم عمل يمكن لهاتين الوزارتين وهذه المعاونية أن تقوم به هو أن تركز هممها على تمهيد الأرضية للإبداع العلمي، فالإبداع مهم. يجب عدم توقف تيار الإبداع هذا، كل خطوة يجب أن تمهّد الأرضية لخطوة تالية تأتي بعدها. من أجل أن نستطيع الحفاظ على تيار الإبداع في البلاد لا بدّ من رصد دائم. ليرصد المسؤولون المحترمون في المعاونية العلمية وليتابعوا التيار العلمي في البلاد، وينظروا أين هي مواطن العُقد والعرقلة وما هي المشكلات وحالات عدم التنسيق فيرفعوها. والمجلس الأعلى للثورة الثقافية الذي يخوض في هذه القضايا ضمن حدود واجباته ومسؤولياته يتولى هو أيضاً دوراً مهماً، وهناك أيضاً المعاونية العلمية وهي مؤسسة لجانية للتنسيق بين المؤسسات والأجهزة، وهناك المؤسسات العلمية في البلاد نفسها أي الوزارتين المذكورتين، ومراكز البحث والتحقيق ومختلف مراكز ومؤسسات العلم والتقانة، وهم منفذو المشاريع والأعمال... هؤلاء يجب أن يعملوا كلهم بطريقة منسجمة منسّقة، ويجب رفع حالات عدم التنسيق.

بالطبع ان رشدنا ونموّنا العلمي في الوقت الحاضر جيد جداً بالمقارنة إلى [ما هو موجود] المنطقة وفي المقاييس العالمية. العدد العام [المطلق] لنموّنا جيد، وسرعة نموّنا جيدة جداً، بمعنى أن سرعة التقدم العلمي عالية جداً، لكن هذا ليس ملاكاً، بمعنى أن هذه السرعة يجب أن تبقى ويُحافظ عليها. حقيقة سرعة النمو العلمي لا تعني أننا وصلنا إلى الهدف أو حتى أننا اقتربنا من الهدف، ذلك لأننا كنا متأخّرين جداً. والعالم لا ينتظر حتى نتقدم نحن فيبقى يتفرّج علينا، إنما العالم أيضاً يتقدم باستمرار، وطبعاً سرعتنا أكبر وعلينا الحفاظ على هذه السرعة. إذا جرى الحفاظ على هذه السرعة في النمو العلمي فسيكون هناك أمل أن نصل إلى القمم وإلى الخطوط الأمامية، وتكون بلادنا ومراكزنا العلمية كما قلت مراراً مراجع علمية للعالم. هذا شيء يجب أن يحصل وسوف يحصل إن شاء الله. وطبعاً لا أتصور أنه سيحصل خلال خمسة أعوام أو عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً، لا، لقد ذكرت قبل سنوات أن لكم أن تتصوروا المستقبل ما بعد خمسين عاماً أو أربعين عاماً قادمة حيث سيضطر كل من يريد في العالم أن يطلع على المنجزات العلمية الجديدة إلى إتقان اللغة الفارسية. اعقدوا عزائمكم وهممكم على هذا. اعملوا ما من شأنه أن يحتاج الآخرون في العالم إلى علومكم فيضطرون لإتقان لغتكم ليطلعوا على علومكم. وهذا شيء ممكن ومتاح.

كان المرحوم الدكتور چمران -الشهيد چمران- نخبة علمياً، وقد اشتهر بالحرب والشهادة والبنادق وما إلى ذلك، لكنه كان نخبة علمياً بارزاً، وكان يدرس في واحدة من الجامعات الأمريكية المعروفة، ثم ترك الدراسة وانتقل إلى لبنان ثم عمل مجاهداً في بلاده. وكان يقول لي إن المتميزين من الطراز الأول في الجامعات الأمريكية -وخصوصاً تلك الجامعة التي كان يدرس فيها- معدودون، لكن الإيرانيين هم الأكثر عدداً بينهم. الإيرانيون أعلى مستوى من متوسط المواهب العالمية، وهذا ما سمعناه مرات من أشخاص آخرين، وكما قلت فإن التجارب بدأت تثبت لنا ذلك.

النقطة التي شدّدتُ عليها منذ البداية، ولم تتحقق بشكل كامل لحد الآن هي قضية الارتباط والتكامل بين العلم والصناعة، وبين الجامعات والمصانع، وبين مراكز البحث العلمي والصناعة. وأرى منذ سنوات أن هذه القضية تطرح على ألسن الطلبة الجامعيين والنخبة والمسؤولين. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. لدينا هنا مجموعة علمية، وهناك مجموعة صناعية، والصناعيون متعطشون للحصول على التطورات العلمية وبحوث الجامعات والمراكز والمؤسسات العلمية؛ وهذه المراكز العلمية تحتاج -من أجل أن تواصل تدفقها العلمي- إلى أسواقٍ لاستهلاك علومها. ولا يوجد حالياً بين هذين القطاعين علاقة منطقية تكاملية. إذا استطعنا مدّ الجسور والعلاقات بين الصناعة والجامعة، وبين الصناعة ومراكز البحث العلمي، أو بمعنى أعم بين الصناعة والعلم بشكل كامل فستكون النتيجة نمو مراكزنا الصناعية -سوف يراجعون الجامعات لمعالجة مشكلاتهم وسوف يعالجون مشكلاتهم وينتفعون من التطورات العلمية في عملياتهم الصناعية- وسوف تتقدم جامعاتنا أيضاً، فهي كالسد الذي تم بناؤه لكنه يفتقر إلى شبكات الري، مثل هذا السدّ سيكون طبعاً بدون فائدة. نصف عمل السدّ هو أن نقيم مخزنا تجتمع المياه خلفه، والنصف المهم الثاني هو أن نوجد شبكات مياه وري ليمكن إيصال مياه هذا السد إلى المناطق التي تحتاج للمياه وإلى الأراضي العطشة. هذا ما يجب أن يحصل ويتم. طبعاً يجب على الشركات والمصانع أن ترجع إلى المراكز العلمية أكثر من السابق، وينبغي للمراكز العلمية أن تستعد أكثر من السابق. يجب أن نشهد كل عام مئات المشاريع البحثية في الجامعات والمراكز العلمية بناءً لطلب وتوصية المراكز الصناعية والشركات، والمقصود بالطلبات هنا الطلبات الداخلية طبعاً. ومن النقاط التي تعدّ في رأيي من نقاط الضعف المهمة -وكثيراً ما يشير لها الشباب والأساتذة وغيرهم- هي الأعمال العلمية بطلبات أجنبية، فهي أعمال لا يحتاجها البلد. لا أريد أن أمنع هذا الشيء على نحو العموم، ولكن أن تعملوا هنا عملاً علمياً بحثياً من أجل سدّ حاجة تلك المؤسسة العلمية أو التقنية في العالم، ويشترون حصيلة عملكم بأثمان زهيدة، فهذه ليست ميزة(شطارة). يجب أن تنظروا ما هي الاحتياجات الداخلية. وما هي المواقع الداخلية التي تحتاج لأعمالكم البحثية -خصوصاً على مستوى الدكتوراه وما فوق- وما هي الثغرات التي تردمها بحوثكم وتحقيقاتكم داخل البلد.

وعليه، يجب أن تقوم مسابقة جدية كبيرة في الإبداع [مضمار الإبداع] مباراة بالمعنى الحقيقي للكلمة سواء في العلوم أو في التقانة (التكنولوجيا). في الرسائل الجامعية -وخصوصاً مرحلة الدكتوراه- من الأمور التي يجب حتمياً أخذها بنظر الاعتبار قضية الإبداع والابتكار. يجب الإشارة أين الإبداع هنا، ويكون هذا هو ملاك التقييم ومنح الامتيازات والدرجات. على المؤسسة الوطنية للنخبة أن تعمل بجدّ وتوفر مناخ الحيوية العلمية، فإذا حصل هذا؛ سيتشوّق المتخصّص الإيراني في الخارج للعودة، ويتشوّق الشاب الإيراني الموهوب للبقاء في وطنه ودياره والعمل لخدمة بلاده.

وثمة نقطة أساسية هنا ومهمة هي التقوى والورع. تتضاعف قدرات مجتمع النخبة في البلاد -سواء من الفتيات أو الفتيان والشباب عموماً وأساتذتهم- في ظل التقوى والورع والعفة والتوجّه إلى الله، وستسهَّل تقدمهم وصعودهم. من أكبر الامتيازات التي تمتلكونها هو نقاء الشباب. هذا شيء يبقى مع الإنسان دوماً. ثمة في فترة الشباب نقاء ونور يسهّل استنزال الرحمة الإلهية على الإنسان، وإذا سهّل الله تعالى الطريق على الإنسان ﴿فسنيسّره لليسرى﴾( الليل، 7) أي إذا سهل العمل ومهد الأسباب للإنسان ووفر له المقدمات فسيصل الإنسان إلى أهدافه بسهولة كبيرة. اعرفوا قدر التقوى والعفة والإيمان والنقاء والنور الذي تتحلون به -وهو أرضية المعنوية- واطلبوا من الله تعالى أن يعينكم ويعين بلدكم، لنستطيع إن شاء الله الوصول إلى المحطات التي نتمناها لبلادنا وشعبنا. وأنا بدوري سأدعو لكم الله دوماً إن شاء الله، كما دعوت لكم لحد الآن.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- أقيم الملتقي الوطني للشباب النخبة في إيران في من الثامن من تشرين الأول حتى العاشر منه عام 2013 م.
2- اقتراح السيد محمد حسين نورانيان ( من جامعة نصير الدين الطوسي) بخصوص إنشاء برنامج عملاق لخارطة العلم.
3- اقتراح السيد على رجب پور (عضو الهيئة العلمية في جامعة الإمام الخميني (رض) بقزوين): ملاحظة أن بلد واحد في العالم اليوم لا يستطيع أن يكون متفوقاً في كل الحقول والمجالات العلمية، ويجب علينا في ضوء مزايانا الفعلية والكامنة وبالنظر لظروف وفرص الأسواق العالمية، تشخيص المجالات المهمة التي نستطيع الاستثمار فيها، لنكون متفوقين فيها خلال الأعوام القادمة، وهذه الأفكار مشروحة بشكل جيد في الخارطة العلمية الشاملة للبلاد، وعلى المسؤولين التنفيذيين الاهتمام بالسير على هذا الطريق.
4- أي كل الجهات والهيئات والعاملين في العلم والمعرفة وبيئة العلم والتقدم العلمي.
5- الدكتور سورنا ستاري نجل الشهيد اللواء الطيار منصور ستاري.

2013-10-07