يتم التحميل...

التائبون في مدرسة الحسين عليه السلام

مدرسة عاشوراء

من أحكام الإسلام الحنيف أنّه يحرِّم تنجيس المسجد، وإذا تنجّس فيجب تطهيره فوراً.. لماذا شرَّع الله تعالى هذا الحكم؟والجواب: لأنّه بيّن الله عز وجلّ.

عدد الزوار: 771

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا.

بيت الله

من أحكام الإسلام الحنيف أنّه يحرِّم تنجيس المسجد، وإذا تنجّس فيجب تطهيره فوراً.. لماذا شرَّع الله تعالى هذا الحكم؟

والجواب: لأنّه بيّن الله عز وجلّ.

لكن عند مراجعة الروايات نجدها تتحدّث عن بيتٍ لله هو أولى من المسجد بل أولى من الأرض، إنّه بيت الله الحقيقيّ الذي أخبرنا الله تعالى عنه في الحديث القدسيّ القائل: "لا تسَعُني أرضي ولا سمائي، ولكن يسعُني قلبُ عبديَ المؤمن". وورد أنّ الله تعالى أوحى إلى نبيّه داود عليه السلام:"فرِّغ لي بيتاً أسكن فيه، فقال: يا رب، إنك تجلّ عن المسكن، فأوحى إليه فرِّغ لي قلبك" .
فقلب المؤمن هو بيت الله الحقيقيّ، فإذا كان المسجد يحرُم تنجيسه لأنّه بيت الله الاعتباريّ، فمن بابٍ أولى يحرُم تنجيس قلب المؤمن لأنّه بيت الله الحقيقي، وإذا كان المسجد يجب تطهيره فوراً عند تنجُّسه، فمن باب أولى يجب تطهير قلب المؤمن فوراً لأنّه بيت الله الحقيقي.

والمسجد يتنجّس بالميتة والدم ونحوهما.. والقلب يتنجّس بالذنوب، فقد ورد أنّ قلب الإنسان حينما يولد يكون كالصفحة البيضاء، كلّما أذنب ذنباً طُبع في تلك الصفحة البيضاء نُقطةٌ سوداء، والويل لمن امتلأ قلبه سواداً.. والمسجد يُطهَّر بالماء..

لكن بماذ نُطهِّر قلوبنا؟

يجيب أمير المؤمنين علي عليه السلام عن هذا السؤال بقوله: "التوبة تُطهِّر القلوب وتُغسِّل الذنوب".

مَن التائب وإلى مَن يتوب؟

إنّ ما يدفع الإنسان نحو التوبة إلى الله هو التفاته إلى نفسه.. من هو؟ إنّه العبد المملوك، وإلى من يتوب؟، إلى الله المالك لكلّ شي‏ء..

وعن هذه الإلتفاتة الإنسانيّة تحدث الإمام الحسين عليه السلام مع ذلك الرجل الذي كان يحاول أن يتوب إلى الله، لكنّ هواه يغلبه فيرجعه إلى الذنوب. إلتفت هذا الرجل إلى مرضه فذهب يُفتش عن طبيب لروحه فكان المقصد هو طبيب أهل البيت الإمام الحسين عليه السلام.

تائب في مدرسة الحسين عليه السلام

ونصُّ الرواية أنَّ رجلاً تكرّرت منه المعاصي، وكلّما حاول التوبة غلبته نفسه، إلتفت إلى مرض حلَّ في روحه، فجاء إلى طبيب الروح الإمام الحسين عليه السلام قال له: يا ابن رسول الله، إنّي مسرف على نفسي، فاعرض عليَّ ما يكون لها زاجراً أو مستنقذاً...

قال الحسين عليه السلام:"إنْ قبلت مني خمس خصال فقدرت عليها، لم تَضُرَّك المعصية..".
قال الرجل: جاء الفرج.
قال الحسين عليه السلام:"إذا أردت أن تعصي الله عزَّ وجلّ فلا تأكل رزقه".
قال الرجل: كيف؟ إذاً من أين آكل، وكل ما في الأرض رزقه؟
قال الحسين عليه السلام:"أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه"؟
قال الرجل: لا بأس هاتِ الثانية فربّما كانت فرجاً ومخرجاً.
قال الحسين عليه السلام:"إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً في بلاده".
قال الرجل: يا سبحان الله! هذه أعظم من تلك، فأين أسكن، وله المشرق والمغرب وما بينهما؟
قال الحسين عليه السلام:"يا هذا، أيليق بك أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيَه"؟
قال الرجل: "لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، هاتِ الثالثة، فربّما كانت أهون الثلاث".
قال الحسين عليه السلام:"إذا أردت أن تعصيَه فانظر موضعاً لا يراك فيه، وهناك افعل ما شئت".
قال الرجل: ماذا تقول؟! ولا تخفى على الله خافية.
قال الحسين عليه السلام:"أتأكل رزقه وتسكن بلاده ثم تعصيه، وهو بمرأى منك ومسمع"؟!
قال الرجل: هاتِ الرابعة، وإلى الله المشتكى.
قال الحسين عليه السلام:"إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له أخّرني حتى أتوب".
قال الرجل: لا يقبل منّي ذلك.
قال الحسين عليه السلام:"أكرهه على القبول".
قال الرجل: كيف ولا أملك لنفسي معه شي‏ء؟
قال عليه السلام:"إذا كنت لا تقدر أن تدفعه عنك، فتُب قبل فوات الأوان".
قال الرجل: على أيّ حال بقيت الخامسة فهاتِها.
قال الحسين عليه السلام:"إذا جاء الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى الجحيم فلا تذهب معهم".
فقال الرجل: حسبي حسبي، أستغفر الله وأتوب إليه، ولن يراني بعد اليوم في ما يكره.
عرف هذا الرجل من هو، وإلى من يتوب، فتاب إلى الله تعالى.

معنى التوبة

ونحن - الآن - في ليلة العاشر من المحرَّم، ليلة التوبة إلى الله تعالى، فَحريٌّ بنا أن نعرف معنى التوبة لنتوب إلى الله كما تاب بعض أصحاب الإمام الحسين بن علي عليه السلام.

وعن معنى التوبة يُحدّثنا الإمام علي عليه السلام بقوله: "التوبة ندم بالقلب، واستغفار باللّسان، وترك الجوارح، وإضمارٌ أن لا يعود".

فلكي يتوب الإنسان إلى الله لا بد أن يُحقّق أربعة أركان:
الأوّل: أن يشعر بالندم فيخشع قلبه لله.
الثاني: أن يُحرِّك لسانه ليتفاعل مع قلبه بحركة الاستغفار فيقول: (أستغفر الله ربّي وأتوب إليه).
الثالث: أن يترك الحرام الذي ملأ قلبه بالسواد.
الرابع: أن يعزم بينه وبين ربّه أنّه لن يعود إلى الآثام والمعاصي، لن يُسوِّدَ القلب الذي طهَّرته التوبة إلى الله، بل سيحافظ على نقائه وطهارته..


هل يقبل الله تعالى توبة عبده؟

ويُخطى‏ء الإنسان مع الرَّبِّ الجليل، ويعود إليه تائباً، تُرى على يُسامحه؟ إنّ الجواب يستوقف الإنسان أمام عظمة الله، فالله تعالى لا يقول للتائب: إنّي قد سامحتك فحسب، بل يقول له: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ.

التائب حبيب الله

الإنسان يعصي... والله ينادي للعودة إليه فإذا عاد يُصبح التائب حبيباً له.. وأيّ حبٍّ هو؟!!

فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"لَله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من العقيم الوالد ومن الضالّ الواجد ومن الظمآن الوارد".

وعن الإمام الباقر عليه السلام:"إنّ الله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلَّ راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها".

باب التوبة

وفتح الله باب التوبة لأحبّائه بأوسع ما يمكن أن يتصوّره الإنسان، فقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"من تاب قبل موته بسنة قَبِلَ الله توبته، ثمّ قال: إنّ السنة لكثيرة، من تاب قبل موته بشهر قَبِلَ الله توبته، ثمّ قال: إنّ الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قَبِلَ الله توبته، ثمّ قال: إنّ الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قَبِلَ الله توبته، ثمّ قال: إنّ اليوم لكثير، من تاب قبل أن يُعايِنَ قَبِلَ الله توبته".

ومعنى التوبة قبْلَ المعاينة أي قبل معاينة الموت، قبل أن يعرف الإنسان أنّه سيموت، وإلاَّ فلا تنفعه التوبة، بل يكون مصيره كمصير فرعون حينما أعلن إيمانه بربّ موسى عليه السلام وهارون عليه السلام حينما أحاطت به أمواج البحر.

شرط التوبة

والقارى‏ء لهذه الأحاديث المُصوِّرة لرحمة الله تعالى الواسعة، وكيف فتح باب التوبة لعباده ينبغي أن يلتفت إلى أمرٍ مهمّ، وهو أنّ التائب الحقيقيّ إلى الله، لا بُدَّ أن تكون توبته مُنسجمة مع ماضيه الأسود، فإذا كان قد انغمس بشهوات المعصية والحرام فلا بدّ له أن يُذيق هذاالجسد مرارة الحلال بعد أن أذاقه حلاوة المعصية، لتنقلب المرارة عنده عُذوبة والحلاوة عذاباً.

وما يشهد لهذا قصَّة حصلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أحد الشبَّان الذين عاشوا الإنحراف في أسوأ صورة..

فقد جاء في تفسير الصافي (سورة آل عمران) أنّ مَعاذَ بن جبل دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باكياً، فسلَّم فردَّ عليه، ثمّ قال: "ما يُبكيك يا مَعاذ؟ فقال: إنّ بالباب شابّاً طري الجسد، نقيّ اللون حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:أدخل عليَّ الشابّ يا مَعاذ. فأدخله عليه فسلَّم عليه فردّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: ما يُبكيك يا شابّ؟، قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوباً إن أخذني الله عزّ وجلّ ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلاَّ سيأخذني بها ولا يغفر لي أبداً"!!

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"هل أشركت بالله شيئاً"؟
قال: أعوذ بالله أن أُشرِك بالله شيئاً!
قال صلى الله عليه وآله وسلم:"أقتلت النفس التي حرَّم الله"؟
قال: لا.
قال صلى الله عليه وآله وسلم:"يغفِرُ الله ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي".
قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي.
قال صلى الله عليه وآله وسلم:"يغفِرُ الله ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق".
قال: فإنّها أعظم من الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق.
قال صلى الله عليه وآله وسلم:"يغفِرُ الله ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسيّ".
قال: فإنّها أعظم من ذلك.

فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كهيئة الغضبان ثمّ قال: "ويحك يا شاب، ذنوبك أعظم أم ربك"؟، فخرَّ الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان الله ربّي، ما شي‏ء أعظم من ربّي، ربّي أعظم يا نبيّ الله من كل عظيم.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"فهل يغفر الذنبَ العظيم إلاَّ الربُّ العظيم"؟
قال الشاب: لا والله يا رسول الله، ثمّ سكت الشابّ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:"ويحك يا شابّ، ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك"؟
قال: بلى أخبرك، إنّي كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الأموات وأنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلمّا حُمِلَتْ إلى قبرها ودُفِنَت وانصرف عنها أهلها وجنَّ عليهم الليلُ، أتيتُ قبرها، فنبشتها ثمّ استخرجتُها، ونزعت ما كان عليها من أكفانها، وتركتها متجرّدة على شفير قبرها ومضيت مُنصرفاً، فأتاني الشيطان فأقبل يُزيّنها إليّ ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وِركَيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعتُ إليها، ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شابّ، ويل لك من ديَّان يوم الدّين، يوم يقِفُني وإيّاك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جُنُباً إلى حسابي، فويلٌ لشبابك من النار.
فما أظنُّ أنّي أشمُّ ريح الجنّة أبداً فما ترى لي يا رسول الله؟

فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:تنحَّ عنّي يا فاسق، إنّي أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار! ثمّ لم يزل صلى الله عليه وآله وسلم يقول ويُشير إليه حتى أمعن من بين يديه.
فذهب فأتى المدينة فتزوَّدَ منها، ثم أتى بعض جبالها فتعبَّد فيها، ولبس مِسْحاً وغلَّ يديهِ جميعاً إلى عنقه ونادى:

يا ربّ! هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول..
يا ربّ! أنت الذي تعرفني، وأزِل عني ما تعلم سيّدي..
يا ربّ! أصبحت من النادمين وأتيت نبيّك تائباً فطردني وزادني خوفاً، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تُخيِّب رجائي، سيّدي، ولا تبطل دعائي ولا تؤيَّسْني من رحمتك.

فلم يزل يقول ذلك حتى تمتّ له أربعون يوماً وليلة فرفع يديه إلى السماء وقال:
اللّهمَّ ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي، وغفرت خطيئتي فأوحِ إلى نبيِّك، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي، فعجّل بنار تُحرقُني أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلّصني من فضيحة يوم القيامة.

فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ، يقول عزّ وجلّ: أتاك عبدي يا محمّد تائباً فطردته فأين يذهب، وإلى من يقصد، ومن يسأل أن يغفر له ذنباً غيري؟ ثمّ قال عزّ وجلّ: ﴿وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.

فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وهو يتلوها ويبتسم، فقال لأصحابه: من يدلّني على ذلك الشابّ التائب؟ فقال معاذ: يا رسول الله بلغنا أنّه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشابّ، فإذا هم بالشابّ قائم بين صخرتين، مغلولة يداه إلى عنقه، وقد أسودَّ وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء. فدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأطلق يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول أَبشِرْ، فإنّك عتيق الله من النار.

ثمّ قال لأصحابه: "هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول، ثمّ تلا عليه ما أنزل الله عزّ وجلّ فيه وبشَّره بالجنة".

توبة الحُرّ في عاشوراء

هذه الليلة ليلة العاشر من المحرَّم، إنّها ليلة الإنقلاب..
إنّها ليلة القرار الصعب..
إنّها ليلة الخيار بين الجنّة والنار..

ففي معسكر الحسين عليه السلام يقف الحسين عليه السلام في مثل هذه الليلة يقول لأصحابه: "هذا الليل قد غشيَكم فاتخذوه جملاً"..

ويُقرّر الأصحاب الشهادة مع الحسين عليه السلام.

وفي معسكر يزيد يقف أحد قادة الجيش "الحُرّ بن يزيد الرياحي" الذي كان على رأس ألف مقاتل هدفه أن يُجبر الحسين عليه السلام على أخذ البيعة ليزيد أو أن يأخذه إلى الكوفة..

كان لهذا الرجل دور كبير في مأساة كربلاء. الإمام الحسين عليه السلام بدأ بحوار هادى‏ء يُذكّره بالله فأثّر كلام الإمام الحسين عليه السلام أثره في إحياء ضمير "الحُرّ" فأخذ يفكّر ويتأمّل في وضعه، ثمَّ ذهب إلى "عمر بن سعد" وسأله: أمقاتل أنت هذا الرجل؟،أي الحسين عليه السلام.

فأجابه "عمر": أي والله قتالاً أيسره أن تطيح الأيدي وتتقطع الرؤوس وتتطاير الأكفّ.

هنا اشتدّ الصراع في داخل "الحُرّ" وظلَّ يُفكّر في مصيره. وفيما هو يُفكّر أصابته رعشة فارتعد، ممّا أثار دهشة أحد رفاقه، فقال له:
إنّ أمرك لعجيب، فوالله لو سُئلت عن أشجع أهل الكوفة أو العراق لما عَدوْتُك، فماذا أصابك؟

فأجابه: إنّي مُخيّرٌ بين الجنّة والنار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً أبداً، وإن قُطِّعتُ ومُزِّقتُ وأُحرقتُ.

بعد ذلك ذهب "الحُرّ" إلى خيمة الإمام الحسين عليه السلام وجاء منادياً: "اللهمَّ إليك تبتُ فتب عليَّ، لقد أرعبتُ قُلوب أوليائك وأولاد نبيّك.."

وعندما وقف أمام خيمة الإمام كان رأسه منحنياً على سرج فرسه، فقال للإمام: "أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك الطريق، سيّدي ومولاي، جئتك تائباً إلى الله ممّا كانت منّي، فهل ترى لي من توبة؟ فقال له الإمام: نعم، يتوب الله عليك فأنت الحرّ في الدنيا وأنت الحرّ في الآخرة إن شاء الله".

فلنعاهد الحسين عليه السلام
ليلة العاشر ليلة التوبة إلى الله..
ليلة الإنقلاب
مع الحسين عليه السلام..
ليلة تركِ الدنيا
القبيحة والتوجّه لجنّة الخلد..
ليلة ترك الحرام
الذي سبَّب مأساة كربلاء..
فلنعاهد الله في هذه الليلة،
ليلة شهداء عاشوراء، أن نتوب إلى الله كما تاب "الحر الرياحي"..


فلنعاهد الله..
أن نترك الحرام
الذي غرزت رماحه في صدر أبي عبد الله الحسين عليه السلام..
أن نترك المعاصي التي قطعت سيوفها رأس أبي عبد الله الحسين عليه السلام..
أن نترك الحرام الذي رمت سهامه "عبد الله الرضيع"..
أن نترك المعاصي التي سبَّبت قتل "أبي الفضل العباس" وتقطيع "علي الأكبر" إرباً إرباً..
أن نترك الآثام التي هتكت خِدْرَ "زينب" عليها السلام وحجاب بنات رسول الله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

في ليلة العاشر من المحرم
فلنعاهد الإمام الحسين عليه السلام أن نتوب إلى الله ونسير على خُطاه، فبذلك يتحقّق الهدف من إحياء مجالس عاشوراء.


* وليال عشر، سماحة الشيخ أكرم بركات.

2013-11-05