من مواعظ الإمام علي عليه السلام
ذو الحجة
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ، وَ سَبَباً لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ، وَ دَلِيلًا عَلَى آلَائِهِ وَ عَظَمَتِهِ، عِبَادَ اللَّهِ! إِنَّ الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ، لَا يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ وَ لَا يَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ، آخِرُ فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ، مُتَشَابِهَةٌ أُمُورُهُ، مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلَامُهُ،
عدد الزوار: 198من مواعظ الإمام علي عليه السلام
من خطبة للإمام علي عليه السلام يحث الناس على التقوى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ، وَ سَبَباً
لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ، وَ دَلِيلًا عَلَى آلَائِهِ وَ عَظَمَتِهِ، عِبَادَ
اللَّهِ! إِنَّ الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ، لَا
يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ وَ لَا يَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ، آخِرُ
فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ، مُتَشَابِهَةٌ أُمُورُهُ، مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلَامُهُ،
فَكَأَنَّكُمْ بِالسَّاعَةِ تَحْدُوكُمْ (تسوقكم) حَدْوَ الزَّاجِرِ
(السائق) بِشَوْلِهِ (الإبل التي مضى من حملها سبعة أشهر)، فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ
نَفْسِهِ (اشتغل بما لا يعنيه)، تَحَيَّرَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَ ارْتَبَكَ فِي
الْهَلَكَاتِ، وَ مَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ، وَ زَيَّنَتْ لَهُ
سَيِّئَ أَعْمَالِهِ، فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ، وَ النَّارُ غَايَةُ
الْمُفَرِّطِينَ (المقصرين).
اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِيزٍ، وَ الْفُجُورَ
دَارُ حِصْنٍ ذَلِيلٍ، لَا يَمْنَعُ أَهْلَهُ، وَ لَا يُحْرِزُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ،
أَلَا وَ بِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَةُ (إبرة العقرب) الْخَطَايَا، وَ بِالْيَقِينِ
تُدْرَكُ الْغَايَةُ الْقُصْوَى.
عِبَادَ اللَّهِ! اللَّهَ اللَّهَ فِي أَعَزِّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكُمْ، وَ
أَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ، وَ
أَنَارَ طُرُقَهُ، فَشِقْوَةٌ (المراد: الخسران في الآخرة) لَازِمَةٌ، أَوْ
سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ، فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ لِأَيَّامِ الْبَقَاءِ،
قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ (المسير)، وَ حُثِثْتُمْ
عَلَى الْمَسِيرِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَرَكْبٍ وُقُوفٍ لَا يَدْرُونَ مَتَى
يُؤْمَرُونَ بِالسَّيْرِ، أَلَا فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلِقَ
لِلْآخِرَةِ؟ وَ مَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِيلٍ يُسْلَبُهُ وَ
تَبْقَى عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ وَ حِسَابُهُ؟.
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ مَتْرَكٌ
(لا
يسعك ترك شيء منه)، وَ لَا فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ، عِبَادَ
اللَّهِ، احْذَرُوا يَوْماً تُفْحَصُ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَ يَكْثُرُ فِيهِ
الزِّلْزَالُ (الهول والبليّة) وَ تَشِيبُ فِيهِ الْأَطْفَالُ.
اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً (الرقيب) مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَ
عُيُوناً (مخبرون) مِنْ جَوَارِحِكُمْ، وَ حُفَّاظَ صِدْقٍ يَحْفَظُونَ
أَعْمَالَكُمْ، وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ لَا تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْلٍ
دَاجٍ (شديد الظلمة)، وَ لَا يُكِنُّكُمْ
(ولا يستركم) مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ
(باب عظيم مُغلق)، وَ إِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ
(المراد هو الموت).
يَذْهَبُ الْيَوْمُ بِمَا فِيهِ، وَ يَجِيءُ الْغَدُ لَاحِقاً بِهِ، فَكَأَنَّ كُلَّ
امْرِئٍ مِنْكُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ
(أي القبر)، وَ مَخَطَّ حُفْرَتِهِ فَيَا لَهُ مِنْ بَيْتِ وَحْدَةٍ، وَ مَنْزِلِ وَحْشَةٍ، وَ
مُفْرَدِ غُرْبَةٍ، وَ كَأَنَّ الصَّيْحَةَ (صيحة اسرافيل مؤذنة بيوم الحساب)، قَدْ
أَتَتْكُمْ، وَ السَّاعَةَ قَدْ غَشِيَتْكُمْ (أدركتكم)، وَ بَرَزْتُمْ لِفَصْلِ
الْقَضَاءِ، (حوسبتم على أعمالكم)، قَدْ زَاحَتْ عَنْكُمُ الْأَبَاطِيلُ (الأعذار
التي يعتذر بها المسيؤون)، وَ اضْمَحَلَّتْ عَنْكُمُ الْعِلَلُ
(ما يتعللون به أمام
من يلومهم)، وَ اسْتَحَقَّتْ بكُمُ الْحَقَائِقُ، وَ صَدَرَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ
(رجوع
كلّ امرئ إلى ما قدّم) مَصَادِرَهَا، فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ
(ما يوعظ به من قول
وفعل)، وَ اعْتَبِرُوا بِالْغِيَرِ (تغيرات الدهر، وتبدلات الزمن)، وَ انْتَفِعُوا
بِالنُّذُرِ (بما أنذركم وخوفكم به الله جلّ جلاله، ورسوله صلّى الله عليه وآله).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
2013-10-25