الحجاب
كيف نبني مجتمعاً أرقى؟
آمنّا بحكمة الله تعالى بالعقل فسألناه: لماذا خلقتنا أيُّها الحكيم؟ فكان الجواب: لأجل الكمال.سألناه: كيف نتعرّف على كمالنا الحقيقي؟ فكان الجواب: من خلال الشريعة التي تمثلّ خارطة الطريق نحو ذلك الكمال.
عدد الزوار: 372
آمنّا بحكمة الله تعالى بالعقل فسألناه: لماذا خلقتنا أيُّها الحكيم؟ فكان الجواب: لأجل الكمال.
سألناه: كيف نتعرّف على كمالنا الحقيقي؟ فكان الجواب: من خلال الشريعة التي تمثلّ خارطة الطريق نحو ذلك الكمال.
من هنا آمنّا أنّ في كلّ حكم شرعيٍّ حكمةً قد نعرفها، وقد نقاربها، وقد لا نستطيع ذلك إلاّ بعد حين.
انطلاقًا من ذلك نسأل عن حكمة تشريعٍ من التشريعات الإسلاميّة الأساسيّة، وهو وجوب الحجاب، لماذا شرَّع الله تعالى الحجاب؟
يمكن لنا مقاربة هذه الحكمة من خلال عناوين منها:
1- الحجاب حجب للإغواء وإظهار للكمال
كرّم الإسلام المرأة أيّما تكريم، فهي والرجل في مسار الكمالات سواء، قال تعالى: ﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾1.
وفي عناوينها المتنوعة أبرز لها الكرامة.
أ- فكرّمها ابنة، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من كانت له ابنة واحدة، كانت خيرًا له من ألف حجّة، وألف غزوة، وألف بُدنة، وألف ضيافة"2. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من دخل السوق، فاشترى تحفة، فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور"3.
ب- وكرّمها أُمًّا: ففي جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله: "من أبرّ؟ قال: صلى الله عليه وآله وسلم: أمّك. سأله ثمّ من؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أمّك. ثمّ سأله: ثمّ من؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أمّك. ثمّ سأله: ثمّ من؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أباك"4.
ج- وكرّمها أختًا: فها هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما تأتيه "الشيماء" أخته في الرضاعة، يقوم ويفرش لها عباءته لتجلس عليها5.
د- وكرّمها زوجة: فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي"6.
ويلخص الإمام الخميني قدس سره تكريم الإسلام للمرأة بقوله: "إنّ للمرأة عظمة خاصّة في المجتمع حيث لو لم تكن أفضل من الرجال فإنّها ليست أقلّ مكانة منهم" ويقول قدس سره: "إنّ الإسلام يريد أن يصنع من المرأة إنساناً كاملاً".
انطلاقًا من مكانة المرأة هذه أراد الله تعالى أن يرسم لها طريق كمالها، كما أراد للرجل كذلك، ولأن الإنسان هو دائمًا أمام طريقين: طريق الكمال والعلو، وطريق النقص والسفل، كانت الشريعة هادية لطريق الكمال، محدّدة وسائل عبوره، حاميةً من الانزلاق في الطريق الآخر.
المرأة أمام مسلكين:
الأول: أن تسلك بلا حجاب، فتخرج متبرّجة، مُظهرة محاسنها، جاذبة أنظار الرجال إليها. والنتيجة ما يلي:
1- يكون تقديرها تقديرًا لظاهرها الجماليّ الذي سيذبل في زمن ما، وبالتالي يزول ذلك التقدير لتعيش المرأة مأساة ما فقدت. وبتعبير الإمام موسى الصدر "إنّ ذلك يقصّر عمر المرأة".
2- تكون سببًا لانحراف أناس انجذبوا للظاهر، فانحرفوا عن كمالهم.
الثاني: أن تسلك بحجاب، والنتيجة هي:
1- أنّها تحجب ذلك الإغواء.
2- أنّها تظهر في المجتمع كإنسان، يجذب الآخرين إنسانيّتُها التي تتقدم كلما تقدّمت في الزمن، فيكون العمر تطوّرًا في الكمال، لا انحدارًا في المسير.
فالحجاب حجب للإغواء، وإظهار للكمال الإنسانيّ.
2- الحجاب حماية
حينما يقابل الإنسان ما يحرّك شهوته، فإنّ هذا قد يُضعف عقله، لتتغلّب عليه قوّة الشهوة، فيسير في طريق الانحدار، فيحصل التعدّي والأذى.
وحجاب المرأة هو تحصين لها من ذلك، من هنا قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾7.
إن الإسلام ينظر إلى المرأة في إنسانيتها على أنها لؤلؤة لا بد من المحافظة عليها بحصانة الحجاب، وكما قال الشاعر:
سيري بمجدك تحت ظل عفاف*** وتجمّلي بمطارف الألطاف
ما الدرُّ وهو مجرّد عن حرزه*** بمقدّر كالدرّ في الأصداف
3- الحجاب شعيرة
لقد اهتمّ الله تعالى بالباطن، لكن ليس على حساب الظاهر، بل أراد أن يكون الظاهر معبّرًا عن البعد الباطني ومتلاقيًا معه في الهدف، من هنا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ 8.
فالشعيرة هي العلامة الظاهرة الدالة على الله تعالى، والآية تدعو إلى تنظيم هذا الظاهر معتبرة أن ذلك يعتبر من تقوى الباطن، ليتلاقى الظاهر، مع الباطن في مسيرة الكمال.
فالكعبة الشريفة شعيرة، دعا الله إلى تعظيمها، وسيلة إلى التوحيد.
والقرآن الكريم شعيرة، عظّمه الله، وسيلة للتكامل نحوه.
واسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم شعيرة، قدّسه الله تعالى، وسيلةً لتأكيد العلاقة بسيّد بني البشر.
والحجاب أيضًا هو شعيرة تدلّ على العفّة، والحياء، والخلق، والدّين. إنّه شعيرة متحرّكة في المجتمع، داعية إلى الله تعالى. فمن نعم الله تعالى على المرأة تميّزها عن الرجل بالحجاب. فالشاب المسلم الملتزم قد يمشي في شوارع واشنطن أو باريس أو لندن من دون أن يعرف أحد هويته، بينما المرأة المسلمة حينما تظهر في المجتمع بحجابها، فهي من دون أن تتكلم تدعو إلى الله تعالى بحجابها، فهي مبلّغة للدين والإسلام والقيم الإلهية دون حديث، فحجابها منبر للطهر والعفاف والإسلام الحنيف.
لقد فهم أعداء الإسلام خطورة هذه الشعائر.
- فحاربوا القرآن معتبرين إياه مصدرًا للإرهاب، وما زلنا نسمع كل حين هتكًا لهذا الكتاب المقدّس، تارة من القس "تيري جونز" وأخرى من جنود الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان، إلى غير ذلك.
- وحاربوا "محمداً صلى الله عليه وآله وسلم " اسمًا ورسمًا من خلال الكاريكاتير الهازئ تارةً، ومن خلال آيات شيطانيّة تارةً أخرى، إلى غير ذلك.
- وحاربوا المسجد، فمنعوا مآذنه في بعض البلدان كي لا تصدح باسم الله والإسلام.
- وحاربوا الحجاب، فمنعوه في بعض الدول، خوفًا من دعوته إلى الإسلام، ودخلوا في حربهم الناعمة إلى مجتمعنا، ليسلبوا المرأة قوّتها وهويّتها الإسلامية، وخططهم في ذلك قديمة، يقول رئيس وزراء انكلترا السابق "غلاديستون": "لن يستقيم حال الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويغطّى به القرآن".
كلّ ذلك، لأن مشاريعهم تقتضي أن تكون المرأة في مجتمعنا:
1- سلعة لترويج اقتصاد الرأسماليين.
2- ألعوبة بأيدي الرجال في قضاء شهواتهم.
3- مصدرًا لإغواء الشباب كي ينحرفوا عن مسيرة تكامل مجتمعهم.
4- بعيدة عن تكوين الأسرة التي بانحلالها تنحل قوة المجتمع.
لقد تنبّه بعض المستشرقين الإنسانيين إلى مخطّطات أعداء الإسلام، ونبّهوا النساء المسلمات إلى ذلك. قالت الكاتبة الأمريكية "هيلسان ستانسبري": "إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول، فعندكم أخلاق موروثة تحتم تقييد المرأة، وتحتم احترام الأم والأب، وتحتم أكثر من ذلك هدم الإباحية الغربية التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب.. فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا".
- وقالت الدكتورة الألمانية "زيغريد هونكه": "لا ينبغي للمرأة المسلمة أن تتّخذ المرأة الأوروبية أو الأمريكية قدوة تحتذيها، لأنها بذلك تُفقِد نفسها مقومات شخصيتها".
4- الحجاب لباس السلوك إلى الله
- لأن الحجاب حجب للإغواء، وإظهار للكمال الإنساني،
- لأن الحجاب محصِّن للمرأة وحامٍ لها،
- لأن الحجاب شعيرة إلى الإسلام والطهر والعفاف،
أراد ا لله تعالى أن يكون الحجاب لباس المرأة في المجتمع، ولباس معراجها إلى الله تعالى في صلاتها، وطوافها حول بيته.
5- الحجاب ستر من النار ومعبر إلى الجنة
ولأنه كذلك كان الحجاب حجابًا للمرأة وأهلها عن نار جهنم، ومعبرًا لدخول الجنة، ففي الحديث النبويّ: "نعم الولد البنات المخدرات، من كانت عنده واحدة جعلها الله سترًا من النار، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة..."9.
ويبقى اللباس الأفضل والأكمل والأجمل هو ما عبّر عنه تعالى ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾10.
سلام الله تعالى على إمامنا الصادق عليه السلام حيث قال: "أزين اللباس للمؤمنين لباس التقوى، وأنعمه الإيمان"11.
* كيف نبني مجتمعاً أرقى؟ سماحة الشيخ أكرم بركات.
1- سورة آل عمران، الآية195.
2- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص115.
3- الصدوق، الأمالي، تحقيق ونشر مؤسسة البعثة، ط1، قم، 1417هـ، ص673.
4- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج71، ص49.
5- الماوردي، علي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ط2، مكة، دار التعاون، 1966م، ص136.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص443.
7- سورة الأحزاب، الآية59.
8- سورة الحج، الآية32.
9- الفتال النيسابوري، محمد، روضة الواعظين، تحقيق محمد مهدي الخرسان، (لا،ط)، قم، منشورات الشريف الرضي، (لا،ت)، ص369.
10- سورة الأعراف، الآية26.
11- الشهيد الثاني، زين الدين، رسائل الشهيد الثاني، ص117.