حق المعاشرة الخاصة
كلمات وحقوق
من نعم الله تعالى التي لا تحصى أنه خلق في داخل الإنسان قوة تشده نحو الآخر هي الشهوة الجنسية التي لولاها لما استمرت البشرية، إلا أنّ هذه الشهوة في عين كونها مصدر خير على الإنسان, فإنّ لها قابلية أن تتحوَّل إلى نقطة ضعف تحرف الإنسان عن الاستقامة
عدد الزوار: 4705الشهوة بين الكبت والانفلات
من نعم الله تعالى التي لا تحصى أنه خلق في داخل الإنسان قوة تشده نحو الآخر هي
الشهوة الجنسية التي لولاها لما استمرت البشرية، إلا أنّ هذه الشهوة في عين كونها
مصدر خير على الإنسان، فإنّ لها قابلية أن تتحوَّل إلى نقطة ضعف تحرف الإنسان عن
الاستقامة في مسيرته، لذا جاء الشرع الحنيف كي يهذبها لتبقى في دائرة الخير والصلاح
وذلك من خلال تلبية هذه الغريزة عبر بوابة واحدة هي الزواج.
لقد سلك الإسلام في قضية الجنس سلوكاً وسطي، فرفض الرهبانية رفضاً قاطعاً بنص
الكتاب (لا رهبانية في الإسلام)، وذلك على قاعدة أنَّ الشهوة في الإنسان خير، بل هي
ضرورية لسعادة الإنسان واستمرار البشرية.
من هنا تصدّى رسول الله صلى الله عليه واله لحالة عزوف الرجال عن النساء في صدر
الإسلام، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى
النبي صلى الله عليه واله فقالت: "يا رسول الله، إنّ
عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله مغضباً يحمل
نعليه، حتى جاء إلى عثمان، فوجده يصلي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله صلى الله
عليه واله، فقال له: يا عثمان، لم يرسلني الله بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية
السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمن أحبّ فطرتي، فليستنّ بسنتي، ومن سنتي النكاح".
كما ورد في سيرة رسول الله صلى الله عليه واله أن ثلاث نسوة أتين إليه، فقالت
إحداهن: إنّ زوجي لا يأكل اللحم، وقالت الأخرى: إنّ زوجي لا يشمّ الطيب، وقالت
الأخرى: إنّ زوجي لا يقرب النساء، فخرج رسول الله يجرّ رداءه حتى صعد المنبر، فحمد
الله، وأثنى عليه، ثم قال: "ما بال أقوام من أصحابي لا
يأكلون اللحم ولا يشمون الطيب، ولا يأتون النساء، أما إني آكل اللحم، وأشمُّ الطيب،
و آتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وكذلك تصدَّى النبي صلى الله عليه واله وأهل بيته عليهم السلام لحالة عزوف النساء
عن الرجال، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "نهى رسول
الله صلى الله عليه واله النساء أن يتبتَّلْنَ ويعطِّلْنَ أنفسهنّ من الأزواج".
كما ورد عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنّ امرأة قالت له: أصلحك الله إني
امرأة متبتلة، فقال عليه السلام: "وما التبتل عندك"؟،
قالت: "لا أتزوج"، قال عليه السلام:"ولِمَ"
؟ قالت: "ألتمس بذلك الفضل"، فقال عليه
السلام: "انصرفي، فلو كان في ذلك فضل، لكانت فاطمة عليه
السلام أحقَّ به منك، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل" وفي مقابل رفضِ الإسلام للرهبانية والانزواء، فقد حرَّم إطلاق العنان للجنسين بلا
حدود، ليحافظ في وسطيته هذه على التوازن النفسي للفرد والمجتمع، فلا يعيش الإنسان
ذلك الكبت السلبي، ولا ينحرف المجتمع في إباحيته الجنسية إلى ما لا تُحمد عقباه،
كما نرى ذلك في العديد من المجتمعات الغربية التي تزلزل فيها كيان الأسرة بسبب
الإسراف في الحرية الجنسية، والتحلُّل الأخلاقي.
من هنا سلك الإسلام المنهج الوسطي، فشجع على سلوك درب
الزواج كدرب وحيد في تلبية الحاجة الجنسية، فعن رسول الله صلى الله عليه واله: "من كان يحب أن يتبع سُنَّتي فليتزوج، فإنّ من سنتي
التزويج". "من أحبَّ أن يكون على فطرتي فليستنَّ بسُنَّتي، وإنّ من
سُنَّتي النكاح". وإضافة إلى التشجيع على أصل الزواج، فقد شجّع النبي صلى الله عليه واله على العلاقة
الخاصة بين الزوجين من خلال بيان الثواب الإلهي عليه، فعن الرسول الأكرم صلى الله
عليه واله أنه قال لأبي ذر قدس سره:"ائتِ أهلك تؤجر"،
فقال: "يا رسول الله وأؤجر؟"، فقال صلى الله
عليه واله: "نعم إنك إذا أتيت الحرام أُزرت، فكذلك إذا
أتيت الحلال أوجرت".
وعنه صلى الله عليه واله: "أما أنه إذا أقبل اكتنفه
ملكان، وكان كالشاهر سيفه في سبيل الله، فإذا هو جامع تحات عنه الذنوب، كما تتحات
ورق الشجر، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب".
المعاشرة الخاصة بين الحق والخُلُق
إنَّ الرواية الأخيرة حول ثواب المعاشرة الخاصة بين الزوجين تضفي على هذه العلاقة أجواءً روحيَّة، ليتحرَّك الزوجان في هذا الأمر من منطلق يجمعان فيه بين العاطفة نحو الآخر، والشعور بالرضا الإلهي.
ومع ذلك، ولأهمية ودور العلاقة الخاصة في تماسك الحياة الزوجية وضع الشرع الإسلامي
الحنيف أسقفاً حقوقية لهذه العلاقة، إضافةً إلى فضاءٍ رحب من الخلقيات والآداب، كل
ذلك مراعاة للطبيعة التكوينية والعاطفية عند الرجل والمرأة.
من هنا كان الاستحباب الشرعي لاستجابة الرجل لزوجته في هذه العلاقة عند ميلها إلى
ذلك، والذي يترقَّى عند ثلة من الفقهاء إلى الاحتياط الوجوبي في تلبية الرجل للمرأة
عند طلبها في حالات حرجها أو خوفها من الوقوع في الحرام، من دون تحديد ذلك بمدة
زمنية، وإن كان الوجوب الشرعي واضحاً في تلبية المرأة كل أربعة أشهر كحق قانوني له،
بغض النظر عن حرجها أو ما شاكل. فقد سُئِلَ المرجع الديني الراحل السيد الخوئي قدس
سره: "هل يجب على الرجل الجماع في المدة التي تقلّ عن
أربعة أشهر، إذا كان في تركه حرج على المرأة، أو كان موجباً لخوف وقوعها في الحرام"
؟، فأجاب قدس سره: "نعم على الأحوط عند استدعائها منه ذلك".
وفي المقابل فقد أوجب الإسلام على المرأة أن تستجيب لزوجها في طلبه العلاقة الخاصة
كحقٍّ شرعيٍّ له. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "أتت امرأة إلى رسول الله صلى
الله عليه واله فقالت: "ما حق الزوج على المرأة ؟"
فقال صلى الله عليه واله: "أن تجيبه إلى حاجته، وإن كانت
على قتب".
وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه واله: "إذا الرجل
دعا زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على التنُّور".
ودفعاً للمشاكل الزوجية حذَّر الرسول صلى الله عليه واله
المرأة من أمرين:
الأول: أن تمتنع من دعوة زوجها إلى المعاشرة الخاصة، فعنه صلى الله عليه واله: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبَت عصيان، لعنتها الملائكة حتى تصبح" .
الثاني: أن تسوِّف في تلبية حاجة زوجها فعن
الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ امرأة أتت لرسول الله صلى الله عليه واله لبعض
الحاجة، فقال لها: "لعلَّك من المسوِّفات ؟"
قالت: "وما المسوِّفات يا رسول الله؟"
قال صلى الله عليه واله: "المرأة التي يدعوها زوجها لبعض
الحاجة فلا تزال تسوِّفه حتى ينعس زوجها وينام، فتلك لا تزال الملائكة تلعنها حتى
يستيقظ زوجها". بل نبَّه رسول الله صلى الله عليه واله إلى عدم التذرُّع
بعبادة الله بقصد التسويف على الزوج، فعنه صلى الله عليه واله: "لا
تطوِّلْنَ صلاتكن لتمنعن أزواجكن".
التثقيف الجنسي في النصوص الدينية
المطالع للروايات المتعرِّضة للتثقيف الجنسي بين الزوجين قد يتفاجأ من حجمها الكبير
من ناحية، ودخولها في أدقِّ التفاصيل من ناحية أخرى، وهذا يدلّ على مدى الأهمية
التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه واله لهذه المسألة الحياتية، لما لها من أثر
في سعادة الزوجين، وبالتالي لتماسك الأسرة الذي يؤدي إلى استقرار المجتمع وسعادته. ونتعرض هنا لنماذج من هذه الروايات الواردة في مجال التثقيف الجنسي بين الزوجين.
أ- الهيئة الحسنة
دعت الروايات كلاً من الزوج والزوجة إلى أن يهتمَّ بهيئته أمام الآخر، وهذا الأمر
من الأسباب الرئيسية لنجاح العلاقة الخاصة بينهما. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه
السلام: "لا غنى بالزوجة في ما بينها وبين زوجها الموافق
لها عن ثلاث خصال وهنَّ: صيانة نفسها من كل دنس، حتى يطمئنّ قلبه إلى الثقة بها في
حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون في ذلك عاطفاً عليها عند زلَّة تكون منه،
وإظهار العشق له بالخلابة، والتهيئة الحسنة لها في عينه". وبالنسبة إلى الزوج ورد عنه عليه السلام: لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء في ما بينه
وبين زوجته، وهي: "الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها
وهواه، وحسن خلقه معه، واستعماله استمالة قلبها بالتهيئة الحسنة في عينه، وتوسعته
عليها". ويمكن عرض مظاهر الهيئة الحسنة من خلال الأمور التالية
التي دعت الروايات إلى الاهتمام بها:
الاهتمام بالجسد
وذلك من نواحٍ عدة منها:
1- نظافة الجسد
فالنظافة من أهم العناوين التي وجَّه إليها الإسلام، لا سيّما في ما يتعلق بعلاقته
بالآخر، ففي الحديث: "تنظفوا بالماء من نتن الريح الذي
يُتأذَّى به، تعهّدوا أنفسكم، فإنّ الله يُبغض من عباده القاذورة الذي يتأنّف به من
جلس إليه". وقد أكّد النبي صلى الله عليه واله على موضوع النظافة في العلاقة الخاصة، فعنه صلى
الله عليه واله: "ليتهيأ أحدكم لزوجته، كما تتهيأ زوجته
له، وعلّق الإمام الصادق على هذا الحديث قائلاً: يعني يتهيأ بالنظافة".
2- تطييب الفم
ولما للفم من أثر في علاقة الفرد بالآخر، أراد الإسلام أن يكون مقرِّباً لطيبه، لا
مبعداً لنتنه، من هنا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "اتخذوا
في أسنانكم السعد فإنه يطيِّب الفم، ويزيد في الجماع "
3- إزالة الشعر المنفِّر
ودعا الإسلام إلى تعاهد الشعر بأن يُراعَى جمالُه، فدعا إلى إزالة ما نفّر به كشعر
الأنف، وشعر الشارب إذا طال كثير، وهكذا الحال في بعض الشعر الذي ينبت في الجسد.
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "ليأخذ أحدكم من
شاربه وشعره الذي من أنفه، وليتعاهد نفسه، فإنّ ذلك يزيد في جماله ".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أَلقوا الشعر عنكم، فإنه
يُحسِّن".
4- تجميل الأظافر
فعن رسول الله صلى الله عليه واله في وصيته للرجال: "قصّوا
أظافيركم". وفي وصيته للنساء: "اتركن
(أظافيركن)، فإنه أزين لكنَّ".
5- تسريح الرأس
فعن النبي الأعظم صلى الله عليه واله: "تسريح الرأس يذهب
الوباء، ويجلب الرزق، ويزيد في الجماع".
6- تكحيل العين وتخضيب الشعر
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "إني لأبغض من
النساء السلتاء والمرهاء، فالسلتاء التي لا تختضب، والمرهاء التي لا تكتحل
".
الاهتمام باللباس
وذلك من نواح منها:
1- النظافة
إنّ أقل ما يُقال في اهتمام المؤمن والمؤمنة بثيابهما أن تكون نظيفة، فعن الإمام
الصادق عليه السلام في جوابه عن سؤال حول التجمل قال عليه السلام: "يُنظِّف
ثوبه ".
2- الأناقة
فعن رسول الله صلى الله عليه واله في جوابه لامرأة سألته عن حق الزوج على زوجته،
قال صلى الله عليه واله: "وتلبس أحسن ثيابها".
3- الزينة
فعن الإمام الباقر عليه السلام:" لا ينبغي للمرأة أن تعطِّل نفسه، ولو أن تعلِّق في
رقبتها قلادة، وفي حديث آخر عنه عليه السلام: "لا يجوز
للمرأة أن تعطّل نفسه، ولو أن تعلّق في عنقها خيطاً ".
الاهتمام بالعطر
فـ "العطر من سنن المرسلين" كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، و"الطيب من أخلاق الأنبياء" كما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام، لذا كان رسول الله صلى الله عليه واله يصرف على طيبه أكثر مما يصرف على طعامه، ولذا جعل رسول الله صلى الله عليه واله ثلثي مهر ابنته الزهراء عليها السلام في الطِّيب، بل جعل التطيّب في دائرة الحقوق الأخلاقية، فقد ورد أنَّ امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه واله: "ما حقُّ الزوج على المرأة"؟، فأجاب صلى الله عليه واله: "وعليها أن تتطيَّب بأحسن طيبها".وعن أمير المؤمنين: "لتطيب المرأة المسلمة لزوجها".
الهيئة الحسنة | ||
الاهتمام بالجسد |
الاهتمام باللباس |
الاهتمام بالعطر |
نظافة الجسد |
نظافة اللباس |
ب- المُقدَّمات المُرغِّبة
إضافة إلى الاهتمام بالهيئة الحسنة دعا النبي صلى الله عليه واله أهل البيت عليهم
السلام للاهتمام بخطوات مهمة قبل العلاقة الخاصة والتي لها دورها في سعادة الزوجين،
فقد أرشد رسول الله صلى الله عليه واله إلى مسألة حسَّاسة في العلاقة الخاصة بين
الزوجين، وهي أن لا تكون هذه العلاقة خاليةً من العاطفة، مقتصرةً على قضاء حاجة
الجسد، غيرَ مبالية برغبات الطرف الآخر فعنه صلى الله عليه واله: "لا يقع أحدكم على
أهله مثل البهيمة"، داعياً إلى مقدَّمات تقوِّي جانب الرغبة عند الطرفين مطلِقاً
عليها مصطلح "الرسل" ومن هذه المقدمات:
1- الغزل
فقد اعتبر صلى الله عليه واله أنه من عجز الرجل أن يقارب زوجته "قبل أن يحادثها
ويؤانسها". وفي حديث نبوي آخر: "ثلاثة من الجفاء:... وأن يكون بين الرجل وأهله وقاع
من غير أن يرسل رسول، المزاح...
2- التقبيل
ففي تكملة الحديث السابق عن الرسول صلى الله عليه واله:"...والقُبَل".
3- المداعبة
فالحديث النبوي السابق يبدأ بـ: "ثلاثة من الجفاء، مواقعة
الرجل أهله قبل المداعبة".
ج- إزالة حواجز الحياء
من المعروف في تعاليم الإسلام تأكيده على حياء الإنسان معتبراً ذلك من الإيمان، إلا
أنها استثنت من ذلك العلاقة الخاصة بين الزوجين التي ينبغي أن تكون محرَّرة من
الحواجز التي اعتادها الإنسان في علاقته بالآخرين، وبما أنّ المرأة قد تكون أكثر
حياءً من الرجل، فقد دعا النبي صلى الله عليه واله -في ما ورد عنه- الزوجة إلى أن
تتحرر من قيود الحياء مع زوجها معتبراً ذلك من كمالها، فعنه صلى الله عليه واله: "خير
نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء". وفي حديث نبوي آخر:
"إن خير نسائكم الوَلود الوَدود العفيفة، العزيزة في
أهله، الذليلة مع بعله، المتبرّجة مع زوجه، الحَصان على غيره، التي تسمع قوله،
وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها " وعنه صلى الله عليه
واله: "خير نسائكم... المَجون لزوجها الحَصان على غيره
".
د- إشباع رغبة الزوجة
فمن الأمور السلبية التي تشكِّل قَعراً لمشاكل زوجية أن لا يهتم الزوج بوصول زوجته
إلى حالة الذروة الجنسية، فإنّ لهذا الأمر آثاراً نفسية قد تنعكس في تصرّفات سلبية
للزوجة تكون السبب الظاهري للمشكلة بينما هي قشور للسبب الأساس المتعلق بسوء تصرف
زوجها في العلاقة الخاصة.
من هنا أكّد الرسول الأكرم صلى الله عليه واله على الزوج أن لا يستعجل الزوج في
تلبية حاجته الجنسية على حساب حاجة زوجته، فعنه صلى الله عليه واله : "إذا
جامع أحدكم أهله فليصدقه، ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجته، فلا يعجلها حتى تقضي
حاجتها"."إذا جامع أحدكم أهله، فلا يأتيهنّ
كما يأتي الطير، ليمكث ويلبث".
وعن الإمام علي عليه السلام: "إذا أراد أحدكم أن يأتي
زوجته فلا يعجله، فإنّ للنساء حوائج".
وقد حذّر الإمام الصادق عليه السلام من خطورة عدم تلبية حاجة المرأة بقوله: "إنّ
أحدكم ليأتي أهله، فتخرج من تحته، فلو أصابت زنجياً لتشبَّثت به، فإذا أتى أحدكم
أهله فليكن بينهما ملاعبة، فإنّه أطيب للأمر".
هـ- الأدب العبادي
إلى جانب العناوين السابقة حثَّت الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته عليهم السلام
على بعض الأعمال العبادية التي تضفي ببركتها على هذه العلاقة، وتضيف بُعداً روحياً
إلى جانب اللذة الجسدية، ومن تلك الأعمال:
1- الذِّكر
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أتى أحدكم أهله
فليذكر الله، فإنَّ من لم يذكر الله عند الجماع وكان منه ولد، كان ذلك شرك شيطان،
ويعرف ذلك بحبِّنا وبغضنا". وعنه عليه السلام ، في الرجل إذا أتى أهله،
وخشي أن يشاركه الشيطان قال: يقول "بسم الله، ويتعوَّذ
بالله من الشيطان ".
2- الدعاء
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "أما لو أنّ أحدهم يقول حين يأتي أهله: "بسم
الله، اللهم جنِّبني الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتنا"، ثم قدّر
بينهما في ذلك أو قضى ولد، لم يضرَّه شيطان أبداً.
3- الوضوء للعَوْد
فعن رسول الله صلى الله عليه واله: "إذا أتى أحدكم أهله،
ثم أراد أن يعاود، فليتوضأ فإنه أنشط للعَوْد". وكذلك ورد استحباب
الوضوء إذا أراد المواقعة بعد الاحتلام، فعن رسول الله صلى الله عليه واله أنه: "كره
أن يغشى الرجل امرأته وقد احتلم، حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإن فعل وخرج
الولد مجنون، فلا يلومنَّ إلا نفسه ".
و- أزمنة مناسبة
في وصية رسول الله صلى الله عليه واله حدَّد صلى الله
عليه وآله الدعوة إلى الجماع في ليالٍ خاصة، متحدِّثاً عن أثر حميد للولد إن قضى
الله ذلك بينهما وهذه الليالي هي:
1-ليلة الجمعة
في الحديث النبوي: "... وإن جامعتها في ليلة الجمعة بعد
العشاء الآخرة فإنه يُرجى أن يكون الولد من الأبدال إن شاء الله".
والأبدال جمع بدل وهو الإنسان الولي الصالح الذي وصل في درجة صلاحه إلى أنّ الله
تعالى لا يميته إلا بعد أن يُهيِّئ الله عزَّ وجل بدلاً منه.
2-ليلة الاثنين
في وصية النبي صلى الله عليه واله: "...عليك بالجماع ليلة
الإثنين، فإنه إن قضى بينكم ولد يكون حافظاً لكتاب الله راضياً بما قسم الله عزَّ
وجل."
3-ليلة الثلاثاء
في الحديث النبوي: "... إن جامعت أهلك ليلة الثلاثاء فقضى
بينكما ولد، فإنه يُرزق الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول
الله صلى الله عليه واله، ولا يعذِّبه الله مع المشركين، ويكون طيب النكهة والفم،
رحيم القلب، سخيّ اليد، طاهر اللسان من الكذب والغيبة والبهتان.".
4- ليلة الخميس
في الحديث النبوي "... وإن جامعت أهلك ليلة الخميس، فقضى
بينكما ولد، فإنه يكون حاكماً من الحكّام، أو عالماً من العلماء".
أما الأيام التي ورد فيها الحثُّ على الجماع فهي:
5- يوم الخميس
في الحديث النبوي:"... وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال
الشمس عند كبد السماء، فقضى بينكما ولد، فإنّ الشيطان لا يقربه حتى يشيب، ويكون
قيم، ويرزقه الله السلامة في الدين والدنيا ".
6- يوم الجمعة بعد العصر
في الحديث النبوي: "وإن جامعتها يوم الجمعة بعد العصر،
فقضى بينكماولد، فإنه يكون معروفاً مشهوراً عالماً".
أزمنة مناسبة |
|
الأيام |
الليالي |
1- يوم الخميس |
1- ليلة الجمعة |
ز - أزمنة غير مناسبة
في مقابل تلك الليالي والأيام ورد النهي عن الجماع في أيام وليالٍ هي:
1- عند المحاق: أي الفترة التي يختفي فيها القمر بالكامل عن الأرض بين انتهاء الشهر وبداية شهر
آخر.
2- أول الشهر القمري.
3- وسط الشهر القمري.
4- آخر الشهرالقمري: وقد ربطت الروايات بين المواقعة في هذه الأيَّام، وبين سلبيات تتعلق بالزوجة
والمولود إن قضى بينهما ذلك. فعن الرسول صلى الله عليه واله: "لا تجامع امرأتك في أول
الشهر ووسطه وآخره، فإنّ الجنون والجُذام والخبل يسرع إليها وإلى ولدها." وعن الإمام الهادي عليه السلام: "من اتى أهله في محاق
الشهر، فليسلِّم لسقط الولد".
5- ليلة الأربعاء: عن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس للرجل أن يدخل
بامرأته ليلة الأربعاء".
6- ليلة خسوف القمر
7- يوم كسوف الشمس
8- يوم حدوث آية مخوفة كالزلزال والريح السوداء وما شابه: عن الإمام أبي جعفر عليه السلام حينما سُئِل عن أوقات كراهية الجماع أجاب: "...في
اليوم الذي تنكسف فيه الشمس، وفي الليلة التي ينخسف فيها القمر، وفي اليوم والليلة
التي تكون فيها الزلزلة"
9- ليلة عيد الفطر: في الحديث النبوي: "... لا تجامع امرأتك في ليلة الفطرة"
10- ليلة عيد الأضحى: في الحديث النبوي: "لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى".
11- ليلة النصف من شعبان: في الحديث النبوي: "...لا تجامع أهلك في ليلة النصف من
شعبان، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون مشؤوماً ذا شامة في وجهه".
12- الليلة التي يعتزم خلالها السفر: في الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام: "اجتنبوا
الغشيان في الليلة التي تريدون فيها السفر، فإنّ من فعل ذلك، ثم رُزق ولداً كان
جوَّالة" والحكمة من هذا النهي كما ذكرت سابقاً تكمن بشكل أساس في صفات المولود إن قدَّره
الله تعالى، ولعل ما يُعبِّر عن جامع الحكمة هذه ما ورد عن الإمام الباقر عليه
السلام: "وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى
عنها رسول الله صلى الله عليه واله وقد انتهى إليه الخبر، فيرزق ولد، فيرى في ولده
ذلك ما يحب".
إضافة إلى تلك الليالي والأيام نبّهت الروايات إلى اجتناب
أوقات محدَّدة في الجماع وهي:
1- بين الأذان والإقامة
عن النبي صلى الله عليه واله: "... لا تجامع امرأتك بين
الأذان والإقامة، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون حريصاً على إهراق الدماء".
2- من طلوع الفجر حتى طلوع الشمس
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام حينما سُئل عن الأوقات التي يكْره فيها الجماع أجاب
عليه السلام: "نعم، ما بين الفجر إلى طلوع الشمس".
3- بعد الظهر
في الحديث النبوي: "...لا تجامع امرأتك بعد الظهر، فإنه
إن قضى بينكما ولد في ذلك الوقت، يكُنْ أحول"
4- أول ساعة من الليل
في الحديث النبوي: "... لا تجامع أهلك أول ساعة من الليل،
فإنه إن قضى بينكما ولد لا يؤمن أن يكون ساحر، مؤثراً للدنيا على الآخرة".
أزمنة غير مناسبة |
|||
الأيام |
الليالي |
الأوقات |
الحالات الكونية |
1- أول الشهر القمري |
1- ليلة الأربعاء |
1- بين الأذان والإقامة |
1- عند محاق القمر |
ح- أمكنة غير مناسبة
وكما الأزمنة نبّهت الروايات إلى أمكنة نُهي عن الجماع فيها، منها:
1- على السطح
عن النبي صلى الله عليه واله: "لا تجامع امرأتك على سقوف
البنيان، فإنه إذا قضى بينكما ولد يكون منافقاً مُرائياً مبتدعاً".
2- تحت شجرة مثمرة
في الحديث النبوي: "... لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة،
فإنه إن قضى بينكما ولد يكون جلاداً قتالاً أو عريفاً".
3- في وجه الشمس مع عدم الستر
عن النبي صلى الله عليه واله: "لا تجامع امرأتك في وجه
الشمس وتلألئها إلا أن ترخي ستراً فيستركم، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يزال في بؤس
وفقر حتى يموت".
ط- أوضاع غير مناسبة
نهت الروايات عن الجماع في أوضاع خاصة منها:
1-استقبال واستدبار القبلة
عن الإمام الصادق عليه السلام: "نهى رسول الله صلى الله
عليه واله أن يجامع الرجل أهله مستقبل القبلة "، وعن الإمام الصادق عليه
السلام: "لا تُجامع في السفينة، ولا مستقبل القبلة، ولا
مستدبرها".
2- العُرْي الكامل
ورد أنّ محمد بن العيص سأل الإمام الصادق عليه السلام: "أجامع
وأنا عريان؟"، فقال عليه السلام: "لا".
3- امتلاء البطن
عن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة يهدمن من البدن وربما قتلن:"دخول
الحمام على البطنة، والغشيان على الامتلاء، ونكاح العجائز".
4- الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "إنَّ الله تعالى
كره أن يغشَى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإن فعل، وخرج
الولد مجنون، فلا يلومنَّ إلا نفسه".
5- القيام
في الحديث النبوي: "... لا تجامع امرأتك من قيام، فإنّ
ذلك من فعل الحمير، فإن قضى بينكما ولد كان بوّالاً في الفراش".
6- اشتهاء امرأة أخرى
في الحديث النبوي: "لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك،
فإني أخشى إن قضى بينكما ولد أن يكون مخنثاً أو مؤنثاً مخبلاً".
7- استصحاب شيء مقدَّس
ورد كراهية الجماع عندما يكون مع الزوج خاتم فيه ذكر الله أو شيء من القرآن الكريم.
8- وجود صبيّ متيقِّظ
عن النبي صلى الله عليه واله: "والذي نفسي بيده، لو أنّ
رجلاً غشى امرأته، وفي البيت صبيّ متيقظ يراهم، ويسمع كلاهما ونفَسهم، ما أفلح
أبداً إن كان غلاماً كان زانياً أو جارية كانت زانية". وفي حديث نبوي
آخر: "إياكم وأن يجامع الرجل امرأته والصبي في المهد ينظر
إليهما". وهذا الأمر كما يؤثِّر في المولود الجديد في حال قدّر الله تعالى ذلك، فإنه أيضاً
يؤثِّر في الصبيّ الناظر، وإن كان طفلاً صغيراً.
وهذا ما أثبته العلم الحديث الذي أثبت أن ما يرتسم في ذهن الإنسان - ولو كان صغيراً
- من صورة أو صوت، فإنه يبقى مركوزاً في صقع نفسه، حتى لو لم يتفعَّل زمن صغره، فقد
يؤثر ذلك فيه، ولو بعد حين. ومن لطيف ما نُقِل في هذا الأمر قصة امرأة فرنسية تفاجأ
الأطباء، أثناء قيامهم بعملية جراحية لها كانت فيها مُخدَّرة، فإذا بأحد الأطباء
حينما لامس طرف مبضعه الطبي نقطةً في دماغها، إذا بها تنطق بالنشيد الوطني
الألماني، وحينما رفع المبضع سكتت، ثم لمّا وضعه مرة أخرى فإذا بها تنطق بذلك
النشيد. والغريب أنها حينما أفاقت بعد العملية تبين أنها لا تعرف اللغة الألمانية.
ولكن بعد محادثتها في ذلك الأمر ظهر أنها حينما كانت صغيرة كانت تسمع الجنود
الألمان قرب منزلها ينشدون النشيد الوطني الألماني، فارتكز ذلك في قعر ذهنه، وهذا
ما أنتج نشيد العملية الجراحية.
ي- أعمال غير مناسبة
حذَّرت الروايات من جملة من الأعمال أثناء العلاقة الخاصة بين الزوجين لما لها من أثر سلبي على الولد، ومن تلك الأعمال:
1- الكلام عند الجماع
في الحديث النبويّ: "وكره الكلام عند الجماع، لأنه يورث الخرس "
وقد ورد أنَّ كراهة الكلام أثناء الجماع تشمل قراءة القرآن
الكريم، فعن النبي صلى الله عليه واله: "من كان جنباً في الفراش مع امرأته فلا يقرأ
القرآن، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما ". وبناء على
أنّ هذا النهي تحريمي، حمله بعض العلماء كالشيخ الصدوق قدس سره على قراءة العزائم،
وهي إما السور الأربع التي تحتوي آيات السجدة، وهي:ألم السجدة، حم فصلت، النجم،
العلق، وإما آيات السجدة فقط دون سوره، بحسب الاختلاف في ذلك.
2- النظر إلى فرج الزوجة
عن النبي صلى الله عليه واله: "... لا ينظرنّ أحد إلى فرج
امرأته وليغضَّ بصره عند الجماع، فإنّ النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد
".
3- المسح في خرقة واحدة
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "لا تجامع امرأتك
إلا ومعك خرقة ومع أهلك خرقة ولا تمسحا بخرقة واحدة، فتقع الشهوة على الشهوة، فإن
ذلك يعقب العداوة بينكما... ".
4- جماع الحامل على غير وضوء
عن الرسول الكرم صلى الله عليه واله: "إذا حملت امرأتك لا
تجامعها إلا وأنت على وضوء، فإنه إن قضى بينكما ولد يكُنْ أعمى القلب، بخيل اليد"
أعمال غير مناسبة |
أوضاع غير مناسبة |
أمكنة غير مناسبة |
على السطح |
استقبال واستدبار القبلة |
الكلام |
الروايات السابقة في دائرة الأسئلة
بعد عرض الروايات الواردة في التثقيف الجنسي وتبويبها تحت
العناوين السابقة، وحتى لا يترك الأمر على عواهنه، نشير إلى ملاحظات مهمّة ضمن
الإجابة عن الأسئلة الآتية:
1- هل خطاب الروايات إرشادي أو مولوي؟
ينقسم الخطاب الصادر عن النبي صلى الله عليه واله والأئمة
عليهم السلام إلى نوعين:
1- مولوي، وهو الذي يكون
فيه الأمر في مقام الإلزام الذي يترتب على تركه استحقاق العقاب، كالأمر بالصلاة
اليومية وصوم شهر رمضان والحج إلخ، أو في مقام الاستحباب الذي يترتب على فعله ثواب،
كالأمر بتسبيح الزهراء عليها السلام في تعقيب الصلاة، وسجدة الشكر بعد الصلاة إلخ...
2- إرشادي، وهو الخطاب الذي لا يكون كذلك، بل يقتصر دوره على بيان ما فيه مصلحة أو
مفسدة أو غير ذلك، كأمر الطبيب للمريض باستعمال الدواء، فهو لا يقصد منه أنّ المريض
لو لم يستعمله يكون مأثوماً ومرتكباً للمحرَّم، بل الطبيب في أمره يُرشد المريض إلى
ما في الدواء من نفع وشفاء.
بعد أن اتضح المصطلحان نودّ الإرشاد إلى أنَّ ما سبق من روايات تنهى عن المعاشرة في
أزمنة محدَّدة وأمكنة كذلك وأوضاع معيّنة وحالات خاصة، هل هي في مقام الأوامر
الاستحبابية التي يترتب على فعلها الثواب؟ أو أنها تقع في إطار الأوامر الإرشادية
التي يوجِّه فيها النبي صلى الله عليه واله وأهل بيته عليهم السلام إلى مصالح للناس
من دون إطار استحبابي وثوابي عليها؟
إنَّ الكثير من العلماء يحمل نوعاً من الخطاب، كهذا، على
أنه خطاب استحبابي يترتّب على امتثاله الثواب من الله تعالى، إلا أن بعض العلماء
يميِّز بين نوعين من الخطابات:
الأول: الخطابات المعلَّلة بتعليل دنيوي، أي
التي ذكر فيها علة الخطاب الواقعة في دائرة الأمور الطبيعية في عالم الدنيا،
كالحديث السابق: "... لا تجامع امرأتك من قيام،... فإن
قضى بينكما ولد كان بوّالاً في الفراش..."، "...ولا
تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيره، فإني أخشى إن قضى بينكما ولد أن يكون مخنَّثاً أو
مؤنثاً مخبَّلاً".
الثاني: الخطابات غير المعلَّلة بالنوع
المتقدم من العلل.
وعلى أساس هذا التمييز يرجِّح بعض العلماء أن تكون تلك الخطابات المعلَّلة هي من
النوع الإرشادي الذي يتحدّّث فيها النبي صلى الله عليه واله أو الإمام عليه السلام
من باب كونه مرشداً أو موجِّهاً لما فيه مصلحة الإنسان في الدني، وليس على أساس أنه
مولى يترتب الثواب على امتثال خطابه المَصوغ بصيغة الأمر، وعلى ترك العمل الذي نهى
عنه.
وهذا من نظير لما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام حول الغسل بغسالة ماء الحمَّام
العام "من اغتسل من الماء الذي قد اغتُسل فيه فأصابه
الجذام، فلا يلومنَّ إلا نفسه"، فقال له أحدهم: "إنّ أهل المدينة يقولون:
إنّ فيه شفاء من العين، فقال عليه السلام:"كذبو، يغتسل
فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرُّهما وكلّ من خلق الله، ثم يكون
فيه شفاء من العين؟!". فالإمام عليه السلام هو في مقام الإرشاد إلى
التحفظ من سراية الجُذام إلى المغتسل من ذلك الماء.
في ضوء معرفة هذين الاتجاهين ندخل في الملاحظة الثانية
الواقعة ضمن السؤال الآتي:
2- هل تلك الروايات معتبرة؟
لن ندخل هنا في دراسة سنديَّة للروايات السابقة كلٍّ على
حدة، لكن نُشير إلى نقطتين للإجابة عن هذا السؤال:
النقطة الأولى
إنَّ البعض قد يستغرب صدور هكذا نوع من المضامين عن النبي صلى الله عليه واله وأهل
بيته عليهم السلام، على أساس أنّ هذا الحديث قد يدخل في إطار المحظورات الأدبية،
وفي مقام الجواب نقتصر على ما ذكره صاحب الجواهر قدس سره بقوله: "إنّ
الله لا يستحيي من الحق".
النقطة الثانية
هناك اتجاه علمي بأنَّ الروايات المتعلقة بالمستحبات أو بمطلق الأحكام غير
الإلزامية، لها خصوصية هي أنَّ الثواب يترتب على العمل بها حتى لو لم تكن صادرة
واقعاً عن النبي صلى الله عليه واله.
وما دلَّ على هذه الخصوصية مجموعة روايات كصحيحة هشام ابن سالم عن الإمام الصادق
عليه السلام: "من سمع شيئاًَ من الثواب على شيء، فصنعه
كان له أجره، وإن لم يكن على ما بلغه".
وقد استقى ثلة من العلماء من هذه الروايات قاعدة سمّوها بقاعدة التسامح في أدلة
السنن. إلا أنه نتيجة النقاش في تلك الروايات لم تثبت هذه القاعدة عند العديد من
الفقهاء، وبما أنّ بعضهم لم يدقِّق في حجية الروايات الواردة في دائرة الاستحباب في
ما ورد في رسائلهم العملية، فإنهم صرَّحوا في بداياتها أنَّ المستحبات الواردة فيها
يؤتى بها بنية رجاء المطلوبية، بمعنى أنَّ هذه المستحبات – بما أنها لم يُتأكَّد من
ثبوتها بطريق شرعي وحتى لا يقع المكلَّف في مشكلة البدعة التي تعني إدخال شيء في
الدين وهو ليس من الدين- فإنه يؤتى بها لا بما أنها مطلوبة ومستحبة، بل برجاء أن
تكون كذلك.
فمن باب المثال قال المرحوم السيد أبو القاسم الخوئي في بداية كتاب منهاج الصالحين:
"إنَّ كثيراً من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة
يتبين استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن، ولمَّا لم تثبت عندن، فيتعيَّن
الإتيان بها برجاء المطلوبية، وكذا الحال في المكروهات فتُترك بنية رجاء المطلوبية".
ولا يخفى أن الكلام في هذه النقطة الثانية مبني على أن تلك الروايات ليست في مقام
الإرشاد، بل في مقام الخطاب المولوي، كما تقدَّم توضيح ذلك.
3- هل الكراهة في
الروايات هي لأجل الولد؟ أو أنها مطلقة؟
ذكر بعض الفقهاء أنَّ الروايات السابقة التي علَّلت الأمر أو النهي بنتيجة يتأثر
بها الولد تقتضي اختصاص الاستحباب أو الكراهة في جماع يمكن فيه حصول ذلك، أمَّا إذا
كانت الزوجة لا تحمل لسببٍ م، فلا يحكم بالاستحباب أو الكراهة.
ولكن يُلاحظ على هذا الكلام أنه لا يأتي بناء على أنّ الخطاب هو إرشادي، فمقتضى
كونه كذلك اختصاصه بالجماع الذي يمكن فيه حصول الحمل. أمَّا بناء على كون الخطاب
مولوياً فيأتي عليه ما ذكره صاحب الجواهر من " أنّ المراد
من نحو هذه التعليلات ذكر بعض الحكمة في هذا الحكم المبني على العموم، لا أنّ
المراد منها دوران الحكم مدارها وجوداً أو عدما".
* كتاب ثلاثة حقوق لحياة زوجية ناجحة، للشيخ أكرم بركات.
2013-02-20