يتم التحميل...

الجذور التاريخية

الوحدة الإسلامية

وللإنصاف فإن للتجزئة السياسية بذوراً وجذوراً في تاريخ الأمة القديم، ومنذ العهد الإسلامي الأول، فقد شهد تاريخ الأمة منذ منتصف قرنه الأول..

عدد الزوار: 104

وللإنصاف فإن للتجزئة السياسية بذوراً وجذوراً في تاريخ الأمة القديم، ومنذ العهد الإسلامي الأول، فقد شهد تاريخ الأمة منذ منتصف قرنه الأول، وما بعده من القرون، حالات من الانفصال والتمزق، كانت أولها وبدايتها، تمرد معاوية بن أبي سفيان سنة 36هـ، على الخلافة الشرعية، المتمثلة في الإمام علي بن أبي طالب، والذي بايعته جماهير الأمة بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، إلا أن معاوية بن أبي سفيان رفض الخضوع للخلافة، واقتطع لنفسه منطقة الشام، والتي كان والياً عليها من قبل، وأعلن نفسه حاكماً عليها، وصار يزحف على ما والاها من المناطق.

وطوال فترة خلافة الإمام علي من سنة 35هـ إلى سنة 40هـ، وكذلك في السنة الوحيدة لخلافة ابنه الإمام الحسن بن علي، والذي بويع بعد مقتل أبيه الإمام علي، كان هناك كيانان سياسيان، وعاصمتان للحكم، الأول تقوده الخلافة الشرعية وعاصمته الكوفة في العراق، والثاني تتزعمه القوة المتمردة وعاصمته دمشق في الشام، ولكل من الكيانين جيشه وقوته العسكرية، وقد نشبت الحرب بين القوتين في "صفين" ، واستمرت لما يزيد على العام، حيث ابتدأت الحرب في أول ذي الحجة الحرام سنة 36هـ، وانتهت في منتصف شهر صفر 37هـ، و "قتل فيها من الشجعان المسلمين وأنجادهم، تسعون ألفاً وهو عدد لم يذهب مثله ولا قريب منه، في جميع الوقائع الإسلامية من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تاريخها".

ولم تتجاوز الأمة محنة التجزئة هذه، إلا بالقرار الشجاع الذي اتخذه الإمام الحسن بن علي، بالصلح مع معاوية بن أبي سفيان، وتنازله عن السلطة والحكم، في منتصف شهر جمادى الأول سنة 41هـ.

ثم تكررت هذه الظاهرة مرة ثانية، على يد أموي آخر، هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، والذي فرَّ في أعقاب سقوط الدولة الأموية إلى الأندلس، وعمل على أخذ الحكم فيها، وأعلن دولته الأموية المستقلة عن الدولة الإسلامية المركزية، التي كانت بزعامة العباسيين آنذاك سنة 138هـ/ 755م. مما مهد الطريق أمام حالات مشابهة فيما بعد، كقيام دولة الأغالبة في شمال أفريقيا، وحكم البويهين ثم السلاجقة في العراق، والطولونيين ثم الاخشيديين ثم الفاطميين ثم الأيوبيين، وأخيراً المماليك في مصر، وحكم الحمدانيين في حلب، وما أشبه من الإمارات المستقلة، التي انفصلت عن الدولة الإسلامية المركزية..

بالطبع كانت هناك مبررات، استغلها الولاة في تلك الأطراف، لإعلان تمردهم وانفصالهم، كوجود الفساد والانحراف، أو إهمال مصالح شعوب تلك الأطراف والحيف عليها. وقيام هذه الإمارات، هو الذي مهد الطريق لتفكك الدولة الإسلامية الكبرى فيما بعد1.


1- الشيخ حسن الصفار.

2013-01-24