يتم التحميل...

مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

العلاقة مع المجتمع

ذكر الفقهاء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب لا بد من رعاية تدرجها في الأمر والنهي هي بحسب ما رتبها الإمام الخميني قدس سره: في تحرير الوسيلة كما يلي:1- المرتبة الأولى: مرتبة القلب،2-المرتبةالثانية: مرتبة اللسان،3- المرتبة الثالثة: مرتبة الفعل أواليد،ولنبدأ بالحديث عنها كما جاء ترتيبها.

عدد الزوار: 106

 ذكر الفقهاء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب لا بد من رعاية تدرجها في الأمر والنهي هي بحسب ما رتبها الإمام الخميني قدس سره: في تحرير الوسيلة كما يلي:

1- المرتبة الأولى: مرتبة القلب.
2- المرتبة الثانية: مرتبة اللسان.
3- المرتبة الثالثة: مرتبة الفعل أو اليد.

ولنبدأ بالحديث عنها كما جاء ترتيبها.

1- مرتبة القلب

والمقصود بها: "أن يعمل الآمر أو الناهي عملاً يظهر منه انزجاره القلبي عن المنكر".

ومعنى ذلك أن المطلوب هو اظهار ما في قلب الناهي أو الآمر من حالة بغض ونفور من المنكر وترك المعروف بطريقة يفهم منها كما يقول الإمام قدس سره: "أنه طلب (أي المنكر والآمر) منه (الفاعل) بذلك (العمل) فعل المعروف وترك المنكر".

ولا بد من الالفات إلى أن بعض هذه الأعمال يكون أقل حدة من بعضها الآخر، ولذا لا بد من رعاية القاعدة أعلاه حتى في نفس المرتبة فما كان أقل حدة من درجات مرتبة القلب وكان مؤثراً فلا يجوز التجاوز إلى ما هو أشد من نفس الرتبة.

وعن مصاديق هذه المرتبة يقول الإمام قدس سره: "وله درجات كغمض العين، والعبوس والانقباض في الوجه، وكالإعراض بوجهه أو بدنه، وهجره وترك مراودته ونحو ذلك".

وعن رعاية التدرج في درجات هذه المرتبة قال: "يجب الاقتصار على المرتبة المذكورة مع احتمال التأثير ورفع المنكر بها، وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية والأيسر فالأيسر سيما إذا كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله فلا يجوز التعدي عن المقدار اللازم، فإن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب لا يجوز التعدي إلى مرتبة فوقه".

تنبيه
لا بد من الإشارة إلى أمر دقيق وهو أن إظهار التنفر القلبي واجب مشروط باحتمال التأثير وهو مرتبة من مراتب الأمر والنهي، لكن هناك واجباً آخر له علاقة بنفس الإنسان المؤمن وهو حرمة الرضا بفعل المنكر ووجوب بغضه سواء أمكن اظهاره أم لا، وهذا تكليف ليس مشروطاً باحتمال التأثير وعدمه ولعله لأجل حماية الإنسان نفسه من حالة قبول الانحراف والتعايش معه برضا.

يقول الإمام الخميني قدس سره: في تحرير الوسيلة: "يحرم الرضا بفعل المنكر وترك المعروف، بل لا يبعد وجوب كراهتهما قلباً وهي غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

2- مرتبة اللسان

وهي الأمر والنهي لساناً، ولا بد من التنبيه على أنه لا يلجأ إلى مرتبة اللسان إذا أفادت مرتبة القلب.

يقول قدس سره: لو علم أن المقصود لا يحصل بالمرتبة الأولى (مرتبة القلب) يجب الانتقال إلى الثانية (اللسان) مع احتمال التأثير.

ولهذه المرتبة كذلك درجات تختلف شدة وليناً فمنها:

1- الوعظ والإرشاد والقول اللين، فمع احتمال التأثير بها يجب رعايتها ولا يجوز التعّدي إلى ما هو أشد.

2- (الأمر والنهي) فاذا علم ان الدرجة السابقة لا تفيد، ينتقل إلى الأمر والنهي، ويجب أن يكون من الأيسر في القول إلى الأيسر مع احتمال التأثير ولا يجوز التعدي (لا سيما إذا كان المورد مما يهتك الفاعل به).

3- غلظة القول والتشديد (مع احتمال التأثير به وعدم احتمال التأثير بما ذكر أعلاه) بأن يشدد في الأمر وبالوعيد على المخالفة يجوز له ذلك بل يجب مع الاحتراز من الكذب.

تنبيهات
أ- لو كان بعض مراتب القول أقل إيذاء من بعض مراتب اظهار النفور القلبي يجب الاقتصار على القول مع احتمال التأثير، كما لو كان القول اللين والوعظ أقل إيذاءً من العبوس والإعراض بالوجه يجب تقديم الوعظ والإرشاد مع انبساط الوجه بالقول اللين على العبوس والإعراض.

ب- لو لم يمكن التأثير إلا بجمع بعض المراتب مع بعضها أو بعض الدرجات من مرتبة مع درجات من مرتبة أشد وجب،كأن لم يمكن التأثير إلا بالجمع بين العبوس والهجر مع الانكار باللسان والغلظة والتهديد ورفع الصوت فيجب ذلك.

3- مرتبة الفعل
أو ما يسميه الإمام الخميني قدس سره الإنكار باليد.

ولا يصار إلى هذه المرتبة إلا بالعلم أو الاطمئنان بأن التأثير لا يحصل بأي من المرتبتين الأوليين وله درجات.

1- الحيلولة: بأن يحول بين الفاعل وبين المنكر بشرط كونها أقل محذوراً من غيرها، ومن صورها التصرف الفاعل كأخذ يده أو رده أو آلة الفعل كالتصرف في كأسه الذي فيه الخمر أو سكينه.

ومن صورها حبس الفاعل أو منعه من الخروج من منزله مع مراعاة الأيسر فالأيسر وينبغي في هذه الصورة الإستئذان من الفقيه الجامع للشرائط.

2- الضرب والإيلام: الظاهر جوازهما مراعياً للأيسر فالأيسر وينبغي أخذ الإذن من الفقيه الجامع للشرائط.

3- الجرح أو القتل ولا يجوز إلا بإذن الإمام عليه السلام على الأقوى، ويقوم في هذا الزمان الفقيه الجامع للشرائط مقامه مع حصول الشرائط.

ملاحظة
التعدي عن المقدار اللازم: في دفع المنكر مع وجود ضرر على فاعل المنكر محرم، ويكون الناهي ضامناً.

حذارِ من الخطأ والتعدي
لا بد من لفت النظر إلى ضرورة التدقيق في الأحكام الشرعية من قبل الآمرين بالمعروف حتى لا يقعوا في المنكر أثناء وفي طريق أمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى لا ترتكب المنكرات باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى لا تؤدي إلى تنفير العاصين من الدين وأحكامه في وقت يفترض جذبهم إلى الدين والتدين، وأن لا يحمّل الآمرون والناهون أنفسهم أوزاراً يطالبهم اللَّه بها وهم يعملون على استنقاذ الآخرين كالتجسس على الناس؛ أو يغلظ لهم ويسب ويشتم أو يضرب أو غير ذلك مع امكان التأثير بما هو أفضل وأجمل وألين.

وقد أشار الحديث الشريف التالي إلى ذلك قائلاً: "من كان آمراً بالمعروف فليكن أمره كذلك بمعروف".

ينقل الشهيد مطهري الحادثة التالية: انه في زمن المرحوم آغا نجفي الأصفهاني جاء إلى منزله عدد من الذين قد سموا أنفسهم طلبة لكنهم ليسوا بطلبة حقيقيين. فلما وصلوا كانوا يلهثون وهم يحملون دفاً محطمة وطبلة مكسورة، سألهم المرحوم آغا نجفي ماذا هناك؟ من أين أنتم قادمون؟ ما هذا الذي بيدكم؟

فقالوا: كنا في المدرسة فجاءنا خبر أنه في منزل تفصله عدة بيوت عن مدرستنا يقام عرس، وهم يدقون هناك على الدف والطبلة، فصعدنا إلى سطح المدرسة وأخذنا نقفز إلى أسطح البيوت المجاورة من سطح إلى سطح حتى وصلنا إلى البيت فدخلنا إليه وضربنا من كان فيه وكسرنا دفهم وطبلتهم، وتقدم أحدهم نحو الآغا نجفي وقال أنا توجهت نحو العروس وصفعتها صفعة قوية على وجهها. فقال المرحوم آغا نجفي ساخراً:
"حقيقة ما فعلتم سوى النهي عن المنكر، ولكنكم ارتكبتم عدة منكرات باسم النهي عن المنكر أولاً كان حفل عرس، ثانياً ليس لكم حق في التجسس، ثالثاً من أعطاكم الحق في العبور على أسطح بيوت الناس، رابعاً من أجاز لكم أن تذهبوا وتتضاربوا؟".

خاتمة
يقول الإمام الخميني قدس سره:"ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أمره ونهيه ومراتب إنكاره كالطبيب المعالج المشفق والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصة، وعلى الأمة عامة، وأن يجرد قصده للَّه تعالى ولمرضاته، يخلص عمله بذلك عن شوائب أهوية نفسانية واظهار العلو، وأن لا يرى نفسه منزهة، ولا لها علواً أو رفعة عن المرتكب، فربما كان للمرتكب ولو للكبائر صفات نفسانية مرضية للَّه تعالى أحبه تعالى لها، وإن أبغض عمله، وربما كان الآمر والناهي بعكس ذلك وإن خفي على نفسه"1.


*حياة المجتمع، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، نيسان 2006م ، ص103-110.


1- راجع تحرير الوسيلة من صفحة 362 إلى صفحة 479. 2009-08-15