يتم التحميل...

نداء الإمام الخامنئي

نداء القائد

إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1433 هـ ق

عدد الزوار: 85


إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1433 هـ ق
25/10/2012

الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه على الرسول الأعظم الأمين، وعلى آله المطهّرين المنتجبين، وصحبه الميامين.

حلّ موسم الحج زاخراً بالرحمة والبركة، وغمر بالفيض الإلهي مرةً أخرى السعداء الذين تشرّفوا بالحضور في هذا الميعاد النورانيّ. الزمان والمكان هنا يدعوان كل واحد منكم يا حجّاج بیت الله الحرام للارتقاء المعنوي والمادي. الرجال والنساء المسلمون هنا يلبّون بقلوبهم وألسنتهم دعوة الله العظيم للصلاح والفلاح. هنا يجد الجميعُ الفرصة للتمرّن على الأخوّة والتجانس والورع. هنا مخيّم للتربية وللتعليم، ومعرض لوحدة الأمة الإسلامية وعظمتها وتنوّعها، مخيّم مكافحة الشيطان والطاغوت. جعل الله الحكيم القدير هذا المكان ليشهد المؤمنون فيه منافع لهم. عندما نفتح عيون العقل والعبرة يشمل هذا الوعد السماوي كل مديات الحياة الفردية والاجتماعية.

طواف الأبدان والقلوب
تمتاز شعائر الحج بخصوصية امتزاج الدنيا والآخرة، وتلاحم الفرد والمجتمع. الكعبة العظيمة البسيطة، وطواف الأجسام والقلوب حول محور ثابت أبدي، والسعي والجهد المستمر المنظم بين مبدأ ومنتهى، والهجرة الجماعية إلى ساحات البعث في عرفات والمشعر، والأشواق والانفعالات التي تزيد القلوب في هذا المحشر العظيم صفاء ورقّة، والهجوم العام لمواجهة رمز الشيطان، ثمّ السعي العام من الجميع من كل مكان ولون ونوع في كل هذه المراسم الزاخرة بالرموز والأسرار، والمفعمة بالمعاني وآيات الهداية. هي الخصائص الفريدة لهذه الفريضة الطافحة بالمعاني والمضامين.

إصلاح الذات وإصلاح الأمّة
مثل هذه المراسم هي التي تربط القلوب بذكر الله، وتنير خلوة أفئدة البشر بنور التقوى والإيمان، وتُخرج الفرد من قلعة الذات لتذيبه في الجمع المتنوّع للأمة الإسلامية، وتلبسه ثياب الورع التي تحمي روحه من سهام المعاصي المسمومة، وتثير فيه روح مهاجمة الشياطين والطواغيت. هنا يشاهد الحاج بعينه نموذجاً من المديات الواسعة للأمة الإسلامية، ويكتشف إمكانياتها وقدراتها، ويعقد الآمال على المستقبل، ويشعر كذلك بالجاهزية لأداء دوره في ذلك المستقبل، وإذا حظي بتوفيق الله وعونه يبايع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ثانية، ويعقد ميثاقاً قوياً مع الإسلام العزيز، ويوجِد في داخله عزماً راسخاً لإصلاح ذاته وإصلاح الأمّة وإعلاء كلمة الإسلام.

وهذان الإثنان، أي إصلاح الذات وإصلاح الأمّة فريضتان لا تتعطلان. وسُبُلهما لن تكون صعبةً على أهل التدبّر والتأمّل، بفضل التعمّق في الواجبات الدينية والاستلهام من التعقّل والبصيرة.

إصلاح الذات يبدأ بمكافحة الأهواء الشيطانية والسعي لاجتناب الذنوب، وإصلاح الأمة ينتظم بمعرفة العدو ومخططاته، والمجاهدة لإحباط ضرباته وخدعه وعداواته، ثمّ بتعاضد القلوب والأيدي والألسنة بين كل المسلمين والشعوب الإسلامية.

قضايا الأمّة ومساعي العدو
من أهم القضايا في العالم الإسلامي خلال هذه الفترة الزمنية، هي قضية ارتبطت بمصير الأمة الإسلامية، الأحداث الثوريّة في شمال أفريقيا والمنطقة، والتي أفضت لحد الآن إلى إسقاط عدة أنظمة فاسدة مطيعة لأمريكا ومتعاونة مع الصهيونية، وزلزلت أركان عدة أنظمة أخرى من هذا القبيل. إذا فوّت المسلمون هذه الفرصة العظيمة، ولم ينتفعوا منها في سبيل إصلاح الأمة الإسلامية، فقد خسروا خسراناً كبيراً. لقد بدأت الآن كل مساعي الاستكبار المعتدي المتدخّل الرامية إلى حرف هذه التحركات الإسلامية العظيمة.

في هذه النهضات الكبرى انتفض الرجال والنساء المسلمون ضد استبداد الحكام وسيطرة أمريكا التي أدت إلى تحقير الشعوب وإذلالها والتحالف مع الكيان الصهيوني الإجرامي. واعتبرت الجماهيرُ الإسلامَ وتعاليمه وشعاراته المنقذة العامل المخلّص لها في هذا الكفاح المصيري، وأعلنت عن ذلك بصوت عال. وجعلت الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم ومكافحة الكيان الغاصب على رأس مطالبها، ومدّت يد الصداقة للشعوب المسلمة وطالبت باتّحاد الأمّة الإسلامية.

الحرية والإصلاح
هذه هي أسس النهضات الشعبية في البلدان التي رفعت خلال العامين الأخيرين راية الحرية والإصلاح، وتواجدت بأجسامها وأرواحها في سوح الثورة، وهذا ما يمكنه ترسيخ الدعائم الأساسية لإصلاح الأمة الإسلامية الكبيرة. الثبات على هذه الأصول الأساسية شرط لازم لانتصار الثورات الجماهيرية في هذه البلدان انتصاراً نهائياً.

يسعى العدو لزعزعة هذه الأركان الأساسية. وتستغل الأيدي الفاسدة لأمريكا والناتو والصهيونية بعض حالات الغفلة والتسطيح لحرف المسيرة العارمة للشباب المسلم وإشعال اشتباكات بينهم باسم الإسلام، وتبديل الجهاد المناهض للاستعمار والصهيونية إلى إرهاب أعمى في أزقة العالم الإسلامي وشوارعه، حتى تراق دماء المسلمين على أيدي بعضهم، ويتخلص أعداء الإسلام من الطريق المسدود، ويشتهر الإسلام والمجاهدون في سبيله بسوء الصيت والوجه المشوّه.

إثارة الفتن وسيلة العدو اليائس
وبعد يأسهم من إلغاء الإسلام والشعارات الإسلامية، عمدوا الآن إلى إثارة الفتن بين الفرق الإسلامية، وراحوا يضعون العقبات والعراقيل في طريق اتحاد الأمّة الإسلامية بمؤامرات التخويف من الشيعة والتخويف من السنّة.

إنهم يخلقون الأزمات في سورية بمساعدة عملائهم في المنطقة ليصرفوا أذهان الشعوب عن قضايا بلدانها المهمّة والأخطار التي تحدّق بهم، إلى الأحداث الدامية التي ساهموا إسهاماً أساسياً في خلقها. إنّ الحرب الداخلية في سورية ومقتل الشباب المسلمين على أيدي بعضهم بعضاً جريمة بدأت وتمّ تأجيجها من قبل أمريكا والصهيونية والحكومات المطيعة لهما. من يمكنه أن يصدّق أن الحكومات التي دعمت الدكتاتوريات السوداء في مصر وتونس وليبيا تحمي الآن مطالبة الشعب السوري بالديمقراطية؟ قضية سورية قضية الانتقام من حكومة وقفت لوحدها طوال ثلاثة عقود أمام الصهاينة الغاصبين، ودافعت عن فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان.

إننا نناصر الشعب السوري ونعارض أي تحريض وتدخّل خارجي في سورية. أي إصلاح في هذا البلد يجب أن يتمّ على يد الشعب وبأساليب وطنية تماماً. أن يختلق طلاب الهيمنة الدوليون بمساعدة حكومات المنطقة المطيعة لهم أزمةً في بلد بذريعة من الذرائع، ثمّ يتذرّعوا بوجود تلك الأزمة للسماح لأنفسهم بارتكاب أية جريمة في ذلك البلد، فهذا خطر جدّيّ إذا لم تعالجه حكومات المنطقة فعليها أن تنتظر دورها في هذه الخدعة الاستكبارية.

الحج فرصة للتأمّل والتعمّق
أيها الإخوة والأخوات.. موسم الحج فرصة للتأمّل والتعمّق في قضايا العالم الإسلامي المهمة. ومن هذه القضايا مصير ثورات المنطقة والمساعي التي تبذلها القوى المتضرّرة من هذه الثورات لتحريفها. المخططات الخيانية لبثّ الخلافات والفرقة بين المسلمين، وإشاعة سوء الظن وعدم الثّقة بين البلدان الثائرة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقضية فلسطين والمساعي الرامية لعزل المناضلين وإطفاء جذوة الجهاد الفلسطيني، والأداء الإعلامي للحكومات الغربية المعادي للإسلام، ودعمهم لمن أهانوا المنزلة المقدسة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والتمهيد لحروب داخلية وتقسيم بعض البلدان المسلمة، وإخافة "الحكومات والشعوب الثائرة" من معارضة "طلاب الهيمنة الغربيين"، والترويج لوهم أن مستقبلهم رهن بالاستسلام أمام المعتدين... وغير ذلك من مثل هذه القضايا المهمّة والحيوية، هي في عداد القضايا المهمّة التي يجب أن يجري التأمّل والتعمّق فيها خلال فرصة الحج، وفي ظل التعاطف والتقارب بينكم أيها الحجاج.

لا شكّ أن الهداية والإرشاد الإلهيين سوف يدلّان المؤمنين على سبل الأمن والسلامة.. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.. (العنكبوت: 69)

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السيد علي الخامنئي
2012-12-01