لماذا التقصير بالأمربالمعروف والنهي عن المنكر
العلاقة مع المجتمع
لماذا يا ترى يقصر أبناء الأمة الإسلامية في أداء تكليفهم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولماذا لا يلتفت الكثير من المنتسبين إلى الإسلام إلى هذا الواجب الشديد الأهمية والحساسية.فلو سألتهم بأغلبهم عن من هو المسؤول عن الإصلاح في المجتمع
عدد الزوار: 180
الأسباب النفسية والأخلاقية
الإصلاح مسؤولية عامة
لماذا يا ترى يقصر أبناء الأمة الإسلامية في أداء تكليفهم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولماذا لا يلتفت الكثير من المنتسبين إلى الإسلام إلى هذا الواجب الشديد الأهمية والحساسية.
فلو سألتهم بأغلبهم عن من هو المسؤول عن الإصلاح في المجتمع لما تردد أكثرهم عن أن يسمعك قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"1.
ونضيف أن القرآن الكريم حدد نوع العلاقة بين مجتمع المؤمنين بالولاية قائلاً:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾(التوبة:71).
فكل واحد من المؤمنين تربطه بباقي الأفراد رابطة الولاء، وهو مسؤول تجاه أخيه المؤمن بأداء حق هذه الرابطة بما يتعلق بجميع أنحاء وجوده، ثم يكمل المولى عزَّ وجلَّ مبيناً كيف تُؤدى هذه المسؤولية: "يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ".
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ناشئان من الولاية التي تشكل الرباط بين أعضاء المجتمع الإسلامي، وهو الممارسة العملية لهذا التوحد العاطفي والعملي لأبناء المجتمع ولذا فمسؤولية كل فرد أن يأخذ موقعه في نصرة المجتمع من خلال القيام بواجبه هذا.
ولكن قد نقع في حالة إهمال لهذه المسؤولية، فما هي العوامل التي تجعل أبناء الأمة يتخلفون عن أداء هذا الواجب المقدس؟
لا بد من البحث عن هذه الأسباب بادئين بالأسباب النفسية التي تعود إلى مشكلات تتعلق بشخصية الأفراد.
العلاقة النفعية بأحكام الإسلام
يقول الإمام الحسين عليه السلام: "الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون"2.
1- ارتباط الإنسان بالدنيا
هناك مرض خطير يصيب الإنسان بشكل عام وإذا أصاب المسلمين تكون له تجليات، وهو نوع ارتباط الإنسان بالدنيا والذي ينعكس على خطواته في حياته، فإذا كان الإنسان شديد الحب للدنيا وشديد الرغبة فيها فإن هذا سيقلب أولوياته بمعنى أن يقدم دنياه على آخرته، فيتحوط لكل خطر على نفسه وماله وعائلته، بينما لا يبالي بما يؤدي إلى حفظ الكيان الإسلامي العام، وعليه فأمثال هؤلاء سيتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا شكل أداؤهما مانعاً مقابل بعض المنافع الدنيوية.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر. يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ويتبعون زلات العلماء وفساد عملهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلفهم في نفس ولا مال، ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها"3.
وقد يتطور هذا المرض إلى حد تحوله من مشكلة هروب من تكلفة القيام بالفريضة إلى حيث تصبح العلاقة بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علاقة نفعية، فيكون الإنسان عبداً لجشعه ولرغبته في تحصيل منافع أكبر، فيفقد الحماس لدينه ومعه يفقد القدرة على الأمر والنهي لأن همه في انتفاعه مما يقوم به.
ويعلل الإمام علي عليه السلام في رواية نقلها عنه ابنه الإمام الحسين عليه السلام ذلك بأن اللَّه عاب على الربانيين والأحبار لعدم نهيهم عن المنكر قائلاً: "وإنما عاب اللَّه ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظَلَمة المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم، ورهبة مما يحذرون"4.
2- ضعف الحمية الدينية
إن القرآن الكريم يحدثنا عن حمية الكافرين ويعتبرها حمية الجاهلية. ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة﴾(الفتح:26)، معرضاً بهذا النوع من الحمية، ولكن هناك حمية إيمانية هي مطلوبة بقدر مبغوضية حمية الكفار.
ومعنى الحمية الدينية هي وجود هذه الغيرة في نفوس المؤمنين على دين اللَّه وعقائده ومقدساته بوجه الذين يتعدون حدود اللَّه وينتهكون حرمات الدين والمسلمين.
وهذا ينم عن مدى مؤثرية الدين في النفوس. وقد صرح الإمام الحسين عليه السلام عن أحد أسباب غلو طاغية زمانه يزيد بن معاوية وجلاوزته في ظلمهم وتعدياتهم وطمعهم بأكثر مما ارتكبوا إلى درجة أصبح الموت في نظرهم أفضل من العيش مع أناس فقدوا هذه الغيرة والحمية فقال عليه السلام: "ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن بلقاء ربه محقاً"5.
وكذلك كان أبوه الذي وجد الأمة والمجتمع في ذلك الزمن قد ابتلي بمرض الضعف وقلة الحيلة واللامبالاة أمام اعتداء جيش معاوية بن أبي سفيان ليخلص إلى نفس ما خلص إليه ولده: "فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان عندي جديراً".
فالإمام يريد إضافة إلى الانتماء الثقافي والعقائدي لهذا الدين، رابطة عاطفية ونفسية تتجاوز حدود اللسان إلى كل مكامن الشعور لدى الفرد والمجتمع المؤمنَيْن وقد عاب الإمام علي عليه السلام على من لا يتجاوز دينه لسانه قائلاً: "صار دين أحدكم لعقة على لسانه"6.
3- عدم الثقة بالقدرة على التأثير
قد يترك بعض المسلمين أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبررين ذلك بأن أمرهم ونهيهم لا يؤثر وبالتالي فالناس لا تتجاوب مع دعواتهم وهم يظهرون استياءهم من حال الناس الذين يتركون المعروف ويرتكبون المنكرات، إلا أنهم يجدون لأنفسهم الأعذار فيما لو تركوا أداء هذه الفريضة بأن أمرهم ونهيهم لا يؤثر وبالتالي فقد سقط هذا التكليف بحقهم وأبرئت بذلك ذمتهم وخلصوا من مسؤوليتهم عن شيوع المفاسد في المجتمع.
فكل ما يرونه في انجاز هذا التكليف هو القول باللسان وبشكل فردي، مع العلم أن الغرض هو قلع المنكر ونشر المعروف وعليه فالمطلوب أكثر من القول، المطلوب العمل إضافة إلى القول والقيام بعمل جماعي إن لم ينفع العمل الفردي. وقد بين الإمام الصادق عليه السلام ذلك في الرواية التالية:
عن الحارث بن المغيرة قال: لقيني أبو عبد الله عليه السلام في طريق المدينة فقال:
من ذا أحارث؟ قلت: نعم قال: أما لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم، ثم مضى، فأتيته فاستأذنت عليه فدخلت فقلت: لقيتني فقلت لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم، فدخلني من ذلك أمر عظيم، قال: نعم، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون وما يدخل علينا به الأذى أن تأتوه فتؤنبوه وتعذلوه وتقولوا له قولاً بليغاً؟ فقلت (له): جعلت فداك إذاً لا يطيعونا ولا يقبلون منا؟ فقال: اهجروهم واجتنبوا مجالسهم 7.
4- عدم الاستعداد للتضحية
يعتقد البعض أن الحفاظ على مقاماتهم وشخصياتهم ومتعلقات هذين الأمرين له درجة الأولوية، لذلك فهم يداهنون أهل المعاصي ويسايرونهم فلا يعيبون عليهم فعلهم، وقد جاء في الرواية أن شعيباً عليه السلام سأل اللَّه عن علة إهلاكه عدداً من قومه منهم ستون ألفاً من الأخيار فأجابه تعالى وحياً بأنهم: "داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي"8.
فأمثال هؤلاء يستكثرون التضحية في سبيل دينهم ويستسهلون غضب اللَّه وسخطه، بينما يستصعبون ويتألمون من غضب الناس حتى وإن كان لا يتجاوز اللوم.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "لا تسخطوا اللَّه برضى أحد من خلقه، ولا تتقربوا إلى أحد من الخلق بتباعد من اللَّه عز وجل"9.
إن الدين، ومن أشرف تكاليفه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يقوم بحقه إلا من كان لديه الإستعداد الكامل للبذل والتضحية بكل ما تقتضيه عملية إقامة الدين في الأرض وحماية تعاليمه وحفظ حرماته. وعليه فالذين لا يملكون هذه الروحية وهذا الاستعداد لن يوفقوا للقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولقد رسم الإمام علي عليه السلام في بعض وصاياه موقع المال والنفس والدين وقيمة كل منها ومقامه بالنسبة إلى حياة المسلم فقال عليه السلام: "فإذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم واعلموا أن الهالك من هلك دينه والمريب من خرب دينه"10.
خاتمة
إن اللامبالاة مرض خطير وآفة عظيمة أينما كانت واتجاه أي شيء كانت، فكيف إذا كانت اتجاه الدين وحرماته وأحكامه، فإنها حينها تكون آفة الآفات لأنها تفضي وتوصل إلى الموت الأعظم الذي هو موت المشاعر والأحاسيس وبالتالي موت الروح وإن كان الجسد حياً والقلب ينبض، ولأن اللامبالاة ستؤدي إلى انتشار المرض واتساع رقعة الفساد حتى تغلب على المجتمع، لأننا بلامبالاتنا وعدم أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر سوف نجعل المفسد لا يشعر بأي مسؤولية تجاه أعماله ولن يجد ما يعترض سيره من العقبات وبالتالي فلن يأخذه التورع عن فعل أفظع المحرمات وأقبح المنكرات. وفي موعظة بليغة لنبي اللَّه عيسى على نبينا وآله وعليه السلام يقول:
"إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة، إلا أن يستدرك البيت الأول فيهدم قواعده، فلا تجد فيه النار معملاً. وكذلك الظالم الأول لو يؤخذ على يديه لم يوجد من بعده أمام ظالم فيأتون به، كما لو لم تجد النار في البيت الأول خشباً وألواحاً لم تحرق شيئاً، من نظر إلى الأفعى تؤم أخاه لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته، فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه أيضاً، من نظر إلى أخيه يعمل بالمعاصي ولم يحذره حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه.
ومن استطاع أن يغير الظلم ثم لم يغيره فهو كفاعله، وكيف يهاب الظالم وقد أمن بين أظهركم، لا ينتهي ولا يغير عليه ولا يؤخذ على يديه، فمن أين يقصر الظالمون أم كيف لا يفترون. أفحسب أن يقول أحدكم: لا أظلم ومن شاء فليظلم.
ويرى الظلم فلا يغيره فلو كان الأمر على ما تقولون لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا بأعمالهم، حتى تنزل بهم العثرة في الدنيا"11.
وعدم المبالاة وما سبقها من أمراض ستؤدي إلى استصعاب أداء هذه المهمة وترك القيام بها، وعلى الأقل ستؤدي إلى التردد في أدائها في أول ظهورها والمبادرة لعلاج الآفات مما سيؤدي إلى استفحال المرض وصعوبة العلاج إن لم يؤدِ إلى استعصائه على العلاج ووصوله إلى مرحلة خطيرة بحيث تصبح تكلفة هذا العلاج باهظة جداً إلى مستوى أن يكون الثمن هو دم كدم الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وتضحية كتضحياته وعياله.
قصة للعبرة
بهلول والرشيد
قيل: إن البهلول أتى يوما إلى قصر الرشيد، فرأى المسند والمتكأ الذي هو مكان هارون، فجلس في مكانه لحظة، فرآه الخدمة الخاصة فضربوه وسحبوه من مكان الخليفة.
فلما خرج هارون من داخل قصره رأى البهلول جالسا يبكي فسأل الخدم، فقالوا: جلس في مكانك فضربناه وسحبناه، فزجرهم ونهرهم، وقال له: لا تبك.
فقال: يا هارون، ما أبكي على حالي، ولكن أبكي على حالك، أنا جلست في مكانك هذا لحظة واحدة فحصل لي هذا الضرب الشديد وأنت جالس في هذا المكان طول عمرك، فكيف يكون حالك؟!
*حياة المجتمع، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، نيسان 2006م ، ص59-67.
2- بحار الأنوار، ج44، ص383.
3- الكافي، ج5، ص56.
4- وسائل الشيعة، ج16، ص130.
5- بحار الأنوار، ج44، ص381.
6- نهج البلاغة، ج1، ص223.
7- الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص162.
8- وسائل الشيعة، ج16، ص146.
9- الأمالي للشيخ الصدوق، ص557.
10- الكافي، ج2، ص216.
11- بحار الأنوار، ج14، ص308. 2009-08-15