يتم التحميل...

آثار إجتماعية للأمربالمعروف والنهي عن المنكر

العلاقة مع المجتمع

حديثنا في هذا المقال عن آثار هذه الفريضة على المجتمع بشكل عام، مع الإشارة بداية إلى أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكل ظاهرة اجتماعية ولعل أكبر وأعظم آثارها وبركاتها تظهر في الناحية الاجتماعية وإليك بعض هذه الآثار والبركات...

عدد الزوار: 103

مقدمة
حديثنا في هذا المقال عن آثار هذه الفريضة على المجتمع بشكل عام، مع الإشارة بداية إلى أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكل ظاهرة اجتماعية ولعل أكبر وأعظم آثارها وبركاتها تظهر في الناحية الاجتماعية وإليك بعض هذه الآثار والبركات.

1- تحقيق أهداف النبوات:

لا يخفى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكلان مقدمة لتطبيق أحكام الإسلام، وعن ذلك يقول الإمام الباقر عليه السلام: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الظالم ويستقيم الأمر"1.

فإن أهداف الأنبياء تتحقق بتطبيق أحكام اللَّه واجراء قوانين الإسلام، وعليه فكل من يقوم بهذه الفريضة يشكل قوة دافعة لإجراء هذه القوانين مع كونه أحد أجهزة الرقابة على ذلك.

2- العدالة الاجتماعية

إن توزيع الثروات بشكل عادل ومنع ظلم الظالمين واستنقاذ حقوق المظلومين من الظالمين هي الترجمة العملية لمقولة العدالة الاجتماعية وقد أشار الإمام الباقر عليه السلام لهذه الجهة في الرواية الآنفة الذكر عندما قال: "بها... ترد المظالم...".

وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "مع رد المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفي‏ء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها"2.

إشارة واضحة إلى حسن إدارة المال العام وتوزيع الثروة على مستحقيها ووضعها في محلها.

3- الأمن

والأمن أمنان: داخلي قوامه نزع أسباب الخلاف بوجود النظام العادل وحسن تطبيقه، ومواجهة المعتدين على الحدود.

وعن هذا الأثر تتحدث الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "وتأمن المذاهب...."

وأما الأمن الخارجي الذي يفترض جهوزية عالية لدى أبناء الأمة للجهاد والدفاع وتحمل مسؤولية حماية وحفظ النظام بوجه الأعداء، فعن الإمام الباقر عليه السلام عن هذا الأمر: "بها... وينتصف من الأعداء".

4- قوة المؤمنين وضعف المنافقين

من آثار القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوة خط الإيمان في المجتمع ونصرة المؤمنين بالتوازي مع إضعاف جبهة النفاق والمنافقين. بما يؤديه من وظيفة تتوحد فيها طاقات أبناء الأمة وتذوب معها الأنانيات، وهذا يعطي قوة لمجتمع المؤمنين وللنظام الإسلامي. فعن تقوية جبهة الإيمان ورد عن الإمام علي عليه السلام: "فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين"3.

وعن تأثير النهي عن المنكر في هزيمة واضعاف واحباط عمل وخطط المنافقين ورد عنه عليه السلام "من نهى عن المنكر أرغم أنوف المنافقين"4.

5- حلية المكاسب

وعن هذا الأثر ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "بها... تحل المكاسب".

ولهذه النتيجة مقدمات منها وضوح الحلال من الحرام في المكاسب، ومنع الاحتكار، وشيوع حالة الأمن الاقتصادي، واقتلاع أسباب الفساد والبطالة والإختلاس وغيرها من الآفات من ساحة المؤمنين. وهذه كلها يشكل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة تمهد وتهيئ الأرض لها.

6- النمو العمراني

عن الإمام الباقر عليه السلام: "بها... تعمر الأرض".

إن أحد أهم عوامل عمران الأرض بمعنى التطور العمراني بأنواعه كافة هو وجود ضمانة تحمي الاستثمار في مجتمع المؤمنين مع تعاون أبناء المجتمع على النهوض بعمران البلد من خلال ترغيب بعضهم البعض الآخر على تشييد البناء وتطويره مما يشكل حالة من الرغبة والنشاط سيكون أثره بلا شك نمواً وثورة عمرانية.

7- استقرار مجتمع المؤمنين

إن صلاح الأفراد لا سيما من يقومون بالخدمات العامة، سيؤدي إلى رفع مستوى أداء العاملين، هذا إضافة إلى أن ممارسة أبناء الأمة دورهم أولاً في دعوة العاملين إلى حسن الأداء وممارسة مهمة تصويبهم عند الإنحراف أو الخطأ، سيساعد على ايجاد مقدمات رضا أبناء المجتمع الإسلامي عن هذه المؤسسات، وبالتالي فإن رواج ذلك الذي هو مصداق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيجعل العاملين يشعرون برقابة أبناء الأمة وكذلك بالمسؤولية تجاههم، وهذا ما يؤدي إلى استقامة هؤلاء العاملين وإلى تعزيز جو الثقة المتبادلة وهو الذي يوجد استقرار النظام والمجتمع الإسلاميين.

وعن ذلك تتحدث الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "بها... يستقيم الأمر".

8- سلامة وخير الأمة
لقد ذكرت إحدى الروايات عن الإمام علي عليه السلام عن العلة التي لأجلها شرع وفرض اللَّه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عليه السلام: "فرض الله... (إلى أن قال): والأمر بالمعروف مصلحة للعوام والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء"5.

فالرواية اعتبرت أن هناك مصلحة عامة لعامة الناس في مجتمع المؤمنين يُؤديها الأمر بالمعروف، حيث إنه يوجد أرضية الصلاح عند الأفراد ويهيئ لبيئة صحية لهؤلاء الأفراد وتطورهم ورقيهم، وكذلك لفتت إلى أن النهي عن المنكر يؤدي إلى إيجاد حاجز بين السفهاء وبين أن يلوثوا هذه البيئة بالإنحرافات والتصرفات المشينة.

وعليه، فهذان معاً أي الأمر والنهي ستكون من نتيجتهما (فيما لو تمت المحافظة على حسن أدائهما وديمومته وتطويره بما يؤدي إلى استجابة الناس) إيجاد مجتمع صالح يشكل بيئة نموذجية صالحة ومنيعة بما يجعل هذه الأمة خير الأمم وخير المجتمعات.

ولذا ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر"6.

خاتمة
إن اللَّه تعالى قد قيّد خيرية هذه الأمة بالقيام بهذه الفريضة، ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر(آل عمران:110).

لا يخفى أن المجتمع الصالح هو مؤلف من أفراد صالحين وعقيدة صحيحة ومنظومة علاقات صحيحة وسليمة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له الدور الأبرز في ذلك كله ولذا يشكل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقدمة مهيئة لصناعته إضافة إلى صيانته كونه يشكل جهاز رقابة يتسع لكل أفراد الأمة وأفراد المجتمع حيث سيشكلون بأجمعهم وسائل منوط بها أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قصة للعبرة
قال المسعودي في مروج الذهب: سُعي إلى المتوكل بعلي بن محمد الجواد عليهما السلام أن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الوثوب على الدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهجموا على داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصا وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن.

فحمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكل جالساً في مجلس الشرب فدخل عليه والكأس في يد المتوكل، فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس التي كانت في يده، فقال: والله ما يخامر لحمي ودمي قط، فاعفني فأعفاه، فقال: أنشدني شعرا فقال عليه السلام: إني قليل الرواية للشعر فقال: لابد، فأنشده عليه السلام وهو جالس عنده:

باتوا على قللِ الاجبـال تحرسُهـم           غُلْبُ الرجالِ فلم تنفعهمُ القُلـلُ
و استنزلوا بعد عزّ عـن معاقلهـم          و أودعوا حفراً يابئس مـا نزلـوا
ناداهمُ صارخٌ من بعد مـا قبـروا           أين الاسرّةُ و التيجـانُ و الحلـلُ
أين الوجوه التـي كانـتْ منعمـةً            من دونها تُضربُ الأستارُ و الكللُ
فافصـحَ القبـرُ عنهم حيـن ساءلـهـم        تلك الوجوه عليهـا الـدودُ يقتتـلُ
قد طالما أكلوا دهراً و ما شربـوا           فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا
و طالما عمّـروا دوراً لتُحصنهـم           ففارقوا الدورَ و الأهلينَ و ارتحلوا
و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا           فخلّفوها على الأعـداء و انتقلـوا
أضحت منازلُهـم قفـراً معطلـةً             و ساكنوها الى الاجداث قد رحلوا
سـل الخليفـةَ إذ وافـت منيتـهُ             أين الحماة و أين الخيلُ و الخـولُ
اين الرماةُ أمـا تُحمـى بأسهمِهـمْ          لمّا أتتـك سهـامُ المـوتِ تنتقـلُ
أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا         أين الجيوش التي تُحمى بها الدولُ
هيهات ما نفعوا شيئاً و ما دفعـوا         عنك المنية إن وافى بهـا الأجـلُ
فكيف يرجو دوامَ العيش متصـلاً          من روحه بجبالِ المـوتِ تتصـلُ

فبكى المُتوكِّلُ حتى بَلَّتْ لِحيَتَهُ دموعُ عَينَيه ، وبكى الحاضرون ، ثُمَّ ردَّ الإمام عليه السلام إلى منزلِهِ مكرَّماً 7.


*حياة المجتمع، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، نيسان 2006م ، ص41-47.


1- الكافي، ج‏5، ص‏56.
2- بحار الأنوار، ج‏97، ص‏79.
3- نهج البلاغة، ج‏4، ص‏8.
4- المصدر السابق.
5- نهج البلاغة، ج‏4، ص‏55.
6- وسائل الشيعة، ج‏16، ص‏123.
7- بحار الأنوار العلامة المجلسي  ج 50 ص 211 - 212.
2009-08-15