يعقوب ويوسف (ع)
يعقوب ويوسف (ع)
تفسير علي بن إبراهيم مسندا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري في قول الله عز وجل إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ...
عدد الزوار: 551
تفسير علي بن إبراهيم مسندا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري في قول الله عز وجل ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ﴾.
و هي الطارق وحوبان والذيال وذو الكتفين ووثاب وقابس وعموران وفيلق ومصبح والصبوح والغروب والضياء والنور يعني الشمس والقمر وكل هذه محيطة بالسماء.
و عن أبي جعفر عليه السلام في تأويل هذه الرؤيا: أنه سيملك مصر ويدخل عليه أبواه وإخوته.
و أما الشمس فأم يوسف راحيل والقمر يعقوب والكواكب إخوته فلما دخلوا عليه سجدوا لله شكرا حين نظروا إليه وكان ذلك السجود لله.
و قال عليه السلام: إنه كان من خبر يوسف عليه السلام أنه كان له أحد عشر أخ وكان له أخ من أمه يسمى بنيامين وكان يعقوب إسرافيل الله أي خالصة فرأى يوسف هذه الرؤي وله تسع سنين فقصها على أبيه فقال ﴿يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ﴾.
و كان يوسف من أحسن الناس وجه وكان يعقوب يحبه ويؤثره على الأولاد فحسده إخوته على ذلك وقالوا ما بينهم ما حكى الله عنهم ﴿إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا﴾ وعمدوا على قتل يوسف حتى يخلو لهم وجه أبيهم إلى آخر الآيات.
و أما أسماؤهم فزوتيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوي ويهود وريالون ويشجر وأمهم إليا ابنة خالة يعقوب ثم توفت إليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وولد له من السرية بجماع ومطلق لهم الشيء من سريتين له اسم إحداهما زلفة والأخرى بلهة أربع ويقنالي وأحاد وأشر.
و أكثر المفسرين على أن إخوة يوسف كانوا أنبياء.
و قال بعضهم لم يكونوا أنبياء الأنبياء لا تقع منهم القبائح.
و عن أبي جعفر عليه السلام: أنهم لم يكونوا أنبياء.
و قوله ﴿إِنِّي أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾.
قيل كانت أرضهم مذأبة وكانت السباع ضارية في ذلك الوقت.
و قيل: إن يعقوب رأى في منامه كان يوسف قد شد عليه عشرة أذؤب ليقتلوه وإذا ذئب منها يحمي عنه فكان الأرض انشقت فدخل فيها يوسف عليه السلام فلم يخرج إلا بعد ثلاثة أيام.
فمن ثم قال هذا فلقنهم العلة وكانوا لا يدرون.
و روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تلقنوا الكذب فتكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الإنسان حتى لقنهم أبوهم.
و قيل كان يوم ألقي في الجب عمره عشر سنين وقيل اثنتا عشرة وقيل سبع وقيل تسع.
و جمع بينه وبين أبيه وهو ابن أربعين سنة.
و لما ألقوه في غيابة الجب قالوا له انزع قميصك فبكى فقال يا إخوتي تجردوني فسل واحد منهم السكين عليه وقال لئن لم تنزعه لأقتلنك فنزعه فدلوه في الجب وتنحوا عنه فقال عليه السلام في الجب يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري فنزلت سيارة من أهل مصر فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب فلما أدلى الدلو على يوسف تشبث بالدلو فجروه فنظروا إلى غلام من أحسن الناس وجها فعدوا إلى صاحبهم فقالوا يا بشرى هذا غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا فبلغ إخوته فجاءوا فقالوا هذا عبد لنا آبق ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر لنا بالعبودية لنقتلنك فقالت السيارة ليوسف ما تقول فقال أنا عبدهم فقالت السيارة فتبيعوه منا قالوا نعم فباعوه على أن يحملوه إلى مصر وشروه بثمن بخس دراهم معدودة كانت ثمانية عشر درهما.
عن الرضا صلى الله عليه وآله وسلم: كانت عشرين درهم وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل.
أقول: المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم أن في كلب الغنم عشرين درهم وفي كلب الصيد أربعين والقيمة فيهما أما البائعون فهم إخوته.
و قيل: باعه الواجدون بمصر وقيل إن الذين أخرجوه من الجب باعوه من السيارة والأصح الأول.
و قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعطي يوسف شطر الحسن والنصف الآخر لباقي الناس.
و فيه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى ﴿وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ قالوا: إنهم ذبحوا جديا على قميصه قالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لأبينا إن الذئب أكله فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوي يا قوم أ تظنون أن الله يكتم هذا الخبر عن نبيه يعقوب فقالو وما الحيلة قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله تعالى أن يكتم ذلك عن أنبيائه إنه جواد كريم فاغتسلو وكان في سنة إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا أحد عشر رجلا فيكون واحد منهم إمام وعشرة يصلون خلفه قالوا كيف نصنع وليس لنا إمام فقال لاوي نجعل الله إمامنا فصلو وبكو وتضرعو وقالوا يا رب اكتم علينا هذا ثم جاءوا إلى أبيهم عشاء يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم ﴿ف قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ أي نعدو وتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾... الآية فقال يعقوب ما كان أشد غضب ذلك الذئب على يوسف وأشفقه على قميصه حيث أكل يوسف ولم يمزق قميصه فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر فقال العزيز ﴿لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ﴾ أي مكانه ﴿عَسى أَنْ يَنْفَعَن ونَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ ولم يكن لهم ولد فأكرموه وربوه فلما بلغ أشده هوته امرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلا هوته ولا رجل إلا أحبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته امرأة العزيز كما قال تعالى ﴿وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها﴾... الآية فما زالت تخدعه حتى كان كما قال الله تعالى ﴿وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ﴾ فقامت امرأة العزيز وغلقت الأبواب فلما رأى يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت عاضا على إصبعه يقول يا يوسف أنت في السماء مكتوب في النبيين وتريد أن تكتب في الأرض من الزناة فعلم أنه قد أخط وتعدى.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: لما همت به وهم بها قامت إلى صنم في بيتها فألقت عليه ثوب وقالت لا يرانا فإني أستحي منه فقال يوسف أ فأنت تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر وأنا لا أستحي من ربي فوثب وعد وعدت من خلفه وأدركهما العزيز على هذه الحالة وهو قوله عز وجل ﴿وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ﴾ فبادرت امرأة العزيز فقالت له ﴿ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ وعَذابٌ أَلِيمٌ﴾ فقال يوسف للعزيز ﴿هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ فألهم الله يوسف أن قال للملك سل هذا الصبي في المهد فإنه يشهد أنها راودتني عن نفسي فقال العزيز للصبي فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال ﴿إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ فلما رأى العزيز قميص يوسف قد تخرق من دبر قال لامرأته ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ ثم قال ليوسف ﴿أَعْرِضْ عَنْ هذ واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ﴾ فشاع الخبر بمصر وجعلن النساء يتحدثن بحديثه ويعذلنه وهو قوله تعالى ﴿وَ قالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ﴾ فَتاها فبلغ ذلك امرأة العزيز فبلغت إلى كل امرأة رئيسة فجمعن في منزله وهيأت لهن مجلس ودفعت إلى كل امرأة أترجة وسكينا فقالت أقطعن ثم قالت ليوسف اخرج عليهن فلما نظرن إليه أقبلن يقطعن أيديهن وقلن إِنْ هذا ﴿إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ فقالت امرأة العزيز﴿فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ أي امتنع ولَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ﴾ فما أمسى يوسف في ذلك اليوم حتى بعثت إليه كل امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف فقال ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ﴾ وأمرت امرأة العزيز بحبسه فحبس.
أقول الصبي الذي كان في المهد هو ابن أخت زليخ وكان ابن ثلاثة أشهر ولما قطعن أيديهن لم يجدن وجع وهذا حال العشق إذا غلب على القلب كما في حكاية اليهودي الذي كان يصلح طعاما لجاريته في مرضها فلما سمع أنينها سقطت المغرفة التي كان يخوط القدر بها من يده فعاد يخوط القدر بيده حتى تناثر لحم يده وما شعر به وقد وقع مثله لكثير عزة ولغيره من العشاق السبعة وقد شاهدت أنا في شيراز رجلا يمشي والناس وراءه وفي يديه في كل واحدة سكينا يضرب بها على صدره واللحم يتناثر من بدنه وهو لا يحس به فسألت عنه فقيل إنه كان له محبوب فغيبوه عن نظره.
و تحقيق هذه المقالة في كتابنا مقامات النجاة وزهر الربيع بما لا مزيد عليه.
و عن أبي جعفر عليه السلام: في قوله ﴿ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾... فالآيات هي شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب فلما عصاها لم تزل مولعة لزوجها حتى حبسه ودخل معه السجن فتيان يقول عبدان للملك أحدهما خباز والآخر صاحب الشراب والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز وسبب حبسهما أنه سعي بهما إلى الملك أنهما أرادا أن يسماه.
و قال علي بن إبراهيم: ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه فلما دخل السجن قالوا له ما صناعتك قال أعبر الرؤيا فرأى أحد الموكلين في نومه كما قال أعصر خمرا قال يوسف تخرج من السجن وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وقال الآخر إني أرى في المنام أحمل فوق رأسي خبزا تأكل منه الطير ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف أنت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك فجحد الرجل وقال إني لم أر ذلك فقال له يوسف ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ﴾ فلما أراد من رأى في نومه أنه يعصر خمرا الخروج من الحبس قال له يوسف اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فكان كما قال الله عز وجل ﴿فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾.
أقول: قال أمين الإسلام الطبرسي القول في ذلك إن الاستغاثة بالعباد في دفع المضار والتخلص من المكاره جائز غير منكر ولا قبيح بل ربما يجب وكان نبينا ص يستعين فيما ينوبه بالمهاجرين والأنصار وغيرهم ولو كان قبيحا لم يفعله فلو صحت هذه الرواية فإنما عوتب عليه السلام على ترك عادته الجميلة في الصبر والتوكل على الله سبحانه في كل أموره دون غيره وقت ابتلائه وإنما كان يكون قبيحا لترك التوكل على الله واقتصر على غيره.
و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما مضت مدة يوسف عليه السلام في السجن وأذن له في دعاء الفرج وضع خده على الأرض ثم قال اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بوجه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ففرج الله عنه قلت جعلت فداك أ ندعو نحن بهذا الدعاء فقال ادع بمثله اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام.
و قال علي بن إبراهيم: إن الملك رأى رؤيا فقال لوزرائه إني رأيت في نومي سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف أي مهازيل ورأيت سبع سنبلات خضر وأخر يابسات فلم يعرفوا تأويل ذلك فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآه وذكر يوسف بعد سبع سنين فأرسلوا إليه فقال ﴿أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ فقال يوسف تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ متواليات فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ أي سبع سنين مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع السنين الماضية.
فرجع الرجل إلى الملك فأخبره بما قال يوسف ﴿وَ قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ يعني الملك فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ فجمع الملك النسوة ف قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ أي لا أكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل ثم قالت وما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ف قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ فلما نظر إلى يوسف قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ سل حاجتك قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ يعني الكناديج والأنابير فجعله عليهما.
أقول: قوله ﴿وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ من كلام يوسف عليه السلام على قول أكثر المفسرين.
و قيل: هو من كلام امرأة العزيز كما قاله علي بن إبراهيم.
و الأول أشهر وأظهر والكندوج شبه المخزن معرب كندود.
و قال علي بن إبراهيم: وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوم وكان في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعام وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيه مقل فأخذوا إخوة يوسف من ذلك المقل وحملوا إلى مصر ليمتاروا به.
و قيل: كان بضاعتهم بيع النعل وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخل إخوته عليه عرفهم ولم يعرفوه فلما جهزهم أحسن جهازهم قال لهم من أنتم قالوا نحن بنو يعقوب قال فما فعل أبوكم قالوا شيخ ضعيف قال فلكم أخ غيركم قالوا لنا أخ من أبينا لا من أمنا قال فإذا رجعتم إلي فأتوني به فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي قالوا سنراود عنه أباه قال يوسف لقومه هذه البضاعة التي حملوها إلينا اجعلوها بين رحالهم حتى إذا رأوها رجعوا إلينا يعني لا أحتمل أن يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون بها إلينا.
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا بنيامين نكتل وإنا له لحافظون قال يعقوب هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم في رحالهم التي حملوها إلى مصر قالوا يا أبانا ما نبغي أي ما نريد هذه بضاعتنا ردت إلين ونمير أهلن ونحفظ أخانا قال يعقوب لن أرسله معكم حتى تحلفوا لي أن تأتوني به إلا أن تغلبوا في شأنه فخرجو وقال لهم يعقوب لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت فلما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاه وإنه لذو علم لما علمناه.
أقول إن إخوة يوسف عليه السلام لم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حين فارقوه.
و قوله لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ المشهور بين المفسرين أنه إنما قال ذلك لما خاف عليهم من العين.
و قيل: لما اشتهروا بمصر بالحسن والجمال وإكرام الملك لهم خاف عليهم حسد الناس.
ثم إن العبد مأمور بملاحظة الأسباب وعدم الاعتماد عليه والتوكل على الله قال أولا ما يلزمه من الحزم والتدبير ثم تبرأ من الاعتماد على الأسباب بقوله ﴿وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
فخرجو وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم.
فلما دخلوا على يوسف وسلموا نظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعيد فقال يوسف أنت أخوهم قال نعم قال فلم لا تجلس معهم قال لأنهم أخرجوا أخي عن أبي وأمي ثم رجعو وزعموا أن الذئب أكله فآليت على نفسي أن لا اجتمع معهم ما دمت حيا قال فهل تزوجت وولد لك قال نعم ثلاث بنين سميت واحدا منهم الذئب وواحدا منهم القميص وواحدا الدم قال وكيف اخترت هذه الأسماء قال لئلا أنسى أخي كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت أخي قال يوسف لهم اخرجو وحبس بنيامين فلما خرجوا من عنده قال يوسف لأخيه أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ثم قال له أنا أحب أن تكون عندي فقال لا يدعوني إخوتي فإن أبي قد أخذ عليهم ميثاق الله أن يردوني إليه قال أنا أحتال بحيلة فلا تخبرهم بشيء فقال لا فلما جهزهم بجهازهم وأحسن إليهم قال لبعض قوامه اجعلوا هذا الصاع في رحل هذ وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقف عليه إخوته فلما ارتحلوا بعث إليهم يوسف وحبسهم ثم أمر مناديا ينادي أيتها العير إنكم لسارقون فقال إخوة يوسف ما ذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم أي كفيل فقال إخوة يوسف تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قال يوسف فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله حبسه فهو جزاؤه فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه فحبسوا أخاه وهو قوله تعالى ﴿وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ أي احتلنا له ﴿ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾.
و سئل الصادق عليه السلام في قوله تعالى ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ﴾ قال: ما سرقو وما كذب إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه.
فلما أخرج ليوسف الصاع من رحل أخيه قال إخوته إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل يعنون يوسف فتغافل يوسف عليه السلام وهو قوله ﴿فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ ولَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً واللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ﴾ فاجتمعوا إلى يوسف وجلودهم تقطر دما أصفر وكانوا يجادلونه في حبسه وكان ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رءوسها دم أصفر وهم يقولون له أيها العزيز ﴿إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فأطلق عن هذا فقال يوسف مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ﴾ ولم يقل إلا من سرق ﴿متاعنا إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ﴾ فلما أيسو وأرادوا الانصراف إلى أبيهم قال لهم يهودا بن يعقوب أ لم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله في هذ ومن قبل ما فرطتم في يوسف فارجعوا أنتم إلى أبيكم أما أنا فلا أرجع إليه حتى يأذن لي أبي ويحكم الله لي وهو خير الحاكمين ثم قال لهم ﴿ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْن وما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ﴾ فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف وكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدم وكان لا يسكن حتى يمسه بعض ولد يعقوب وكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها فأخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهود وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غيظه فارتاب يهود ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف حتى فعل ذلك ثلاثا.
أقول السقاية المشربة التي كان يشرب منها الملك ثم جعل صاعا في السنين الشداد القحاط يكال به الطعام وقوله ﴿إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ﴾ تورية على وجه المصلحة أي سرقتم يوسف.
ثم قال علي بن إبراهيم: فلما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بخبر أخيهم قال يعقوب ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ يعني يوسف وبنيامين ويهودا الذي تخلف بمصر ثم تولى عنهم ﴿وَ قالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ يعني عميت من البكاء ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أي محزون الأسف أشد الحزن.
و سئل أبو عبد الله عليه السلام ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف فقال: حزن سبعين ثكلى بأولاده وقال إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع فمنها قال وأسفى على يوسف.
أقول: جاء في الحديث لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أ لا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال يا أسف وذلك لما جاء في الحديث من أن المسترجع عند المصيبة يبنى له بيت في الجنة وكلما ذكر المصيبة واسترجع كان له مثل ثوابه عند الصدمة الأولى.
ثم اعلم أنه اختلف في قوله ﴿وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ كما أن الشيعة اختلفوا في أنه هل يجوز على الأنبياء مثل هذا النقص في الخلقة.
قال أمين الإسلام الطبرسي لا يجوز لأن ذلك ينفر.
و قيل: يجوز أن لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر العلل والأمراض انتهى فمن قال لا يجوز ذلك يقول إنه ما عمي ولكنه صار بحيث يدرك إدراكا ضعيف ويئول بأن المراد أنه غلبه البكاء وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء ومن يجوز ذلك يحملها على ظاهرها.
و الحق أنه لم يقم دليل على امتناع ذلك حتى يحتاج إلى تأويل الآيات والأخبار الدالة على حصوله على أنه يحتمل كما قيل أن يكون على وجه لا يكون فيه نقص ولا عيب في ظاهر الخلقة والأنبياء عليهم السلام يبصرون بقلوبهم ما يبصر غيرهم بعينيه.
و فيه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: سدير أخبرني عن يعقوب حين قال لولده ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأَخِيهِ﴾ كان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عينه عليه من البكاء قال نعم علم أنه حي دعا ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت بأطيب رائحة وأحسن صورة فقال له من أنت فقال أنا ملك الموت أ ليس سألت الله أن ينزلني عليك ما حاجتك يا يعقوب قال له أخبرني عن الأرواح تقبضها جملة ومتفرقة قال تقبضها أعواني متفرقة وتعرض علي مجتمعة قال يعقوب فأسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف فقال لا فعند ذلك علم أنه حي فقال لولده ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأَخِيهِ ولا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾.
و كتب عزيز مصر إلى يعقوب: أما بعد فهذا ابنك اشتريته بثمن بخس وهو يوسف واتخذته عبد وهذا ابنك بنيامين أخذته وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا.
فما ورد على يعقوب شيء أشد من ذلك الكتاب ; فقال للرسول: مكانك أجيبه ; فكتب إليه يعقوب:
بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله أما بعد فقد فهمت كتابك تذكر فيه أنك اشتريت ابني واتخذته عبد وأن البلاء موكل ببني آدم وأن جدي إبراهيم ألقاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله له برد وسلام وأن أبي إسحاق أمر الله جدي أن يذبحه بيده فلما أراد ذبحه فداه بكبش عظيم وأن كان لي ولد ولم يكن في الدنيا أحد أحب إلي منه فأخرجوه إخوته ثم رجعوا إلي وزعموا أن الذئب أكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري وكان له أخ من أمه كنت آنس به فخرج مع إخوته إلى ما قبلك ليمتاروا لنا طعاما فرجعوا إلي وذكروا أنه سرق صواع الملك وقد حبسته وإنا أهل بيت لا يليق بنا السرقة ولا الفاحشة وأنا أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلا مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته إلي.
فلما ورد الكتاب إلى يوسف أخذه ووضعه على وجهه وبكى بكاء شديدا ثم نظر إلى إخوته فقال لهم ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ فقالوا إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا فقالوا لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْن وإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ أي لا توبيخ ولا تعنيف ﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ فلما ولى الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يده إلى السماء فقال يا حسن الصحبة يا كريم المعونة وخير إله ائتني بروح منك وفرج من عندك.
فهبط جبرئيل عليه السلام فقال له: يا يعقوب أ لا أعلمك دعوات يرد الله عليك بصرك وابنيك.
قال نعم.
قال , قل: يا من لم يعلم أحد كيف هو إلا هو يا من سد الهواء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه أحسن الأسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك.
قال فما انفجر عمود الصبح حتى أتي بالقميص فطرح عليه فرد الله عليه بصره وولده.
أقول: ورد في سبب معرفتهم له أنه تبسم فلما أبصروا ثناياه كانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف.
و قيل: رفع التاج عن رأسه فعرفوه.
و في قوله ﴿إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ أي شبان وصبيان تعليم لهم كيف يعتذرون﴾.
روي عن الصادق عليه السلام: كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربه فقد حكى الله قول يوسف لإخوته ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ﴾ فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم في أنفسهم في معصية الله.
و ذكر بعض المحققين من أهل التفسير وورد في الأخبار أيضا في تفسير قوله تعالى ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ﴾ إن كل مذنب فهو جاهل لأنه خاطر بنفسه وفعل فعل الجاهل.
ثم قال علي بن إبراهيم قدس الله ضريحه ولما أمر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله تعبير الرؤيا فكان يعبر لأهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا عبر لهما ﴿وَ قالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ ولم يفزع في تلك الحال إلى الله تعالى فأوحى الله إليه من أراك الرؤي ومن حببك إلى أبيك ومن وجه إليك السيارة ومن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرج ومن أنطق لسان الصبي بعذرك ومن ألهمك تأويل الرؤيا قال أنت يا رب قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي وأملت عبدا من عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي لبث في السجن بضع سنين فقال يوسف أسألك بحق آبائي عليك إلا فرجت عني فأوحى الله إليه يا يوسف وأي حق لآبائك علي إن كان أبوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي وأسكنته جنتي وأمرته أن لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألني فتبت عليه وإن كان أبوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا إليهم فلما عصوا دعاني استجبت له وغرقتهم وأنجيته ومن معه في الفلك وإن كان أبوك إبراهيم اتخذته خليل وأنجيته من النار وجعلتها عليه برد وسلام وإن كان أبوك يعقوب وهبت له اثني عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد على الطريق يشكوني فأي حق لآبائك علي قال له جبرئيل قل يا يوسف أسألك بمنك العظيم وإحسانك القديم فقالها فرأى الملك الرؤيا فكان فرجه فيها.
و عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: قال السجان ليوسف إني لأحبك فقال يوسف ما أصابني إلا من الحب كانت عمتي أحبتني فسرقتني أي نسبتني إلى السرقة وإن كان أبي أحبني حسدوني إخوتي وإن كانت امرأة العزيز أحبتني فحبستني وشكا يوسف في السجن إلى الله تعالى فقال يا رب بما ذا استحققت السجن فأوحى الله إليه أنت اخترته حين قلت ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ هلا قلت العافية أحب إلي مما يدعونني إليه.
و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما طرح إخوة يوسف يوسف في الجب دخل عليه جبرئيل عليه السلام وهو في الجب فقال يا غلام من طرحك في هذا الجب قال إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني ولذلك في الجب طرحوني قال أ فتحب أن تخرج قال ذاك إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب قال فإن إله إبراهيم يقول لك قل اللهم إني أسألك بأن لك الحمد كله لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام صل على محمد وآل محمد واجعل لي من أمري فرج ومخرج وارزقني من حيث لا أحتسب فدعا ربه فجعل له من الجب فرج ومن كيد المرأة مخرج وآتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب.
و عن المفضل الجعفي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني ما كان قميص يوسف قال إن إبراهيم عليه السلام لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه فكان في عنقه حتى كان من أمره ما كان فلما أخرج يوسف القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ قلت جعلت فداك فألى من صار ذلك القميص فقال إلى أهله ثم قال كل نبي ورث علم وغيره فقد انتهى إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد ريح يوسف وهو من ذلك القميص الذي أخرج من الجنة ونحن ورثته.
أقول: قال أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله قيل إن يوسف عليه السلام قال إنما يذهب بقميصي من ذهب به أولا فقال يهودا أنا أذهب به وهو ملطخ بالدم قال فاذهب به أيض وأخبره أنه حي وأفرحه كما أنه أحزنه فحمل القميص وخرج حافيا حاسرا حتى أتاه وكان معه سبعة أرغفة وكانت المسافة ثمانين فرسخا فلم يستوف الأرغفة في الطريق.
و قال ابن عباس هاجت ريح فحملت قميص يوسف إلى يعقوب.
و ذكر في القصة أن الصبا استأذنت ربي في أن تأتي يعقوب ريح يوسف قبل أن يأتيه البشير بالقميص فأذن لها فأتت به ولذلك يستروح كل محزون ريح الصب وقد أكثر الشعراء من ذكرها.
و عن أبي الحسن عليه السلام: كانت الحكومة في بني إسرائيل إذا سرق واحد شيئا استرق به وكان يوسف عند عمته وهو صغير وكانت تحبه وكانت لإسحاق منطقة لبسها يعقوب وكانت عند أخته وأن يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته فاغتمت لذلك وقالت دعه حتى أرسله إليك وأخذت المنطقة وشدت بها وسطه تحت الثياب فلما أتى يوسف أباه جاءت وقالت قد سرقت المنطقة ففتشته فوجدتها في وسطه فلذلك قال إخوته إِنْ يَسْرِقْ يعني بنيامين صواع الملك ﴿فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ يعني يوسف المنطقة من عمته.
قال علي بن إبراهيم: ثم رحل يعقوب وأهله من البادية بعد ما رجع إليه بنوه بالقميص فارتد بصيرا فقالوا يا أبانا استغفر لنا قال أخرهم إلى السحر لأن الدعاء والاستغفار مستجاب فيه.
فلما وافى يعقوب وأهله مصر قعد يوسف على سريره ووضع التاج على رأسه فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة فلما دخل أبوه لم يقم له فخروا له كلهم ساجدين فقال يوسف يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل.
و عن أبي الحسن عليه السلام: أما سجود يعقوب وولده فإنه لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك طاعة لله وتحية ليوسف كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم وإنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم عليه السلام فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله لاجتماع شملهم أ لم تر أنه يقول في شكره ذلك الوقت ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ والْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْي والْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾.
و قال أمين الإسلام الطبرسي قيل إن يوسف عليه السلام بعث مع البشير مائتي راحلة مع ما يحتاج إليه في السفر وسألهم أن يأتوه بأهلهم أجمعين ولما دنا كل واحد منهما من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام فقال السلام عليك يا مذهب الأحزان.
و قال وهب إنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنسان وخرجوا مع موسى عليه السلام وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجل وكان بين يوسف وموسى أربعمائة سنة.
و قال علي بن إبراهيم: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال يوسف أخرج يدك فأخرجها فخرج من بين أصابعه نور فقال يوسف ما هذا يا جبرئيل فقال هذه النبوة أخرجها الله من صلبك لأنك لم تقم إلى أبيك فحط الله نوره ومحا النبوة من صلبه وجعلها في ولد لاوي أخي يوسف وذلك لأنهم لما أرادوا قتل يوسف قال لا تقتلوه وألقوه في غيابة الجب فشكر الله له ذلك ولما أن أرادوا أن يرجعوا إلى أبيهم من مصر وقد حبس يوسف أخاه قال لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي فشكر الله له ذلك.
فكان أنبياء بني إسرائيل من ولد لاوي بن يعقوب وكان موسى من ولده.
قال يعقوب يا بني أخبرني بما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي قال يا أبت اعفني من ذاك قال فأخبرني ببعضه قال يا أبت إنهم لما أدنوني من الجب قالوا انزع القميص فقلت لهم يا إخوتي اتقوا الله ولا تجردوني فسلوا علي السكين وقالوا لئن لم تنزع لنذبحنك فنزعت القميص وألقوني في الجب عريانا فشهق يعقوب شهقة وأغمي عليه فلما أفاق قال يا بني حدثني قال يا أبت أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلا أعفيتني فأعفاه.
قال ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتى سألت فقالوا لها لو قعدت للعزيز وكان يوسف فقالت أستحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له فأقبل يوسف في موكبه فقامت إليه وقالت الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيد وجعل العبيد بالطاعة ملوكا فقال لها يوسف وهي هرمة أ لست فعلت بي كذ وكذا فقالت يا نبي الله لا تلمني فإني بليت بثلاثة لم يبل بها أحد قال وما هي قالت بليت بحبك ولم يخلق الله لك نظير وبليت بحسني بأنه لم تكن بمصر امرأة أجمل مني ولا أكثر مال وبليت بأن زوجي كان محصورا بفقد الحركة يعني عنينا فقال لها يوسف ما حاجتك قالت تسأل الله أن يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها فتزوجه وهي بكر.
و عن أبي جعفر عليه السلام: في قوله ﴿قَدْ شَغَفَها حُبّ ًا﴾ يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا يعقل غيره والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب.
أقول: المشهور بين المفسرين واللغويين أن المراد شق شغاف قلبه وهو حجابه حتى وصل إلى فؤاده وحبا نصبا على التمييز وكان ما في الحديث بيان لحاصل المعنى.
قال الطبرسي رحمه الله وروي عن علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليه السلام وغيرهم قد شعفها بالعين أي ذهب بها كل مذهب.
الأمالي عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام: أن يوسف لما صار في الجب وأيس من الحياة كان دعاؤه اللهم إن كانت الخطاي والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع إليك صوتي ولن تستجيب لي دعوة فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه فقد علمت رقته علي وشوقي ثم بكى أبو عبد الله عليه السلام ثم قال:
و أنا أقول: اللهم إن كانت الخطاي والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع إليك صوت ولم تستجب لي دعوة فإني أسألك بك فليس كمثلك شيء وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله ثم قال عليه السلام قولوا هكذ وأكثروا منه عند الكرب العظام.
و فيه بالإسناد إلى ابن عباس قال: لما أصاب يعقوب ما أصاب الناس من ضيق الطعام جمع يعقوب بنيه فقال لهم يا بني إنه بلغني أنه يباع بمصر طعام طيب وأن صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه واشتروا منه طعاما فساروا حتى وردوا فأدخلوا على يوسف فَعَرَفَهُمْ وهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ فسألهم فقالوا نحن أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم قال ولدكم إذا ثلاثة أنبياء وما أنتم بحلماء ولا فيكم وقار ولا خشوع فلعلكم جواسيس لبعض الملوك جئتم إلى بلادي فقالوا أيها الملك لسنا بجواسيس ولا أصحاب حرب ولو تعلم بأبينا إذا لكرمنا عليك فإنه نبي الله وابن أنبيائه وإنه لمحزون قال لهم يوسف فما حزنه وهو نبي الله وابن أنبيائه والجنة مأواه وهو ينظر إليكم في مثل عددكم وقوتكم فلعل حزنه إنما هو من قبل سفهكم وجهلكم قالوا أيها الملك لسنا بجهال ولا سفهاء ولا أتاه الحزن من قبلن ولكن كان له ابن كان أصغرنا سنا يقال له يوسف فخرج معنا إلى الصيد فأكله الذئب فلم يزل بعده حزينا فقال لهم يوسف كلكم من أب واحد قالوا أبونا واحد وأمهاتنا شتى قال فما حمل أباكم على أن سرحكم كلكم وحبس منكم واحدا يأنس به ويستريح إليه قالوا قد فعل قد حبس منا واحدا هو أصغرنا سنا قال ولم اختاره من بينكم قالوا لأنه أحب أولاده إليه بعد يوسف فقال لهم يوسف إني أحبس منكم واحدا يكون عندي وارجعوا إلى أبيكم وأقرئوه مني السلام وقولوا له يرسل إلي بابنه الذي زعمتم أنه حبسه عنده ليخبرني عن حزنه وعن سرعة الشيب إليه قبل أوان مشيبه وعن بكائه وذهاب بصره فلما قال هذا اقترعوا بينهم فخرجت القرعة على شمعون فأمر به فحبس فلما ودعوا شمعون قال لهم يا إخوتاه انظروا ما ذا وقعت فيه وأقرئوا والدي مني السلام فودعوه وساروا حتى وردوا الشام ودخلوا على يعقوب عليه السلام وسلموا عليه سلاما ضعيفا فقال لهم يا بني ما لكم تسلمون سلاما ضعيف وما لي لا أسمع فيكم صوت خليلي شمعون قالوا يا أبانا إنا جئناك من أعظم الناس ملكا لم ير الناس مثله حكم وعلم وإن كان لك شبيه فإنه لشبيهك ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء اتهمنا الملك وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بنيامين برسالة منك يخبره عن حزنك وعن سرعة الشيب إليك وعن بكائك وذهاب بصرك فظن يعقوب عليه السلام أن ذلك مكر منهم فقال لهم يا بني بئس العادة عادتكم كلما خرجتم في وجه نقص منكم واحد لا أرسله معكم ف لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ من غير علم منهم فأقبلوا إلى أبيهم فرحين فقالوا يا أبانا إن هذه بضاعتنا ردت إلينا قال يعقوب قد علمتم أن بنيامين أحبكم إلي بعد أخيكم يوسف وبه أنسي فلن أرسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله لتأتيني به إلا أن يحاط بكم فضمنه يهودا فخرجوا حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف فقال لهم هل بلغتم رسالتي قالوا نعم وقد جئناك بجوابها مع هذا الغلام فاسأله عما بدا لك فقال له يوسف بما أرسلك أبوك إلي يا يا غلام قال أرسلني إليك يقرئك السلام ويقول إنك أرسلت إلي تسألني عن حزني وعن سرعة الشيب إلي قبل أوان المشيب وعن بكائي وذهاب بصري فإن أشد الناس حزن وخوفا أذكرهم للمعاد وإنما أسرع المشيب إلي لذكري يوم القيامة وإن بكائي وابيضاض عيوني على حبيبي يوسف وقد بلغني حزنك بحزني واهتمامك بأمري فكان الله لك جازي ومثيب وإنك لن تصلني بشيء أشد فرحا به من أن تعجل علي ولدي ابني بنيامين فإنه أحب أولادي بعد يوسف وعجل علي بما أستعين به على عيالي فلما قال هذا خنقت يوسف العبرة ولم يصبر حتى قام فدخل البيت وبكى ساعة ثم خرج إليهم وأمر لهم بطعام وقال ليجلس كل بني أم على مائدة فجلسو وبقي بنيامين قائما فقال له يوسف ما لك لم تجلس فقال ليس لي فيهم ابن أم فقال له يوسف فما كان لك ابن أم فقال بنيامي
2012-11-29