يتم التحميل...

النبي يونس(ع) وأحوال أبيه متى

النبي يونس(ع)

قال لي أبو عبد الله عليه السلام ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس وكان يونس يدعوهم إلى الإسلام فيأبون ذلك فهم أن يدعو عليهم وكان فيهم رجلان عابد وعالم وكان اسم أحدهما مليخ والآخر روبيل فكان العابد يشير ...

عدد الزوار: 302

تفسير علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن جميل قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس وكان يونس يدعوهم إلى الإسلام فيأبون ذلك فهم أن يدعو عليهم وكان فيهم رجلان عابد وعالم وكان اسم أحدهما مليخ والآخر روبيل فكان العابد يشير على يونس عليه السلام بالدعاء عليهم وكان العالم ينهاه ويقول لا تدع عليهم فإن الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم فدعا عليهم فأوحى الله إليه أن يأتيهم العذاب في سنة كذ وكذا فلما قرب الوقت خرج يونس عليه السلام مع العابد وبقي العالم فيها فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب فقال العالم يا قوم افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم فيرد العذاب عنكم فقالوا كيف نفعل قال اخرجوا إلى المفازة وفرقوا بين النساء والأولاد وبين الإبل وأولاده وبين البقر وأولاده وبين الغنم وأولادها ثم ابكو وادعوا فذهبو وفعلوا ذلك وضجو وبكوا فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم وفرق العذاب على الجبال وقد كان نزل وقرب منهم فأقبل يونس عليه السلام لينظر كيف أهلكهم الله فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم فقال لهم ما فعل قوم يونس فقالوا له ولم يعرفوه إن يونس دعا عليهم فاستجاب الله له ونزل العذاب عليهم فاجتمعو وبكوا فدعوا فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم وفرق العذاب على الجبال فهم ذا يطلبون يونس عليه السلام ليؤمنوا به فغضب يونس ومر على وجهه مغاضبا به كما حكى الله حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت وأرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس عليه السلام أن يحملوه فحملوه فلما توسط البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة فنظر إليه يونس عليه السلام ففزع فصار في مؤخرة السفينة فدار إليه الحوت وفتح فاه فخرج أهل السفينة فقالوا فينا عاص فتساهموا فخرج سهم يونس عليه السلام وهو قول الله عز وجل فساهم فكان من المدحضين فأخرجوه فألقوه في البحر فالتقمه الحوت ومر في الماء وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه السلام عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه فقال يا يهودي أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس فيه يونس عليه السلام في بطنه فدخل في بحر القلزم ثم خرج إلى بحر مصر ثم دخل بحر طبرستان ثم دخل في دجلة العوراء ثم مر به تحت الأرض حتى لحقت بقارون وكان قارون هلك في أيام موسى عليه السلام ووكل الله به ملكا يدخله في الأرض كل يوم قامة رجل وكان يونس عليه السلام في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به أنظرني أسمع كلام آدمي فأوحى الله إلى الملك أنظره فأنظره ثم قال قارون من أنت قال يونس عليه السلام أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى قال فما فعل شديد الغضب في الله موسى بن عمران قال هيهات هلك قال فما فعل الرءوف الرحيم على قومه هارون بن عمران قال هلك قال فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي قال هيهات ما بقي من آل عمران أحد قال قارون وأسفاه على آل عمران فشكر الله له ذلك فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا فرفع عنه فلما رأى يونس عليه السلام ذلك ﴿فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فاستجاب له وأمر الحوت فلفظته على ساحل البحر وقد ذهب جلده ولحمه وأنبت الله شجرة من يقطين فأظلته من الشمس فسكن ثم أمر الله الشجرة فتنحت عنه ووقعت الشمس عليه فجزع فأوحى الله إليه يا يونس لم لم ترحم مائة ألف ويزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة فقال يا رب عفوك عفوك فرد الله صحة بدنه ورجع إلى قومه وآمنوا به قال فمكث يونس عليه السلام في بطن الحوت تسع ساعات وعن أبي جعفر عليه السلام ثلاث ساعات.

و قال علي بن إبراهيم: في قوله وذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً قال هو يونس عليه السلام.

قوله فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قال أنزله على أشد الأمرين فظن به أشد الظن.

و قال إن جبرئيل عليه السلام استثنى في هلاك قوم يونس عليه السلام ولم يسمعه يونس عليه السلام قلت ما كان حال يونس عليه السلام لما ظن أن الله لم يقدر عليه قال من أمر شديد قلت وما كان سببه حتى ظن أن الله لم يقدر عليه قال وكله إلى نفسه طرفة عين.

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعت أم سلمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا فسألته في ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم يا أم سلمة وما يؤمنني وإنما وكل الله يونس بن متى إلى نفسه طرفة عين وكان منه ما كان.

عيون الأخبار في خبر ابن الجهم: أنه سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل ﴿وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فقال الرضا عليه السلام ذلك يونس بن متى ﴿ذَهَبَ مُغاضِباً لقومه فَظَنَّ بمعنى استيقن ﴿أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي لن نضيق عليه رزقه ومنه قوله عز وجل ﴿وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أي ضيق عليه وقتر ﴿فَنادى فِي الظُّلُماتِ ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت ﴿أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت.

يقول مؤلف الكتاب أيده الله تعالى: هذا التأويل الوارد في أن سند هذا الحديث هو الموافق لمذهب الإمامية رضوان الله عليهم.

و أما ما وقع في الخبر الأول فهو موافق لمذاهب العامة.

العياشي عن الباقر عليه السلام في حديث طويل قال فيه: إنه بعد ما سأل يونس ربه نزول العذاب على قومه أن فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة والمستضعف وأنا الحكم العدل سبقت رحمتي غضبي لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك وهم يا يونس عبادي أحب أن أتأناهم وأرفق بهم وأنتظر توبتهم وإنما بعثتك إلى قومك لتعطف إليهم وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوي والعالم بمداواة الداء فخرقت بهم ولم تستعمل قلوبهم بالرفق ثم سألتني من سوء نظرك العذاب
عند قلة الصبر منك وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه وأحسن صحبة وأشد تأنيا فغضبت له حين غضب لي وأجبته حين دعاني فقال يونس عليه السلام يا رب إنما غضبت عليهم فيك وإنما دعوت عليهم حين عصوك فو عزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا فأنزل عليهم عذابك فإنهم لا يؤمنون أبدا فقال الله يا يونس إنهم مائة ألف ويزيدون من خلقي يعمرون بلادي ويلدون عبادي ومحبتي أن أتأناهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك وتقديري غير علمك وتقديرك وأنت المرسل وأنا الرب الحكيم يا يونس وقد أجبتك إلى مسألتك من العذاب عليهم وما ذلك يا يونس بأوفر لحظك عندي وسيأتيهم عذابي في شوال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس فأعلمهم ذلك قال فسر بذلك يونس عليه السلام ولم يدر ما عاقبته فانطلق يونس عليه السلام إلى تنوخا العابد فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم وقال له انطلق وأعلمهم بما أوحى الله إلي من نزول العذاب عليهم فقال تنوخا فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتى يعذبهم الله تعالى فقال له يونس عليه السلام بل نلقى روبيل فنشاوره فإنه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة فانطلقا إلى روبيل فأخبره يونس عليه السلام بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس فقال له ما ترى انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك فقال له روبيل ارجع إلى ربك رجعة نبي حكيم وسله أن يصرف عنهم العذاب فإنه غني عن عذابهم وهو يحب الرفق بعباده ولعل قومك بعد ما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما فصابرهم وتأنهم فقال له تنوخا ويحك يا روبيل ما أشرت إلى يونس عليه السلام وأمرت بعد كفرهم بالله وجحودهم لنبيه وتكذيبهم إياه وإخراجهم إياه من مساكنه وما هموا به من رحمة فقال روبيل لتنوخا اسكت فإنك رجل عابد لا علم لك ثم أقبل على يونس عليه السلام فقال يا يونس إذا أنزل الله العذاب على قومك يهلكهم جميع ويهلك بعض ويبقي بعضا فقال يونس عليه السلام بل يهلكهم جميع وكذلك سألته ما دخلتني لهم رحمة تعطف فأراجع الله فيهم وأسأله أن يصرف عنهم فقال له روبيل أ تدري يا يونس لعل الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به أن يتوبوا إليه فيرحمهم فإنه أرحم الراحمين ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله أنه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء فتكون بذلك عندهم كذابا فقال له تنوخا ويحك يا روبيل لقد قلت عظيما يخبرك النبي المرسل أن الله أوحى إليه أن ينزل العذاب عليهم فترد قول الله وتشك فيه وفي قول رسول الله اذهب فقد أحبط الله عملك فقال روبيل لتنوخا لقد فشل رأيك ثم أقبل على يونس عليه السلام فقال إذا نزل الوحي والأمر من الله فيهم على ما أنزل عليك فيهم من إنزال العذاب عليهم وقوله الحق أ رأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم أ ليس يمحو الله اسمك من النبوة وتبطل رسالتك وتكون كبعض ضعفاء الناس ويهلك على يديك مائة ألف من الناس فأبى يونس عليه السلام أن يقبل وصيته.

فانطلق ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد ورجع يونس عليه السلام إلى قومه وأخبرهم أن الله أوحى إليه أن ينزل العذاب عليكم في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس فردوا عليه قوله وكذبوه وأخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا فخرج يونس عليه السلام ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد وأقاما ينتظران العذاب وأقام روبيل مع قومه في قريتهم حتى إذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم أنا روبيل شفيق عليكم رحيم بكم وهذا شوال قد دخل عليكم وقد أخبركم يونس نبيكم ورسولكم أن الله أوحى إليه أن العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط الشهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس ولن يخلف الله وعده ورسوله فانظروا ما أنتم صانعون فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب فأتوا نحو روبيل وقالوا له ما تشير علينا يا روبيل فإنك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرأفة علين والرحمة لن وقد بلغنا ما أشرت به على يونس فينا فمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك فقال لهم روبيل فإني أرى لكم وأشير عليكم أن تنظروا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشهر أن تعزلوا الأطفال عن الأمهات في أسفل الجبل في طريق الأودية وتقفوا النساء في سفح الجبل ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق فعجوا الكبير منكم والصغير بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله والتوبة إليه وارفعوا رءوسكم إلى السماء وقولوا ربنا ظلمنا أنفسن وكذبنا نبين وتبنا إليك من ذنوبن وإن لم تغفر لن ولا ترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين فاقبل توبتن وارحمنا يا أرحم الراحمين ثم لا تملوا من البكاء والصراخ والتضرع إلى الله حتى تتوارى الشمس بالحجاب ويكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك فأجمع رأي القوم جميعا على هذا فلما كان يوم الأربعاء الذي توقعوا العذاب تنحى روبيل من القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا نزل فلما طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل فلما بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف وهدير فلما رأوها عجوا بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله وتابوا إليه وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمهاته وعجت سخال البهائم تطلب اللبن وعجت الأنعام تطلب المرعى فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان صيحتهم وصراخهم ويدعوان الله عليهم بتغليظ العذاب وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ويرى ما نزل وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم فلما أن زالت الشمس وفتحت أبواب السماء وسكن غضب الرب تعالى فاستجاب دعاءهم وقبل توبتهم وأوحى إلى إسرافيل أن يهبط إلى قوم يونس عليه السلام فإنهم قد عجوا إلي بالبكاء والتضرع وتابوا فرحمتهم وأنا الله التواب الرحيم وقد كان عبدي يونس سألني نزول العذاب على قومه وقد أنزلته عليهم وأنا أحق من وفى بعهدي ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي فقال إسرافيل يا رب إن عذابك قد بلغ أكنافهم وكاد أن يهلكهم وما أراه إل وقد نزل بساحتهم فكيف أنزل أصرفه فقال الله كلا إني قد أمرت ملائكتي أن يوقفوه ولا ينزلوه عليهم حتى يأتي أمري فيهم وعزيمتي فاهبط يا إسرافيل عليهم واصرفه عنهم واصرفه على الجبال بناحية مغاوض العيون ومجاري السيول في الجبال العادية المستطيلة على الجبال فأذلها به لينها به حتى تصير ملينة حديدا جامدا فهبط إسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب حتى ضرب بها تلك الجبال قال أبو جعفر عليه السلام وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم فصارت حديدا إلى يوم القيامة فلما رأى قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا من رءوس الجبال إلى منازلهم ضموا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم وحمدوا الله على ما صرف عنهم وأصبح يونس عليه السلام وتنوخا يوم الخميس في موضعهما لا يشكان أن العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا لما خفيت أصواتهم عندهما فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلى ما صار إليه القوم فلما دنوا من القوم واستقبلهم الحطابون والحماة والرعاة بأغنامهم ونظروا إلى أهل القرية مطمئنين قال يونس لتنوخا يا تنوخا كذبني الوحي وكذبت وعدي لقومي ولا عزة لي ولا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية البحر مستنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه فيقول له كذاب فلذلك قال الله تعالى ﴿وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ... الآية ورجع تنوخا إلى القرية فلقي روبيل فقال له يا تنوخا أي الرأيين كان أصوب وأحق أن يتبع رأيي ورأيك فقال له تنوخا بل رأيك كان أصوب ولقد كنت أشرت برأي الحكماء العلماء فقال تنوخا أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي حتى استبان فضلك لفضل علمك وما أعطاك ربك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهم ومضى يونس عليه السلام على وجهه مغاضبا لربه فكان من قصته ما أخبر الله في كتابه ﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ قال أبو عبيدة قلت لأبي جعفر عليه السلام كم كان غاب يونس عليه السلام عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه قال أربعة أسابيع سبعا منها في ذهابه إلى البحر وسبعا منها في رجوعه إلى قومه فقلت له وما هذه الأسابيع شهور وأيام وساعات فقال يا عبيدة إن العذاب أتاهم يوم الأربعاء في النصف من شوال وصرف عنهم من يومهم ذلك فانطلق يونس عليه السلام مغاضبا فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر وسبعة أيام في بطن الحوت وسبعة أيام تحت الشجرة بالعراء وسبعة أيام في رجوعه إلى قومه فكان ذهابه ورجوعه مسيرة عشرين يوما ثم أتاهم فآمنوا به وصدقوه واتبعوه فلذلك قال الله ﴿فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ.

العياشي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال فيه: إن العذاب نزل على قوم يونس حتى نالوه برماحهم فلبسوا المسوح والصوف ووضعوا الحبال في أعناقهم والرماد على رءوسهم وضجوا ضجة واحدة إلى ربهم وقالوا آمنا بإله يونس فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال آمل وأصبح يونس وهو يظن أنهم هلكوا فوجدهم في عافية فغضب وخرج حتى ركب سفينة فيها رجلان فاضطربت السفينة فقال الملاح يا قوم في سفينتي مطلوب فقال يونس أنا هو وقام ليلقي نفسه فأبصر السمكة وقد فتحت فاها فهابه وتعلق به الرجلان وقالا له أنت واحد ونحن رجلان فساهمهم فوقعت السهام عليه فجرت السنة بأن السهام إذا كانت ثلاث مرات أنها لا تخطئ فألقى نفسه فالتقمه الحوت فطاف به البحار السبعة حتى صار إلى البحر المسجور وبه يعذب قارون ثم ذكر كلامه معه كما تقدم.

المناقب عن الثمالي قال: دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين عليه السلام وقال له يا ابن الحسين الذي تقول إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها قال ثكلتك أمك قال فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه فقال ابن عمر يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي فقال هبه وأر به إن كنت من الصادقين ثم قال يا أيها الحوت قال فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول لبيك لبيك يا ولي الله فقال من أنت قال أنا حوت يونس يا سيدي قال أنبئنا بالخبر فقالت يا سيدي إن الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى أن صار جدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم إل وقد عرض عليه ولايتكم فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص ومن توقف عليه وتتعتع في حملها لقي ما لقي آدم من الخطيئة وما لقي نوح عليه السلام من الغرق وما لقي إبراهيم من النار وما لقي يوسف من الجب وما لقي أيوب من البلاء وما لقي داود من الخطيئة إلى أن بعث الله يونس عليه السلام فأوحى الله إليه أن يا يونس تول أمير المؤمنين علي والأئمة الراشدين من صلبه في كلام له قال فكيف أتولى من لم أره ولم أعرفه وذهب مغتاضا فأوحى الله تعالى إلي أن التقم يونس ولا توهن له عظما فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي ﴿أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ قد قبلت ولاية علي والأئمة الراشدين من ولده فلما آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر فقال زين العابدين عليه السلام ارجع أيها الحوت إلى وكرك واستوي الماء.

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن داود النبي عليه السلام قال يا رب أخبرني بقريني في الجنة ونظيري في منازلي فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن ذلك متى أبا يونس قال فاستأذن الله في زيارته فأذن له فخرج هو وسليمان ابنه حتى أتيا موضعه فإذا هما ببيت من سعف فقيل لهما هو في السوق فسألا عنه فقيل لهما اطلباه في الحطابين فسألا عنه فقال لهما جماعة من الناس نحن ننتظره الآن يجي‏ء فجلسا ينتظرانه إذ أقبل وعلى رأسه وقر من حطب فقام إليه الناس فألقى عنه الحطب فحمد الله وقال من يشتري طيبا بطيب فساومه واحد وزاد بآخر حتى باعه من بعضهم قال فسلما عليه فقال انطلقا بنا إلى المنزل واشترى طعاما بما كان معه ثم طحنه وعجنه ثم أجج نار وأوقدها ثم جعل العجين في تلك النار وجلس معهما يتحدث ثم قام وقد نضجت خبيزته فوضعها في الإجانة وفلقه وذر عليها ملح ووضع إلى جنبه مطهرة ماء وجلس على ركبتيه وأخذ لقمة فلما وضعها إلى فيه قال بسم الله فلما ازدردها قال الحمد لله ثم فعل ذلك بأخرى ثم أخذ الماء فشرب منه فذكر اسم الله فلما وضعه قال الحمد لله يا رب من ذا الذي أنعمت عليه ما أوليته مثل ما أوليتني قد صححت بصري وسمعي وبدني وقويتني حتى ذهبت إلى شجر لم أغرسه ولم أهتم لحفظه جعلته لي رزق وسقت إلي من اشتراه مني فاشتريت بثمنه طعاما لم أزرعه وسخرت لي النار فأنضجته وجعلتني آكله بشهوة أقوى به على طاعتك فلك الحمد قال ثم بكى قال داود عليه السلام يا بني قم فانصرف بنا فإني لم أر عبدا قط أشكر من هذا صلى الله عليه وآله وسلم.

أقول: نقل المفسرون أن السفينة التي ركب فيها يونس عليه السلام احتبست فقال الملاحون إن هاهنا عبدا آبقا فإن من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري فلذلك اقترعوا فوقعت القرعة على يونس عليه السلام ثلاث مرات فعلموا أنه المطلوب فألقى نفسه في البحر فأوحى الله إلى الحوت أني لم أجعل عبدي رزقا لك ولكني جعلت بطنك له مسجدا فلا تكسرن له عظم ولا تخدشن له جلدا.

و قوله ﴿وَ هُوَ مُلِيمٌ أي مستحق اللوم لوم العتاب لا لوم العقاب على خروجه من بين قومه من غير أمر ربه.

و عندنا أن ذلك إنما وقع منه تركا للمندوب وقد يلام الرجل على ترك المندوب.

و عن أبي عبد الله عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى.

أقول: لعل المعنى على تقدير صحة الخبر أنه لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس من حيث المعراج بأن يظن أني صرت من حيث العروج إلى السماء أقرب إلى الله تعالى منه فإن نسبته تعالى إلى السماء والأرض والبحار نسبة واحدة وإنما أراني الله تعالى عجائب صنعه في السماوات وأرى يونس عجائب خلقه في البحار وإني عبدت الله في السماء ويونس عبده في بطن الحوت ولكن التفضيل من جهات أخر لا تحصى.


* النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.

2012-11-28