نبي الله صالح(ع)
نبي الله صالح(ع)
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ...
عدد الزوار: 276
قال الله تبارك وتعالى ﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ولا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ ولكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ وقد ذكر الله سبحانه قصتهم في كتابه المجيد تعظيما لمواقعتهم الشنيعة وتخويفا لهذه الأمة من أن يرتكبوا مثله وقد ارتكبوا ما هو أشنع وأفظع منها.
و لهذا صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: أشقى الأولين والآخرين من عقر ناقة صالح ومن ضربك يا علي على قرنك حتى تخضب من دم رأسك لحيتك.
و تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم تشبيه قاتله عليه السلام بعاقر الناقة وقد صنف بعض المتأخرين رسالة في وجه هذا التشبيه وأطال في بيان وجوه المناسبة ومن أمعن النظر فيه يظهر له شدة انطباقه عليه وذلك أن عليا عليه السلام كان آية لله تعالى أظهرها على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما قال عليه السلام: وأي آية أعظم مني.
و ذكر الفاضل المعتزلي ابن أبي الحديد في الشرح: أن تاريخ الدني وأحوالها مضبوط من بعد الطوفان إلى يومنا هذ وما بلغنا في هذه المدة الطويلة أن رجلا من العرب والعجم والترك والهند والروم يدانيه في الشجاعة مع تكثرهم في طوائف الناس بل ولم يقاربه أحد في خصلة من خصال الكمال.
و روى صاحب كتاب القدسيات من علماء الجمهور أنه: قال جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله بعث عليا مع الأنبياء باطن وبعثه معك ظاهرا.
و أما ولادته: فكانت في الكعبة التي هي صخرة بيت الله كما خرجت الناقة من الصخرة ولم يتفق ذلك لنبي ووصي نبي وكان عليه السلام يمير الناس العلوم والحكم كما كانت الناقة تميرهم السقيا.
و أما سبب شهادته عليه السلام: فكانت قطامة عليها لعنة الله كما كان السبب في عقر الناقة الملعونة الزرقاء.
و بعد أن استشهد عليه السلام عمدوا إلى ولده الحسين عليه السلام وقتلوه كما قتل أولئك فصيل الناقة إلى غير ذلك من وجوه المناسبة بين قران قاتله عليه السلام مع عاقر الناقة والمشابهة بينهما.
و قوله سبحانه تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها السهل خلاف الجبل وهو ما ليس فيه مشقة للناس أي تبنون في سهولها الدور والقصور وإنما اتخذوها في السهول ليصيفوا﴿فيه وتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً﴾ قال ابن عباس كانوا يبنون القصور بكل موضع وينحتون من الجبال بيوتا ليكون مساكنهم في الشتاء أحسن وأدف وكانت ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام وكانت عاد باليمن وكانت أعمار ثمود من ألف سنة إلى ثلاثمائة.
و أما صالح عليه السلام فهو صالح بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
العياشي عن أبيه عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل جبرئيل عليه السلام كيف كان مهلك قوم صالح فقال يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة لا يجيبونه إلى خير وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم قال يا قوم إني قد بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وأنا أعرض عليكم أمرين إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما تسألوني وإن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد شنئتكم وشنئتموني فقالوا قد أنصفت فاتعدوا ليوم يخرجون فيه فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلو وشربوا فلما فرغوا دعوه فقالوا يا صالح سل فدعا صالح كبير أصنامهم فقال ما اسم هذا فأخبروه باسمه فناداه باسمه فلم يجب فقالوا ادع غيره فدعا كلها بأسمائهم فلم يجبه واحد منهم فقال يا قوم قد ترون دعوت أصنامكم فلم يجبني واحد منهم فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها ما بالكن لا تجبن صالحا فلم تجب فقالوا يا صالح تنح عن ودعن وأصنامنا قال فرموا بتلك البسط التي بسطوه وبتلك الآنية وتمرغوا في التراب وقالوا لها لئن لم تجبن صالحا اليوم لتفضحن ثم دعوه فقالوا يا صالح تعال فسلها فعاد فسألها فلم تجبه فقال يا قوم قد ذهب النهار ولا أرى آلهتكم تجيبني فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة فانتدب له سبعون رجلا من كبرائهم فقالوا يا صالح نحن نسألك فقال أ كل هؤلاء يرضون بكم قالوا نعم فأن أجابك هؤلاء أجبناك قالوا يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك وتابعك جميع قريتنا فقال لهم صالح سلوني ما شئتم فقالوا انطلق بنا إلى هذا الجبل فانطلق معهم فقالوا سل ربك أن يخرج لنا الساعة من هذا الجبل ناقة حمراء شديدة الحمرة وبراء عشراء يعني حاملا بين جنبيها ميل فقال سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي فسأل الله ذلك فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه العقول لما سمعوا صوته واضطرب الجبل كما تضطرب المرأة عند المخاض ثم لم يفجأهم إل ورأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت ثم خرج سائر جسدها فاستوت على الأرض قائمة فلما رأوا ذلك قالوا يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك فاسأله أن يخرج لنا فصيلها فسأل الله ذلك فرمت به فدب حولها فقال يا قوم أ بقي شيء قالوا لا فانطلق بنا إلى قومنا نخبرهم ما رأيناه ويؤمنوا بك فرجعوا فلم يبلغ السبعون الرجل إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجل وقالوا سحر وثبت الستة وقالوا الحق ما رأيناه ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقره وزاد محمد بن أبي نصر في حديثه قال سعيد بن يزيد فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام فرأى جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه وجبل آخر بينه وبين هذا ميل.
و في التهذيب عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح عليه السلام.
و عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وهو آخذ بيد علي عليه السلام وهو يقول يا معاشر الأنصار أنا محمد رسول الله ألا إني خلقت من طينة مرحومة في أربعة من أهل بيتي أن وعلي وحمزة وجعفر فقال قائل هؤلاء معك ركبان يوم القيامة فقال كذلك أنه لن يركب يومئذ إلا أربعة أن وعلي وفاطمة وصالح فأما أنا فعلى البراق وأما فاطمة ابنتي فعلى العضباء وأما صالح فعلى ناقة الله التي عقرت وأما علي فعلى ناقة من نوق الجنة زمامها من ياقوت عليه حلتان خضراوان فيقف بين الجنة والنار وقد ألجم الناس العرق يومئذ فتهب ريح من قبل العرش فتنشف عنهم عرقهم فيقول الأنبياء والملائكة والصديقون ما هذا إلا ملك مقرب ونبي مرسل فينادي مناد ما هذا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه علي بن أبي طالب أخو رسول الله صلوات الله عليهما في الدني والآخرة.
و في تفسير علي بن إبراهيم صالح قال لهم لهذه الناقة شراب أي تشرب ماءكم يوم وتدر لبنها عليكم يوما فكانت تشرب ماءهم يوم وإذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في القرية أحد إلا حلب منها حاجته وكان فيهم تسعة من رؤسائهم يفسدون في الأرض فعقروا الناقة وقتلوه وقتلوا فصيلها فلما عقروا الناقة قالوا لصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال صالح ﴿تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّام﴾ٍ وعلامة هلاككم أنه تصفر وجوهكم غد وتحمر بعد غد وتسود يوم الثالث فلما كان من الغد نظروا إلى وجوههم قد اصفرت فلما كان اليوم الثاني احمرت مثل الدم فلما كان الثالث اسودت وجوههم فبعث الله عليهم صيحة جبرئيل عليه السلام صاح بهم صيحة تقطعت بها قلوبهم وخرقت منها أسماعهم فماتوا أجمعين في طرفة عين ثم أرسل الله عليهم نارا من السماء فأحرقتهم. قال الحسن بن محبوب حدثني رجل من أصحابنا يقال له سعيد بن زيد في حديث طويل قال فيه وكانت مواشيهم تنفر منها لعظمها فهموا بقتلها قالو وكانت امرأة جميلة يقال لها صدوب ذات مال وبقر وغنم وكانت أشد الناس عداوة لصالح فدعت رجلا من ثمود يقال له مصدع وجعلت له على نفسها على أن يعقر الناقة وامرأة أخرى يقال لها عنيزة دعت قدار بن سالف وكان أحمر أزرق قصير وكان ولد زنى ولم يكن لأبيه ولكنه ولد على فراشه قالت أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة فانطلق قدار ومصدع فاستغويا غواة ثمود فاتبعهما سبعة نفر وأجمعوا على عقر الناقة ولما ولد قدار وكبر وجلس مع أناس يصيبون من الشراب فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم وكان ذلك اليوم شرب الناقة فوجدوا الماء قد شربته الناقة فاشتد ذلك عليهم فقال قدار هل لكم في أن أعقرها لكم قالوا نعم.
و قال كعب كان سبب عقرهم الناقة أن امرأة يقال لها ملكاء كانت قد ملكت ثمودا فلما أقبلت الناس على صالح وصارت الرئاسة إليه حسدته فقالت لامرأة يقال لها قطام وكانت معشوقة قدار بن سالف ولامرأة أخرى يقال لها قبال كانت معشوقة مصدع وكان قدار ومصدع يجتمعان معهما كل ليلة ويشربون الخمر فقالت لهما ملكاء إن أتاكما الليلة قدار ومصدع فلا تطيعاهم وقولا لهما إن الملكة حزينة لأجل الناقة ولأجل صالح فنحن لا نطيعكما حتى تعقرا الناقة فلما أتياهما قالتا لهما هذه المقالة فقالا نحن نكون من وراء عقرها فانطلق قدار ومصدع وأصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار في أصل صخرة في طريقه وكمن لها مصدع في أصل أخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقه وخرجت عنيزة وأمرت ابنته وكانت من أحسن الناس فأسفرت لقدار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرجت ورغت رغاء واحدة ثم طعنها في لبتها فنحره وخرج أهل البلدة واقتسموا لحمه وطبخوه فلما رأى الفصيل ما فعل بأمه ولى هاربا ثم صعد جبلا ثم رغا رغاء تقطع منه قلوب القوم وأقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه إنما عقرها فلان ولا ذنب لنا فقال صالح انظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه في الجبل فلم يجدوه. وكانوا عقروا الناقة ليلة الأربعاء فقال لهم صالح تمتعوا في داركم ثلاثة أيام فإن العذاب نازل بكم فصاح بهم جبرئيل عليه السلام تلك الصيحة وكانوا قد تحنطو وتكفنو وعلموا أن العذاب نازل بهم فماتوا أجمعين في طرفة عين وكان ذلك في يوم الأربعاء.
* النور المبين/ المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-28