أحوال أولاد و أزواج النبي إبراهيم(ع)
قصص الصالحين
روي عن الباقر عليه السلام أنه قال: نزلت ثلاثة أحجار من الجنة حجر مقام إبراهيم عليه السلام و حجر بني إسرائيل و الحجر الأسود و استودعه الله إبراهيم عليه السلام حجرا أبيض و كان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم.
عدد الزوار: 101
قال الله تعالى: ﴿وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.
الطبرسي طاب ثراه روي عن الباقر عليه السلام أنه قال: نزلت ثلاثة أحجار من الجنة حجر مقام إبراهيم عليه السلام و حجر بني إسرائيل و الحجر الأسود و استودعه الله إبراهيم عليه السلام حجرا أبيض و كان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم.
أقول: الحجر الأسود تقدم أن آدم عليه السلام حمله من الجنة و حدثني بعض الشيوخ من العلماء أن الكعبة لما هدمها السيل أنهم شاهدوا الحجر من الطرف الذي يلي البيت و كان أبيض.
قال ابن عباس و روي في كثير من أخبارنا: أنه لما أتى إبراهيم بإسماعيل و هاجر فوضعهما بمكة و أتت على ذلك مدة و نزلها الجرهميون و تزوج إسماعيل منهم و ماتت هاجر استأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له و شرطت عليه أن لا ينزل فقدم إبراهيم عليه السلام و قد ماتت هاجر فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته أين صاحبك فقالت ذهب يتصيد و كان إسماعيل عليه السلام يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع فقال لها إبراهيم هل عندك ضيافة قالت ما عندي شيء فقال لها إبراهيم عليه السلام إذا جاء زوجك فأقرءيه السلام و قولي له فليغير عتبة بابه و ذهب إبراهيم عليه السلام فلما جاء إسماعيل عليه السلام و وجد ريح أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت جاءني شيخ صفته كذا و كذا كالمستخفة بشأنه قال فما قال لك قالت قال لي أقرئي زوجك السلام و قولي فليغير عتبة بابه فطلقها و تزوج بأخرى فلبث إبراهيم ما شاء الله ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له و اشترطت عليه أن ينزل فجاء حتى انتهى إلى باب إسماعيل فقال لامرأته أين صاحبك فقالت ذهب يتصيد و هو يجيء الآن إن شاء الله فانزل يرحمك الله قال لها هل عندك ضيافة قالت نعم فجاءت باللبن و اللحم و دعا لها بالبركة فلو جاءت يومئذ بخبز بر أو شعير أو تمر لكان أكثر أرض الله برا أو تمرا أو شعيرا فقالت له انزل حتى أغسل رأسك فلم ينزل فجاءت بالمقام فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه فبقي أثر قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر فبقي أثر قدميه عليه فغسلت شق رأسه الأيسر فقال لها إذا جاء زوجك فأقرءيه السلام و قولي له لقد استقامت عتبة بابك فلما جاء إسماعيل وجد رائحة أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ من أحسن الناس وجها و أطيبهم ريحا و قال لي كذا و كذا و غسلت رأسه و هذا موضع قدميه على المقام قال لها إسماعيل ذلك إبراهيم عليه السلام.
و عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الركن و المقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما و لو لا أن نورهما طمس لأضاء ما بين المشرق و المغرب.
العياشي عن الصادق عليه السلام: قال أنزل الحجر الأسود من الجنة لآدم و كان في البيت درة بيضاء فرفعه الله تعالى إلى السماء و بقي أساسه فهو حيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم و إسماعيل أن يبنيا البيت على القواعد.
و عن ابن عباس قال: قدم إبراهيم في المقام فنادى أيها الناس إن الله دعاكم إلى الحج فأجابوا لبيك اللهم لبيك أجابه من في أصلاب الرجال و أول من أجابه أهل اليمن.
تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى ﴿طَهِّرا بَيْتِيَ﴾ عن الصادق عليه السلام: يعني نح عنه المشركين و قال لما بنى إبراهيم عليه السلام البيت و حج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك و تعالى ما تلقى من أنفاس المشركين فأوحى الله إليها قري يا كعبة فإني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر و يتخللون.
أقول: قضبان الشجر شامل للأراك و غيره و ربما توجد في موضع آخر تخصيصه بالأراك و إرادة العموم جائزة فإن السواك بمطلق قضبان الشجر مستحب و إن كان الأفضل هو الأراك بل ورد استحباب السواك بالأصابع و هو منزل بمراتب الفضل و الاستحباب.
و فيه: في قوله تعالى ﴿وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا﴾ يعني لإبراهيم و إسحاق و يعقوب ﴿مِنْ رَحْمَتِنا﴾ يعني برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ﴾ يعني أمير المؤمنين عليه السلام حدثني بذلك أبي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
علل الشرائع بإسناده إلى الصادق عليه السلام في حديث طويل يقول فيه: لما بنى إبراهيم و إسماعيل عليه السلام البيت قالت امرأة إسماعيل و كانت عاقلة فهلا تعلق على هذين البابين سترا من هاهنا قال نعم فعملا له سترين طولهما اثنا عشر ذراعا فعلقهما على البابين فأعجبها ذلك فقالت فهلا أحوك للكعبة ثيابا و نسترها كلها فإن هذه الأحجار سمجة فقال إسماعيل بلى فأسرعت في ذلك و بعثت إلى قومها بصوف كثير تستغزل بهن قال أبو عبد الله عليه السلام و إنما وقع استغزال بعضهن مع بعض لذلك فأسرعت و استعانت في ذلك فلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم و قد بقي وجه من وجوه الكعبة فقالت لإسماعيل كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم ندركه بكسوة فكسوه خصفا فجاء الموسم فجاءته العرب فنظروا إلى أمر فأعجبهم فقالوا ينبغي لعامر هذا البيت أن يهدى إليه فمن ثم وقع الهدي فأتى كل فخذ من العرب بشيء يحمله من ورق و من أشياء و غير ذلك فنزعوا ذلك الخصف و أتموا كسوة البيت و علقوا عليها بابين و كانت غير مسقفة فسقفها إسماعيل بالجرائد فجاءت العرب فرأوا عمارتها فزادوا في الهدي فأوحى الله إليه أن انحره و أطعم الحاج و شكا إسماعيل إلى إبراهيم قلة الماء فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه السلام احتفر بئرا يكون منها شرب الماء فاحتفر زمزم و ضرب إبراهيم عليه السلام في أربع زوايا البئر فانفجرت من كل زاوية عين فقال جبرئيل عليه السلام اشرب يا إبراهيم و ادع لولدك فيها بالبركة ثم تزوج إسماعيل الحميرية و ولد منها ولد ثم تزوج بعدها أربع نسوة فولد له من كل واحدة أربع غلمان ثم قضى الله على إبراهيم بالموت فلم يره إسماعيل و لم يخبر بموته حتى كان أيام الموسم فنزل جبرئيل عليه السلام و أخبره بموت أبيه و كان لإسماعيل ابن صغير يحبه و كان هوى إسماعيل فيه فأبى الله عليه ذلك فقال يا إسماعيل هو فلان فلما قضى الموت على إسماعيل دعا وصيه فقال يا بني إذا حضرك الموت فافعل كما فعلت فمن ذلك لا يموت إمام إلا أخبره الله إلى من يوصي.
تفسير علي بن إبراهيم مسندا إلى الصادق عليه السلام قال: إن إبراهيم عليه السلام كان نازلا في بادية الشام فلما ولد من هاجر إسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد و قد كانت تؤذي إبراهيم في هاجر فتغمه فشكا ذلك إلى الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن تركت استمتعت بها و إن أقمتها كسرتها ثم أمره أن يخرج إسماعيل و أمه عنها فقال يا رب إلى أي مكان فقال إلى حرمي فأنزل عليه جبرئيل عليه السلام بالبراق فحمل هاجر و إسماعيل عليه السلام و كان إبراهيم عليه السلام لا يمر بموضع حسن فيه شجر و نخل و زرع إلا و قال يا جبرئيل إلى هاهنا فقال لا امض حتى وافى مكة فوضعه موضع البيت و قد كان عاهد سارة ألا ينزل حتى يرجع إليها فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها فاستظلوا تحته فلما وضعهم و أراد الانصراف إلى سارة قالت له هاجر يا إبراهيم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس و لا ماء و لا زرع فقال إبراهيم عليه السلام الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم ثم انصرف عنهم فالتفت إليهم فقال ﴿رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ فبقيت﴾ هاجر فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل و طلب الماء فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى فنادت هل في الوادي من أنيس فغاب إسماعيل عنها فصعدت على الصفا و لمع لها السراب في الوادي و ظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي و سعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في موضع الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع و هي على المروة نظرت إلى إسماعيل و قد ظهر الماء من تحت رجليه فجمعت حوله رملا فإنه كان سائلا فزمته بما جعلت حوله فلذلك سمي زمزم و كان جرهم نازلة بعرفات فلما ظهر الماء بمكة و عكفت الطير و الوحوش عليه اتبعوها حتى نظروا إلى امرأة و صبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا بشجرة قد ظهر الماء لهما قالوا لهاجر من أنت و ما شأنك و شأن هذا الصبي قالت أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن و هذا ابنه فقالوا لها فتأذنين لنا أن نكون بالقرب منكم ثم إنها استأذنت إبراهيم فأذن لهم فنزلوا بالقرب منهم فأنست هاجر و إسماعيل بهم فلما رآهم إبراهيم عليه السلام في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا فلما ترعرع إسماعيل عليه السلام و كانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة و شاتين و كانت هاجر و إسماعيل يعيشان بها فلما بلغ مبلغ الرجال أمر الله عز و جل إبراهيم أن يبني البيت فقال يا رب في أية بقعة أنا قال في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم تزل القبة التي أنزلها على آدم قائمة حتى كانت أيام الطوفان أيام نوح عليه السلام فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة و غرقت الدنيا فسميت البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فلما أمر الله عز و جل إبراهيم أن يتخذ البيت فلم يدر في أي مكان فبعث الله عز و جل جبرئيل عليه السلام فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة و كان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما مسته أيدي الكفار اسود فبنى إبراهيم البيت و نقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة أذرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم و وضعه في موضعه الذي هو فيه الآن و جعل له بابين بابا إلى المشرق و بابا إلى المغرب يسمى المستجار ثم ألقى عليه الشجر و الإذخر و علقت هاجر على بابه كساء فلما بناه و فرغ منه حج إبراهيم و إسماعيل و نزل عليهما جبرئيل عليه السلام يوم التروية فقال جبرئيل عليه السلام قم فارتو من الماء لأنه لم يكن بمنى و عرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم قال إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء البيت ﴿رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ قال من ثمرات القلوب أي حببه إلى الناس ليعودوا إليه.
علل الشرائع بإسناده إلى محمد بن عرفة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن من قبلنا يقولون إن إبراهيم خليل الرحمن ختن نفسه بقدوم على دن فقال سبحان الله ليس كما يقولون كذبوا على إبراهيم قلت له صف لي ذلك فقال إن الأنبياء عليهم السلام كان يسقط غلفهم مع سررهم يوم السابع فلما ولد إسماعيل سقط عنه غلفته مع سرته و عيرت بعد ذلك سارة هاجر بما تعير به الإماء فبكت هاجر و اشتد عليها و بكى لبكائها إسماعيل فأخبر إبراهيم فقام إلى مصلاه و ناجى ربه و سأله أن يلقي ذلك عن هاجر فألقاه الله عز و جل عنها فلما ولدت سارة إسحاق و كان يوم السابع لم تسقط غلفته فجزعت من ذلك سارة و قالت لإبراهيم ما هذا الحادث الذي حدث في أولاد الأنبياء هذا ابنك إسحاق سقطت سرته و لم تسقط غلفته فقام إبراهيم إلى مصلاه و ناجى ربه فقال يا رب ما هذا الحادث الذي حدث في آل إبراهيم هذا إسحاق ابني سقطت سرته و لم تسقط غلفته فأوحى الله عز و جل إليه هذا لما عيرت سارة هاجر فآليت أن لا أسقط ذلك عن أحد من أولاد الأنبياء بعد تعييرها لهاجر فاختتن إسحاق بالحديد و أذاقه حر الحديد فقال فختن إبراهيم إسحاق بحديد فجرت السنة في الناس بعد ذلك.
أقول: القدوم المراد منه قدوم النجار و قول الجزي إنه قرية بالشام أو موضع على ستة أميال من المدينة غير مناسب هنا.
و الدن الراقود العظيم أو أطول من الحب أو أصغر و فيه دلالة على اختتان إبراهيم محمول على التقية.
مناقب ابن شهر شهرآشوب عن علي عليه السلام: أن الجمار إنما رميت بسبع حصيات لأن جبرئيل عليه السلام حين أرى إبراهيم عليه السلام المشاعر برز له إبليس فأمره جبرئيل أن يرميه فرماه بسبع حصيات فدخل عند الجمرة الأولى تحت الأرض فأمسك ثم إنه
برز عند الثانية فرماه بسبع حصيات أخر فدخل تحت الأرض في موضع الثانية ثم برز له في موضع الثالثة فرماه بسبع حصيات فدخل موضعها.
و فيه عن أبي الحسن عليه السلام قال: السكينة ريح تخرج من الجنة لها صورة كصورة الإنسان و رائحة طيبة و هي التي أنزلت على إبراهيم عليه السلام فأقبلت تدور حول أركان البيت و هو يضع الأساطين.
علل الشرائع عن ابن عباس قال: كانت الخيل العراب وحوشا بأرض العرب فلما رفع إبراهيم و إسماعيل القواعد من البيت قال الله إني أعطيتك كنزا لم أعطه أحدا كان قبلك فخرج إبراهيم و إسماعيل حتى صعدا جيادا يعني جبلا بمكة فقال ألا هلا ألا هلم فلم يبق في أرض العرب فرس إلا أتاه و تذلل له و أعطت بنواصيها و إنما سميت جيادا لهذا فما زال الخيل بعد تدعو الله أن يحببها إلى أربابها فلم تزل حتى اتخذها سليمان فلما آلمته أمر بها أن يمسح رقابها و سوقها حتى بقي أربعون فرسا.
أقول: هذا زجر للخيل أي اقربي قاله الجوهري.
و فيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أمر الله عز و جل إبراهيم و إسماعيل عليه السلام ببنيان البيت و تم بناؤه أمره أن يصعد ركنا ثم ينادي في الناس ألا هلم إلى الحج فلو نادى هلموا إلى الحج لم يحج إلا من كان إنسيا مخلوقا و لكن نادى هلم إلى الحج فلبى الناس في أصلاب الرجال لبيك داعي الله فمن لبى عشرا حج عشرا و من لبى خمسا حج خمسا و من لبى أكثر فبعدد ذلك و من لبى واحدا حج واحدا و من لم يلب لم يحج و رواه في الكافي مثله.
أقول: ذكروا في وجه الفرق أن الأصل في الخطاب أن يكون متوجها إلى الموجودين أما شمول الحكم للمعدومين فيستفاد من دليل آخر لا من نفس الخطاب إلا أن يكون المراد بالخطاب الخطاب العام المتوجه إلى كل من يصلح للخطاب فإنه شامل للواحد و الكثير و الموجود و المعدوم و الشائع في مثل هذا الخطاب أن يكون بلفظ المفرد بل صرح بعض أهل العربية بأنه لا يتأتى إلا بالمفرد و في الكافي أسقط لفظ إلى في المفرد و أثبتها في الجمع و جعله بعضهم هو وجه الفرق بأن يكون في المفرد المخاطب هو الحج مجازا لبيان كونه مطلوبا من غير خصوصية شخص أي هلم أيها الناس الحج.
و في الفقيه كلمة إلى موجودة في المواضع و فيه عند ذكر المفرد في الموضعين نادى و عند ذكر الجمع ناداهم و من ثم قال بعض المحققين ليس مناط الفرق بين أفراد الصيغة و جمعها بل ما في الحديث بيان للواقعة.
و المراد أن إبراهيم عليه السلام نادى هلم إلى الحج بلا قصد إلى مناد معين أي الموجودين لكان الحج مخصوصا بالموجودين فلذا يعم الموجودين و المعدومين فلو ناداهم إلى الموجودين و قال هلموا إلى الحج قاصدا إلى الموجودين لكان الحج مخصوصا بالموجودين فضمير هم في ناداهم راجع إلى الناس الموجودين فالمناط قصد المنادي المعين المشعر إليه بلفظهم في إحدى العبارتين و عدم القصد في الأخرى المشعر إليه بذكر نادى مطلقا لا الإفراد و الجمع. أقول وجه التحقيق فيه أن الموجودين وقت الخطاب كانوا جماعة من الأحياء فلو خاطبهم باللفظ الصالح لهم لكان متوجها إليهم لأن الأصل في الخطاب أن يكون متوجها إلى من يقبل صيغة الخطاب و لما عدل عنه إلى الإفراد مع عدم القرينة على تعيين المخاطب كان شاملا لكل من يقبل أن يكون مخاطبا و لو بعد الوجود و إلا لكان الخطاب عبثا خاليا عن الحكمة و الفائدة.
و فيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله جل جلاله لما أمر إبراهيم عليه السلام ينادي في الناس بالحج قام على المقام فارتفع به حتى صار بإزاء أبي قبيس فنادى في الناس بالحج فأسمع من في أصلاب الرجال و أرحام النساء إلى أن تقوم الساعة.
و فيه عنه عليه السلام: أن الله عز و جل أوحى إلى إبراهيم ﴿وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا﴾ فنادى فأجيب من كل فج عميق و قال إنما سميت الخيل العراب لأن أول من ركبها إسماعيل و قال عليه السلام إن بنات الأنبياء لا يطمثن إنما جعل الطمث عقوبة و أول من طمثت سارة.
و عنه عليه السلام: صار السعي بين الصفا و المروة لأن إبراهيم عليه السلام عرض له إبليس فأمره جبرئيل عليه السلام فشد عليه فهرب منه فجرت به السنة يعني به الهرولة.
و فيه عن الرضا عليه السلام: إنما سميت منى بمنى لأن جبرئيل عليه السلام قال هناك يا إبراهيم تمن على ربك ما شئت فتمنى إبراهيم في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره الله بذبحه فداء له فأعطاه الله.
و فيه عن أبي عبد الله عليه السلام: أن جبرئيل عليه السلام خرج بإبراهيم عليه السلام يوم عرفة فلما زالت الشمس قال له جبرئيل عليه السلام يا إبراهيم اعترف بذنبك و اعرف مناسكك فسميت عرفات لقول جبرئيل عليه السلام اعرف و اعترف و قال إن جبرئيل عليه السلام انتهى إلى الموقف فأقام به حتى غربت الشمس ثم أفاض به فقال يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام.
و فيه عن أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في: قول سارة اللهم لا تؤاخذني بما صنعت بهاجر إنها كانت خفضتها فجرت السنة بذلك.
أقول: فيه بيان ما تقدم من أن الذي عيرت سارة بهاجر هو هذا نعم الموجود هناك هو أن الله سبحانه ألقاها عنه و هاهنا أن سارة خفضتها و لم تقصد سارة من ذلك الخفض التطهير و السنة بل قصدت به الإيذاء و الإضرار بها كما تقطع الفروج إضرارا بأهلها.
و فيه عن أبي الحسن عليه السلام: أن إبراهيم دعا ربه أن يرزق أهله من كل الثمرات فقطع له قطعة من الشام فأقبلت بثمارها حتى طافت بالبيت سبعا ثم أقرها الله عز و جل في موضعها فإنما سميت الطائف للطواف بالبيت.
قصص الأنبياء بإسناده إلى علي عليه السلام قال: شب إسماعيل و إسحاق فتسابقا فسبق إسماعيل فأخذه إبراهيم فأجلسه في حجره و أجلس إسحاق إلى جنبه فغضبت سارة و قالت أما إنك قد جعلت أن لا تساوي بينهما فاعزلهما عني فانطلق إبراهيم عليه السلام بإسماعيل و أمه إلى مكة الحديث.
* النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-28