القرابة والرحم
العلاقة مع المجتمع
وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ، فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ، وَيَدُكَ الَّتي بِهَا تَصُول.العشيرة هي الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد، والعشيرة مشتقة من "العشرة" العدد المعروف وحيث أن العشرة تعتبر في نفسها عدداً كاملاً،
عدد الزوار: 108"وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ، فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ، وَيَدُكَ الَّتي بِهَا تَصُول ُ".
العشيرة بمفهومها الإيجابي
العشيرة هي الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد، والعشيرة مشتقة من "العشرة" العدد المعروف وحيث أن العشرة تعتبر في نفسها عدداً كاملاً، فقد سمي أقرباء الرجل الذين يكمل بهم عشيرة. ولا شك في أن الإسلام أعطى لمفهوم العشيرة الذي كان سائداً بين العرب في عصر الدعوة بُعده الإيجابي، وأعلن رفضه لبعض المفاهيم السلبية التي كانت سائدة بين العشائر. والتي تتنافى مع التعاليم الأخلاقية والقيم الإنسانية.
أما البعد الإيجابي في العشيرة فهو يتمثل في ما عرف في الإسلام بصلة الرحم، فللرحم حق على المكلف أن يؤديه ولا يقصر فيه.
قال العلامة الطباطبائي قدس سره: "كيف كان فالرحم من أقوى أسباب الالتيام الطبيعي بين أفراد العشيرة مستعدة للتأثير أقوى الاستعداد ولذلك كان ما ينتجه المعروف بين الأرحام أقوى وأشد مما ينتجه ذلك بين الأجانب وكذلك الإساءة في مورد الأقارب أشد أثراً منها في مورد الأجانب"1.
والعشيرة أيضاً يمكن أن تشكل عوناً في طاعة الله تعالى وقوة للامتثال للتكليف الشرعي، وقد قال تعالى في قصة نبي الله لوط عليه السلام: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾(هود:80).
وذكر العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسير الركن الشديد بأنه العشيرة القوية والمنيعة التي تمنعكم من أذيتي.
وذكر في تفسير الأمثل في قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى﴾(النساء:36).
"ثم أنها توصي بالإحسان إلى كلِّ الأقرباء، وهذا الموضوع من المسائل التي يهتم بها القرآن الكريم اهتماماً بالغاً تارةً تحت عنوان "صلة الرحم" وأخرى بعنوان "الإحسان إلى القربى" وقد أراد الإسلام بهذا في الحقيقة أن يقوي من أواصر العلاقة الواسعة بين جميع أفراد البشر مضافاً إلى إيجاد أواصر وعلاقات أقوى وأمتن منها في الوحدات الاجتماعية التي هي أكثر انسجاماً مثل "العشيرة" و"العائلة" ليستطيعوا التعاون في ما بينهم عند ظهور المشاكل والحوادث، والتعاون على الدفاع عن حقوقهم" 2.
وهكذا يكون الأمر بإكرام العشيرة لكي يكون للشخص قوة في عشيرته تدافع عنه لو أراد أحدهم التعدّي عليه أو سلبه حقاً من حقوقه. أي نصرته في الحالات التي يكون فيها مظلوماً. ولذا نجد الإمام علي عليه السلام يصفهم بقوله: " فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ"، وذلك لأن من يسعى في الأرض لا بد له من تحصيل ما يكون موجباً للأمان بالنسبة إليه، فمن كان له عشيرة، كان له أمان في هذه الأرض.
وإكرام العشيرة لا يكون بالعصبية لهم أو بما فيه معصية لله، بل بمعاملتهم بما أمر به الله، ولذا ورد في رواية عن الإمام علي عليه السلام بيان ذلك بقوله: "فأكرم كريمهم، وعد سقيمهم، وأشركهم في أمورهم، وتيسر عند معسورهم"3.
فإكرام الكريم، وعيادة المريض وإعانة المحتاج هي من تعاليم الإسلام التي أمر المؤمن بأن تكون خلقاً من أخلاقه.
خصائص العشيرة
ويشير الإمام إلى بعض خصائص العشيرة فيقول:
• "وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِير".
لا شك في أن الإسلام نهى عن التفاخر بالنسب، فالفضل الموجب للفخر في الإسلام إنما هو التقوى، ولكن الإسلام دعا الناس إلى حفظ أنسابهم، ولذا ورد النهي عن نسبة الولد المتبنى إلى متبنيه بل أمر بنسبته إلى أبيه وقد ورد قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾(الاحزاب:5).
• "ويدك التي بها تصول".
والمراد بهذا التعبير أن العشيرة هي اليد التي يتمكن من خلالها الإنسان أن يكون صاحب سلطة وقدرة.
ولذا ينبه الإمام عليه السلام في كلامه من التصور الخاطئ الذي قد يظنه البعض وأن من يكون ذا مال فإنه يستغني عن العشيرة ببيان كيف تكون العشيرة يدا حتى لصاحب المال، فقد ورد في كلامه التالي: "ولا يستغني الرجل عن عشيرته وإن كان ذا مال، فإنه يحتاج إلى دفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهي أعظم الناس حيطة من ورائه وألمهم لشعثه، وأعظمهم عليه إن نزلت به نازلة أو حلت به مصيبة، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يدا واحدة وتقبض عنه أيد كثيرة"4.
المفهوم السلبي للعشيرة
في الوقت الذي دعا فيه الإسلام إلى التمسك بالعشيرة فيما يكون في طاعة الله وبغرض الوصول إلى رضاه، نهى عن اتباع العشيرة فيما كانت عليه العرب من عصبية ونصرة للعشيرة في حق أو باطل.
فقد ورد أولاً التحذير من تفضيل العشيرة على الله ورسوله والجهاد وذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾(التوبة:24).
ومن هنا فإن كانت العشيرة من الأمور التي تعين على نصرة الله ورسوله فهي أمر محبب، وإلا فإن كانت من الأمور التي تكون هدفا بذاتها، دون ما يريده الله كانت مذمومة شرعا.
ومن هنا نقرأ في قصة شعيب قوله تعالى: ﴿قَالوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾(هود:91).
فقد ذكر السيد الطباطبائي قدس سره في تفسير هذه الآية قال: "ولولا هذا النفر القليل الذين هم عشيرتك لرجمناك لكنا نراعى جانبهم فيك، وفي تقليل العشيرة إيماء إلى أنهم لو أرادوا قتله يوما قتلوه من غير أن يبالوا بعشيرته، وإنما كفهم عن قتله نوع احترام وتكريم منهم لعشيرته".
ومن هنا جاء رد النبي شعيب عليه السلام عليهم بأنكم كيف تعززون رهطي وتحترمون جانبهم، ولا تعززون الله سبحانه ولا تحترمون جانبه وإني انا الذي أدعوكم إليه من جانبه ؟ فهل رهطي أعز عليكم من الله؟ وقد جعلتموه نسيا منسيا وليس لكم ذلك وما كان لكم أن تفعلوه ربي بما تعملون محيط بما له من الإحاطة بكل شئ وجودا وعلما وقدرة 5.
قصة للعبرة
علي عليه السلام وعقيل
يروي أمير المؤمنين عليه السلام ما جرى بينه وبين أخيه عقيل حين أتاه طالبا منه أن يزيد في عطائه عن عطاء سائر المسلمين فيقول عليه السلام:
والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا، ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم، كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا"، وكرر علي القول مرددا"، فأصغيت إليه بسمعي، فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدةً، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له: ثكلتك الثواكل، يا عقيل ! أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نارٍ سجَّرها جبَّارها لغضبه! أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟!...
*وصايا الأمير، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تشرين الثاني 2008م ، ص127-133.
2- ناصر مكارم الشيرازي الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 3 ص 230.
3- الحراني ابن شعبة الوفاة: ق 4 تحف العقول الطبعة: الثانية مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ص 88.
4- المحمودي نهج السعادة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان ج 4 ص 333.
5- محمد حسين الطباطبائي الميزان في تفسير القرآن منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة ج 10 ص 375. 2009-08-14