العلاقة مع الاخوان -2-
العلاقة مع المجتمع
وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ يَوْماً مَّا، وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَّنهُ، وَلاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّه، وَلاَ يكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ، وَلاَ تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ، وَلاَ يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ...
عدد الزوار: 101
"وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ يَوْماً مَّا، وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَّنهُ، وَلاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّه، وَلاَ يكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ، وَلاَ تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ، وَلاَ يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ، وَلاَ تكُونَنَّ عَلَى الْإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الْإِحْسَانِ".
تمهيد
بعد أن نهت التعاليم الأخلاقية الإسلامية عن القطيعة، ودعت إلى عدم اللجوء إليها بين الإخوان، أراد الإمام أن يعالج ما قد يقع خارجا من قبل الناس من القطيعة أحيانا، فلعل مشكلة ما أو سببا ما يؤدي إلى حصول القطيعة بين أخوين، فهل ينبغي أن تكون هذه القطيعة لا رجعة فيها؟ والجواب بالنفي فهذا هو الذي يحذّر منه الإمام عليه السلام فيحث في وصيته على أن يبقي الإنسان شيئا من الصلة لعل القلوب تعود إلى صفائها فتكون في تلك البقية فرصة لإعادة العلاقة الأخوية.
ومن طرق ذلك أن لا يلجأ الإنسان بعد قطيعة أخيه إلى الوقيعة فيه بأن يبدأ بكيل الاتهام إليه أو بيان بعض عيوبه أو مثالبه، بل لو لجأ بعد القطيعة إلى الصمت وتجنب التعرّض له بالسوء فإن ذلك سوف يبقي أمامه خط العودة إلى سابق العهد وهذا ما وردت به الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تتبع أخاك بعد القطيعة وقيعة فيه، فيسد عليه طريق الرجوع إليك، فلعل التجارب ترده عليك"1.
كن عند حسن ظن أخيك
"ومن ظن بك خيراً فصدق ظنه".
إن من أهم الأسباب المؤدية إلى العداوة والقطيعة أن يطلب الأخ من أخيه شيئا فلا يستجيب له او أن يتوقع منه المبادرة إلى أمر فلا يبادر إلى ذلك، كما لو وقع في ضيق او حاجة فلم يجد استجابة او مبادرة، وكلما استحكمت العلاقة واشتدت الصداقة، زاد توقع الإنسان من أخيه وزاد أمله فيه.
من هذه النقطة بالذات ينطلق الإمام ليدعو في وصيته إلى أن يكون الإنسان عند حسن ظن أخيه، من خلال الاستجابة لطلبه او المبادرة إلى رفع حاجته.
وقد وردت الروايات لتنهى بشدة عن التخلف عن الاستجابة لقضاء حوائج الإخوان ففي الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل"2.
وكذلك ورد الحث في الروايات على المبادرة إلى رفع ما يقع فيه الأخ من الضيق وعدم انتظار طلبه لذلك ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "لا يكلف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته"3.
فالطلب أمر صعب، ومن النفوس من تتحرج من ذلك مهما بلغت بها الحاجة، فلا ينبغي انتظار ذلك منهم، بل يسعى لقضاء حوائجهم بما لا يوقعهم في أي حرج.
راعِ حق أخيك
"ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه".
لكل صلة وعلاقة تقوم في هذه الدنيا نوع من الحقوق، فللأب حق وللأم حق، وللأخوة حق. وما لا بد منه هو الحذر من تضييع حقوق الإخوان.
وقد وردت الرواية التي تحذّر من ذلك، ففي رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا، فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له وعليه"4.
فالتقصير في حقوق الإخوان لا يؤدي إلى سقوطها.
والسبب في التقصير في حقوق الإخوان كما يكون أحيانا عن سبق تصميم، قد يصدر أحيانا من خلال التهاون والاتكال على الصداقة والأخوة، وهذا ما يحذّر منه الإمام عليه السلام، وأن الأخوة لا تعني إطلاقا التقصير في أداء الحقوق فإن ذلك سوف يؤدي إلى حدوث القطيعة.
وأدنى هذه الحقوق بحسب ما ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: عنه عليه السلام في بيان حقوق المؤمن على المؤمن: "أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك" 5.
الحرص على العلاقة
1- "ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته".
كما يصل الإنسان رحمه عليه أن يصل إخوانه، وصلة الإخوان ممكنة من خلال اللجوء إلى طرق متعددة وقد وردت الروايات ببيان بعض هذه الطرق، منها ما ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام: "إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه وآخرته، ولا تحقد عليه وإن أساء، وأجب دعوته إذا دعاك، ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك، وعده في مرضه"6.
فهذه المفردات التي تعرضت لها الرواية هي عبارة عن أنواع من الصلة، والتقصير فيها او فعل ما يقابلها هو عبارة عن القطيعة.
فلو فرض أن أخاً لك بادر إلى التقصير في واحدة منها، فلا تجعله أقوى منك بل عليك ان تسعى لأن تكون لك الغلبة بأن تبادر إلى صلته، ومواجهة تقصيره بأداء الواجب معه، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يفترق رجلان على الهجران إلا استوجب أحدهما البراءة واللعنة، وربما استحق ذلك كلاهما، فقال له معتب: جعلني الله فداك هذا الظالم فما بال المظلوم ؟. قال: لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته"7.
وورد في رواية أخرى تحديد قطيعة الأخ وهجرانه بثلاثة أيام فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة"8.
وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام: "ما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث إلا وبرئت منهما في الثالثة، فقيل له: يا بن رسول الله هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقال عليه السلام: ما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم فيقول: أنا الظالم حتى يصطلحا؟!"9.
2- "ولا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان".
الإحسان إلى الناس فضيلة بحد ذاته، وقد وردت الآيات والروايات بالحث عليه فورد قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(النحل:90).
بل وردت الروايات بالحث على الإحسان حتى لمن أساء، وهذا هو المراد من وصية الإمام عليه السلام بأن يكون المؤمن أقوى على الإحسان من غيره على الإساءة، ففي رواية عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "اجعل جزاء النعمة عليك، الإحسان إلى من أساء إليك"10.
ولمبادلة الإساءة بالإحسان أثر تربوي مهم تعرضت له الروايات وهو عبارة عن اصلاح المسيء وردعه عن الإساءة وتكرارها ففي رواية عن امير المؤمنين عليه السلام قال: "أصلح المسيء بحسن فعالك، ودل على الخير بجميل مقالك"11.
قصة للعبرة
روي أن شامياً رأى الإمام الحسن عليه السلام راكباً فجعل يلعنه والحسن عليه السلام لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن عليه السلام فسلم عليه وضحك، فقال: أيها الشيخ أظنك غريبا ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأن لنا موضعا وجاها عريضا ومالا كثيرا. فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي، وحول رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم.
وحكى أن مالك الأشتر رضوان الله عليه كان مجتازا بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه فرآه بعض أهل السوق فازدرى بزيِّه فرماه ببندقة تهاوناً به.
فمضى ولم يلتفت فقيل له ويلك أتدري بمن رميت فقال: لا، فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السلام فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر منه فرآه وقد دخل المسجد وهو قائم يصلي، فلما انفتل أكبَّ الرجل على قدميه ليقبلها فقال: ما هذا الأمر فقال: اعتذر إليك مما صنعت فقال: لا بأس عليك فوالله ما دخلت المسجد إلا لأستغفر لك.
*وصايا الأمير، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تشرين الثاني 2008م ، ص111-117.
2- الكليني الكافي دار الكتب الإسلامية، آخوندي الطبعة الثالثة ابن بابويه علي فقه الرضا مؤسسة أهل البيت: 2/336.
3- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 1 ص 49.
4- المجلسي محمد باقر المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية (.. ) المصححة الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة : 74/236.
5- الكليني الكافي دار الكتب الإسلامية، آخوندي الطبعة الثالثة ابن بابويه علي فقه الرضا مؤسسة أهل البيت: 2/169.
6- الكليني الكافي دار الكتب الإسلامية، آخوندي الطبعة الثالثة ابن بابويه علي فقه الرضا مؤسسة أهل البيت: 8/126.
7- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 4 ص 3436.
8- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 4 ص 3437.
9- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 75/188.
10- غرر الحكم: 2273.
11- غرر الحكم: 2273. 2009-08-14