يتم التحميل...

قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الإختيار

القواعد الفقهية

المعنى: معنى القاعدة هو أن المكلف إذا ألقى نفسه في المحذور "الفعل المحرم" يتحقق الامتناع بمعنى عدم إمكان الامتثال في ذاك الحال، ولكن ذلك..

عدد الزوار: 162

المعنى: معنى القاعدة هو أن المكلف إذا ألقى نفسه في المحذور "الفعل المحرم" يتحقق الامتناع بمعنى عدم إمكان الامتثال في ذاك الحال، ولكن ذلك "الألقاء في المحذور بسوء الاختيار" لا يوجب نفي التكليف والعقاب، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار الذي يشترط في التكليف والعقاب.

المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:
1 - حكم العقل: الدليل الوحيد الذي يصلح أن يكون مدركا للقاعدة هو حكم العقل، فإن القاعدة بالمعنى الذي أوضحناه آنفا من الامور العقلية التي لا شبهة فيها عند العقلاء، فإن تعجيز النفس عن الامتثال عمدا لا يوجب سقوط التكليف عند العقلاء، بل يكون ذلك من التسبيب في المخالفة.

2 - إرشاد الاية: قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ صرحت هذه الاية بأن الظلم على الناس لا يكون من جانب الباري تعالى، فالظلم المتحقق من الشرع بالنسبة إلى الناس إنما يكون بواسطة عملهم السيئ، وعليه كان الظلم الواقع على المسيئين مستندا إلى أنفسهم، لا الى الباري تعالى.

وبالنتيجة فالظلم بمعنى التعذيب والضغط والمشقة إذا كان بسوء اختيار المكلف ومستندا إليه كان عملا سائغا لا مانع منه، ومن ضوء هذا البيان الشامل يستفاد صحة القاعدة: الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار. وبما أن مدلول القاعدة ثابت بالحكم العقلي القطعي كان دلالة الاية عليها القاعدة إرشادية.

3 - التسالم: قد تحقق التسالم عند الاصوليين على مدلول القاعدة، فلا خلاف فيه عندهم والأمر متسالم عليه عندهم. وتمسكوا بهذه القاعدة "الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار" في مسألة إجتماع الأمر والنهي كالدخول في الدار المغصوبة بسوء الاختيار، والأمر من المسلمات المرسلة عندهم. وكيف كان فلا كلام ولا خلاف في أصل المسألة وإنما الكلام كله في نطاق القاعدة سعة وضيقا بأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وخطابا أو عقابا فقط. التحقيق: هو الثاني "عدم المنافاة عقابا فقط"، وذلك لعدم توجه الخطاب الفعلي إلى العاجز ولصحة العقاب على الفعل "لتصرف في المغصوب" الذي ينتهي إلى سوء الاختيار.

قال المحقق صاحب الكفاية رحمه الله: والحق أنه الخروج منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان منه بسوء الاختيار، ولا يكاد يكون مأمور به. ووافق سيدنا الاستاذ مع هذه النظرية وأفاد نفس الرأي مع شرح جميل فقال: الصحيح هو ما أفاده صاحب الكفاية رحمه الله: من أن الخروج أو ما شاكله ليس محكوما بشئ من الأحكام الشرعية فعلا، ولكن يجري عليه حكم النهي السابق الساقط بالاضطرار من جهة انتهائه إلى سوء الاختيار، ومعه لا محالة يبقى على مبغوضيته ويستحق العقاب على ارتكابه، وإن كان العقل يرشد إلى اختياره ويلزمه بارتكابه فرارا عن المحذور الأهم، ولكن عرفت أن ذلك لا ينافي العقاب عليه إذا كان منتهيا إلى سوء اختياره كما هو مفروض المقام. والأمر كما أفاده.

ولا يخفى أن الضابط للقاعدة هو كون المحذور منتهيا إلى الاختيار، وعليه لا فرق بين التكليف الوجوبي والتحريمي، ولا فرق بين سببية الفعل للمحذور وسببية الترك للمحذور، كما قال سيدنا الاستاذ: أن الملاك في جريان القاعدة في مورد هو أن ما كان امتناع امتثال التكليف فيه منتهيا إلى اختيار المكلف وإرادته فلا فرق بين أن يكون ذلك التكليف تكليفا وجوبيا أو تحريميا وبلا فرق بين أن يكون امتناع امتثاله من ناحية ترك ما يفضي إلى ذلك كترك المسير إلى الحج، أو من ناحية فعل ما يفضى إليه كالدخول في الأرض المغصوبة، فكما أنه على الأول يقال: إن امتناع فعل الحج يوم عرفة بما أنه منته إلى الاختيار فلا يسقط العقاب عنه، فان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فكذلك على الثاني يقال: إن إمتناع ترك الغصب بما أنه منته إلى الاختيار فلا يسقط العقاب، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلا فرق بينهما في الدخول في موضوع القاعدة أصلا.

وكذلك لا فرق بين الامتناع التكويني والتشريعي، كما قال سيدنا الاستاذ: ولا فرق في جريان هذه القاعدة بين أن يكون امتناع الفعل تكوينيا أو تشريعيا فكما أنها تجري على الأول فكذلك تجري على الثاني. وذلك لأن الممنوع الشرعي كالممنوع العقلي.

فرعان الأول: قال الأمام الخميني رحمه الله: من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم مع علمه بذلك فهو كمتعمد البقاء عليها. فيتوجه إليه المجنب الخطاب على أساس أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

الثاني: قال المحقق النائيني رحمه الله: إن ما يكون داخلا في موضوع كبرى تلك القاعدة لا بد أن يكون قد عرضه الامتناع بحيث يكون خارجا عن القدرة، وكان مستندا إلى اختيار المكلف، كالحج يوم عرفة ممن ترك المسير إليه باختياره، وكحفظ النفس ممن ألقى نفسه من شاهق. ومن الواضح أن الخروج من الدار المغصوبة ليس كذلك، فانه على ما هو عليه من كونه مقدورا للمكلف بعد دخوله فيها ولم يطرأ عليه ما يوجب امتناعه1.


1-القواعد الفقهية / العلامة مصطفوي..

2012-10-08