يتم التحميل...

أدب الجوارح- الفرج

آداب إسلامية

خلق الله تعالى في الإنسان غريزة الشهوة التي أودعها الله تعالى لحكمته ولنفع العباد، إذ أنه من خلال هذه الرغبة والغريزة يسعى الذكر والأنثى للزواج ومن ثم الإنجاب مساهمين في ذلك باستمرار الوجود البشري على وجه الأرض، فلولا ما أودعه الله تعالى من الرغبة بين الذكر والأنثى لم نكن اليوم موجودين في هذه الحياة.

عدد الزوار: 97
خلق الله تعالى في الإنسان غريزة الشهوة التي أودعها الله تعالى لحكمته ولنفع العباد، إذ أنه من خلال هذه الرغبة والغريزة يسعى الذكر والأنثى للزواج ومن ثم الإنجاب مساهمين في ذلك باستمرار الوجود البشري على وجه الأرض، فلولا ما أودعه الله تعالى من الرغبة بين الذكر والأنثى لم نكن اليوم موجودين في هذه الحياة.

هذه الغريزة قد تنحرف عن حد الوسط (العفة) لتذهب إلى جهة الإفراط (الفجور) أو التفريط (الكبت).

كبت الشهوة
ذهبت بعض الأديان الموجودة إلى قمع هذه الغريزة واعتبرتها أمراً ثانويا، ولو أمكن الاجتناب عنها قدر الإمكان أو أمكن الاستغناء عنها بشكل كامل لكان ذلك أفضل يقول "بولس" في أحد ردوده على أسئلة وردته: "أما بشأن ما كتبتموه لي فخير للرجل أن لا يلمس المرأة، على كل رجل أن يحتفظ بزوجته... لذا أقول للعزاب والنساء الأرامل من الخير لهم أن يبقوا مثلي"1 أي أعزباً طوال العمر. ويعلق أحد الفلاسفة الغربيين "راسل" على ذلك قائلاً: إن بولس لم يشر إلى مسألة الأولاد وكأنه غاب عن نظره الهدف البيولوجي من الزواج، ويعقب قائلا: "لا يسعني القول إلا أنها إفرازات عقل مريض"2.

تحرير الشهوة
في المقابل ذهب بعض الفلاسفة إلى جهة النقيض، حيث حبَّذوا أن تعطى الحرية الكاملة للإنسان في تلبية الغرائز لديه بدون أي رقابة أو منع حتى لا يحصل هناك كبت أو أي عُقَد أخرى، بل اعتبرها بعضهم أمثال فرويد بأنها أساس التمدن والثقافة وجميع الأفكار الإنسانية، والتغيرات الاجتماعية3.

الحل الوسط
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً(البقرة:143).

إن الدين الإسلامي العظيم الذي وضعه الله تعالى ليوفر السعادة للإنسان، تعاطى مع هذه الغريزة بالوسطية، حيث لم يذهب إلى كبتها كبتا بحيث يولد الإضرار على الفرد، ويخلق لديه ردة فعل عكسية كما حصل بعد انهيار الكنيسة في أوروبا، وكذلك لم يحرر الإنسان من كل القيود كما ذهب لذلك فرويد وأتباعه، بل سلك المنهج الوسط فدعا إلى تلبية ندائها من خلال الزواج الشرعي الذي يعتبر الإطار الطبيعي لتلبية الرغبات الإنسانية، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "النكاح من سنتي، فمن رغب عنه فقد رغب عن سنتي"4.

وعنه صلى الله عليه وآله أيضا: "ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله من التزويج"5. وقد أكد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، على جيل الشباب بالأخص الزواج، لأنه في هذا العمر أي عمر الشباب تكون الغريزة في أعلى مستوياتها فالتحصين بالزواج الشرعي يعصم الشباب عن الوقوع في الزلل ويمنعهم من سلوك دروب الانحراف، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم، فإن الصوم له وجاء"6.

ما وراء الزواج
إن تهذيب النفس يبدأ بتهذيب الجوارح وبالتالي الغرائز التي تقف وراءها، وقد حصر الإسلام السبيل لإفراغ هذه الغريزة، عبر الاقتران والحياة الزوجية بالشروط الشرعية، واعتبر كل علاقة أو عمل آخر خارج هذا الإطار عملا محرما يعاقب الله تعالى عليه، ومن الأمور التي أكد الإسلام على تحريمها:

أ- الزنا
يقول الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ‏َ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(النور:2).

لقد شدد الإسلام على حرمة الزنا وهذا ما يتجلى في الآية الكريمة التي أمرت أن يعاقب مرتكب هذه الفاحشة أمام الناس بالجلد لكي يحصل الاعتبار وينتهي الناس عن هذه الرزيلة التي تضيع الأنساب وتزرع الفساد في المجتمعات، ففي الرواية عن الإمام الرضا: حرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس وذهاب الأنساب وترك التربية للأطفال وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد7.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: إياكم والزنا فان فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا، فيذهب بالبهاء ويقطع الرزق الحلال ويعجل الفناء إلى النار، وأما اللواتي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرحمان والخلود في النار8.

كما أن الزنا من أكبر الكبائر كما ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: في قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً...(الإسراء:32)، قال: معصية "ومقتا" فإن الله يمقته ويبغضه، قال: (وَسَاء سَبِيلاً) هو أشد الناس عذابا، والزنا من أكبر الكبائر9.

ب- العلاقة بين المثليين
فقد ورد في الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: إن أخوف ما أخاف على أمتي من عمل قوم لوط10.

وقد أمر الله تعالى أن يعاقب فاعل هذا العمل في الدنيا بعذاب شديد ففي الرواية أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لشخص أراد أن يقيم عليه الحد: يا هذا إن رسول الله صلى الله عليه وآله حكم في مثلك بثلاثة أشياء فاختر أيهن شئت، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو دهداه من جبل مشدود اليدين والرجلين، أو إحراق بالنار11.

وفي رواية أن إحدى النساء سألت الإمام الصادق: أخبرني عن اللواتي مع اللواتي؟ ما حد ما هو فيه؟ قال: حد الزانية، إذا كان يوم القيامة يؤتى بهنّ‏َ قد البسن مقطعات من النار، وقنّعن بمقانع من نار، وسربلن من نار، وادخل في أجوافهن إلى رؤوسهن أعمدة من نار، وقذف بهنّ‏َ في النار، أيتها المرأة! أول من عمل هذا العمل قوم لوط، فاستغنى الرجال بالرجال، وبقي النساء بغير رجال، ففعلن كما فعل رجالهن.

ج- الإشباع الذاتي
أي أن يشبع الإنسان رغبة الغريزة من دون العلاقة مع الطرف الاخر وهو المسمى بالاستمناء وقد حرم الإسلام هذا النوع من العمل بكل أشكاله وصوره ففي الرواية أن الإمام الصادق عليه السلام سئل، عن الخضخضة فقال: "إثم عظيم قد نهى الله تعالى عنه في كتابه.... ولو علمت من يفعل ما أكلت معه، فقال السائل: فبين لي يا بن رسول الله، من كتاب الله نهيه"، فقال: قول الله: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُون(المؤمنون:7) وهو ما وراء ذلك، فقال الرجل: أيهما اكبر الزنا أو هي؟ قال: "ذنب عظيم ثم قال للقائل: بعض الذنوب أهون من بعض، والذنوب كلها عظيمة عند الله لأنها معاص"12...

العلاج
لقد أرشدنا الأئمة عليهم السلام إلى حل لمن لا يقدر على الزواج لكي يخفف من الضغط الحاصل له إزاء فوران هذه الغريزة، وذلك من خلال نفي الأسباب التي تؤدي إلى ثورانها وذلك من خلال عدة أمور ذكرها الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق فقال:... والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الاعوان، وكثرة ذكر الموت، والتهدد لنفسك بالله، والتخويف لها به، وبالله العصمة والتأييد، ولا حول ولا قوة إلا به13.

فذكر الموت يزهد الإنسان في الدنيا ويجعلها أمرا تافها في نظره، وأما التخويف لإنه يجعل في قلب الإنسان منبها إلى العاقبة التي تنتظره لو اقترف الفعل الخاطى‏ء، والدعاء إلى الله تعالى بأن يرفع الهم فالاعتصام بالله تعالى وطلب العون منه يجعل الإرادة لدى الإنسان السالك إلى الله تعالى إرادة حديدية لأن الله يعطيه بالدعاء توفيقا خفيا وقوة لم يشعر بها من قبل، وبذلك يعصم النفس الأمارة عن الانقياد وراء الشهوات بتوفيق الله تعالى وسعيه لطاعته.

*جهاد النفس، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2005م ، ص121-131.
1- الأفكار والميول الأستاذ تقي فلسفي ج2، ص169.
2- المصدر السابق.
3- الأفكار والميول الأستاذ تقي فلسفي ج2، ص175.
4- مستدرك الوسائل الميرزا النوري ج41، ص153.
5- مستدرك الوسائل الميرزا النوري ج41، ص153.
6- مستدرك الوسائل الميرزا النوري ج41، ص153.
7- علل الشرائع الشيخ الصدوق ج2، ص479.
8- علل الشرائع الشيخ الصدوق ج2، ص479.
9- ميزان الحكمة محمدي الريشهري ج4، ص1160.
10- ميزان الحكمة محمدي الريشهري ج4، ص2806.
11- جواهر الكلام الشيخ الجواهري ج41، ص376.
12- مستدرك الوسائل الميرزا النوري ج41، ص355.
13- مستدرك الوسائل الميرزا النوري ج41، ص157.
2009-08-12