يتم التحميل...

الغنى والفقر أخلاقياً

العلاقة مع النفس

عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: نعم العون على تقوى اللّه الغنى. عن الإمام علي عليه السلام: إنّ‏َ اللّه سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متِّع به غني واللّه سائلهم عن ذلك..

عدد الزوار: 282

عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم العون على تقوى اللّه الغنى"1.

عن الإمام علي عليه السلام: "إنّ‏َ اللّه سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متِّع به غني واللّه سائلهم عن ذلك"2.

كان حديثنا سابقاً منصبَّاً على الغنى المعنوي، العقلي الروحي والأخلاقي والاجتماعي، وإن كانت المواضيع التي طرحت سابقاً، يلزم منها غنى مادي في بعض الأحيان.

والسؤال الذي يطرح هنا، هل الإسلام يُنكر الغنى المادّي، ويحبِّذ الفقر المالي؟ أم أنّ‏َ الإسلام له وجهة نظر أخرى. للجواب نقول:

نظرة الناس إلى المال‏
بشأن المال والثروة (الغنى المالي)، اختلفت وجهات نظر الناس بين إفراط وتفريط. بعضهم أسبغ على المال أهميَّة فائقة فجعله مفتاح حل كل المشاكل، وإلى ذلك ذهب الشاعر في قوله:

فصاحة سحبان وخط ابن مقلة       وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم‏

إذا اجتمعت في المرء والمرء مفلس    فليس له قدر بمقدار درهم‏

ولذلك فإن دأب هؤلاء الأفراد جمع المال، ولا يدخرون وسعاً على هذا الطريق، ولا يتقيّدون بقيد، ولا يهتمون بحلال أو حرام.

ومقابل هذه المجموعة هناك من لا يعير أية أهمية للمال والثروة، يمتدحون الفقر ويشيّدون به، ويرون في المال عائقاً للتقوى والقرب الإلهي.

وإزاء ذاك الإفراط وهذا التفريط، تقف النصوص الإسلامية لتبيِّن أنّ‏َ المال مطلوب، ولكن بشروط:

أولها: أن يكون وسيلة لا غاية.

ثانيها: أن لا يكون الإنسان له أسيراً، بل أن يكون عليه أميراً.

ثالثها: أن يأتي بالطرق المشروعة، وأن ينفق في سبيل رضا اللَّه تعالى.

فالرغبة في هذا المال، ليس دليلاً على حبّ‏ِ الدنيا، بل هو دليل على الانشداد للاخرة.

ولذلك ورد عن الصادق عليه السلام، أنه لعن الذهب والفضة، فتعجب أحد أصحابه، وسأل الإمام، فأجابه: "ليس حيث تذهب إليه، إنما الذهب الذي ذهب بالدّين، والفضة التي أفاضت الكفر"3.

فالغنى والفقر بذاتهما لا يتصفان بحسن أو قبح، بل ما يتصف بذلك هو ما يؤديان إليه، وما يلزم منهما من سلبيات أو إيجابيات.

فالمال إن أطغى وأفسد فهو مذموم، أو بالأحرى الطغيان والفساد، هو المذموم، لا المال بذاته.

أما إن أدّى إلى رضا اللَّه تعالى، وأعان على تقواه، فهو ممدوح، وهذا ما أشار إليه الحديث الأوّل "نعم العون على تقوى اللَّه الغنى" والفقر إن أفسد، فهو كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفراً"4، وإن أصلح فهو كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "الفقر فخري وبه افتخر"5.

الغنى والفقر في القرآن‏
اللَّه هو الذي يغني ويفقر

﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى(النجم:48)، ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى(الضحى:8)، ولكن ليس معنى هذا، أن ليس للإنسان دور في ذلك.

موسى عليه السلام يطلب الخروج من الفقر:

﴿...فقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(القصص:24).

الغني يطغى
﴿... إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى(العلق:6-7).

الشيطان يعدكم الفقر

﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء...(البقرة:268).

على الفقير أن لا ينفذ صبره
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ...(النور:33).

﴿... وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ...(النساء:6).

معالجة الفقر
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ...(التوبة:60).

﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ...(الأنفال:41).

﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ...(البقرة:43).

لا تؤذوا الفقراء
﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ(البقرة:263).

فقراء أعزاء
﴿... يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا...(البقرة:273).

أغنياء بخلاء
﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(الليل:8).

﴿... وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ...(محمد:38).

الأموال بذاتها لا تنفعكم في الاخرة
﴿لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا...(المجادلة:17).

﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى(الليل:11).

﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(الشعراء:88-89).

الغنى والفقر في الأحاديث‏
مرارة الفقر

عن الصادق عليه السلام، فيما أوصى به لقمان ابنه: "... وذقت المرارات كلها فلم أذق شيئاً أمر من الفقر"6.

الفقر وخطورته
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفراً"7.

عن علي عليه السلام: "أهلك الناس اثنان خوف الفقر، وطلب الفخر"8.

قال علي عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية: "يا بني إني أخاف عليك الفقر فاستعذ باللَّه منه، فإن الفقر منقصة في الدين، ومدهشة للعقل، داعية للمقت"9.

الغنى وطن ولو في الغربة
عن علي عليه السلام: "الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة"10.

لا تذلِّوا الفقراء
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من استذل مؤمناً أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده شهره اللَّه يوم القيامة ثم يفضحه"11.

الفقر الحقيقي
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "الفقر الموت الأحمر، فقيل له: الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال: لا، ولكن من الدين"12.

جواهر الرجال تعرف بالغنى والفقر
عن علي عليه السلام: "الغنى والفقر يكشفان جواهر الرجال وأوصافها"13.

زينة الغنى والفقر
عن علي عليه السلام: "العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى"14.

ما يورث الفقر
عن علي عليه السلام: "ترك التقدير في المعيشة يورث الفقر"15.

من ايجابيات الفقر
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لولا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شي‏ء: المرض والموت والفقر، وكلّهنّ فيه وإنّه لمعهنّ لوثّاب"16.

الصبر عن الغنى المنحرف‏
عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلا بالغصب والبخل، ولا المحبة إلا باستخراج الدين واتباع الهوى، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز، اتاه اللَّه ثواب خمسين صديقاً ممن صدق بي"17.

رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله لا يبيع المبادى‏ء مقابل المال الفاني
لما أظهر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الدعوة بمكة اجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إنّ‏َ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا، وسبّ‏َ الهتنا، وأفسد شبابنا، وفرِّق جماعتنا، فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم، جمعنا له مالاً حتى يكون أغنى رجل في قريش ونملّكه علينا، فأخبر أبو طالب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري ما أردته، ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب، ويدين لهم بها العجم، ويكونون ملوكاً في الجنة"، فقال لهم أبو طالب ذلك، فقالوا: ندع ثلاث مائة إله ونعبد إلهاً واحداً؟!18.

الغنى والفقر ليس في الدنيا
عن علي عليه السلام: "الفقر والغنى بعد العرض على اللَّه"19.

عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات ولم يترك درهماً ولا ديناراً لم يدخل الجنة أغنى منه"20.

خاتمة
ليس الغنى المادي مذموم بذاته، كما أنّ‏َ الفقر ليس بذاته قبيح، إنما المذموم هو ما يؤديان إليه من مفاسد، والإسلام يدعو إلى الغنى ويعمل له عبر كثير من تشريعاته كالزكاة والخمس والصدقة وغير ذلك،
فلو أن الإسلام لا يريد الغنى لما شرّع هذه التشريعات.

ولكن المسألة كل المسألة أن لا نطغى إذا أغنانا اللَّه تعالى، ولا نيأس إذا أفقرنا اللَّه، وبذلك نكون مسيطرين على أنفسنا بفضل اللَّه تعالى.

*أغنى الناس، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، شوال 1424هـ ، ص125-135.


 

1- ميزان الحكمة، الري شهري، مج‏7، ص‏290، ح‏14997.
2- ن.م، ص‏300، ج‏15059.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج‏73، ص‏141.
4- ن.م، ج‏27، ص‏247.
5- ن.م، ج‏69، ص‏30.
6- بحار الأنوار، المجلسي، ج‏13، ص‏413.
7- ن.م، ج‏27، ص‏247.
8- ن.م، ج‏70، ص‏390.
9- ن.م، ج‏69، ص‏53.
10- ن.م، ج‏69، ص‏53.
11- ن.م، ج‏69، ص‏46.
12- ن.م، ج‏5، ص‏215.
13- ميزان الحكمة، الري شهري، مج‏7، ص‏291، ح‏15001.
14- بحار الأنوار، المجلسي، ج‏69، ص‏53.
15- ن.م، ج‏68، ص‏347.
16- ن.م، ج‏69، ص‏53.
17- بحار الأنوار، المجسي، ج‏18، ص‏147.
18- ن.م، ج‏18، ص‏182.
19- ن.م، ج‏69، ص‏5.
20- الدعوات، قطب الدين الراوندي، ص‏123.
2013-04-01