يتم التحميل...

الحسد

العلاقة مع النفس

عن أبي عبد اللَّه عليه السلام:ليس لحاقن رأي، ولا لملول صديق، ولا لحسود غنى.... هذه الرواية تشير إلى أنّ‏َ الحاسد لا يصل إلى حالة الغنى الروحي والنفسي والعقلي والسلوكي والأخلاقي، مما يشير إلى خطورة صفة الحسد في النفس الإنسانية، ومانعيتها عن الكمال الإنساني.

عدد الزوار: 247

عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: "ليس لحاقن رأي، ولا لملول صديق، ولا لحسود غنى..."1.

هذه الرواية تشير إلى أنّ‏َ الحاسد لا يصل إلى حالة الغنى الروحي والنفسي والعقلي والسلوكي والأخلاقي، مما يشير إلى خطورة صفة الحسد في النفس الإنسانية، ومانعيتها عن الكمال الإنساني.

تعريف الحسد
الحسد حالة نفسية يتمنّى صاحبها سلب الكمال والنعمة التي يتصورهما عند الآخرين، سواء أكان يملكها أم لا، وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها.

وأما قولنا "النعمة التي يتصورها عند الآخرين" فنعني به أن تلك النعمة قد لا تكون بذاتها نعمة حقيقية، مثلاً هناك بين الناس، أشخاص يحسبون الفتك بالغير وسفك الدماء موهبة عظيمة، فإذا شاهدوا من هو كذلك حسدوه.

أو قد يحسبون سلاطة اللسان وبذاءته من الكمالات، فيحسدون صاحبها.

ويفترق الحسد عن الغبطة، في أن صاحب الغبطة يريد النعمة التي توجد لدى الغير، أن تكون لنفسه، من دون أن يتمنى زوالها عن الغير.

درجات وأنواع الحسد
للحسد درجات وأنواع حسب حال المحسود، وحسب حال الحاسد، وحسب حال الحسد ذاته.

أما من حيث حال المحسود: فمثل أن يحسد شخصاً لما له من كمالات عقلية، أو أخلاق وخصال حميدة، أو لما يتمتع به من الأعمال الصالحة والعبادية، أو لأمور خارجية أخرى، مثل: امتلاكه المال والجاه والعظمة والاحتشام وما إلى ذلك، أو أن يحسد على ما يقابل هذه الحالات من حيث كونها من الكمال الموهوم.

وأمَّا من حيث حال الحاسد، فقد ينشأ الحسد أحياناً من العداوة، أو التكبُّر أو الخوف وغير ذلك من الأسباب والعوامل التي سيرد ذكرها فيما بعد.

وأما من حيث حال الحسد نفسه، فله درجات وأنواع حسب اختلاف أسبابه وآثاره وسيأتي البيان.

ذكر بعض أسباب الحسد
وقد حصر بعضهم كالعلاّمة المجلسي رضوان الله تعالى عليه2 أسباب الحسد في سبعة أمور:

الأول: العداوة.

الثاني
: التعزّز، بحيث لا يطيق احتمال تكبُّر وتفاخر المحسود لعزّة نفس الحاسد.

الثالث: الكبْر، أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود.

الرابع: التعجُّب، أن تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيراً فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة، كما أخبر اللَّه عن الأمم الماضية ﴿مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا(يس:15).

الخامس: الخوف، أن يخاف من فوات مقاصده، ومزاحمته في أغراضه.

السادس: حب الرئاسة، بحيث لا يحب لغيره أن يصل إلى مركز ما.

السابع: خبث الطينة.

والإمام الخميني قدس سره بدوره يقول: "إن كل هذه الأسباب في الحقيقة ترجع إلى رؤية ذل النفس بمعنى أن الجسد هو ذلك الانقباض والذل النفسي اللذان تكون نتيجتهما الرغبة في زوال النعمة والكمال عن الآخرين3.

في بعض سلبيات الحسد
1- ما ذكر في بداية حديثنا من أن الحاسد لا يصل إلى الغنى المعنوي والكمال الإنساني.

ورد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: "... ولا لحسود غنى".

2- الحسد ربما يقضي على أساس الدِّين، قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: "آفة الدين الحسد والعُجب والفخر"4.

وعن أبي جعفر عليه السلام: "إن الرجل ليأتي بأي بادرة فيُكفَّر، وإن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب"5.

3- من المفاسد الكبيرة التي لا تنفك عن الحسد، سخط الحسود على الخالق وولي نعمته وإعراضه عن تقديراته تعالى.

4- ربما يصل الحاسد إلى مرحلة، يؤذي فيها المحسود إلى حدِّ القتل، وقصة حسد إبليس لآدم معروفة، وحسد قابيل لهابيل معروفة أيضاً.

وكم نسمع عن جرائم سرقة أو قتل في البلاد الغربية سببها الحسد.

5- ويذكر الإمام الخميني قدس سره مفسدة أخروية حيث يقول: "ومن مفاسد هذا الخلق الذميم، كما يقول العلماء، ضيق القبر وظلمته.

وعلى أي حال إن صاحب هذا الخلق يعيش في الدنيا معذباً مبتلىً، ويكون له في القبر ضيق وظلمة، ويحشر في الآخرة مسكيناً متألماً"6.
علاج الحسد
1- أن يعلم أن الحسد مضر بنفسه قبل أن يضر بالمحسود.

قال الإمام الصادق عليه السلام: "الحاسد مضر بنفسه قبل أن يضر بالمحسود، كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة، ولآدم الاجتباء والهدى... فكن محسوداً ولا تكن حاسداً، فإن ميزان الحاسد أبداً خفيف بثقل ميزان المحسود، والرزق مقسوم فماذا ينفع الحسد الحاسد؟ ماذا يضر المحسود الحسد..."7.

2- يقول الإمام الخميني قدس سره: "وليعلم من يحسد الناس ويتمنى زوال النعمة عن الآخرين، ويحقد في قلبه على أصحاب النعم، أنه لا إيمان له بأن اللَّه عزَّ وجلّ‏َ من باب معرفة الصالح أسبغ نعمه على أولئك، وأن ادراكنا لذلك قاصر.

وليعلم أيضاً أنه لا يؤمن بعدل اللَّه تعالى ولا يرى التقسيم عادلاً. إنك في أصول العقائد تقول أن اللَّه عادل، وما هذا إلا مجرد لفظة على لسانك..."8.

يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لنعم اللَّه أعداءاً، فقيل: ومن هم؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم اللَّه من فضله"9.

وقد جاء في الحديث الشريف: يقول اللَّه عزَّ وجلّ‏َ: "إن الحسود يشيح بوجهه عمّا قسّمته بين العباد، وهو ساخط على نعمي"10.

3- وهو بمثابة علاج عملي يذكره الإمام الخميني قدس سره "وذلك بأن تتكلف إظهار المحبة للمحسود وترتب الأمور بحيث يكون هدفك هو معالجة مرضك الباطني.

إن نفسك تدعوك لإيذائه واعتباره عدواً... ولكن عليك أن تعمل خلافاً لما تريده النفس، وأن تترحم عليه وتحترمه وتجله.

واحمل لسانك على أن يذكر محاسنه... وتذكّر صفاته الجميلة.

صحيح إن هذا سوف يكون متكلفاً في بادى‏ء الأمر...

ولكن بما أن الهدف هو إصلاح النفس... فسوف تقترب في النهاية من الحقيقة، ويخف تكلفك شيئاً فشيئاً
"11.

4- تلقين النفس "قل لنفسك إن هذا الإنسان عبد من عباد اللَّه، ولعل اللَّه نظر إليه نظرة لطف فأنعم عليه بما أنعم"12.

وحاول أن تكرِّر في نفسك آية أو حديثاً يَنهى عن الحسد كما في آية ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ(النساء:54)، أو رواية من الروايات التي مرَّت، عسى أن يكون تكرارها في النفس سبيلاً إلى رسوخ معناها في الباطن.

خاتمة
في نهاية المطاف أيها الأخ العزيز إن أردت الوصول إلى اللَّه، والكمال المعنوي والإنساني، والارتقاء إلى معالي الأخلاق، فما عليك إلا أن تزيل هاجس الحسد من نفسك فإن في ذلك سعادتك وسعادة مجتمعك، وإن حسدت فإنك لن تغير من الواقع شيئاً، بل إن الواقع سيقلب عليك.

موعظة للعبرة
قبح الحسد

يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن هذه الصفة (صفة الحسد) القبيحة تضغط على القلب وتضيقه فتبدو آثارها في كلّ‏ِ كيان الإنسان، باطنه وظاهره. إنها تصيب القلب بالحزن والكدر، والصدر بالاختناق والضيق، والوجه بالعبوس والغضب. وهذه الحال تطفى‏ء نور الإيمان، وتميت قلب الإنسان، وكلّما اشتدت ازداد ضعف الإيمان.
إن جميع الصفات المعنوية والظاهرية للمؤمن، تتنافى والآثار التي يوجدها الحسد في ظاهر الإنسان وباطنه. إن المؤمن يحسن الظن باللَّه تعالى، وهو راضٍ بقسمه الذي يقسمه بين عباده. أما الحسود فساخط على اللَّه تعالى، يشيح بوجهه عن تقديراته. لقد جاء في الحديث، أن المؤمن لا يتمنى السوء للمؤمنين، بل هم أعزاء عنده، والحسود بعكس ذلك.
المؤمن لا يغلبه حبّ‏ُ الدنيا، والحسود إنما هو مُبتلى بشدّة حبه للدنيا.
والمؤمن لا يداخله خوف ولا حزن إلا من بارى‏ء الخلق تعالى، أما الحسود فخوفه وحزنه يدوران حول المحسود.
والمؤمن طلق المحيّا، وبشراه في وجهه، والحسود مقطب الجبين عبوس الوجه. والمؤمن متواضع، والحسود متكبر في معظم الحالات، فالحسد افة الإيمان التي تأكله، كما تأكل النار الحطب.
... فعلى الإنسان العاقل أن يشمِّر عن ساعد الجد لينقذ نفسه من هذا العار وإيمانه من هذه النار المحرقة والافة الصعبة، وأن ينجو بنفسه من ضغط الفكر وضيق الصدر في هذه الدنيا... ومن غضب اللَّه تعالى.
على الإنسان أن يفكر قليلاً ليدرك أن أمراً له هذا القدر من المفاسد يجب أن يعالج، مع العلم أن حسدك لن يضر المحسود، فلا تزول نعمته بمجرد حسدك له...
ولا تظنن أن الرذائل النفسية والخلق الروحي غير ممكنة الزوال، إن ظنوناً باطلة توحيها إليك النفس الأمارة والشيطان لكي تنحرف عن سلوك الاخرة وإصلاح النفس. فما دام الإنسان في دار الزوال وعالم التبدل هذا، فمن الممكن أن يتغيّر في جميع أخلاقه وصفاته، ومهما تكن صفاته متمكنة، فإنها قابلة للزوال ما دام حيّاً في هذه الدنيا، وإنما تختلف صعوبة التصفية وسهولتها نتيجة شدّة هذه الصفات وخفّتها.
ومن المعلوم أن إزالة صفة حديثة الظهور في النفس إنما يتحقق بقليل من الجهد والترويض،... في أيامها الأولى التي لم ترسل جذورها إلى الأعماق بعد ولم تتمكن من التربة. ولكن إذا تمكنت تلك الصفة من النفس وأصبحت من الملكات المستقرة فيها، فإنه يصعب إزالتها، ورغم أن إزالتها ممكنة، كاقتلاع شجرة ضخمة معمّرة ضربت بجذورها في أعمال التربة، فكلّما تقاعست وأبطأت في مساعيك لإقتلاع جذور المفاسد من قلبك وروحك، ازداد تعبك وعنائك في اجتثاثها13.

*أغنى الناس، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، شوال 1424هـ ، ص107-116.


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص‏301.
2- بحار الأنوار، المجلسي، مجلد 73، ص‏240.
3- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص‏108.
4- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح‏5.
5- ن.م، ح‏1.
6- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص‏111.
7- جامع السعادات، ج‏2، ص‏201.
8- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص‏114.
9- أصول الكافي، ج‏2، ص‏306.
10- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص‏114.
11- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص‏115114.
12- ن.م، ص‏115.
13- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص‏110 وما بعدها.
2009-08-11