الحديقة الأولى
الحدائق الرمضانية
ها نحن قد حططنا الرحال بفِناء ضيافة الرحمن الخاصة،فالحمد لله الذي بلَّغنا شهر الصيام والقيام، ونسأله سبحانه أن لايجعل حظنا منه الجوع والعطش، فما هكذا الظن به ولا المعروف من فضله...
عدد الزوار: 129
وفيها
* ضيافة الله
* أعمال الليلة الأولى
* اللقمة الحلال
* الأعمال العامة لليوم الأول
* الأعمال الخاصة
* دعاء اليوم الأول
* أعمال كل ليلة
* تقديم الصلاة، أو الإفطار؟
* آداب الإفطار
* مابعـد الإفطار
* صلاة كـل ليـلة
* ترجيح الأولى: الألـف ركعـة
* صلاة الليلة الثانية
* السحور
* آداب السحور
* نية الصوم
* أي صوم نريد؟
* ضيافة الله
ها نحن قد حططنا الرحال بفِناء ضيافة الرحمن الخاصة،فالحمد لله الذي بلَّغنا شهر الصيام والقيام، ونسأله سبحانه أن لايجعل حظنا منه الجوع والعطش، فما هكذا الظن به ولا المعروف من فضله، وقد أمرنا أن نردد في رجب "عادتك الإحسان إلى المسيئين". وفي شعبان: " إلهي لو أردت هواني لم تهدني".
وهاهي بركات الشهر الكريم تتواصل، فترفع منسوب الأمل الواعد إلى أعلى مستوياته.
ورد في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله:أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لايغلقها عليكم. وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم أن لايفتحها عليكم. والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.هل معنى أن أبواب الجنان مفتحة أن درجة التسديد تجعل كثرة الثواب في المستوى الذي يتلازم مع ما يُعبَّر عنه مجازاً بفتح أبواب الجنان، أم أن هناك عملية فتح حقيقية لهذه الأبواب وغلق لأبواب النار؟
يظهر من الروايات وبعض كلمات العلماء الثاني ومع إمكان الحمل على الحقيقة لايمكن أن يصار إلى المجاز.
ورد في الروايات الحديث عن فتح أبواب السماء أو أبواب الجنان إذا أتبع المؤمن الصلاة على النبي بالصلاة على آله صلى الله عليه وآله.
كما ورد أن أبواب الجنان تفتح كل يوم في أوقات الصلاة، وقد ورد في الرواية تحديد سبب الفتح بصعود الأعمالوقال صدر المتألهين رحمه الله تعالى:"وإذا غُلقت أبواب النيران فُتحت أبواب الجنان، بل هي على شكل الباب الذي إذا فتح على موضع انسد عن موضع آخر، فعين غلق أبواب إحداهما عين فتح أبواب الأخرى".
* والشياطين مغلولة
قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:فصلٌ، فيما نذكره من شكر الله جل جلاله على تقييد الشياطين ومنعهم من الصائمين في شهر رمضان. إعلم ان الرواية وردت بذلك متظاهرة ومعانيها متواترة متناصرة، ونحن نذكر من طرقنا إليه ألفاظ الشيخ محمد بن يعقوب الكليني فإن كتبه كلها معتمد عليها، وقد روى عن جابرعن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل بوجهه الى الناس فيقول: يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان غُلَّت مردة الشياطين، وفتحت أبواب السماء و ] أبواب الجنان وأبواب الرحمة، وغلقت أبواب النار، واستجيب الدعاء، وكان لله فيه عند كل فطر عتقاء يعتقهم الله من النار، ومنادٍ ينادي كل ليلة: هل من سائل، هل من مستغفر، أللهم أعط كل منفق خلفا وأعط كل ممسك تَلَفاً، حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون أن اغدوا الى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم.
أضاف السيد: ورأيت حديث خطبة النبي صلى الله عليه وآله رواية أحمد بن محمد بن عياش في كتاب الأغسال، بنسخة تاريخ كتابتها ربيع الآخر سنة سبع وعشرين واربعمأة، يقول بأسناده إلى مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لما كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس قد كفاكم الله عدوكم من الجن والإنس، ووعدكم الإجابة وقال ادعوني أستجب لكم، ألا وقد وكل الله سبحانه وتعالى بكل شيطان مريد سبعة من الملائكة، فليس بمحلول حتى ينقضي شهر رمضان، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه الى آخر ليلة منه، ألا والدعاء فيه مقبول. حتى إذا كان أول ليلة من العشر قام فحمد الله وأثنى عليه وقال مثل ذلك ثم قام وشّمَّر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كله، وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين.
* وتسأل: إذا كانت كل هذه المفردات قائمة في شهر الله تعالى خصوصاً أن الشياطين مغلولة فلماذا نُذنب إذاً؟
وينطلق هذا السؤال من تصور أن السبب الوحيد للذنب دائماً هو الشيطان، فإذا كانت الشياطين مغلولة فلماذا نقع في المعصية في شهر رمضان المبارك؟
وقد سأل أحدهم السيد ابن طاوس عليه الرحمة سؤالاً قريباً من هذا فقال له ما خلاصته: "أنا لا أجد اهتماماً من نفسي بالعبادة والدعاء في شهر رمضان، وتبقى حالتي الروحية التي كنت عليها قبل شهر رمضان هي نفسها في شهر رمضان والحال أن تقييد الشياطين ينبغي أن يتسبب بوضع جديد وحالة نفسية جديدة؟
وقد أجابه السيد عليه الرحمة بإجابات عدة من جملتها قوله: "إن العبد له قبل شهر رمضان ذنوب قد سوّدَت قلبه وعقله وصارت حجاباً بينه وبين الله جل جلاله فلا يُستبعد أن تكون ذنوبه السالفة كافية في استمرار غفلته فلا يؤثّر منع الشياطين عند الإنسان لعظيم مصيبته".
خلاصة الجواب أن الإنسان قبل شهر رمضان المبارك إرتكب ذنوباً كثيرة، هذه الذنوب قد تكون وصلت إلى حد أنها سوّدت قلبه وعقله وأصبحت حجاباً بينه وبين الله عز وجل، وجعلته في غياهب غفلة كبيرة عن الله تعالى، ومع أن تقييد مرَدَة الشياطين يؤثر بشكل عام، إلا أن مثل هذا الغافل كلياً، يبقى يرتكب المعاصي بزَخَم الذنوب التي ارتكبها. أللهم أعنّا على أنفسنا.
ونستطيع في ضوء ذلك أن ندرك أهمية الإستعداد لشهر الله تعالى قبل حلوله، وكذلك أهمية أن يبادر الإنسان في أي لحظة من لحظات الشهر المبارك ولو في آخرها إلى التوبة النصوح والتضرُّع، فيقول حاله قبل اللسان:إلهي إن لم ترحمني فمن يرحمني، إلهي من أنا حتى تغضب عليّ، ويصرّ في طلب التوبة وأن تكون هذه التوبة صادقة نصوحاً، وإن عجز حالنا عن ذلك فلا أقل من التوسل للحصول عليه.
وقد تناول آية الله التبريزي رضوان الله عليه،هذه النقطة - إذا كانت الشياطين تُغَلّ وتُقَيَّد فلماذا نقع في المعاصي في شهر رمضان- فأكد على ضرورة الإعتقاد بهذه المفردات التي وردت في الخطبة المباركة "أبواب الجنان مفتَّحة، وأبواب النيران مغلَّقة، والشياطين مغلولة" ثم قال في معرض هذا التأكيد:" ولقد حُكِيَ عن بعضهم أنه كان لا يرى من غَلِّ الشياطين في شهر رمضان كثيرَ نفع، وكأنه صعُب عليه تصديق ذلك أو فهم المراد منه مع العلم أن الأثر لتقييد الشياطين محسوس في شهر رمضان وهو أمر ظاهر، لما نراه من كثرة العبادات والخيرات في شهر الله تعالى ولا يشك فيه أحد، ومن عرف حقيقة الشيطان وجِهة ارتباطه مع الإنسان ومداخِلَه، يعرف أن نفس الإمتناع عن الطعام والشراب لا سيما إذا اقترن بكفّ الإنسان عن كثرة الكلام، سبب لمنع تصرف الشياطين في قلب الصائم، كما أُشيرَ إلى ذلك في قولهم عليهم السلام "ضيِّقوا مجاريه بالجوع وإنه يجري في بدن الإنسان مجرى الدم".
ويضيف آية الله التبريزي عليه الرحمة: "وعلى أي حال فهذا الذي نشاهده من عامة الناس من كثرة العبادات والخيرات والقربات في شهر رمضان شيءٌ لا يُنكَر، نعم ليس هذا بالنسبة إلى جميع الشياطين وبالنسبة إلى جميع المكلّفِين وهذا أمر ظاهر لأهله كما صرّح تقييده في بعض أخبار الباب بمَرَدَة الشياطين".
والخلاصة أن السيد إبن طاووس عليه الرحمة أورد الروايات المختلفة التي يؤكد بعضها أن كل الشياطين تُقيَّد في شهر رمضان، فيما يؤكد البعض الآخر أن الشياطين الكبار هي التي تُقيَّد، وهذا معنى مَرَدَة الشياطين، ورغم ذلك فإن الظاهر من كلامه أنه يتبنّى أن كل الشياطين تُقيَّد في شهر الله تعالى، أما آية الله التبريزي عليه الرحمة فظاهر كلامه أنه يرى أن المَرَدَة تُقيَّد، أي الشياطين الكبار، وهذا يعني أن الذين يشعرون بفارق أساسي في شهر رمضان هم الذين يتصدى للتأثير عليهم والوسوسة لهم الشياطين الكبارأي المَرَدَة.
ويمكن فهم هذه الحقيقة في ضوء عمل الأجهزة الأمنية في العالم، فإن كل شخص تركّز عليه أجهزة المخابرات الشيطانية بحسب حجمه، وليس من الطبيعي أن يتولى شيطان كبير في المخابرات الأمريكية أو الموساد ملفّاً لشخص عادي لا يشكّل خطراً أساسياً ونوعيّاً على أعداء الله، أما إذا بلغ شخص مرحلة من الخطورة بحيث أن وضعه أصبح يرتبط بأمن هذه الجهة الكافرة أو تلك فإن من الطبيعي أن يتولى ملفّه شيطان كبير، وهذا هو المراد - بناءً على رأي آية الله التبريزي عليه الرحمة – من أن مَرَدَة الشياطين تتولى ملفّات المؤمنين الأساسيين، وعباد الله الصالحين، وأن الذين يُقيَّدون في شهر رمضان هم مَرَدَة الشياطين، ومعنى ذلك أن الذين يرتاحون من وساوس الشياطين في شهر رمضان، هم هؤلاء الزهاد العُبّاد، أما أنا وأمثالي فإن من يتولى الوسوسة لنا هم الأبالسة الصغار، وشياطين عاديون، وهؤلاء لا يُقيَّدون في شهر رمضان بناءً على هذا الرأي الذي يتبنّاه آية الله التبريزي عليه الرحمة.
والواقع أن ظاهر الروايات أن الشياطين كلها تُقيَّد وعندما نجد حديثاً عن تقييد المَرَدَة فهوتفصيل بعد الإجمال، يرِد في مقام بيان خصوصيات معيَّنة لا تتنافى مع كون غيرهم أيضاً يُقيَّد، وما ذكره السيد ابن طاووس عليه الرحمة وجيه، وهو أن الإنسان يصل إلى مرحلة يصبح هو شيطاناً، فحتى إذا كانت الشياطين مقيَّدة فيصبح هو يوسوس لنفسه، من قبيل أن شخصاً مثلاً وصل في ارتكاب المعاصي والحرام إلى حد أنه أصبح يجُرّ غيره إلى الحرام والمعصية، فليس بحاجة إلى أن يجُرّه أحد، إنه يمتلك من الشيطنة " الإكتفاء الذاتي" و " الإستقلال" بالشيطنة.
يستطيع الإنسان بيُسْر أن يكتشف بالتأمل في أجواء شهر رمضان المبارك، أن هناك فارقاً أساسياً، بين ما كان الناس عليه أمس قبل دخول الشهر، وبين ماهم عليه اليوم وقد حل شهر رمضان. إنك ترى الناس في وضع جديد، وحتى أولئك الذين لا يعرفون القِبلة كما يقال، ولا يهتمون بالدين والتديُّن على مدار السنة، فإنهم يقبلون على الخيرات والمبرات، ومنهم من يصلي ويصوم، ويقرأ القرآن.
يتعاظم الإهتمام بالأعمال الصالحة بشكل عام، وتبدأ تسمع من الجميع: إننا في شهر الله تعالى، وأن للشهر حرمته، ولا يمكن تفسيرذلك تفسيراً مادياً.
وفي المقابل نلمس بالوجدان أن المعاصي تُرتكب حتى في شهر الله تعالى، بل إن الصائمين أو المهتمين بشهر الله تعالى بأي درجة لايُحصَّنون منها بحيث لاتصدر منهم، وهو واضح.
ولابد في ضوء هذا وذاك والتأكيد النبوي على أن الشياطين مغلولة، من حمل ذلك على ماتقدم ذكره من أن الذين يقعون منا في المعاصي في شهر رمضان، فإن ذلك نتيجة عكوفهم السابق على الذنوب التي طبعت العقل والقلب والشخصية عموماً بطابعها. والله تعالى المستعان.
إن الإدمان على الذنوب يجعل صاحبه كالمدمن على المخدرات الذي لايعني تقييد من يوسوس له أن هذا المدمن أصبح غير قادرعلى تعاطي المخدرات، بل يعني أنه قد تهيأ له مناخ مناسب للإقلاع عما أدمنه.
ويكشف التأمل في النصوص حول شهر الله تعالى أن كل العناصر التي يوفرها الله تعالى فيه تهدف إلى تأمين المناخ الأفضل للتوبة الصادقة النصوح والإقلاع عن إدمان المعاصي وأي لون من ألوان تعاطيها.وفي هذا السياق يقع الحديث حول أن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة وأبواب النيران مغلقة والشياطين مغلولة.
* أعمال الليلة الأولى
تقدم الحديث بالتفصيل عن أعمال الليلة الأولى في عمل آخر يوم من شعبان، وأورده هنا بتمامه.
أما ما يتعلق بالليلة الأولى من شهر رمضان المبارك، فالمطلوب أولاً، أن نهتم قبل حلولها أو أول حلولها بالإستهلال فنكون جاهزين للإستهلال قبل غروب الشمس.
والإستهلال كما ذكرت في أول شهر رجب وأول شهر شعبان، ينبغي أن نوليه أهمية قصوى حتى في غير شهر رمضان المبارك لأننا عندما نجد عملاً معيّناً في اليوم الفلاني من ذي القعدة أو اليوم الفلاني من محرم، فإن الدقة في الإتيان به تستدعي الإهتمام بضبط أول الشهر خصوصاً هلال شهر رمضان المبارك.
ثم إن هذه الليلة الأولى هي افتتاح هذا الموسم الإلهي، موسم شهر رمضان المبارك، وبما أن كل التركيز على شهري رجب وشعبان من أجل شهر رمضان، وها قد أطل الشهر الكريم العظيم، فكيف نستقبله؟
لقد كان كل ما تقدم من اهتمام بمراقبة النفس والعبادة، من أجل أن نرفع من مستوى تفاعلنا واستقبالنا لشهر الله تعالى.
للساعات الأولى من الضيافة – أي ضيافة – أهمية خاصة، قد تترك ظلالها على كل فترة الضيافة، وقد تتحكم بالنتائج التي تحصل منها، ولابد للقلب من التنبه بامتياز لهذه الخصوصية، فيغتنم فرصة مستهل ضيافة الرحمن، ويأخذ بنصيب وافر من الدعاء، لاسيما وأن أجواء شهر الله تعالى لم تلوَّث بعد بذنوبه ولا بذنوب غيره، وإن كان، فما تزال الأمور في بداياتها، وليحذر القلب من أن يكون حاله كحال من شارك في ضيافة، وعندما أزفت ساعة الدخول إلى رحاب صاحب الدعوة انشغل عنه بأمور هامشية، رغم أنه يرى الجميع منصرفين إلى السلام عليه والحديث معه، والقيام بفروض التحية والإحترام.
إذا تنبه القلب لذلك عرف أن أول ليلة من شهر رمضان جديرة بالإستعداد لها لاغتنام كل ما أمكن من لحظاتها.
في ضوء ذلك يجدر أن نأخذ نصيبنا الوافي من بركات الإقبال والتوجه في فترة استقبال الشهر الكريم.
وقد وردت لليلة الأولى التي هي مستهل هذا الموسم الإلهي ومفتتحه،أعمال خاصة،وفيها يعتق الله تعالى أعداداً كبيرة من الخلق، فهل نعمل بما يرفع من مستوى رجائنا أن تكون رقابنا من بين تلك الرقاب؟
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان غفر الله لمن شاء من الخلق، فإذا كانت الليلة التي تليها ضاعفهم، فإذا كانت الليلة التي تليها ضاعف كل ما أعتق حتى إذا كانت آخر ليلة في شهر رمضان ضاعف مثلما أعتق في كل ليلة".و في بعض الروايات ورد أن عدد من يعتقهم الله تعالى في الليلة الأولى كبير جداً وفي الليلة الثانية يضاعف العدد، وكذلك في الليلة الثالثة، وهكذا إلى آخر ليلة من شهر رمضان فيصل العدد كما هو واضح إلى ملايمكن لنا تصوره.
وقد أورد الشيخ المفيد عليه الرحمة والرضوان، في أماليه مايلي:" وإن لله تعالى في آخر كل يوم من شهر رمضان عند الافطار ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة أعتق في كل ساعة منهما ألف ألف عتيق من النار وكلهم قد استوجبوا العذاب، فإذا كان في آخر [ يوم من ] شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره ".
عندما يهتم الإنسان بعتق رقبته من النار ويفتتح هذا الموسم الإلهي بطلب الرحمة فإنه يعبّر بذلك عن يقظة وتنبّه خاصين، وعن خروج من الغفلة، فيصبح أكثر استحقاقاً للرحمة الإلهية ويختلف حاله جذرياً عمّن يمضي هذه الليلة غافلاً عن افتتاح الموسم الإلهي الكبير، موسم الضيافة الخاصة والرحمة الأوسع، ورحم الله من بذل قصارى جهده في الدعاء لغيره، فإن في ذلك مظنة قبوله وقضاء جميع حوائجه.
وفي أدب الدخول إلى ضيافة الرحمن، قال السيد:" ويكون على الجالس (في هذه الضيافة) المخالف لصاحب الرسالة، آثار الحياء والخجالة، لأجل ما كان قد أسلف من سوء المعاملة لمالك الجلالة، وليظهرْ عليه من حسن الظن والشكر للمالك الرحيم الشفيق كيف شرَّفه بالإذن له في الدخول والجلوس مع أهل الإقبال والتوفيق إن شاء الله تعالى ".
أضاف السيد عليه الرحمة والرضوان:"واعلم انني لما رأيت ان شهر رمضان أول سنة السعادات بالعبادات، وأن فيه ليلة القدرالتي فيها تدبير أمور السنة وإجابة الدعوات، اقتضى ذلك أني أوَدِّع السنة الماضية وأستقبل السنة الآتية بصلاة الشكر كيف سَلَّمني من أخطار ذلك العام الماضي، وشرفني بخِلَع التراضي وأغناني عن التقاضي، وفرَّغني لاستقبال هذا العام الحاضر، ولم يمنعني من الظفر بالسعادة والعبادة فيه بمرض ولا عرض باطن ولا ظاهر. ".." ثم إنني أحضر هذاالكتاب، عمل شهر الصيام، وأُقبِّله وأجعله على رأسي وعيني، وأضمه إلى صدري وقلبي، وأراه قد وصل إليّ من مالك أمري ليفتح به علي أبواب خيري وبري ونصري، وأتلقاه بحمدي وشكري وشكر الرسول الذي كان سببا لصلاح أمري، كما اقتضى حكم الإسلام تعظيم المشاعر في البيت الحرام وتقبيلها بفم الاحترام والإكرام. ".." ثم إنني أبدأ بالفعل، فاسأل الله جل جلاله العفو عما جرى من ظلمي له وحيفي عليه، وكلما هونت به من تطهير القلب وإصلاحه لنظر الله جل جلاله إليه، والعفو عن كل جارحة أهملت شيئا من مهماتها وعباداتها والإجتهاد في التوبة النصوح من جناياتها والصدقة عن كل جارحة بما تهيأ من الصدقات، لقول الله جل جلاله:إن الحسنات يذهبن السيئات.أتصدق عن أيام السنة المستقبلة عن كل يوم وليلة برغيف، لأجل ما رويناه من فضل الصدقة وفائدته".
وينبغي للمؤمن أن يعطي الأولوية المطلقة بدءاً من أول هذه الليلة، لقراءة القرآن الكريم، وذكر الله تعالى وخاصة الإستغفار، اللذين ورد الحث عليهما بعناية خاصة في جميع أوقات شهر الله تعالى.
عن الإمام الصادق عليه السلام: " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض " فغرة الشهور شهر الله وهو شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان فاستقبل الشهر بالقرآن ".
وعنه عليه السلام:" قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: عليكم في شهر رمضان بكثرة الإستغفار والدعاء فأما الدعاء فيدفع به عنكم البلاء وأما الإستغفار فيمحو ذنوبكم ".
ويتضح بالتأمل في الروايات - وماذكره السيد ابن طاوس عليه الرحمة في تطبيقها- أهمية مراعاة هذا التسلسل في أعمال هذه الليلة:
1- أدعية رؤية الهلال وهي كثيرة جداً وقد استظهر السيد في الإقبال في استقصائها،فلتراجع، وسيأتي بعضها.
2- الغسل. وينبغي الإتيان به مقارناً للغروب.
3- الصلاة الواجبة، وصلاة الشكر.
4- زيارة سيد الشهداء عليه السلام، والأصل الزيارة من قرب، ولاتترك الزيارة من بُعد.
5- أدعية الليلة.
6- الصلوات الخاصة.
* الدعاء عند رؤية الهلال
أول ما ينبغي أن نستقبل به هذه الليلة المباركة عند رؤية الهلال المبارك هو الدعاء، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام" كان رسول الله صلى الله عليه وآله، إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال:" اللهم أهله علينا بالامن و الايمان، والسلامة والاسلام والعافية المجلل، والرزق الواسع ودفع الأسقام، أللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه، أللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه".
وفي رواية ثانية: أللهم أهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والعافية المجلل،ة والرزق الواسع ودفع الأسقام، والعون على الصلاة والصيام والقيام، وتلاوة القرآن، أللهم سلّمنا لشهر رمضان وتسلّمه منا وسلّمنا فيه حتى ينقضي عنا شهر رمضان وقد عفوت عنا وغفرت لنا ورحمتنا.
كذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: كان علي عليه السلام، إذا كان بالكوفة يخرج والناس معه يتراءى هلال شهر رمضان (أي ليستهل) فإذا رآه قال: "أللهم أهِلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وصحة من السقم وفراغ لطاعتك من الشغل واكفِنا بالقليل من النوم، يارحيم".
وهكذا نجد أننا أمام عناوين أساسية تحدد لنا ما ينبغي لنا أن نهتم به في شهر رمضان المبارك،وهو كما يلي:
1- القيام فيه، وعلى الأقل نهتم بالدعاء للتوفيق للقيام، وطلب ذلك من الله عز وجل، والمراد بالقيام الصلاة والتهجد.
2- الدعاء للتوفيق للصيام وهو يشمل، التوفيق لأصل الصوم، ثم لقبوله.
3- وتلاوة القرآن، فهو شهر القرآن الكريم، ومن أمضى الشهر ولم يكن له مع كتاب الله تعالى شأن خاص، فخسارته كبيرة جداً.
4- والحرص على الأمن والإيمان والسلامة، وهي مفردات متلازمة، فلا أمن ولا سلامة إلا بالإيمان.
5- وينبغي أن نقدم الدليل على صدق العزم في ما نطلب من الله عز وجل فنطلب بصدق أن نكتفي بالنوم القليل،إدراكاً لأهمية الشهر الإستثنائية، وانسجاماً مع الإعتقاد بواجب اغتنام الفرص،والتعرض للنفحات الإلهية وعدم الإعراض عنها بتقطيع الوقت بالنوم، مما نكون النتيجة معه هو النوم في شهر رمضان أكثر من أي وقت آخر، وربما كان ذلك من علامات سوء التوفيق.
إننا أمام فرصة إلهية فريدة لا يصح أن نضيع شطراً منها بالنوم الذي إن زاد على حاجة الجسم فلا داعي له إطلاقاً، فينبغي أن يعرف الصائم المقدار الضروري لجسده من النوم، ليتفرغ للعبادة.
* الغُسـل
من مستحبات الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك، الغُسل،فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه" وتحدد رواية وقت هذا الغسل "أول الليل" وفي رواية ثانية أنه " بين صلاة المغرب والعشاء "ولكن السيد ابن طاوس اختار أن وقته " قبل العشاء".
كما تتضمن رواية ثالثة فائدة هامة لهذا الغسل في أول ليلة من شهر رمضان، وهي أن من يصاب عادةً بالحكّة في جسده فإنه باستطاعته أن يداوي هذه الحكّة بهذا الغسل المستحب.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أحب أن لا يكون به الحكّة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان فإنه من اغتسل في أول ليلة منه لا يصيبه حكّة إلى شهر رمضان من قابل".وفي رواية أخرى ذكر طريقة خاصة للغسل في هذه الليلة:عن الإمام الصادق عليه السلام: " من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جارٍ ويصب على رأسه ثلاثين كفاً من الماء، طَهُر إلى شهر رمضان من قابل".
* صلاة الشكر
عن الإمام الصادق عليه السلام: إذا أنعم الله عز وجل عليك بنعمة فصل ركعتين، تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وتقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وتقول في الركعة الأولى في ركوعك وسجودك: ألحمد لله، شكراً شكراً وحمداً، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك: " ألحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني مسألتي".
والنية التي تنبغي في هذه الصلاة في بداية شهر رمضان، كما تقدم في كلام السيد، شكر الله تعالى على نعمة السلامة من أخطار السنة الماضية، ونعمة التوفيق للدخول في هذه السنة الجديدة، والإذن بالمشاركة في ضيافته سبحانه، والتوفيق للصيام.
* زيارة سيد الشهداء عليه السلام
وقد ورد في أعمال هذه الليلة التأكيد على زيارة سيد الشهداء عليه السلام.
عن الإمام الصادق عليه السلام:"انه سئل عن زيارة أبي عبد الله عليه السلام فقيل: هل في ذلك وقت هو أفضل من وقت؟ فقال: زوروه صلى الله عليه في كل وقت وفي كل حين فان زيارته عليه السلام خير موضوع، فمن أكثر منها فقد استكثر من الخير ومن قلل قُلِّل له، وتحروا بزيارتكم الأوقات الشريفة، فان الأعمال الصالحة فيها مضاعفة، وهي أوقات مهبط الملائكة لزيارته. قال: فسئل عن زيارته في شهر رمضان؟ فقال: من جاءه عليه السلام خاشعاً محتسباً مستقيلاً مستغفراً، فشهد قبره في إحدى ثلاث ليال من شهر رمضان: أول ليلة من الشهر أو ليلة النصف أو آخر ليلة منه، تساقطت عنه ذنوبه وخطاياه التي اجترحها، كما يتساقط هشيم الورق بالريح العاصف، حتى أنه يكون من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، وكان له مع ذلك من الأجر مثل أجر من حج في عامه ذلك واعتمر، ويناديه ملكان يسمع نداءهما كل ذي روح الا الثقلين من الجن والإنس، يقول أحدهما: يا عبد الله طَهُرْتَ فاستأنف العمل، ويقول الآخر: يا عبد الله أحسنت فأبشر بمغفرة من الله وفضل".
والمراد في الرواية هو الزيارة من قرب أي أن يذهب الزائر إلى كربلاء، ويتشرف بزيارة الإمام عليه السلام، إلا أن الزيارة من بُعد أيضاً ذات فضل كبير فينبغي أن لا تُترك خصوصاً مع تمني الزيارة وعدم التمكن منها.
* أدعية الليلة الأولى
وأما الأدعية التي ينبغي أن تُقرأ في هذه الليلة المباركة فلا يتّسع المقام للحديث عنها بالتفصيل إلا أني أذكر بعضها وأُشير إلى مصادر البعض الآخر.
1- دعاء الإمام السجاد عليه السلام عند دخول شهر رمضان، وهو الدعاء الرابع والأربعون من أدعية الصحيفة السجادية.
واعلم أن أول كل شهر هو عند رؤية هلاله، قال السيد:" ورأيت في كتاب صغير عندنا أوله مسألة للمفيد محمد بن محمد بن النعمان في عصمة الأنبياء عليهم السلام أنه سئل عن أول الشهر أهو الليل أم النهار، فقال: أوله الليل ".
2- قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة: ورويت هذا الدعاء بعدة طرق، وانما ذكر هاهنا لفظ ابن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه، فقال ما هذا لفظه:
" وروي عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام فقال: أدع بهذا الدعاء في شهر رمضان مستقبل دخول السنة، وذكر أن من دعا به مخلصاً محتسباً لم يصبه في تلك السنة فتنة ولا آفة في دينه ودنياه وبدنه، ووقاه الله شر ما يأتي به في تلك السنة: أللهم إني أسألك باسمك الذي دان له كل شئ، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، وبعزتك التي قهرت بها كل شيء، وبعظمتك التي تواضع لها كل شيء، وبقوتك التي خضع لها كل شيء، وبجبروتك التي غلبت كل شيء، وبعلمك الذي احاط بكل شيء. يا نور يا قدوس، يا أول قبل كل شيء، ويا باقي بعد كل شيء، يا ألله يا رحمن صل على محمد وآل محمد واغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء، واغفر لي الذنوب التي تديل الأعداء، واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء، واغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء، واغفر لي الذنوب التي تحبس غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء، واغفر لي الذنوب التي تعجل الفناء، واغفر لي الذنوب التي تورث الندم، واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، وألبسني درعك الحصينة التي لا ترام، وعافني من شر ما أخاف بالليل والنهار في مستقبل سنتي هذه. أللهم رب السموات السبع، ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وربَّ العرش العظيم، ورب السبع المثاني والقرآن العظيم، ورب اسرافيل وميكائيل وجبرئيل، ورب محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين. أسألك بك وبما تسميت به، يا عظيم انت الذي تمن بالعظيم، وتدفع كل محذور، وتعطي كل جزيل، وتضاعف من الحسنات الكثير بالقليل وتفعل ما تشاء. يا قدير يا ألله يا رحمن، صل على محمد وآل محمد وألبسني في مستقبل سنتي هذه سترك، واضيء وجهي بنورك، وأحبَّني بمحبتك، وبلِّغ بي رضوانك، وشريف كرائمك وجزيل عطائك، من خير ما عندك ومن خير ما أنت معطيه أحداً من خلقك سوى من لا يعدله عندك أحد في الدنيا والآخرة وألبسني مع ذلك عافيتك. يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، ويا عالم كل خفية، ويا دافع ما تشاء من بلية، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، تَوَفَّني على ملة إبراهيم وفطرته، وعلى دين محمد صلى الله عليه وآله وسنته، وعلى خير الوفاة فتوفني، موالياً لأوليائك ومعادياً لأعدائك. أللهم وامنعني في هذه السنة من كل عملٍ أو فعل أو قول يباعدني منك، واجلبني إلى كل عمل أو فعل أو قولٍ يقربني منك في هذه السنة يا أرحم الراحمين، وامنعني من كل عمل أو فعل أو قول يكون مني أخاف سوء عاقبته وأخاف مقتك إياي عليه، حذار أن تصرف وجهك الكريم عني، فأستوجب به نقصاً من حظ لي عندك، يا رؤوف يا رحيم. أللهم اجعلني في مستقبل هذه السنة، في حفظك وجوارك وكنفك، وجللني عافيتك، وهب لي كرامتك، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. أللهم اجعلني تابعاً لصالحي من مضى من أوليائك، وألحقني بهم، واجلعني مسلِّماً لمن قال بالصدق عليك منهم. وأعوذ بك يا إلهي أن تحيط بي خطيئتي وظلمي وإسرافي على نفسي، واتّباعي لهواي واشتغالي بشهواتي، فيحول ذلك بيني وبين رحمتك ورضوانك، فأكون منسياً عندك متعرضاً لسخطك ونقمتك. أللهم وفقني لكل عمل صالح ترضى به عني، وقَرِّبني إليك زلفى، أللهم كما كفيت نبيك محمداً صلواتك عليه وآله هول عدوه، وفرَّجت همه، وكشفت كربه، وصدَقْتَه وعدك، وأنجزت له عهدك. أللهم فبذلك فاكفني هول هذه السنة وآفاتِها، وأسقامَها وفتنها وشرورها وأحزانها، وضيق المعاش فيها، وبلِّغني برحمتك كمال العافية، بتمام دوام النعمة عندي إلى منتهى أجلي. أسألك سؤال من أساء وظلم، واستكان واعترف، أن تغفر لي ما مضى من الذنوب التي حَصَرَتْها حَفَظُتُك، وأحصاها كِرام ملائكتك عليّ، وأن تعصمني اللهم من الذنوب فيما بقي من عمري الى منتهى أجلي. يا ألله يا رحمن صلِّ على محمد وأهل بيت محمد، وآتني كلما سألتك ورغبت فيه إليك، فإنك أمرتني بالدعاء وتكفلت بالإجابة، يا أرحم الراحمين".
3- وقال السيد أيضاً:" دعاء آخر وجدناه في كتاب ذُكر أنه بخط الرضي الموسوي رحمه الله، فيه أدعية، يقول فيه: ويقول عند دخول شهر رمضان: أللهم إن هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن، هدى للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان قد حضر. يا رب أعوذ بك فيه من الشيطان الرجيم، ومن مكره وحِيَله، وخداعه وحبائله، وجنوده وخيله، ورَجِله ووساوسه، ومن الضلال بعد الهدى، ومن الكفر بعد الإيمان، ومن النفاق والرياء والجنايات، ومن شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس. أللهم وارزقني صيامه وقيامه، والعمل فيه بطاعتك، وطاعة رسولك وأولي الأمرعليه وعليهم السلام، وما قرَّب منك، وجنبني معاصيك، وارزقني فيه التوبة والإنابة والإجابة، وأعذني فيه من الغيبة والكسل والفشل، واستجب لي فيه الدعاء، وأصحَّ لي فيه جسمي وعقلي، وفرغني فيه لطاعتك وما قرَّب منك، يا كريم يا جواد يا كريم، صل على محمد وعلى أهل بيت محمد عليه وعليهم السلام، وكذلك فافعل بنا يا ارحم الراحمين".
4- دعاء الجوشن الكبير،فقد ورد الحث الشديد على قراءته في هذه الليلة، فالثواب الذي يعطاه قارئه عظيم، وختام هذا الثواب أن من دعا بهذا الدعاء ينادى: "ُادخل الجنة بغير حساب". وأدعية الليلة الأولى من شهر رمضان كثيرة جداً، وردت في الكافي والبحار والوسائل، وغيرها، وقداستقصاها السيد ابن طاوس عليه الرحمة والرضوان في " إقبال الأعمال" ومن لم يتيسر له الرجوع إليه فيمكنه الرجوع إلى " مفاتيح الجنان" فقد أورد المحدث القمي شطراً منها ضمن القائمة الوافية التي أوردها لأعمال الليلة.
* الأدعية العامة للّيالي
وينبغي التنبه إلى أن ما تقدم كان حول الأدعية الخاصة بالليلة الأولى، وهناك أدعية تقرأ في كل ليلة بما يشمل الليلة الأولى،وأشهرها دعاء الإفتتاح، وينبغي البدء بأدعية الليالي، العامة في هذه الليلة فليلاحظ.
ومن الأدعية العامة في كل ليلة، هذا الدعاء:"أللهم رب شهر رمضان الذي انزلت فيه القرآن، وافترضت على عبادك فيه الصيام، صل على محمد وآل محمد وارزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا وفي كل عام، واغفر لي تلك الذنوب العظام، فإنه لا يغفرها غيرك يا رحمن يا علام ".
وقد ورد في ثوابه:" من قال هذا الدعاء في كل ليلة من شهر رمضان غفرت له ذنوب اربعين سنة ".
* صلاة الليلة الأولى
ينطبق هذا العنوان على أربع صلوات:
الأولى: قال السيد في الإقبال:محمد بن أبي قرة في عمل أول يوم من شهر رمضان عن العالم صلوات الله عليه، قال: من صلى عند دخول شهر رمضان بركعتين تطوعاً قرأ في أولهما أم الكتاب وإنا فتحنا لك فتحاً مبيناً والأخرى ماأحب رفع الله عنه السوء في سنته ولم يزل في حرزالله إلى مثلها من قابل.
ومن الواضح أن تعبير"عند دخول شهر رمضان" هو من الرواية، ويتحقق ذلك بحلول أول ليلة منه كما تقدم عن الشيخ المفيد، وليس في الرواية أن الصلاة من "عمل أول يوم".
الثانية: مروية عن الإمام الصادق عليه السلام، وهي أطول بكثير، وهي عبارة عن ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وسورة الأنعام".وقد ورد في ثوابها كفاه الله تعالى مايخافه من ذلك الشهر ووقاه من المخاوف والأسقام"وليست هذه الصلاة خاصة بالليلة الأولى من شهر رمضان، بل تصلى في أول ليلة من كل شهر.
الثالثة: خاصة بهذه الليلة، وهي مروية عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل يذكر صلاة كل ليلة من ليالي شهر رمضان، وقد ورد فيها:"من صلى في أول ليلة من شهر رمضان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمس عشرة مرة ( قل هو الله أحد ) أعطاه الله ثواب الصديقين والشهداء، وغفر له جميع ذنوبه وكان يوم القيامة من الفائزين ".
الرابعة: وهي صلاة تقع ضمن ترتيب معيّن لصلوات شهر رمضان المبارك، وحصة هذه الليلة من هذا الترتيب هي عشرون ركعة،ثماني ركعات منها بعد المغرب، واثناعشرة ركعة بعد العشاء (كل ركعتين بتسليمة) يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مرة أو ثلاث مرات أو خمس مرات أو سبع مرات أو عشر مرات، يختارالمصلي العدد الذي يناسبه.و يأتي الحديث عنها بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
* اللقمة الحلال
وفي طليعة أولويات الإهتمام بشهر رمضان، التدقيق في المكسب والدخل المالي عموماً، حذراً من أن يكتشف الصائم متأخراً أنه كان في ضيافة الله تعالى كاللص الذي يشارك في ضيافة من سرق منه وهو يلبس من الثياب التي كانت من جملة ما سرق.
إن عدم التدقيق في الدخل المالي وسائر الممتلكات قد يجعل الصائم أيضاً يأكل طعاماً مختلطاً بالحرام الذي سُرق من الفقراء والمحتاجين!
من هنا كان التفكير في اللقمة الحلال التي ترافق الصوم من أوله إلى آخره، بالغ الأهمية.
نبّهَ على ذلك سيد العلماء المراقبين السيد ابن طاوس عليه الرحمة، وخلاصة ما يظهر من كلامه قد سره، أن على الصائم أن يهتم بلقمته الحلال في شهر رمضان المبارك، وقد يُظن أن هذه المسألة عادية جداً ومفروغ منها، إلا أن الحقيقة أنه ليس من السهل أن يعرف المرء أن هذه اللقمة حلال أو ليست حلالاً، لكثرة الحكّام الظَّلَمة الذين تعاقبوا واغتصبوا أموال الناس، مما أدى إلى ضياع كثير من الحقوق وهدرها، وطمس معالم إعادة الأمور إلى نصابها.
لذلك، فينبغي أن يبذل الصائم الجهد في هذا المجال و يوليه عناية خاصة، ويتعامل مع مايملك كما أُمرنا أن نتعامل مع المال الذي نعلم أنه من مصدر حرام ولكن لايمكننا إرجاع الحق إلى أهله لعدم معرفتهم. إن الواجب في هذه الحال تخميس المال مرتين. وبناء على ذلك فينبغي لمن يريد أن يصوم حقيقة-حتى إذا كان مطمئناً الإطمئنان العادي إلى لقمته الحلال- أن يحتاط، ويعبر السيد هنا بعبارة "الإستظهار بتخميس كل ما يتقلّب فيه" أي يحتاط الصائم فيخمّس كل ما يستعمله في شهر رمضان المبارك مرة ثانية غير الخمس العادي الذي يفترض أنه قد أداه، والسبب في هذا الإحتياط هو أنه في ضيافة الرحمن، وفي أفضل الشهور، وهو يريد أن يوفَّق للتوبة النصوح، و أن يقبله الله عزوجل، ولذلك فهو يبذل قصارى جهده من أجل أن يطمئن إلى أنه يتقلّب في حلال.
ومن الواضح أن هذا ليس واجباً، فالواجب هو إخراج الخمس مرة واحدة، إلا أنه مستوى متقدم من الإحتياط في الوصول إلى الإطمئنان باللقمة الحلال.
والفائدة العملية في هذا المجال أن يتأمل كلٌ منا في ما حوله وفي ما يتقلّب فيه، هل يوجد شيء لم يخمّسه، هل يوجد شيء فيه شبهة، فيخرج من العهدة فيه بالطرق الشرعية المقررة.
وبديهي أن من لم يخمس أصلاً تكون فائدته العملية مما تقدم كبيرة جداً، حيث أنه أمام كلام عن خمسٍ آخر بعد الخمس الأول فماهو إذاً حال من لم يخمس أبداً؟!
إن على كل مسلم أن يسأل نفسه، كيف يصوم ويطلب من الله عز وجل أن يتقبّله وهو يتقلّب في الحرام.
ويؤكد السيد كثيراً على مسألة اللقمة الحلال بشكل خاص، وينقل الرواية التالية:قال الراوي: قلت للإمام الهادي عليه السلام: روَينا عن آبائك أنه يأتي على الناس زمان لا يكون شيء أعز من أخ أنيس أو كسب درهم من حلال، فقال: يا أبا محمد إن العزيز موجود ولكنك في زمان ليس فيه شيء أعسر من درهمٍ حلال أو أخِ في الله عز وجل.وتبين الرواية مدى الجهد الذي يجب أن يبذل للإطمئنان إلى اللقمة الحلال.
* الأعمال العامة لليوم الأول
هناك مستحبات عامة لليوم الأول من كل شهر، وهي على قسمين: الأعمال العامة لليوم الأول من كل شهر، والأعمال العامة لكل يوم من شهر رمضان فتشمل اليوم الأول.
ومن القسم الأول أي العامة لكل أول شهر، أذكر مايلي:
1- قراءة سورة الحمد سبع مرات وذلك نافع لوجع العين.
2- كما ورد أنه يستحب في اليوم الأول من كل شهر أكل شيء من الجِبن، وأن له فوائد هامة. وبعد أن أورد السيد هذه الرواية في كتابه" الدروع الواقية"، قال:" فإياك أن تستبعد مثل هذه الآثار، وقد رواها هارون بن موسى وهو من الأخيار، وكم لله جل جلاله في بلاده وعباده من الأسرار، ما لم يطلع عليه إلا من شاء من رسله وخواصه الأطهار. فيجب التسليم والرضا والقبول، ممن شهدت بوجوب تصديقه العقول ".ومن المهم التأمل في طريقة تعامل العلماء مع الأمور المستغربة، التزاماً منهم بالمنهج العقلي السليم الذي لايعتبر الإستغراب دليلاً، ويدقق في السند ويلتزم بما ورد عن المعصوم. ولا يهم بعد ذلك ماذا تقول "روح العصر"!
3- الغسل:وقد ورد الحث عليه بطريقتين:الغسل في ماءٍ جارٍ، ومن لم يتمكن من ذلك فليغتسل كما يمكنه، ويصب على رأسه ثلاثين كفّاً من الماء فإن ذلك يورث الأمن من جميع الآلام والأسقام في تلك السنة.
4- ضرب الوجه بكفّ من ماء الورد لينجو من المذلَّة والفقر، وأن يصب شيئاً منه على رأسه ليأمن من البرسام، وهو نوع من الورم في الدماغ ينتج عنه الأرق و نوع من الجنون.
حول ماتقدم قال السيد رحمه الله تعالى:"عن جعفر بن محمد - الإمام الصادق - عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أنه قال: من اغتسل أول يوم من السنة، في ماء جارٍ، وصب على رأسه ثلاثين غرفة، كان دواء لسنته". وإن أول كل سنة أول يوم من شهر رمضان. وعنه عليه السلام:أن من ضرب وجهه بكف ماء ورد أمن ذلك اليوم من المذلة والفقر، ومن وضع على رأسه من ماء ورد، أمن تلك السنة من البرسام فلا تدعوا ما نوصيكم به.
وقد علق السيد ابن طاوس على ذلك بقوله:" لعل خاطر بعض من يقف على هذه الرواية يستبعد ما تضمنته من العناية، ويقول: كيف يقتضي ثلاثون غرفة من الماء استمرار العافية طول سنته وزوال أخطار الأدواء فاعلم أن كل مسلم فإنه يعتقد أن الله جل جلاله يعطي على الحسنة الواحدة في دار البقاء، من الخلود ودوام العافية وكمال النعماء، ما يحتمل أن يقدم لهذا العبد المغتسل في دار الفناء بعض ذلك العطاء، وهو ما ذكر من العافية والشفاء".
5- صلاة أول كل شهر:قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:" كان أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام إذا دخل شهر جديد يصلي أول يوم منه ركعتين، يقرأ في أول ركعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة بعدد أيام الشهر، وفي الركعة الثانية إنا أنزلناه في ليلة القدر مثل ذلك، ويتصدق بما يتسهل، فيشتري به سلامة ذلك الشهر كله. ووجدت هذا الحديث مروياً أيضاً عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ". ورأيت في غير هذه الرواية زيادة وهي: ويستحب إذا فرغت من هذه الصلاة أن تقول:بسم الله الرحمن الرحيم وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌّ في كتاب مبين. وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير. بسم الله الرحمن الرحيم سيجعل الله بعد عسر يسرا. ما شاء الله لا قوة الا بالله. حسبنا الله ونعم الوكيل. وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.
أضاف: و قد عرفت أن العترة من ذرية النبي صلوات اله عليه وآله الذين كانوا قائمين مقامه في فعاله ومقاله، قالوا: " إن ما نرويه فإنه عنه، ومأخوذ منه " فهم قدوة لمن اقتدى بفعلهم وقولهم، وهداة لمن عرف شرف محلهم، فاقْتَدِ في السلامة من خطر كل شهر كما أشار إليه مولانا محمد بن علي الجواد صلوات الله عليه.
* الصلاة بصيغة ثانية
قال السيد: " وقد روينا أن صلاة أول كل شهر ركعتان، يقرأ في الأولى الحمد و قل هو الله أحد مرة، وفي الثانية الحمد و إنا أنزلناه، مرة. ولعل هذه الرواية الخفيفة مختصة بمن يكون وقته ضيقاً عن قراءة ثلاثين مرة في كل ركعة، أما على طريق سفر أو لأجل مرض أو غير ذلك من الأعذار".
6- الصـدقـة:وتحدث السيد عن أدب هذه الصدقة عن الشهر كله التي وردت في الرواية المتقدمة، فقال: وينبغي أن تتذكرعند صدقتك أن هذه الصدقة التي في يديك إنما هي لله جل جلاله، ومن إحسانه إليك، والذي تشتريه من السلامة هو أيضا من ذخائره التي يملكها هو جل جلاله، وتريد أنت منه جل جلاله أن ينعم بها عليك، وأنت ملكه على اليقين لا تشك في ذلك إن كنت من العارفين، فأَحضِر بقلبك عند صلاتك وصدقتك هذه أنك تشتري ما يملكه الله جل جلاله لمن يملكه الله جل جلاله، فالمشتري - وهو أنت، كما قلناه - ملكه، والذي تشتري به السلامة - وهو الصدقة - ملكه، وأن السلامة التي تشتريها ملكه، فاحذر أن تغفل عما أشرنا إليه، فقد كررناه ليكون على خاطرك الإعتماد عليه." فإذا أديت الأمانة في صلاتك وصدقتك، وخلصت نيتك في معاملتك لله جل جلاله ومراقبتك، فكن واثقاٍ بالسلامة من أخطار شهرك، ومصدقا في ذلك ولاة أمرك، وحسن الظن بالله جل جلاله في صيانتك ونصرك".
7- الدعاء لصاحب العصر عليه السلام:قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:"ومما ينبغي أن تعرفه من سبيل أهل التوفيق وتعلمه فهو أبلغ في الظفر بالسلامة على التحقيق، وذلك أن تبدأ في قلبك عند صلاة الركعتين وعند الصدقة والدعاء بتقديم ذكر سلامة من يجب الإهتمام بسلامته قبل سلامتك، وهو الذي تعتقد أنه إمامك وسبب سعادتك في دنياك وآخرتك. واعلم أنه صلوات الله عليه غير محتاج إلى توصلك بصلاتك وصدقتك ودعائك في سلامته من شهره، لكن إذا نصرته جازاك الله جل جلاله بنصره، وجعلك في حصن حريز، قال الله جل جلاله: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. ولأن من كمال الوفاء لنائب خاتم الانبياء، أن تقدمه قبل نفسك في كل خير تقدر عليه، ودفع كل محذور أن يصل إليه، وكذا عادة كل إنسان مع من هو أعز من نفسه عليه. ولأنك إذا استفتحت أبواب القبول، بطاعة ا
2012-07-19