يتم التحميل...

الحديقة الثلاثون

الحدائق الرمضانية

كيف نستقبل فجر العيد أو صلاة الصبح فيه؟ وكيف نتعامل مع هذه الفترة النموذجية، مابين الفجر والخروج إلى صلاة العيد؟وماهي حالات القلب، ومناجاته والوِرد؟

عدد الزوار: 336

وفيها
* من مستحبات يوم العيد
* معرفة فضيلة اليوم
* الغسل
* خصوصيتان لصلاة الفجر
* الأدب مع المولى صاحب الزمان عليه السلام
* دعاء الندبة
* زكاة الفطرة
* التوجه إلى المصلى
* الدعاء بعد صلاة العيد
* صوم ستة أيام
* عيد الفرد، والأمة

* من مستحبات يوم
1- معرفة فضيلة اليوم
كيف نستقبل فجر العيد أو صلاة الصبح فيه؟
وكيف نتعامل مع هذه الفترة النموذجية، مابين الفجر والخروج إلى صلاة العيد؟
وماهي حالات القلب، ومناجاته والوِرد؟
هل يشير ذلك أو يدل على أننا نستقبل لحظات مفصلية نتسلم فيها " ما نستحق"؟!
لاشك أن ذلك مرتبط بمدى معرفة يوم العيد.

قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة والرضوان:" فصلٌ، فيما نذكره من الآداب في استقبال ذلك النهار: إعلم أن نهار يوم العيد فتح باب سعيد، وتجديد فضل جديد لم يجر مثله منذ سنة ماضية، ويمضي فلا يعود مثله الى نحو سنة آتية. وما يخفى على ذوي الألباب أن فتح الأبواب التي تكون في الأوقات المتباعدات بزيادات السعادات لها حق التعظيم والإحترام.."

إن يوم العيد إذا فرصة لاتتكرر إلا بعد سنة، ومثل هذه الفرص الثمينة جداً والمتباعدة يحكم العقل بوجوب اغتنامها، فلنغتنم. ثم يستشهد السيد برواية عن الإمام الحسن عليه السلام تأتي بتمامها، وفيها قوله عليه السلام: فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المقصرون.

2- الغسل
قال السيد:إعلم أنه ينبغي ابتداء هذا اليوم بعد ما ذكرناه بالغسل، لما رويناه باسنادنا ." عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الغسل يوم الفطر سنة. ".." فإذا هممت بذلك فقل: اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله. ".. فإذا فرغت من الغسل فقل: اللهم اجعله كفارة لذنوبي، وطهرني ديني، اللهم اذهب عني الدنس.

3- صلاة الفجر

تتميز صلاة الفجر يوم العيد بالتكبير بعدها كما مر في مستحبات ليلة العيد، وبتعقيب خاص بها على ما نص عليه السيد في الإقبال، وهو نفسه الدعاء الذي يأتي عن الشيخ الطوسي تحت عنوان " التوجه إلى المصلى" أنه يدعى به بعد صلاة العيد.
قال الشيخ الطوسي:فإذا أصبح يوم الفطر يستحب له أن يغتسل، ووقته بعد طلوع الفجر إلى وقت صلاة العيد ويلبس أطهر ثيابه، ويمس شيئا من الطيب جسده".." ثم يخرج إلى المصلي بسكينة ووقار لصلاة العيد.

4- الأدب مع المولى صاحب الزمان عليه السلام
تتلخص حصيلة الصيام في تجذير توحيد الله تعالى في العقل والقلب والوجدان، ويتوقف صدق ذلك على طبيعة العلاقة برسول الله صلى الله عليه وآله، وهي علاقة تدور إثباتاً ونفياً مدار العلاقة بأوصيائه وفي عصرنا وصيه المهدي المنتظر أرواح العالمين له الفداء.
فكيف هي علاقتنا به في يوم العيد، وهو صاحب الأمر الذي يتنزل في ليلة القدر؟

قال السيد:فصلٌ فيما نذكره من أدب العبد يوم العيد مع من يعتقد أنه إمامه وصاحب ذلك المقام المجيد، فأقول: إعلم أنه إذا كان يوم عيد الفطر، فان كان صاحب الحكم والأمر متصرفاً في ملكه ورعاياه على الوجه الذي أعطاه مولاه، فليكن مهنئاً له صلوات الله عليه بشرف إقبال الله جل جلاله عليه وتمام تمكينه من إحسانه إليه، ثم كن مهنياً لنفسك ولمن يعز عليك وللدنيا وأهلها، ولكل مسعود بامامته بوجوده عليه السلام، وسعوده وهدايته وفوائد دولته. وإن كان من يعتقد وجوب طاعته ممنوعاً من التصرف في مقضى رياسته، فليكن عليك أثر المساواة في الغضب مع الله جل جلاله مولاك ومولاه، والغضب لأجله، والتأسف على ما فات من فضله. واعلم ان الصفاء والوفاء لأصحاب الحقوق عند التفرق والبعاد، أحسن من الصفاء والوفاء مع الحضور واجتماع الأجساد، فليكن الصفاء والوفاء شعار قلبك لمولاك، وربُّك القادر على تفريج كربك.

5- دعاء الندبة
ويستحب في يوم العيد قراءة دعاء الندبة الذي ورد أنه يقرأ في الأعياد الأربعة، الفطر والأضحى والغدير ويوم الجمعة، وهو من تعابير الأدب مع ولي الله تعالى، ووصي رسوله صلى الله عليه وآله.
وبعد أن أورد السيد الدعاء في الإقبال قال:فإذا فرغت من الدعاء، فتأهب للسجود بين يدي مولاك، وقل ما رويناه بأسنادنا الى أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا فرغت من دعاء العيد المذكور ضع خدك الأيمن على الأرض وقل: سيدي سيدي، كم عتيق لك، فاجعلني ممن أعتقت، سيدي سيدي، وكم من ذنب قد غفرت، فاجعل ذنبي في من غفرت، سيدي سيدي، وكم من حاجة قد قضيت، فاجعل حاجتي فيما قضيت، سيدي سيدي، وكم من كربة قد كشفت، فاجعل كربتي فيما كشفت. سيدي سيدي، وكم مستغيثٍ قد أغثت، فاجعلني في من أغثت، سيدي سيدي كم من دعوة قد أجبت، فاجعل دعوتي في ما أجبت، سيدي سيدي، إرحم سجودي في الساجدين، وارحم عبرتي في المستعبرين، وارحم تضرعي فيمن تضرع من المتضرعين. سيدي سيدي، كم من فقير قد أغنيت، فاجعل فقري في ما أغنيت، سيدي سيدي، إرحم دعوتي في الداعين، سيدي وإلهي أسأت وظلمت وعملت سوءاً، واعترفت بذنبي، وبئس ما عملت، فاغفر لي يا مولاي، أي كريم أي عزيز أي جميل.

6- زكاة الفطرة
وتسمى أيضاً زكاة البدن، وهي حوالي ثلاث كيلوات من المواد الغذائية الأساسية، أو ثمنها بالشروط المقررة في الرسائل العملية.
ويمتد وقت إخراجها إلى الظهر، ولكن ينبغي عزلها قبل الخروج إلى الصلاة.
ولابد من التنبه جيداً إلى عظيم أهمية هذه الزكاة وعظيم دلالات التعامل معها والموقف منها على كل حلات الصائم طيلة الشهر الكريم.
عن الإمام الصادق عليه السلام: إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة - يعني الفطرة - كما ان الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله تمام الصلاة، لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمداً، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، لأن الله عزوجل قد بدأ بها قبل الصوم، وقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى

قال السيد معقباً:واعلم أن بخل الانسان بزكاة الفطرة اليسيرة، ومنع الله جل جلاله من ماله أن يتصرف فيه بالحوالة لفقير بمقدار الزكاة الحقيرة، فضيحة على العبد المدعي للإسلام، وخروج عن حكم العقول والأحلام، لأن حكم الألباب يقتضي أن صاحب المال، وهو رب الأرباب، أحق بالتصرف في ماله من عباده، يعطي من يشاء من عباده ويمنع من يشاء ويحكم فيه بحسب مراده.

وكيف يستحسن العبد أن يقوم بين يدي الرب في صلاة أو في شئ من العبادات، وهو قد منعه من هذا المقدار اليسير من الزكوات وقابل مراسمه الشريفة بالرد والإستخفاف وإهمال التقدمات. ما يفعل هذا إلا من قلبه مدنف سقيم، وعقله ذميم، وعساه يكون ممن اتخذ دينه هزواً ولعباً، وكانت دعواه للإسلام كذبا.

7- التوجه إلى المصلى
قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة والرضوان:فإذا توجهت إلى المصلى، فادع بهذا الدعاء:أللهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب جوائزه وفواضله ونوافله فإليك يا سيدي وفادتي وتهيئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك، فلا تخيب اليوم رجائي يا مولاي، يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوتها ولكن أتيتك مقراً بالظلم والإساءة لا حجة لي ولا عذر فأسألك يا رب أن تعطيني مسألتي وتقلبني برغبتي ولا تردني مجبوهاً ولا خائباً يا عظيم يا عظيم يا عظيم، أرجوك للعظيم، أسألك يا عظيم أن تغفر لي العظيم لا إله إلا أنت اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته وتغسلني فيه من جميع ذنوبي وخطاياي وزدني من فضلك إنك أنت الوهاب.

8- الدعاء بعد صلاة العيد
وأورد الشيخ صلاة العيد ثم قال:فإذا سلم عقب بتسبيح الزهراء عليها السلام وما خف عليه من الدعاء ثم يدعو بهذا الدعاء.
أللهم إني توجهت إليك بمحمد أمامي وعلي من خلفي وأئمتي عن يميني و شمالي أستتر بهم من عذابك وسخطك وأتقرب إليك زُلفىً لا أجد أحدا أقرب إليك منهم، فهم أئمتي فآمن بهم خوفي من عذابك وسخطك وأدخلني برحمتك الجنة في عبادك الصالحين، أصبحت بالله مؤمنا موقنا مخلصا على دين محمد وسنته وعلى دين علي وسنته وعلى دين الأوصياء وسنتهم، آمنت بسرهم وعلانيتهم وأرغب إلى الله تعالى فيما رغبوا فيه، وأعوذ بالله من شرما استعاذوا منه، ولا حول ولا قوة ولا منعة إلا بالله العلي العظيم، توكلت على الله حسبي الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه، أللهم إني أريدك فأردني و أطلب ما عندك فيسره لي. أللهم إنك قلت في محكم كتابك المنزل وقولك الحق ووعدك الصدق: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فعظمت شهر رمضان بما أنزلت فيه من القرءان الكريم وخصصته بأن جعلت فيه ليلة القدر، أللهم وقد انقضت أيامه ولياليه وقد صرت منه إلى ما أنت أعلم به مني، و أسألك يا إلهي بما سألك به ملائكتك المقربون وأنبياؤك المرسلون وعبادك الصالحون أن تصلي على محمد وال محمد وأن تقبل مني كل ما تقربت به إليك فيه، وتتفضل علي بتضعيف عملي وقبول تقربي وقرباتي واستجابة دعائي، وهب لي من لدنك رحمة وأعتق رقبتي من النار وآمني يوم الخوف من كل الفزع ومن كل هول أعددته ليوم القيامة، أعوذ بحرمة وجهك الكريم و بحرمة نبيك، وبحرمة الأوصياء أن يتصرم هذا اليوم ولك قبلي تبعة تريد أن تؤاخذني بها أو خطيئة تريد أن تقتصها مني لم تغفرها لي، أسألك بحرمة وجهك الكريم يا لا إله إلا أنت بلا إله إلا أنت أن ترضى عني وإن كنت قد رضيت عني فزد فيما بقي من عمري رضى، وإن كنت لم ترض عني فمن الآن فارض عني يا سيدي ومولاي الساعة الساعة الساعة، واجعلني في هذه الساعة وفي هذا اليوم وفي هذا المجلس من عتقائك من النار عتقاً لا رق بعده. اللهم إني أسألك بحرمة وجهك الكريم أن تجعل يومي هذا خير يوم عبدتك فيه منذ أسكنتني الأرض أعظمه أجرا وأعمه نعمة وعافية وأوسعه رزقاً وأبتله عتقا من النار وأوجبه مغفرة وأكمله رضوانا وأقربه إلى ما تحب وترضى.

أللهم لا تجعله آخر شهر رمضان صمته لك وارزقني العود فيه ثم العود فيه حتى ترضى وترضي كل من له قبلي تبعة ولا تخرجني من الدنيا إلا وأنت عني راض، اللهم اجعلني من حجاج بيتك الحرام في هذا العام المبرور حجهم المشكور سعيهم المغفور ذنبهم المستجاب دعاؤهم المحفوظين في أنفسهم و أديانهم وذراريهم وأموالهم وجميع ما أنعمت به عليهم. اللهم اقلبني من مجلسي هذا وفي يومي هذا وفي ساعتي هذه مفلحاً منجحاً مستجاباً دعائي مرحوماً صوتي مغفوراً ذنبي، أللهم واجعل فيما شئت وأردت وقضيت وحتمت وأنفذت أن تطيل عمري وأن تقوي ضعفي وأن تجبر فاقتي و أن ترحم مسكنتي وأن تعز ذلي وتؤنس وحشتي وأن تكثر قلتي وأن تدر رزقي في عافية ويسر وخفض عيش وتكفيني كل ما أهمني من أمر آخرتي و دنياي ولا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها ولا إلى الناس فيرفضوني وعافنى في بدني وأهلي وولدي وأهل مودتي وجيراني وإخواني وذريتي وأن تمن علي بالأمن أبداً ما أبقيتني، توجهت إليك بمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وقدمتهم إليك أمامي وأمام حاجتي وطلبتي وتضرعي ومسألتي فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين فإنك مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بها السعادة إنك على كل شئ قدير، فإنك وليي ومولاي وسيدي وربي وإلهي وثقتي ورجائي ومعدن مسألتي وموضع شكواي ومنتهى رغبتي فلا يخيبن عليك دعائي يا سيدي ومولاي، ولا يبطلن طمعي ورجائي لديك، فقد توجهت إليك بمحمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم وقدمتهم إليك أمامي وأمام حاجتي وطلبتي وتضرعي ومسألتي، واجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين إليك فإنك مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بها السعادة. إنك على كل شئ قدير.أللهم ولا تبطل عملي ورجائي يا إلهي ومسألتي، واختم لي بالسعادة والسلامة والإسلام والأمن والإيمان والمغفرة والرضوان والشهادة والحفظ يا منزولا به كل حاجة يا ألله يا ألله يا ألله، أنت لكل حاجة فتول عاقبتها ولا تسلط علينا أحداً من خلقك بشيء لا طاقة لنا به من أمر الدنيا وفرغنا لأمر الآخرة يا ذا الجلال والاكرام، صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وال محمد وتحنن على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت وتحننت على إبرهيم وآل إبرهيم إنك حميد مجيد.

* صوم ستة أيام
انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة محببة هي صيام ستة أيام بعد يوم العيد، وفي مايلي تأكيد على ذلك، وعلى الأيام التي يستحب صومها بشكل عام.
قال الشيخ الطوسي:وقد روى الزهري في شرح وجوه الصيام ما يكون صاحبه فيه بالخيار ستة أيام عقيب يوم الفطر وهو الذي تسميه العامة التشييع، فمن صامه كان له فيه فضل، وفي أصحابنا من كرهه، والأصل فيه التخيير، والصوم عبادة لا تُكره لأن النبي عليه السلام قال: الصوم جنة من النار. وهو على عمومه. ويستحب في هذا الشهر وفي سائر الشهور صوم ثلاثة أيام: أول خميس في العشر الأول، وأول أربعاء في العشر الثاني، وآخر خميس في العشر الأخير، وكذلك في كل شهر، فإنه مروي عنهم عليهم السلام أن ذلك يعدل صيام الدهر. وتجدر الإشارة إلى أهمية الصوم بعد العيد في الإصرار على تحصين حصيلة الصوم، والمضي قدماً في خط ضيافة الرحمن. وعليه سبحانه قصد السبيل.

* عيد الفرد، والأمة
تقبّل الله أعمالكم وأسعد الله أيامكم، وكل عام وأنتم بخير. أعاده الله تعالى على الجميع باليُمْن والبركة وواسع الرحمة والمغفرة والنصر والمنعة إنه سميع مجيب.
ماذا يعني العيد، هل هو فرح بالتحلل من قيود الصوم، وابتهاجٌ باستئناف دورة الحياة العادية؟
وما قيمة ذلك إذا كان الباطن مظلماً مطروداً لم ينعم بالرضى والقرب من المليك المقتدر.
أو لم يقل المولى أمير المؤمنين عليه السلام: " إنما هو عيد لمن قبِل الله صيامه وقيامه وشكر قيامه، وكل يوم لايعصى الله فيه فهو عيد.
العيد هو الفرحة بالطاعة، والفوز بالرضوان.
إنه يوم توزيع الجوائز الإلهية على ضيوف الرحمن.

من كان صومه حقيقياً فجائزته التقوى، ومن حافظ فيه على أوقات الصلوات فجائزته استجابة الله تعالى دعاءه، ومن حسّن فيه خُلُقه استحق جوائز المرور على الصراط، ومن أكرم فيه يتيماً استحق جائزة إكرام الله له يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله تعالى برحمته، ومن أكثر فيه من الإستغفار وطول السجود استحق جائزة فكاك نفسه وحطّ الأوزار عن كاهله، ومن أكثر فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم استحق جائزة رجحان كفته وثقل ميزانه يوم تخفّ الموازين.
ومن الجوائز في يوم العيد الحج المبرور الذي يغفر معه الذنب وتكفّر السيئات والتوفيق للشهادة في سبيل الله تعالى، كما أن من ألحّ فيه على التوبة وسعى أن تكون صادقة، منّ الله تعالى عليه في يوم العيد بجائزة قبولها، وأكبر من ذلك أن يغفر الله ما سلف ويسدّد في ما يأتي، ومن أعظم جوائز يوم العيد إستحقاق إخراج حب الدنيا من القلب.
سيدي أخرج حب الدنيا من قلبي.

وأعظم منها أن يمنّ الله تعالى بحبه، فيصبح القلب حرم الله عزَّ وجلّ.
أهل هذه الجوائز وأمثالها هم أهل العيد، ومن عداهم المسيؤون الذين إذا كُشِف لهم الغطاء شُغلوا بإساءتهم عن تصفيق أيدٍ وثيابً وترجيل شِعر.
مرّ الإمام الحسن عليه السلام في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف عليهم ثم قال: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه -أي ميداناً للسباق- يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قومٌ ففازوا وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعبٍ في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وأيمُ الله لو كُشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته فمضى.

يقول السيد ابن طاوس عليه الرحمة حول يوم العيد: ولا تقطع يومك هذا باللعب والإهمال وأنت لا تعلم أمردود أم مقبول الأعمال، فإن رجوت القبول فقابل ذلك بالشكر الجميل وإن خفتَ الرد فكن أسير الحزن الطويل.وليس الهدف أيها الأعزاء من التركيز على هذا الجانب إدخال الحزن على الناس في يوم عيدهم، وإنما الهدف الحفاظ على التوازن، فلا يصح أبداً أن يُفهم العيد تحللاً من العبادة، كما لا يصح بطبيعة الحال أن تغلب الكآبة فيه، بل ينبغي أن يواجه المؤمن الناس بالبشاشة والبهجة، إلا أنه يظل حريصاً في باطنه على صون ما أنجزه طيلة ضيافة الله تعالى، فلا يضيّعه في الإنجراف في تيار المعاصي ويظل حريصاً من الشياطين الذين طال تقييدهم، وهاهم اليوم قد فُكَّت أغلالهم، يبذلون قصارى جهدهم في الإغواء والتزيين والتلبيس، إلى حد أن بعضنا قد يخسر في يوم العيد كل ما حصل عليه طيلة شهر الله تعالى.
من أجل هذا التوازن كان هذا التركيز.

خطب أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الفطر فقال: أيها الناس إن يومكم هذا يُثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وهو أشبه بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مُصلاكم، خروجكم من الأجداث إلى ربكم، واذكروا بقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم، رجوعكم إلى منازلكم في الجنة.
"عباد الله إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملَك في آخر يوم من شهر رمضان أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون في ما تستأنفون".

إن الحرص على التناسب بين ما سلف وما نستأنف هو إذاً منشأ التأكيد على أن لا يكون يوم العيد نشازاً لا يصل الماضي بالمستقبل فإذا اجتاز الصائم يوم العيد دون أن يصاب بنكسة في إيمانه ومراقبته لنفسه كان أقدر على مواصلة ذلك في ما بعد.
وعندما نتأمل في مستحبات يوم العيد نجد أنها تركّز على صون ما أُنجز طيلة شهر رمضان المبارك وتعزيزه ليكون المخزون الإيماني والشعوري الذي يمكّن من مواصلة رحلة الحياة الشاقة بيُسر.

يحدثنا السيد ابن طاوس عليه الرحمة عن استحباب صلاة العيد على التراب ويذكر ما جرى معه ذات مرة فيقول: واعلم أنني كنت يوم من أيام الأعياد وقد قمتُ من السجادة لأجلس على التراب لأصلي صلاة العيد، على المأمور به من الآداب فأردتُ أن أجعل ذلك على سبيل العبادة لله جل جلاله لأنه أهلٌ للعبادة، فورد على خاطري ما معناه: أُذكر كيف نقلناك من هذا التراب (أي أذكر أنك كنت في الأصل تراباً) الذي تجلس عليه إلى ما قد بلغناك إليه من التكريم والتعظيم وتسخيرنا لك ما سخرناه من الأفلاك والدنيا والآخرة والملك العظيم واشتغِل بالشكر لنا واعتقاد المِنَّة العظيمة عن تطلّع خاطرك إلى الوسيلة إلينا بهذه الخدمة اليسيرة السقيمة،فإنا إذا رأيناك تقدم حقنا على مايقع منك من الخدمة، كان أثبت لك في رسوخ القدم وسبوغ النعم.

يريد عليه الرحمة أن على الإنسان أن لا يستكثر عمله مهما كان العمل فإنه بالنسبة إلى الله عزَّ وجلّ لا يُذكر على الإطلاق فلله سبحانه وتعالى المنَّة الدائمة فقد نقله من "تراب" إلى " إنسان" ومهما صدر من هذا الإنسان فلن يكون معادلاً لهذه النقلة، فلا يصح أن يتباهى الإنسان بعباداته وإنجازاته التي هي فرع كونه إنساناً، بل يجب أن يكون مستحضراً أبداً لعظيم فضل الله تعالى عليه، ليتحقق منه الشكر الحقيقي الذي يقوم على النقطة النقيض للتباهي المشار إليه.
إلى أن يقول السيد عليه الرحمة: وقل(في يوم العيد ): بالرحمة والجود وجميع الوسائل التي نقلتني بها من ذلك المقام النازل إلى هذا الفضل الشامل الكامل صل على محمد وآل محمد وانقلني عما تكره وقوعه مني إلى مايرضيك عني.

إلهي، ما بدأت به من كرم وفضل وحب وحنان فتممه، وكما نقلتني من تراب إلى إنسان! فانقلني عن مصارع الذنوب إلى مايرضيك، فأنت الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!هكذا يمكن أن نعزّز في نفوسنا جميع المعاني الإيمانية التي عشناها في شهر الله تعالى، وحاولنا وهكذا يمكن أن يكون العيد همزة وصل بين ضيافة الرحمن والوصول إليه بقلب سليم.ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: زيّنوا أعيادكم بالتكبير. وروي أنه كان صلى الله عليه وآله وسلّم يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير وأنه كان يُكبِّر يوم الفطر حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلّى.يوم العيد إذاً يوم عبادة، يوم تكبيروتهليل، يوم تضرع لنيل الجوائزالقيمية والفوز بالرضوان،والتحلي بمكارم الأخلاق، ويلحق بذلك ويقع في سياقه الحصول على الجوائز المادية بمختلف مظاهرها.

ويفرح الإنسان أيها الأعزاء بالجائزة لأنه يحسّن بها أوضاعه ويرمم بها شؤونه.
وما قيمة الجائزة إذا لم توظَّف في بلسمة الجراح ولمّ الشعث ورأب الصدع؟
وأي جراح أبلغ ضرراً وأبعد غوراً من جراح القلب وندوب تشويه الفطرة؟!
هكذا ينبغي أن تكون الجوائز الإلهية التي نحصل عليها في يوم العيد منطلقاً لتحسين أوضاعنا الشخصية لنؤسس على ذلك في تحسين أوضاعناالعامة.
إنها جوائز الجهاد الأكبر التي ننطلق بها في ساحات الجهاد الأصغر فنحمل هموم المسلمين والمستضعفين في الأرض بزخم جديد وروح تحنّ إلى الشهادة فطالما رددنا في ليالي شهر رمضان المبارك "وقتلاً في سبيلك فوفق لنا" هذه مواقع الجهاد تنتظرنا وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.
هذا الشيطان الأكبر الأمريكي يمعن في محاولات إذلال الأمة الوسط، وهذه ربيبته الغدة السرطانية تتبجّح بالحديث عن مشروع إسرائيل الكبرى الذي تريد إقامته على أنقاض وجودنا وجماجمنا والأشلاء.

أي عيد لنا ونحن نرسف في قيود الإحتقار والتبعية مهدّدين بالإقتلاع من أرضنا؟
هلاّ انطلقنا من تقوى الله تعالى إلى الدفاع عن عباده لتكون كلمة الله هي العليا؟
هلا توجهنا إلى المجاهدين الأبرار لنقول لهم: يا نور القلوب وبهجته، يا جنود المهدي، يا عنوان حب الأمة لله ولرسوله وآله الأطهار، سيروا على بركة الله تدوا في الأرض أقدامكم، أعيروا الله جماجمكم، ثقوا بأننا معكم لا لن نكون كوفيين.
هلاّ تذكرنا في يوم العيد شهداءنا الأبرار وفي طليعتهم سيد شهداء المقاومة الإسلامية وشيخهم، لنقول لهم أجمعين إننا على العهد باقون.
لن تحجبنا بهارج الدنيا وزينتها عن المضي قُدُماً في دربكم حتى نلقى الله تعالى مخضّبين بدماء الشهادة ونحشر معكم تحت راية السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

سيدي يا أبا عبد الله عليك منا سلام الله أبداً ما بقيناوبقي الله الليل والنهار، عيدنا يوم نلقى الله تعالى تحت رايتك.
سيدنا يا صاحب العصر والزمان عليك صلوات الرحمن، ما معنى العيد في غيابك وجدُّك الإمام الصادق عليه السلام يخاطبك قبل ولادتك فيقول: سيدي غيبتك نفت رقادي!
طالت علينا ليالي الإنتظار فهل يابن النبي لليل الإنتظار غد أرأيتم أيها الأعزاء إلى يتيم منقطع وحيد فريد ينظر إلى ثياب الأطفال وبهارجها وألعابهم في يوم العيد وزخارفها، وهو يعيش اللوعة والحسرة؟

هكذا ينبغي أن تكون حال خالي الوفاض الذي لم يفِ شهر رمضان حقَّه، وهو ينظر إلى أهل الجوائز الإلهية عادوا محمَّلين بجوائزهم وهو لا يلوي على شيء.
ينبغي أن يستبد به الحزن فيصرخ من الأعماق: إلهي ربح الصائمون وفاز القائمون، رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير، رب إني مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين.
وليكن على يقين أنه إن عاش هذه الحالة فإنه لن يرجع خائباً.أللهم صُنْ ماء وجوهنا، ولا تخزنا أمام أهلينا وأوليائك وملائكتك، ولا تشمت بنا عدوك، أللهم إنك أكرم الأكرمين فاجعل بفضلك وكرمك عيدنا كما تحب وكما أنت أهلٌ له فإنك نِعمَ المولى ونِعمَ النصير.

أللهم اقضِ في هذا اليوم حوائج المحتاجين، إشفِ كل جريحٍ وكل مريض، إقضِ دين كل مدين، ردّ كل غريب، فكّ كل أسير، أيِّد جندك، وأنزل نصرك، وأرنا هلاك الكافرين، وأطِل اللهم في أعمار علمائنا العاملين، سيما ولي أمر المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
و الحمد لله رب العالمين 1.


1-مناهل الرجاء / الشيخ حسين كوراني.

2012-07-19