شهادته عليه السلام
ولادة علي الأكبر(ع)
وطلع فجر اليوم العاشر من المحرّم، فصلّى الحسين عليه السّلام بأصحابه صلاة الصبح، ثمّ خطبهم قائلاً: إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر. ثمّ عبّأهم للحرب، فجعل على الميمنة زهير بن القين البجلي، وعلى المسيرة حبيب بن مظاهر الأسدي،
عدد الزوار: 299
وطلع فجر اليوم العاشر من المحرّم، فصلّى الحسين عليه السّلام بأصحابه صلاة الصبح، ثمّ خطبهم قائلاً: إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر. ثمّ عبّأهم للحرب، فجعل على الميمنة زهير بن القين البجلي، وعلى المسيرة حبيب بن مظاهر الأسدي، وثبت عليه السّلام وأهل بيته في القلب، وأعطى رايته أخاه العباس بن أمير المؤمنين عليه السّلام. ثمّ تقدّم خطيباً في أهل الكوفة، فعن الضحّاك المشرقي: فوالله، ما سمعت متكلّماً قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه كما خطب بعض أصحابه رضوان الله عليهم.
والتحق الحرّ الرياحي وآخرون بالحسين عليه السّلام بعد أن وضحت لهم معالم الحقّ والرشاد، وخاف ابن سعد أن يفلت من يده الزمام، فتقدّم نحو عسكر الحسين عليه السّلام ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل مَنْ رمى. ثمّ رمى الناس، فلم يبقَ من أصحاب الحسين عليه السّلام أحد إلاّ أصابه من سهامهم، فقال عليه السّلام لأصحابه: قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم.
فحمل أصحابه حملة واحدة، واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلاّ عن خمسين صريعاً. ثمّ أخذوا يحملون فرادى ومجموعات صغيرة حتى استشهدوا عن آخرهم رضوان الله عليهم أجمعين. وتقدّم الهاشميّون يودّع بعضهم البعض، وأوّل مَنْ تقدّم منهم للحرب أبو الحسن علي الأكبر عليه السّلام، فلمّا رآه الحسين عليه السّلام رفع شيبته نحو السماء وقال: اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمّد صلّى الله عليه وآله، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه. اللّهمّ فامنعهم بركات الأرض، وإن متّعتهم ففرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً، فأنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يُقاتلونا ويقتلونا.
ثمّ صاح الحسين عليه السّلام بعمر بن سعد: ما لك ؟! قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلّط عليك مَنْ يذبحك على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وآله. ثمّ رفع صوته وقرأ: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
ثمّ حمل علي بن الحسين عليه السّلام فلم يزل يُقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة مَنْ قُتل منهم، حتى روي أنّه قتل على عطشه مئة وعشرين رجلاً، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبه، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء ؟ فبكى الحسين عليه السّلام وقال: يا بُني، عزّ على محمّد وعلى عليّ وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك. يا بُني، هات لسانك. فأخذ لسانه فمصّه، ودفع إليه خاتمه وقال له: خذ هذا الخاتم في فيك، وارجع إلى قتال عدوّك، فإنّي أرجو أن لا تُمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.
فرجع علي بن الحسين إلى القتال، وحمل وجعل يُقاتل حتى قتل تمام المئتين، ثمّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها، وضربه الناس بأسيافهم، فاعتنق الفرس فحمله إلى عسكر عدوّه فقطّعوه بأسيافهم إرباً إرباً، فلمّا بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته: يا أبتاه، هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول لك: العجل، فإنّ لك كأساً مذخورة. فصاح الحسين عليه السّلام: قتل الله قوماً قتلوك يا بُني، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ! على الدنيا بعدك العفا.