الشهادة من منظور الإمام الخميني (قدس سره)
الشهادة في فكر الإمام الخميني
على الإنسان أن تتوفر فيه صفات الشهيد ويكون أهلاً للشهادة حتى يمن الله تعالى عليه بها ومن هذه الشروط:
عدد الزوار: 942كيف تكون شهيداً؟
لا شك أن الشهادة نعمة إلهية يمنحها الله سبحانه وتعالى، ولا يقدر عليها الإنسان بنفسه.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن الاستشهاد بالنسبة لنا فيض عظيم".
ولكن هذا لا يعني أن الله سبحانه وتعالى يمنحها لأي كان، وبشكل عشوائي، يقول الإمام الخميني قدس سره: "الشهادة هدية من الله تبارك وتعالى لمن هم أهل له"([1]).
فعلى الإنسان أن تتوفر فيه صفات الشهيد ويكون أهلاً للشهادة حتى يمن الله تعالى عليه بها ومن هذه الشروط:
1- الزهد في الدني
إن كان للدنيا من قيمة فلأنها مزرعة الآخرة، ومسجد أولياء الله، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كل ذلك ونظرنا إليها نظرة مادية، فلن يكون لها أي قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له:
"كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾([2])، بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ..."([3]).
هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل الله، زاهداً بالدنيا عارفاً بمقام الشهادة ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾([4]).
فإن الإنسان كلما اقترب من الآخرة وابتعد عن التعلق بالدنيا، يكون بذلك قد مهد الطريق لنفسه للانخراط في سلك الشهداء الذين يختارهم الله تعالى، ويحبرهم بلباس كرامتها.
وقد أكد الإمام الخميني قدس سره على ذلك في كلماته: "إن الدنيا بجميع بهارجها واعتباراتها هي أقل بكثير من أن تكون جزاءً ورتبة للمجاهدين في سبيل الله".
"إن المجاهد في سبيل الله أسمى من أن يقيّم عمله النفيس بزخارف الدنيا".
"... لم يبيعوا أرواحهم بثمن بخس، ولم تلههم زخارف الدنيا الفانية وتعلقاته"([5]).
2- الارتباط بمدرسة عاشوراء
إن تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً على المسلمين أن يرتفع شبابهم شهداء إلى بارئهم مخضبين بدمائهم، "القتل لنا عادة".
فمدرسة عاشوراء هي المعين الذي لا ينضب وهي الخزان الأكبر للمعاني الأخلاقية الأسمى، فمنها يتعلم الإنسان القيم الدينية والإنسانية كالتضحية والإيثار والبذل وعزة النفس والاستقامة في الحياة، وإلى ذلك يشير الإمام الخميني قدس سره في كلماته: "نحن لا نبالي إذا سكبت دماء شبابنا الزاكية في سبيل الإسلام، لا نبالي إذا أضحت الشهادة ميراثاً لأعزائنا، إنه الأسلوب المرضي المتبع لدى شيعة أمير المؤمنين د منذ ظهور الإسلام إلى اليوم"([6]).
منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمد وعلي، ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوة والولاية إلى ذراريهم وأتباع مناهجهم"([7]).
"لقد قدمت أمة الإسلام من محراب مسجد الكوفة إلى صحراء كربلاء وعلى مر تاريخ التشيع الأحمر، قدمت ضحايا قيمة إلى الإسلام العزيز وفي سبيل الله"([8]).
فما دام القتل لنا عادة فلن يكون له آثار سلبية على المجتمع ولن يتسبب بحصول تراجع وضغط كما نرى في الكثير من المجتمعات الأخرى.
إن ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام بما تحمل من رسالة كتبت بأطهر دماء الأرض لتخترق بنورها كل أنواع الحجب وتصل إلى آذاننا، هي القادرة على صنع الشهداء بكل ما يحتاجه الشهيد من مواصفات إلهية، وقد استطاعت هذه المدرسة أن تخرّج ببركتها قوافل الشهداء على مر التاريخ.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "مهما كان، فإن قلمي ولساني عاجزان عن ترسيم المقاومة العظمى لملايين المسلمين، عشاق الخدمة والإيثار والشهادة في هذا البلد، بلد صاحب الزمان أرواحنا فداه، ولا يمكن توصيف مجاهدات وبطولات وخيرات وبركات هؤلاء الأبناء المعنويين لكوثر فاطمة الزهراء سلام الله عليه، وبالتأكيد فإن هذه البطولات نابعة من منهج الإسلام الأصيل وأهل البيت، ومن بركات ولاية إمام عاشوراء سلام الله عليه"([9]).
3- الارتباط بالشهداء
وبالإضافة للارتباط بهذه المدرسة التاريخية العظيمة، يجب الاستفادة من أنوار شهداء هذا العصر أيضاً وزيادة الارتباط بهم، والتعرف على روحيتهم ومسلكيتهم وقراءة وصاياهم، لأن وصاياهم تهز الأنفس وتوقظ الضمائر التي يحاول الشيطان أن يخرسها ويمحو صوتها الموجه إلى الصلاح.
فالارتباط بالشهداء يقرب روحية الإنسان من روحيتهم، حتى يصير واحداً منهم جاهزاً لتلقي هذا الفيض الإلهي الذي تلقوه، وهو الشهادة.
وقد أكد الإمام الخميني قدس سره في الكثير من المناسبات، أن الشهداء يعتبرون قادة المسيرة، وأنهم المعلمون في دنيا الجهاد، وعلينا أن نستفيد منهم، فمما قاله في هذا السياق:
"إن قائدنا هو ذلك الطفل ذو الاثني عشر عام([10])، صاحب القلب الصغير، الذي يفوق المئات من ألسنتنا وأقلامنا فضلاً، الذي حمل قنبلته ورمى بنفسه تحت دبابة العدو ففجرها محتسياً شراب الشهادة".
"الذين أوقدوا - بدمائهم الطاهرة - مشاعل طريق الحرية لكل الشعوب المكبلة".
"إن من كل شعرة تمس أو قطرة دم تسفك لشهيد، يولد معها رجال مجاهدون ومصممون"([11]).
4- العزم الراسخ والهمة العالية
يقول الإمام الخميني قدس سره: "أيها الشهداء، إنكم شهود صدق والمذكورون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذية لخير عباد الله المخلصين، الذي سجلوا بدمائهم وأرواحهم أصدق وأسمى مراتب العبودية والانقياد إلى المقام الأقدس للحق جل وعلا، وجسدوا في ميدان الجهاد الأكبر مع النفس والجهاد الأصغر مع العدو، حقيقة انتصار الدم على السيف وغلبة إرادة الإنسان على وساوس الشيطان"([12]).
ويقول أيضاً: "العزم الراسخ والهمة العالية للشهداء، ثبتت قواعد الجمهورية الإسلامية في إيران وأضحت ثورتنا في أشمخ قلل العزة والشرق تنير الدروب لهداية الأجيال المتعطشة"([13]).
* دروس من خط الإمام الخميني قدس سره، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) صحيفة النور، ج 10، ص 11.
([2]) القصص: 83.
([3]) نهج البلاغة ج 1، ص 36، من الخطبة 3، المعروفة بالخطبة الشقشقية.
([4]) آل عمران: 157.
([5]) صحيفة النور، ج 19، ص 296.
([6]) صحيفة النور، ج 5، ص 269.
([7]) صحيفة النور، ج 15، ص 154.
([8]) صحيفة النور، ج 15، ص 252.
([9]) صحيفة النور، ج 20.
([10]) إشارة إلى الشهيد حسين فهميده أحد أفراد التعبئة، والذي قام بعملية استشهادية حيث فجر نفسه بدبابة عراقية من خلال حزام ناسف كان معه رغم صغر سنه.
([11]) كلمة ألقاها بتاريخ (11-2-58).
([12]) صحيفة النور، جزء 19، ص 296.
([13]) صحيفة النور، ج 20، ص 59.