عليٌّ عليه السلام حين إعلان الرسالة وحديث يوم الإنذار
ولادة أمير المؤمنين(ع)
هو الحديث الخاص عن اجتماع عشيرة النبيّ صلى الله عليه وآله بدعوة منه لغرض دعوتهم الى بيعته ومؤازرته، وكان أوّل من أعلن استجابته لرسول الله صلى الله عليه وآله ذلك اليوم من عشيرته الأقربين: هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
عدد الزوار: 90
حديث يوم الإنذار
هو الحديث الخاص عن اجتماع عشيرة النبيّ صلى الله عليه وآله بدعوة منه لغرض دعوتهم الى بيعته ومؤازرته، وكان أوّل من أعلن استجابته لرسول الله صلى الله عليه وآله ذلك اليوم من عشيرته الأقربين: هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وقد ذكر المفسّرون والمؤرّخون ومنهم الطبري في تأريخه وتفسيره معاً أنّه لمّا نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) على رسول الله صلى الله عليه وآله وضاق ذرعاً لما كان يعلم به من معاندة قريش وحسدهم، فدعا عليّاً عليه السلام ليعينه على الإنذار والتبليغ.
قال الإمام عليّ عليه السلام: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا عليّ، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت ذرعاً وعلمت أنّي متى اُبادرهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتّ عليه حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمّد إلاّ تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك.
فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عُسّاً من لبن، واجمع لي بني عبد المطّلب حتى أُكلّمهم وأُبلّغهم ما اُمرت به.
فصنع عليّ عليه السلام ما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله ودعاهم وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، منهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فأكلوا، قال عليّ عليه السلام: فأكل القوم حتى ما لهم بشيء من حاجة، وما أرى إلاّ موضع أيديهم، وأيم الذي نفس عليّ بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمتُ لجميعهم.
ثمّ قال صلى الله عليه وآله: إسقِ القوم، فجئتهم بذلك العسّ فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً، وأيم الله إنّه كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكلّمهم بادره أبو لهب فقال: لقد سحركم صاحبكم، فتفرّق القوم ولم يكلّمهم الرسول صلى الله عليه وآله فأَمَرَ عليّاً في اليوم الثاني أن يفعل كما فعل آنفاً، وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بني عبد المطّلب! إنّني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم اليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فأحجم القوم عنه جميعاً إلاّ عليّاً، فقد صاح في حماسة: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وآله برقبة عليّ وقال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
إذاً كان يوم الدار يوم الإعلان الصريح عن بداية مرحلة جديدة في حياة النبيّ وحياة الدعوة الإسلامية، وقد اتّسمت بالتحدّي المتبادل ثمّ المواجهة السافرة بين الإسلام والشرك.
ومن تتبّع سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وأحاط علماً بجميع شؤونها وتفاصيلها في بدء تشكيل الحكومة الإسلامية وتشريع أحكامها وتنظيم شؤونها ومجرياتها وفق الأوامر الإلهية، يرى أنّ علياً عليه السلام وزير النبيّ في كلّ أمره وظهيره على عدوّه، وساعده الّذي يضرب ويبني به وصاحب أمره الى نهاية عمره الشريف. وكان يوم الدار والإنذار يوم المنطلق الذي لم يشهد ناصراً لرسول الله صلى الله عليه وآله كعلي بن أبي طالب، شعاراً وشعوراً وجهاداً وفداءً.
عليٌ عليه السلام من إعلان الرسالة الى الهجرة النبويّة المباركة:
عجزت قريش عن إيقاف مدّ الدعوة الإسلاميّة ومنع النبيّ صلى الله عليه وآله من التبليغ والهداية، فقد خابت مؤامراتهم ودسائسهم، وفشلت تهمهم وتهديداتهم، لأنّ أبا طالب كان الكهف الحصين لرسول الله صلى الله عليه وآله الذي لم يزل يدفع عنه أذى قريش وجبروتها، فلجأت قريش الى طريقة جبانة تنمُّ عن حقدها وضعفها فدفعت بالصبيان والأطفال للتعرّض للنبيّ صلى الله عليه وآله ورميه بالحجارة، وهنا كان الدور الحاسم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام إذ لا يتسنّى لأبي طالب - وهو شيخ الهاشميّين الكبير - مطاردة الصبيان، فكان عليّ يطارد الصبيان المترصّدين للنبيّ ويذودهم عنه.
عليّ عليه السلام في شِعب أبي طالب
وحين أسرع الإسلام ينتشر في مكّة وأصبح كياناً يقضّ مضاجع المشركين وخطراً كبيراً يهدّد مصالحهم، عمد المشركون الى اُسلوب الغدر والقهر لإسكات صوت الرسالة الإسلاميّة، فشهروا سيوف البغي ولم يتوانَ أبو طالب في إحكام الغطاء الأمين للرسول صلى الله عليه وآله، لما له من هيبة ومكانة شريفة في نفوس زعماء قريش الذين لم يجرؤا على النَيْلِ من النبيّ صلى الله عليه وآله لأنّ ذلك يعني مواجهة علنية مع أبي طالب وبني هاشم جميعاً، وقريش في غنىً عن هذه الخطوة الباهضة التكاليف.
فاتّجهوا نحو المستضعفين المسلمين من العبيد والفقراء فأذاقوهم ألوان التعذيب والقهر والمعاناة ليردّوهم عن دينهم وتمسّكهم بالنبيّ صلى الله عليه وآله. ولم تلق قريش غير الصمود والإصرار على الإسلام والالتزام بنهج الرسالة الإسلامية، فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل حلّ لتخليص المستضعفين من المسلمين هو الخروج من مكّة الى الحبشة.
ولمّا لم يبقَ في مكّة من المسلمين إلاّ الوجهاء والشخصيات فقد كانت المواجهة الدموية هي أبعد ما يكون، وعندها سقطت كلّ الخيارات، ولم يبق أمام قريش إلاّ أن تلجأ الى عمل يضعف الرسول صلى الله عليه وآله ويجنّبها القتال، فكان قرارهم حصار بني هاشم ومن معهم إجتماعياً واقتصادياً باعتبارهم الحماية التي تقي الرسول من بطش قريش، فبدأت معركتها السلبية مع بني هاشم.
وتجمّع المسلمون وبنو هاشم في شِعب أبي طالب لتوفير سبل الحماية بصورة أفضل، حيث يمكن إيجاد خطوط دفاعية لمواجهة أيِّ محاولة هجومية قد تقوم بها قريش.
وللمزيد من الاحتياط والحرص على سلامة حياة الرسول صلى الله عليه وآله كان أبو طالب يطلب من ولده عليّ أن يبيت في مكان الرسول ليلاً حرصاً على سلامته من الاغتيال والمباغتة من قبل الأعداء من خارج الشِعب[5]، وكان عليّ عليه السلام يُسارع إلى الامتثال لأوامر والده ويضطجع في فراش النبيّ صلى الله عليه وآله فادياً نفسه من أجل الرسالة وحاملها.
ولم يكتف عليّ عليه السلام بهذا القدر من المخاطرة بنفسه، بل كان يخرج من الشِعب الى مكّة سرّاً ليأتي بالطعام الى المحاصرين، إذ اضطرّوا في بعض الأيام أن يقتاتوا على حشائش الأرض.
لم يكن لأحد أن يقوم بمثل هذه الأعمال في تلك الفترة العصيبة إلاّ من ملك جناناً ثابتاً وقلباً شجاعاً ووعياً رسالياً وحبّاً متفانياً للرسول صلى الله عليه وآله، ذلك هو عليّ ابن أبي طالب عليه السلام الذي قضى في الشِعب جزءً من زهرة شبابه حيث دخله وعمره سبعة عشر عاماً وخرج منه وعمره عشرون عاماً، فكانت تجربة جديدة في حياته عَوَّدته على الاستهانة بالمخاطر، وأهّلته لتلقّي الطوارئ والمهام الجسام، وجعلته أكثر التصاقاً بالنبيّ صلى الله عليه وآله كما عوّدته على الصبر والطاعة والتفاني في ذات الله تعالى وحبّ الرسول صلى الله عليه وآله.
* أعلام الهداية _ سيرة علي(ع)
2012-06-01