يتم التحميل...

عليّ عليه السلام ليلة هجرة الرسول (ص) الى المدينة

ولادة أمير المؤمنين(ع)

كان الانفتاح الرسالي العظيم الذي قام به النبيّ صلى الله عليه وآله إثر المعاهدة التي أبرمها مع الأوس والخزرج في بيعة العقبة الثانية، والذي كان نقطة انطلاق الدعوة الإسلامية الى العالم الأوسع، والخطوة الكبيرة لبناء المجتمع الرسالي المؤمن،

عدد الزوار: 100

كان الانفتاح الرسالي العظيم الذي قام به النبيّ صلى الله عليه وآله إثر المعاهدة التي أبرمها مع الأوس والخزرج في بيعة العقبة الثانية، والذي كان نقطة انطلاق الدعوة الإسلامية الى العالم الأوسع، والخطوة الكبيرة لبناء المجتمع الرسالي المؤمن، بعد أن انتشر الإسلام في يثرب بجهود الصفوة من الدعاة المخلصين والمضحّين من أجل الله ونشر تعاليم الإسلام، وبذا أصبح للمسلمين بقعة آمنة تمثّل محطة مركزية ومهمة لبلورة العمل الثقافي والتربوي والدعوة الإلهية في مجتمع الجزيرة العربية.

وحين تمادى طغاة قريش في إيذاء المسلمين والضغط عليهم لإرغامهم على ترك الدين الإسلامي وفتّهم عن نصرة النبيّ صلى الله عليه وآله وحين كثر عتوّهم واضطهادهم; أمر النبيّ صلى الله عليه وآله أصحابه بالهجرة إلى يثرب، فقال صلى الله عليه وآله: "إنّ الله قد جعل لكم داراً تأمنون بها وإخواناً"، فخرجوا على شكل مجاميع صغيرة وبدفعات متفرّقة خفيّة عن أنظار قريش.

ومع كلّ المعاناة التي لاقاها النبيّ صلى الله عليه وآله من القريب والبعيد والضغوط والتكذيب والتهديد حتى قال صلى الله عليه وآله: "ما اُوذي أحد مثل ما اُوذيت في الله.

فإنّ أمله بالنصر على الأعداء والنجاح من تبليغ الدعوة الإسلامية لم يضعف، وثقته المطلقة بالله كانت أقوى من قريش ومؤامراتها، وقد عرفت قريش فيه صلى الله عليه وآله ذلك وتجسّدت لديها الأخطار التي ستكشف عنها السنون المقبلة إذا تسنّى لمحمّد صلى الله عليه وآله أن يلتحق بأصحابه ويتّخذ من يثرب مستقراً ومنطلقاً لنشر دعوته، فأخذوا يعدّون العدّة ويخطّطون للقضاء عليه قبل فوات الأوان على شرط أن لا يتحمّل مسؤولية قتله شخص معيّن أو قبيلة لوحدها، فلا تستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة القبائل جميعاً في دم صاحبهم فيرضون حينئذ بالعَقل منهم.

فكان القرار بعد أن اجتمعوا في دار الندوة وقد كثرت الآراء بينهم أن يندبوا من كلّ قبيلة فتىً شابّاً جلداً معروفاً في قبيلته، ويعطى كلّ منهم سيفاً صارماً ثم يجمعون على النبيّ صلى الله عليه وآله في داره، ويضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه، واتّفقوا على ليلة تنفيذ الخطة، فأتى جبرئيل الى النبيّ وأخبره بذلك، وأمره أن لا يبيت في فراشه، وأذن له بالهجرة، فعند ذلك أخبر عليّاً باُمورهم وأمره أن ينام في مضجعه على فراشه الذي كان ينام فيه، ووصاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته، وقال له أيضاً: "إذا أبرمت ما أمرتك به; فكن على اُهبة الهجرة الى الله ورسوله، وسر لقدوم كتابي عليك"، وهنا تتجلى صفحة من صفحات عظمة علي عليه السلام، إذ استقبل أمر الرسول صلى الله عليه وآله بنفس مؤمنة صابرة مطمئنّة، فرسم لنا أكمل صورة للطاعة المطلقة في أداء المهمّات استسلاماً واعياً للقائد وتضحية عظيمة من أجل العقيدة والمبدأ، فما كان جوابه عليه السلام إلاّ أن قال للرسول صلى الله عليه وآله: "أوتسلم يا رسول الله إن فديتك نفسي؟".

فقال صلى الله عليه وآله: "نعم بذلك وعدني ربّي"; فتبسّم علي عليه السلام ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه به رسول الله صلى الله عليه وآله من سلامته.

ثمّ ضمّه النبيّ صلى الله عليه وآله إلى صدره وبكى وَجْداً به، فبكى عليّ عليه السلام لفراق رسول الله صلى الله عليه وآله.

وعندما جاء الليل، اتّشح عليّ عليه السلام ببرد رسول الله صلى الله عليه وآله الذي اعتاد أن يتّشح به، واضطجع في فراش النبيّ مطمئن النفس رابط الجأش ثابت الجنان مبتهجاً بما أوكل اليه فرحاً بنجاة النبيّ، وجاء فتيان قريش والشرّ يملأ نفوسهم ويعلو سيوفهم، وأحاطوا بالبيت وجعلوا ينظرون من فرجة الباب الى حيث اعتاد النبيّ صلى الله عليه وآله أن ينام فيه فرأوا رجلاً ينام على فراشه، فأيقنوا بوجود النبيّ، واطمأنت قلوبهم على سلامة خطّتهم، فلمّا كان الثلث الأخير من الليل خرج النبيّ صلى الله عليه وآله من الدار وقد كان مختبئاً في مكان منها، وانطلق الى غار "ثور" وكَمَنَ فيه ليواصل بعد ذلك هجرته المباركة.

ولمّا حانت ساعة تنفيذ خطّتهم; هجموا على الدار، وكان في مقدّمتهم خالد ابن الوليد، فوثب عليّ عليه السلام من فراشه فأخذ منه السيف وشدّ عليهم فأجفلوا أمامه وفرّوا الى الخارج، وسألوه عن النبيّ صلى الله عليه وآله: فقال: لا أدري إلى أين ذهب.

وبذلك كتب الله السلامة لنبيّه صلى الله عليه وآله والانتشار لدعوته.

بهذا الموقف الرائع والإقدام الشجاع والمنهج الفريد سنّ عليّ عليه السلام سنّة التضحية والفداء لكلّ الثائرين من أجل التغيير والإصلاح والسائرين في دروب العقيدة والجهاد.


* أعلام الهداية _ سيرة علي (ع)

2012-06-01