الإمام علي الهادي(ع)
الإمام علي الهادي(ع)
الإمام علي بن محمّد الهادي، هو الإمام العاشر، والنور الزاهر، ولد عام 212 هجري، وتوفّي بسامراء سنة 254 هجري، وهو من بيت الرسالة والإمامة، ومقر الوصاية والخلافة، وثمرة من شجرة النبوّة.
عدد الزوار: 165
نبذة عن علي الهادي عليه السلام
الإمام علي بن محمّد الهادي، هو الإمام العاشر، والنور الزاهر، ولد عام 212 هجري، وتوفّي بسامراء سنة 254 هجري، وهو من بيت الرسالة والإمامة، ومقر الوصاية والخلافة، وثمرة من شجرة النبوّة.
قام عليه السلام بأمر الإمامة بعد والده الإمام الجواد عليه السلام، وقد عاصر خلافة المعتصم والواثق والمتوكّل والمنتصر والمستعين والمعتز، وله مع هؤلاة قضايا لا يتسع المقام لذكرها.
قال ابن شهر آشوب: كان أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت علته هيبة الوقار، وإذا تكلم سماه البهاء1.
وقال عماد الدين الحنبلي: كان فقيهاً إماماً متعبّداً2.
وقال المفيد: تقلّد الإمامة بعد أبي جعفر ابنه أبو الحسن علي بن محمّد، وقد اجتمعت فيه خصال الإمامة وثبت النص عليه بالإمامة، والاشارة اليه من أبيه بالخلافة3.
وقد تضافرت النصوص على إمامته عن طرقنا، فمن أراد فليرجع الى الكافي واثبات الهداة وغيرهما من الكتب المعدّة لذلك4.
وقد مارس المتوكّل نفس الاسلوب الخبيث الذي رسمه المأمون ثمّ أخوه المعتصم من إشخاص أئمّة أهل البيت من موطنهم وإجبارهم على الاقامة في مقرّ الخلافة، وجعل العيون والحرّاس عليهم حتى يطّلعوا على دقيق حياتهم وجليلها.
وكان المتوكّل من أخبث الخلفاء العباسيين، وأشدّهم عداءً لعليّ، فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة ومكانته هناك، وميل الناس اليه، فخاف منها5، فدعا يحيى بن هرثمة وقال: اذهب إلى المدينة، وانظر في حاله وأشخصه إلينا.
قال يحيى: فذهبت إلى المدينة، فلمّا دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، خوفاً على علي الهادي، وقامات الدنيا على ساق، لأنه كان مُحسناً إليهم، ملازماً للمسجد لم يكن عنده ميل إلى الدنيا.
قال يحيى: فجعلت أُسكّنهم وأحلف لهم انّي لم أُؤمر فيه بمكروه، وإنّه لا بأس عليه، ثمّ فتّشت منزله فلم اجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني، وتولّيت خدمته بنفسي، وأحسنت عشرته، فلمّا قدمت به بغداد، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد، فقال لي: يا يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكّل من تعلَم، فإن حرّضته عليه قتله، كان رسول الله خصمك يوم القيامة. فقلت له: والله ما وقعت منه إلا على كلّ أمر جميل.
ثمّ صرت به إلى "سرّ من رأى" فبدأت ب "وصيف" التركي، فأخبرته بوصوله، فقال: والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك، فلمّا دخلت على المتوكّل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهادته، وأنّي فتّشت داره ولم أجد فيها إلاّ المصاحف وكتب العلم، وأنّ أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه المتوكّل وأحسن جائزته وأجزل برّه، وأنزله معه سامراء6.
ومع أنّ الإمام كان يعيش في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكل، وكانت العيون والجواسيس يراقبونه عن كثب، إلاّ أنّه وشي به إلى المتوكّل بأنّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنّه عازم بالوثوب بالدولة، فبعث اليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى، وهو متوجّه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن، فحمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكّل جالساً في مجلس الشراب فأُدخل عليه والكأس في يده، فلمّا رآه هابه وعظّمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس التي كانت في يده، فقال الإمام عليه السلام: "والله ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني" فأعفاه، فقال له: انشدني شعراً، فقال علي: "أنا قليل الرواية للشعر" فقال: لابد، فأنشده وهو جالس عنده:
"باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم وأُسكنوا حُفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم أين الأسرّة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعّمة من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل7
قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا"
فبكى المتوكّل حتى بلّت لحيته دموع عينه وبكى الحاضرون، ورفع إلى علي أربعة آلاف دينار ثمّ ردّه إلى منزله مكرّماً8.
آثاره العلمية:
روى الحفّاظ والرواة عن الإمام أحاديث كثيرة في شتى المجالات من العقيدة والشريعة، وقد جمعها المحدّثون في كتبهم، وبثّها الحرّ العاملي في كتابه الموسوم ب "وسائل الشيعة" على أبواب مختلفة، ومّما نلفت إليه النظر أنّ للإمام عليه السلام بعض الرسائل، وهي:
1- رسالته في الرد على الجبر والتفويض واثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين، أوردها بتمامها الحسن بن علي بن شعبة الحرّاني في كتابه الموسوم بـ "تحف العقول"9.
2- أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله، وهذه أيضاً أوردها الحرّاني أيضاً في تحف العقول.
3- قطعة من احكام الدين، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب.
ولاجل إيقاف القارئ على نمط خاص من تفسير الإمام نأتي بنموذج من هذا التفسير:
قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحد، فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: الايمان يمحو ما قبله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، فكتب المتوكل إلى الإمام الهادي يسأله، فلمّا قرأ الكتاب، كتب: "يضرب حتى يموت" فأنكر الفقهاء ذلك، فكتب إليه يسأله عن العلّة، فكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم {فَلَمَّا رَأوا بأسَنا قَالوا آمَنَّا بِاللهِ وَحدَهُ وَكَفَرنا بِما كُنّا بِهِ مُشركينَ * فَلَم يَكُ يَنفَعُهَم إيمانُهُم لَمَّا رَأوا بأسنا سُنّة اللهِ الَّتي قَد خَلَت في عبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الكافِرونَ}10"، فأمر به المتوكل فضرب حتى مات11.
وفاته:
توفّي أبو الحسن عليه السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن في داره بسرّ من رأى، وخلّف من الولد أبا محمّد الحسن ابنه وهو الإمام من بعده، والحسين، ومحمّداً، وجعفر، وابنته عائشة، وكان مقامه بسرّ من رأى إلى أن قبض عشر سنين وأشهر، وتوفّي وسنّه يومئذ على ما قدمناه إحدى وأربعون سنة12.
وقد ذكر المسعودي في اثبات الوصيّة "تفصيل كيفية وفاته وتشييعه وإيصاء الإمامة لابنه أبي محمّد العسكري" فمن أراد فليراجع13.
1- ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب 4 / 401 طبع قم.
2- شذرات الذهب 2 / 128 في حوادث سنة 254.
3- الارشاد 327.
4- الكليني، الكافي 1 / 323- 325، الشيخ الحر العاملي: اثبات الهداة 30 / 355- 358.
5- روي أنّ بريحة العباسي أحد أنصار المتوكل وأزلامه كتب إليه: إن كان لك بالحرمين حاجة فأخرج منها علي بن محمد فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه وتبعه خلق كثير.
6- سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص 322.
7- ربّما يروى "ينتقل".
8- المسعودي: مروج الذهب 4 /11.
9- تحف العقول 238- 352.
10- غافر / 84- 85.
11- ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب 4 / 403- 405.
12- الإرشاد 327.
13- إثبات الوصية.