النفاق من (الأربعون حديثاً)
العلاقة مع الله
عن الإمام الصادق عليه السلام: من لقي المسلمين بوجهين ولسانين، جاء يوم القيامة وله لسانان من نار". النفاق العملي والقولي: لقاء المسلمين بوجهين هو أن يبدي المرء ظاهر حاله وصورته الخارجية لهم على خلاف ما تكون في باطنه وسريرته، كأن يبدي أنه من أهل المودة والمحبة
عدد الزوار: 131
عن الإمام الصادق عليه السلام: "من لقي المسلمين بوجهين ولسانين، جاء يوم القيامة وله لسانان من نار"1.
النفاق العملي والقولي
لقاء المسلمين بوجهين هو أن يبدي المرء ظاهر حاله وصورته الخارجية لهم على خلاف ما تكون في باطنه وسريرته، كأن يبدي أنه من أهل المودة والمحبة لهم وأنه مخلص حميم، بينما يكون في الباطن على خلاف ذلك، فيتعامل بالصدق والمحبة في حضورهم ولا يكون كذلك لدى غيابهم. وهو ما يسمى "النفاق العملي".
وأما ذو اللسانين فهو أن يثني على كل من يلقى من المسلمين ويمتدحه ويتملق له، ولكنه في غيابه يعمد إلى تكذيبه وإلى استغابته، وهو ما يسمى "النفاق القولي".
والنفاق هو من الرذائل النفسية والصفات القلبية الخبيثة التي تنجم عنها آثار كثيرة يكون منها هذان الأثران المذكوران.
مراتب النفاق
إن النفاق هو من صفات الشيطان الملعون كما أشار تعالى: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾(الأعراف:21).
وللنفاق مراتب مختلفة: فله مراتب من حيث القوة والضعف، وإذا لم يتصدَ لها الإنسان مالت إلى الاشتداد، ودرجات اشتداد الرذائل كدرجات اشتداد الفضائل غير متناهية ولا تقف عند حد، حتى يصل الأمر بتلك الرذيلة التي تابعها أن تتخذ الصورة الجوهرية للنفس وفصلها الأخير، وتصبح مملكة الإنسان، ظاهرها وباطنها تحت سيطرة تلك الرذيلة، فلا يلتقي شخصاً إلا عامله معاملة ذي الوجهين وذي اللسانين، دون أن يخطر له شيئ إلا منافعه الخاصة وأنانيته وعبادته لذاته، وحيث إن النفاق صفة شيطانية كما جاء في القرآن الكريم ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾، صارت صورة النفس النهائية صورة للشيطان وسيكون مصيره أن يحشر مع الشياطين.
وله مراتب من جهة موضوعه الذي تعلق به، فقد يكون النفاق في دين الله، وقد يكون في السجايا الحسنة والفضائل الأخلاقية، وقد يكون في الأعمال الصالحة والمناسك الإلهية، وقد يكون في الأمور العادية والمتعارف عليها.
وله مراتب من جهة من نتعامل معه بالنفاق، فقد ينافق المرء مع رسول الله صلى الله عليه وآله، أو مع أئمة الهدى عليهم السلام، أو مع أولياء الله والعلماء والمؤمنين، وقد يكون شاملاً لجميع المسلمين وسائر خلق الله من الأمم الأخرى.
ومن الطبيعي أن قبح النفاق يختلف شدته بين هذه الدرجات.
عاقبة النفاق
إن النفاق والاتصاف بذي الوجهين هي في نفسها من الصفات القبيحة التي لا يتصف بها إنسان شريف، بل إن المتصف بها يعتبر خارجاً عن مجتمع الإنسانية، بل هو لا يشبه الحيوان أيضاً. وهذه الصفة تبعث على الذل والفضيحة في الدنيا أمام الأصحاب والأقران، وتورث الذل والعذاب الأليم في الآخرة، كما ورد في الرواية السابقة، وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام:
"قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يجيء يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه وآخر من قدامه يلتهبان ناراً حتى يلهبا جسده، ثم يقال هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين يُعرف بذلك يوم القيامة"2.
ويكون مشمولاً بالآية الشريفة: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾(الرعد:25).
والنفاق بالإضافة إلى ذلك تتبعه مفاسد أخرى كثيرة، مثل الفتنة التي ينص القرآن الكريم أنه ﴿أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾(البقرة:191)، والنميمة التي يقول عنها الإمام الباقرعليه السلام: "محرمة الجنة على القتّاتين المشّائين بالنميمة"3، والغيبة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنها أشد من الزنا"، وإيذاء المؤمن وسبه وكشف الستر عنه وإفشاء سره، وغيرها مما يعد كل واحد منها سبباً كافياً لهلاك الإنسان.
بل هناك بعض المحرمات التي تعتبر نفاقاً بنفسها، وهي: الغمز واللمز والكنايات التي يطلقها البعض على البعض الآخر، على الرغم من إظهار المحبة والصداقة الحميمة.
فعليك أن تحذر وتراقب سلوكك وأعمالك، فإن مكائد النفس والأساليب الشيطانية الماكرة خفيّة جداً، قلّ من استطاع الإفلات منها.
معالجة النفاق
هناك طريقان لعلاج هذه الخطيئة الكبيرة:
الأول: التفكير في عاقبة النفاق والمفاسد التي تنتج عنه، فإن الإنسان إذا عرفه الناس منافقاً سقط من أعينهم، وفقد كرامته بين أصحابه، فيُبعد عن مجالسهم ويتخلف عن محافل أنسهم، ويقصر عن اكتساب الكمالات وبلوغ المقاصد. فعلى صاحب الضمير الحي أن يطهر نفسه من هذا العار الملطخ للشرف، لكيلا يبتلى بالذل. وكذلك في عالم الآخرة عالم كشف الأسرار. فهناك سيحشر مشوه الخلقة بلسانين من نار، ويعذب مع المنافقين والشياطين.
من عرف هذه النتيجة يجب أن يجتنب هذه الصفة ويسلك في المعالجة العملية.
الثاني: الأسلوب العملي لعلاج النفس، فإنه قد ثبت عبر التجربة والبراهين، أن النفس في هذه الدنيا تتفاعل مع ما يصدر عنها من أفعال وأقوال، صالحة أو طالحة، وكل ذلك يترك أثره فيها، فإن كان العمل صالحاً كان أثره نورانياً كمالياً، وإن لم يكن صالحاً كان أثره مظلماً انتقاصياً، حتى يصبح القلب كله نيّراً أو مظلماً، منخرطاً في سلك السعداء أو الأشقياء، فما دام الإنسان في هذه الدنيا فهو رهين عمله:﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾(الزلزله:7-8).
ويتحقق العلاج العملي بأن يراقب حركاته وسكناته بكل دقة لفترة من الوقت، ويعمد إلى العمل يما يخالف رغبات النفس وتمنياتها، ويجاهد في جعل أعماله وأقواله في الظاهر والباطن واحدة، ويبتعد عن التظاهر والتدليس في حياته العملية.
ويطلب من الله تعالى خلال ذلك التوفيق، والعون، فإن فضل الله تعالى على الناس ورحمته بهم لا نهاية لها، فيشمل برحمته كل من خطا نحو الإصلاح، ويمد يد الرحمة لإنقاذه.
فإذا ثابر على ذلك بعض الوقت، كان له أن يرجو لنفسه الصفاء والانعتاق من النفاق وحالة ذي الوجهين.
النفاق مع الله تعالى
إن من مراتب النفاق وذي اللسانين والوجهين النفاق مع الله تعالى، والتوجه إلى مالك الملوك وولي النعم بوجهين، وصفة التلون هذه تكون بحيث نقضي عمرنا ونحن نظهر التمسك بكلمة التوحيد، وندعي الإسلام والإيمان، بل المحبة والمحبوبية، وغير ذلك من الإدعاءات على قدر ما نشتهي ونحب. فإذا كان هذا الظاهر مطابقاً للباطن، واتفق العلن مع السر، فهنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم، وإن كان مثل كاتب هذه السطور الأسود الوجه القبيح المشوه الخلقة، فليعلم أنه من المنافقين وذوي الوجهين واللسانين، وعليه أن يبادر إلى علاج نفسه قبل فوات الأوان. وعندئذٍ لن تنفعنا نداءاتنا ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾(المؤمنون:99). فإننا سنجاب ب"كلا".
يا من تتظاهر بالإسلام، لقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه"4.
فلماذا نبذل كل جهدنا لأذية ضعاف الناس دون أن يوقفنا شيء عن ظلمهم والإجحاف بحقهم؟ ومن لم تطله يدنا، نتناوله باللسان لنجرح به في حضوره أو غيابه، فنهتك أسرارهم ونكشف عن مكنوناتهم، ونغتابهم ونلصق التهم بهم، إذاً فادعاؤنا نحن الذين لا يسلم المسلمون من أيدينا وألستنا للإسلام، مخالف للحقيقة.
يا من تدعي الإيمان وخضوع القلب في حضرة الله ذي الجلال، إذا كنت تؤمن بكلمة التوحيد ولا يعبد قلبك غير الواحد ولا يطلب غيره، ولا ترى الألوهية تستحق إلا لذاته المقدسة، وإذا كان ظاهرك وباطنك يتفقان فيما تدعي، فلماذا نجدك وقد خضع قلبك لأهل الدنيا كل هذا الخضوع؟ لماذا تعبدهم؟ أليس هذا لأنك ترى أن لهم تأثيراً في العالم وأن إرادتهم هي النافذة، وترى أن المال والقوة هما الطاقة المؤثرة والفاعلة؟ وأن ما لا ترى مؤثراً وفاعلاً في هذا العالم هو إرادة الحق؟ فتخضع لجميع الأسباب الطبيعية وتغفل عن المؤثر الحقيقي وعن مسبب جميع الأسباب، ومع كل ذلك تدعي الإيمان بكلمة التوحيد؟ إذن فأنت أيضاً خارج عن زمرة المؤمنين، وداخل في زمرة المنافقين ومحشور مع أصحاب اللسانين.
*الأخلاق من (الأربعون حديثاً)،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية،ط 2 ،2007م ،ص139-143
1- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب ذي اللسانين، حديث 1.
2- وسائل الشيعة، المجلد الثامن، الباب 143، من أبواب العِشرة، حديث 5.
3- أصول الكافي، المجلد الثامن، كتاب الإيمان والكفر، باب النميمة، حديث 2.والقتّات هو النمام.
4- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتبا الإيمان والكفر، باب المؤمن وعلاماته، حديث 12.