يتم التحميل...

من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام

جمادى الثانية

انْظُرُوا إلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا، الصَّادِفِينَ عَنْهَا، فَإِنَّهَا وَاللِّهِ عَمَّا قَلِيلٍ تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآمِنَ، لاَ يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ. سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ، وَجَلَدُ الرِّجَالِ فِيهَا إلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ، فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا، لِقلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا.

عدد الزوار: 62

نور الأسبوع: من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام


انْظُرُوا إلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا، الصَّادِفِينَ عَنْهَا، فَإِنَّهَا وَاللِّهِ عَمَّا قَلِيلٍ تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآمِنَ، لاَ يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ. سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ، وَجَلَدُ الرِّجَالِ فِيهَا إلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ، فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا، لِقلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا.

رَحِمَ اللَّهُ امَرأٌ تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، وَاعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ، فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الآخِرَةِ عَمَّا قَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ، وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ، وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ، وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ.

الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً ألَّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ، وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إلَى اللَّهِ لَعَبْداً وَكَلَهُ اللَّهُ إلَى نَفْسِهِ، جَائِزاً عَنْ قَصْدِ السِّبِيلِ، سَائِراً بَغَيْرِ دَلِيلٍ، إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا عَمِلَ، وَإِنْ دُعِىَ إِلَى حَرْثِ الآخِرَةِ كَسِلَ، كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ سَاقِطٌ عَنْهُ.

وَذلِكَ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ، إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ، وَإنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ. أُولئِكَ مَصَابِيحُ الهُدَى، وَأَعْلَامُ السُّرَى، لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ، وَلَا الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ، أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ، وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ.

أَيُّهَا النَّاسُ! سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الإِسْلَامُ كَمَا يُكْفَأُ الإِنَاءُ بِمَا فِيهِ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ، وَقَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ. (المؤمنون:30)

قال الشريف: أمّا قوله عليه السلام (كُلُّ مُؤمِنٍ نُوَمَةٍ) فإنما أراد به الخامل الذكر القليل الشر. والْمَسَايِيحُ: جمع مسياح وهو الذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم. وَالْمَذَايِيعُ: جمع مذياع: وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشةٍ أذاعها ونوَّهَ بها. وَالْبُذُرُ: جمع بذور: وهو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه.

أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلَا يَدَّعِي نُبُوَّةً وَلَا وَحْياً، فَقَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ، يَسُوقُهُمْ إِلَى مَنْجَاتِهِم، وَيُبَادِرُ بِهمْ السَّاعَةَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِم. يَحْسِرُ الْحَسِيرُ، وَيَقِفُ الْكَسِيرُ، فَيُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحِقَهُ غَايَتَهُ، إلَّا هَالِكاً لَا خَيْرَ فِيهِ، حَتَّى أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ، وَبَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ، فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ، وَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ. وَأيْمُ اللَّهِ! لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا، حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرَهَا، وَاسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا، مَا ضَعُفَتْ وَلَا جَبُنْتُ، وَلَا خُنْتُ وَلَا وَهَنْتُ، وَأَيَمُ اللَّهِ! لأَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ، حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

2012-04-26