سبيل الرشاد في وصية أمير العباد
مواعظ حسنة
(طريق الآخرة): فإني أوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله. وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به ؟ أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوه باليقين، ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء
عدد الزوار: 102
(طريق الآخرة): فإني أوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله. وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به ؟ أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوه باليقين، ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء (اجعله يقر ويعتقد بالفناء)، وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلوا ونزلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم. فاصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك. ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلف. وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال.
(سلوكيات رسالية) وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك (اجتنب فاعل المنكر). وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم. وخض الغمرات (الشدائد) للحق حيث كان.
(العلاقة بالله والدين) وتفقه في الدين، وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر. وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز. وأخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة وتفهم وصيتي ولا تذهبن عنها صفحا فإن خير القول ما نفع. واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه.
(استدراك) أي بني إني لما رأيتني قد بلغت سنا، ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، وأن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا، فتكون كالصعب النفور. وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شئ قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم. بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله (افضله واحسنه) وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نية سليمة ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله، وشرائع الاسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره. ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة. ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك، وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيتي هذه.
(ما يحب له) واعلم يا بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك، والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك، والصالحون من أهل بيتك، فإنهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والامساك عما لم يكلفوا. فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم، لا بتورط الشبهات وعلو الخصومات. وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك والرغبة إليه في توفيقك وترك كل شائبة أولجتك في شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة. فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك. وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك، وفراغ نظرك وفكرك فاعلم أنك إنما تخبط العشواء، وتتورط الظلماء. وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والإمساك عن ذلك أمثل فتفهم يا بني وصيتي.
(الحياة والموت بيد الله) واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء، والابتلاء، والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم، فإن أشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت، خلقت جاهلا ثم علمت. وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك، ثم تبصره بعد ذلك. فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك، وليكن له تعبدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك.
(حال النبي) واعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن الله كما أنبأ عنه الرسول (صلى الله عليه وآله)، فارض به رائدا، وإلى النجاة قائدا، فإني لم آلك نصيحة. وإنك لم تبلغ في النظر لنفسك وإن اجتهدت مبلغ نظري لك.
(وحدانية الله) واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه. لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبدا. ولم يزل أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره، وقلة مقدرته، وكثرة عجزه، وعظيم حاجته إلى ربه في طلب طاعتك، والرهبة من عقوبته، والشفقة من سخطه. فإنه لم يأمرك إلا بحسن ولم ينهك إلا عن قبيح.
(الدنيا وحال اهلها) يا بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وزوالها وانتقالها، وأنبأتك عن الآخرة وما أعد لأهلها فيها، وضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر بها وتحذو عليها. إنما مثل من خبر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب فأموا منزلا خصيبا وجنابا مريعا، فاحتملوا وعثاء الطريق وفراق الصديق، وخشونة السفر، وجشوبة المطعم ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشئ من ذلك ألما، ولا يرون نفقة مغرما، ولا شئ، أحب إليهم مما قربهم من منزلهم، وأدناهم من محلهم ومثل من اغتر بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جديب، فليس شئ أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه.
(العلاقة مع الناس) يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك. واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وأرض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك.
(نواهي وتعليم) ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك واعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب. فاسع في كدحك ولا تكن خازنا لغيرك. وإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك واعلم أن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة ومشقة شديدة. وأنه لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد. قدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر. فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقل ذلك وبالا عليك. وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله إياه. وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده. واغتنم من استقرضك في حال غناك ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك واعلم أن أمامك عقبة كؤودا (شديدة)، المخف فيها أحسن حالا من المثقل، والمبطئ عليها أقبح حالا من المسرع، وأن مهبطك بها لا محالة على جنة أو على نار. فارتد لنفسك قبل نزولك ووطئ المنزل قبل حلولك، فليس بعد الموت مستعتب، ولا إلى الدنيا منصرف.
(الدعاء وأسباب عدم الإجابة) واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يعيرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة. بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك واحدة، وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب. فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته علم نجواك فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطاء غيره من زيادة الاعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزاق. ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنطنك إبطاء إجابته فإن العطية على قدر النية. وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل. وربما سألت الشئ فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك. فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له.
(خلق الإنسان للآخرة) واعلم أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة، وأنك في منزل قلعة ودار بلغة، وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا بد أنه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.
(ذكر الموت وحال طالبي الدنيا) يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك، وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك. وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها، وتكالبهم عليها، فقد نبأك الله عنها، ونعت لك نفسها، وتكشفت لك عن مساويها، فإنما أهلها كلاب عاوية، وسباع ضارية، يهر ببعضها بعضا، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها. نعم معقلة، وأخرى مهملة قد أضلت عقولها وركبت مجهولها، سروح عاهة بواد وعث. ليس لها راع يقيمها، ولا مقيم يسيمها. سلكت بهم الدنيا طريق العمى، وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها، وغرقوا في نعمتها، واتخذوها ربا فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها رويدا يسفر الظلام. كأن قد وردت الأظعان. يوشك من أسرع أن يلحق.
(إخبارات) واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان واقفا، ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا واعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل من كان قبلك. فخفض في الطلب، وأجمل في المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب. فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم. وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا. وما خير خير لا ينال إلا بشر، ويسر لا ينال إلا بعسر وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة. وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل. فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك. وإن اليسير من الله سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء. وحفظ ما في يديك أحب إلى من طلب ما في يد غيرك. ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس. والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور. والمرء أحفظ لسره. ورب ساع فيما يضره، من أكثر أهجر. ومن تفكر أبصر. قارن أهل الخير تكن منهم. وباين أهل الشر تبن عنهم. بئس الطعام الحرام. وظلم الضعيف أفحش الظلم. إذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا. ربما كان الدواء داء والداء دواء. وربما نصح غير الناصح وغش المستنصح. وإياك واتكالك على المنى فإنها بضائع الموتى، والعقل حفظ التجارب. وخير ما جريت ما وعظك. بادر الفرصة قبل أن تكون غصة. ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب. ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد. ولكل أمر عاقبة. سوف يأتيك ما قدر لك. التاجر مخاطر. ورب يسير أنمى من كثير. لا خير في معين مهين ولا في صديق ظنين. ساهل الدهر ما ذل لك قعوده. ولا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه. وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج. أحمل نفسك من أخيك عند صرمه على، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر حتى كأنك له عبد وكأنه ذو نعمة عليك. وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه أو أن تفعله بغير أهله. لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك. وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة. وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة. ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك. وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية ترجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما.
(أداب إسلامية) ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه. ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه. ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك. ولا ترغبن فيمن زهد فيك. ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته ولا تكونن على الإساءة أقوى منك على الاحسان، ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك. وليس جزاء من سرك أن تسوءه.
(حال الرزق) واعلم يا بني أن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى ؟ إن لك من دنياك ما أصلحت به مثواك. وإن جزعت على ما تفلت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك.
(الإنتفاع بالعظة) استدل على ما لم يكن بما قد كان. فإن الأمور أشباه. ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا بالغت في إيلامه، فإن العاقل يتعظ بالآداب والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب.
(إرشادات) اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين. من ترك القصد جار والصاحب مناسب والصديق من صدق غيبه والهوى شريك العناء رب قريب أبعد من بعيد، ورب بعيد أقرب من قريب. والغريب من لم يكن له حبيب. من تعدى الحق ضاق مذهبه. ومن اقتصر على قدره كان أبقى له. وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله. ومن لم يبالك فهو عدوك قد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلاكا. ليس كل عورة تظهر ولا كل فرصة تصاب. وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده. أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته. وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. من أمن الزمان خانه، ومن أعظمه أهانه. ليس كل من رمى أصاب. إذا تغير السلطان تغير الزمان.
(إسأل واحذر) سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار. إياك أن تذكر في الكلام ما يكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك. وإياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن. واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فإن شدة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وإن اسطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها. وإياك والتغاير في غير موضع غيرة فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم والبريئة إلى الريب.
(توزيع العمل بين الخدم وإكرام العشيرة) واجعل لكل إنسان من خدمك عملا تأخذه به فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك. وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول. أستودع الله دينك ودنياك. وأساله خير القضاء لك في العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة. والسلام.1
1- نهج البلاغة، طبعة دا الذخائر ج3 ص :30-50.
2013-05-31