النبي عيسى عليه السلام وقصّة الغلام الفقير
نبي الله عيسى(ع)
وروي ان عيسى عليه السلام جمع بعض الحواريين في بعض سياحته، فمروا على بلد، فلما قربوا منه وجدوا كنزا على الطريق، فقال من معه: إئذن لنا يا روح الله ان نقيم هاهنا ونحوز هذا الكنز لئلا يضيع؟ فقال لهم أقيموا هاهنا وانا ادخل البلد ولي كنزا اطلبه...
عدد الزوار: 495
وروي ان عيسى عليه السلام جمع بعض الحواريين في بعض سياحته، فمروا على بلد، فلما قربوا منه وجدوا كنزا على الطريق، فقال من معه: إئذن لنا يا روح الله ان نقيم هاهنا ونحوز هذا الكنز لئلا يضيع؟ فقال لهم أقيموا هاهنا وانا ادخل البلد ولي كنزا اطلبه: فلما دخل البلد وجال فيه، رأى دارا خربة فدخلها، فوجد فيها عجوزا فقال لها: انا ضيفك في هذه الليلة وهل في الدار أحد غيرك، قالت نعم لي ابن صغير مات أبوه وبقي يتيما في حجري وهو يذهب إلى الصحارى ويجمع الشوك ويبيعه ونتعيش به. فلما جاء ولدها قالت له بعث الله لنا في هذه الليلة ضيفا صالحا تسطع من جبينه أنوار الهدى والصلاح، فاغتنم خدمته وصحبته، فدخل الابن على عيسى عليه السلام وأكرمه. فلما كان في بعض الليل سأل عيسى عليه السلام الغلام عن حاله ومعيشته وغيرها وتفرس فيه آثار العقل والاستعداد للترقي على مدارج الكمال، لكن وجد فيه ان قلبه مشغول بهم عظيم، فقال: يا غلام أرى قلبك مشغولا بهم عظيم فأخبرني لعله يكون عندي دواء دائك.
فلما بالغ عيسى عليه السلام قال نعم في قلبي هم لا يقدر على دوائه إلا الله تعالى فقال اخبرني به لعل الله يلهمني ما يزيله عنك، فقال الغلام: اني كنت يوما احمل الشوك إلى البلد، فمررت بقصر ابنة الملك فنظرت إلى القصر فوقع نظري عليها فدخل حبها شغاف قلبي وهو يزداد كل يوم ولا أرى لذلك دواء إلا الموت، فقال عيسى عليه السلام إن كنت تريدها انا احتال حتى تتزوجها. فجاء الغلام إلى أمه وأخبرها بقوله فقالت أمه يا ولدي اني لا أظن أن هذا الرجل يعد بشئ لا يمكنه الوفاء به فاسمع له وأطعه في كل ما يقول. فلما أصبحوا قال عيسى عليه السلام للغلام اذهب إلى باب الملك فإذا اتى خواص الملك ليدخلوا عليه، قل لهم أبلغوا الملك عني اني جئته خاطبا كريمته ثم ائتيني وأخبرني بما جرى بينك بين الملك. فأتى الغلام باب الملك، فلما قال ذلك لخاصته ضحكوا وتعجبوا من قوله ودخلوا على الملك وأخبروه بما قال الغلام مستهزئين به، فاستحضره الملك.
فلما دخل على الملك وخطب ابنته قال الملك مستهزءا به لا أعطيك ابنتي إلا ان تأتيني من اللئالي واليواقيت والجواهر كذا وكذا ووصف له ما لا يوجد في خزانة ملك من ملوك الدنيا، فقال الغلام انا اذهب وآتيك بجواب هذا الكلام فرجع إلى عيسى عليه السلام فأخبره بما جرى فذهب به عيسى عليه السلام إلى خربة فيها أحجار ومدر كبار فدعا الله تعالى فصيرها كلها من جنس ما طلب الملك وأحسن منها فقال يا غلام خذ منها ما تريد واذهب به إلى الملك فلما اتى الملك بها تحير الملك وأهل مجلسه في امره وقالوا لا يكفينا هذا فرجع إلى عيسى عليه السلام فأخبره فقال اذهب إلى الخربة وخذ منها ما تريد واذهب بها إليهم فلما رجع بأضعاف ما اتى به أولا زادت حيرتهم وقال الملك ان لهذا شأنا غريبا فخلا بالغلام واستخبره عن الحال فأخبره بكل ما جرى بينه وبين عيسى وما كان من عشقه لابنته فعلم الملك ان الضيف هو عيسى عليه السلام فقال قل لضيفك يأتيني ويزوجك ابنتي، فحضر عيسى عليه السلام وزوجها منه وبعث الملك ثيابا فاخرة إلى الغلام فألبسها إياه وجمع بينه وبين ابنته تلك الليلة فلما أصبح طلب الغلام وكلمه فوجده عاقلا فهما فلم يكن للملك ولد غير هذه الابنة فجعله الملك ولي عهده ووارث ملكه وامر خواصه وأعيان مملكته ببيعته وطاعته، فلما كانت الليلة الثانية مات الملك فأجلسوا الغلام على سرير الملك وأطاعوه وسلموا إليه خزائنه فأتاه عيسى عليه السلام في اليوم الثالث ليودعه فقال الغلام أيها الحكيم ان لك علي حقوقا لا أقوم بشكر واحد منها ولكن عرض في قلبي البارحة امر لو لم تجبني عنه لم انتفع بشئ مما حصلتها لي.
فقال وما هو ؟ قال الغلام انك قدرت على أن تنقلني من تلك الحالة الخسيسة إلى تلك الدرجة الرفيعة في يومين فلم لا تفعل هذا بنفسك وأراك في تلك الحالة ؟ فلما أحفى في السؤال قال له عيسى ان العالم بالله وبدار ثوابه وكرامته والبصير بفناء الدنيا وخستها لا يرغب إلى هذا الملك الزائل وان لنا في قربه تعالى ومعرفته ومحبته لذات روحانية لا تعد تلك اللذات الفانية عندها شيئا فلما أخبر بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الآخرة ودرجاتها. قال الغلام فلي عليك حجة أخرى لم اخترت لنفسك ما هو أولى وأحرى وأوقعتني في هذه البلية الكبرى فقال عيسى عليه السلام انما اخترت لك ذلك لأمتحنك في عقلك وذكائك وليكون لك الثواب في ترك هذه الأمور الميسرة لك أكثر وأوفى وتكون حجة على غيرك. فترك الغلام الملك ولبس أثوابه البالية وتبع عيسى عليه السلام .
* قصص الأنبياء / الجزائري ص287_280.
2012-01-17