سلمان وإسلامه في شرح ابن أبي الحديد
وفاة سلمان المحمدي(رض)
سلمان الفارسي رجل من فارس من رامهرمز، وقيل: بل من أصبهان، من قرية يقال لها جي، وهو معدود من موالي رسول الله صلى الله عليه وآله، وكنيته أبو عبد الله، وكان إذا قيل: ابن من أنت؟ يقول: أنا سلمان، ابن الاسلام، أنا من بني آدم.
عدد الزوار: 171
سلمان الفارسي رجل من فارس من رامهرمز، وقيل: بل من أصبهان، من قرية يقال لها جي، وهو معدود من موالي رسول الله صلى الله عليه وآله، وكنيته أبو عبد الله، وكان إذا قيل: ابن من أنت؟ يقول: أنا سلمان، ابن الاسلام، أنا من بني آدم. وقد روى أنه قد تداوله أرباب كثيرة، بضعة عشر ربا، من واحد إلى آخر حتى أفضى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. وروى أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الاستيعاب " أن سلمان أتى رسول الله صلى الله عليه وآله بصدقة، فقال: هذه صدقه عليك وعلى أصحابك، فلم يقبلها، وقال: إنه لا تحل لنا الصدقة، فرفعها، ثم جاء من الغد بمثلها وقال: هدية هذه، فقال لأصحابه: كلوا. واشتراه من أربابه، وهم قوم يهود بدراهم، على أن يغرس لهم من النخيل كذا وكذا، ويعمل فيها حتى تدرك، فغرس رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك النخل كله بيده إلا نخلة واحده غرسها عمر بن الخطاب، فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من غرسها "؟ قيل: عمر، فقلعها وغرسها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فأطعمت. قال أبو عمر: وكان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن ويبيعه ويأكل منه ويقول لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي، وكان قد تعلم سف الخوص من المدينة. وأول مشاهده الخندق، وهو الذي أشار بحفره، فقال أبو سفيان وأصحابه لما رأوه: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. قال أبو عمر: وقد روى أن سلمان شهد بدر واحدا، وهو عبد يومئذ، والأكثر أن أول مشاهده الخندق، ولم يفته بعد ذلك مشهد. قال: وكان سلمان خيرا، فاضلا، حبرا، عالما، زاهدا، متقشفا. قال: وذكر هشام بن حسان عن الحسن البصري، قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به، ويأكل من عمل يده، وكانت له عباءة يفرش بعضها ويلبس بعضها. قال: وقد ذكر ابن وهب وابن نافع أن سلمان لم يكن له بيت، إنما كان يستظل بالجدر والشجر، وإن رجلا قال له: ألا أبني لك بيتا تسكن فيه؟ قال: لا حاجة لي في ذلك فما زال به الرجل حتى قال له: أنا أعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه، وإن أنت مددت فيه رجليك أصابهما الجدار؟ قال: نعم، فبنى له. قال أبو عمر: وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله من وجوه أنه قال: " لو كان الدين في الثريا لناله سلمان "، وفى رواية أخرى " لناله رجل من فارس ". قال: وقد روينا عن عائشة قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وآله ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: " وقد روى من حديث ابن بريدة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " أمرني ربى بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان ". قال: وروى قتادة عن أبي هريرة، قال: " سلمان صاحب الكتابين " يعنى الإنجيل والقرآن. وقد روى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي عليه السلام أنه سئل عن سلمان فقال: علم العلم الأول، والعلم الاخر، ذاك بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت. قال: وفى رواية زاذان، عن علي عليه السلام: سلمان الفارسي كلقمان الحكيم. قال: وقال فيه كعب الأحبار: سلمان حشي علما وحكمة. قال: وفى الحديث المروى أن أبا سفيان مر على سلمان وصهيب وبلال في نفر من المسلمين فقالوا: ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذها - وأبو سفيان يسمع قولهم - فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ! وأتى النبي صلى الله عليه وآله وأخبره فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم ! لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله، فأتاهم أبو بكر، فقال أبو بكر: يا إخوتاه، لعلي أغضبتكم ! قالوا: لا يا أبا بكر، يغفر الله لك. قال: وآخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينه وبين أبى الدرداء لما آخى بين المسلمين. قال: ولسلمان فضائل جمة، وأخبار حسان، وتوفى في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين، وقيل: توفى في أول سنة ست وثلاثين. وقال قوم: توفى في خلافة عمر، والأول أكثر. وأما حديث إسلام سلمان فقد ذكره كثير من المحدثين ورووه عنه، قال: كنت ابن دهقان قرية جي من أصبهان، وبلغ من حب أبى لي أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية، فاجتهدت في المجوسية حتى صرت قطن بيت النار، فأرسلني أبى يوما إلى ضيعة له، فمررت بكنيسة النصارى، فدخلت عليهم، فأعجبتني صلاتهم، فقلت: دين هؤلاء خير من ديني، فسألتهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، فهربت من والدي حتى قدمت الشام، فدخلت على الأسقف فجعلت أخدمه وأتعلم منه، حتى حضرته الوفاة، فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: قد هلك الناس وتركوا دينهم إلا رجلا بالموصل فالحق به، فلما قضى نحبه لحقت بذلك الرجل فلم يلبث إلا قليلا حتى حضرته الوفاة، فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: ما أعلم رجلا بقي على الطريقة المستقيمة إلا رجلا بنصيبين، فلحقت بصاحب نصيبين. قالوا: وتلك الصومعة اليوم باقية، وهي التي تعبد فيها سلمان قبل الاسلام، قال: ثم احتضر صاحب نصيبين، فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم، فأتيته وأقمت عنده، واكتسبت بقيرات وغنيمات، فلما نزل به الموت قلت له: بمن توصي بي؟ فقال: قد ترك الناس دينهم، وما بقي أحد منهم على الحق، وقد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين، لها نخل، قلت: فما علامته؟ قال: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، قال: ومر بي ركب من كلب، فخرجت معهم، فلما بلغوا بي وادي القرى ظلموني وباعوني من يهودي، فكنت أعمل له في زرعه ونخله، فبينا أنا عنده إذ قدم ابن عم له، فابتاعني منه، وحملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها، وبعث الله محمدا بمكة، ولا أعلم بشئ من أمره، فبينا أنا في رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لسيدي، فقال: قاتل الله بني قيلة، قد اجتمعوا على رجل بقباء قدم عليهم من مكة، يزعمون أنه نبي، قال: فأخذني القر والانتفاض، ونزلت عن النخلة، وجعلت أستقصي في السؤال، فما كلمني سيدي بكلمة، بل قال: أقبل على شأنك، ودع مالا يعنيك. فلما أمسيت أخذت شيئا كان عندي من التمر، وأتيت به النبي صلى الله عليه وآله فقلت له: بلغني أنك رجل صالح، وأن لك أصحابا غرباء ذوي حاجة، وهذا شئ عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، فقال عليه السلام لأصحابه: كلوا، وأمسك فلم يأكل، فقلت في نفسي: هذه واحدة وانصرفت، فلما كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي وأتيته به، فقلت له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية، فقال: كلوا وأكل معهم، فقلت إنه لهو، فأكببت عليه أقبله وأبكى، فقال: مالك؟ فقصصت عليه القصة فأعجبه، ثم قال: يا سلمان، كاتب صاحبك، فكاتبته على ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصار: " أعينوا أخاكم "، فأعانوني بالنخل حتى جمعت ثلاثمائة ودية، فوضعها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده، فصحت كلها، وأتاه مال من بعض المغازي، فأعطاني منه، وقال: أد كتابتك، فأديت وعتقت. وكان سلمان من شيعة علي عليه السلام وخاصته، وتزعم الامامية إنه أحد الأربعة الذين حلقوا رؤوسهم وأتوه متقلدي سيوفهم في خبر يطول، وليس هذا موضع ذكره وأصحابنا لا يخالفونهم في أن سلمان كان من الشيعة، وإنما يخالفونهم في أمر أزيد من ذلك، وما يذكره المحدثون من قوله للمسلمين يوم السقيفة: كرديد ونكرديد محمول عند أصحابنا على أن المراد صنعتم شيئا وما صنعتم، أي استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم، إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت،، فلو كان الخليفة منهم كان أولى والامامية تقول: معناه: " أسلمتم وما أسلمتم واللفظة المذكورة في الفارسية لا تعطى هذا المعنى، وإنما تدل على الفعل والعمل لا غير، ويدل على صحة قول أصحابنا أن سلمان عمل لعمر على المدائن، فلو كان ما تنسبه الامامية إليه حقا لم يعمل له. فأما ألفاظ الفصل ومعانيه فظاهرة، ومما يناسب مضمونه قول بعض الحكماء: تعز عن الشئ إذا منعته، بقلة صحبته لك إذا أعطيته. وكان يقال: الهالك على الدنيا رجلان: رجل نافس في عزها، ورجل أنف من ذلها.
ومر بعض الزهاد بباب دار وأهلها يبكون ميتا لهم، فقال: واعجبا لقوم مسافرين ! يبكون مسافرا قد بلغ منزله ! وكان يقال: يا بن آدم، لا تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت، ولا تفرح بموجود لا يتركه عليك الموت.
لقي عالم من العلماء راهبا فقال: أيها الراهب، كيف ترى الدنيا؟ قال: تخلق الأبدان، وتجدد الآمال، وتباعد الأمنية، وتقرب المنية، قال: فما حال أهلها؟ قال: من ظفر بها نصب، ومن فاتته أسف، قال: فكيف الغنى عنها؟ قال: بقطع الرجاء منها، قال: فأي الأصحاب أبر وأوفى؟ قال: العمل الصالح، قال: فأيهم أضر وأنكى؟ قال: النفس والهوى، قال: فكيف المخرج؟ قال: في سلوك المنهج، قال: وبماذا أسلكه؟ قال: بأن تخلع لباس الشهوات الفانية، وتعمل للدار الباقية.
* شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 18 - ص 34 - 40
2011-12-30