سكرات الموت وما يهوّنها
مواعظ حسنة
وهذه العقبة صعبة جداً وانّ شدائدها وصعوباتها تحيط بالمحتضر من جميع الجهات.. فمن جهة تواجهه شدة المرض، وشدة الوجع، واعتقال اللسان، وذهاب القوة من الجسم..ومن جهة اُخرى يواجه بكاء الأهل والعيال، ووداعهم له، وغَمَّ يُتم وغربة أطفاله..
عدد الزوار: 115
﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾. 1
وهذه العقبة صعبة جداً وانّ شدائدها وصعوباتها تحيط بالمحتضر من جميع الجهات..
فمن جهة تواجهه شدة المرض، وشدة الوجع، واعتقال اللسان، وذهاب القوة من الجسم..
ومن جهة اُخرى يواجه بكاء الأهل والعيال، ووداعهم له، وغَمَّ يُتم وغربة أطفاله..
ومن جهة اُخرى يواجه غمَّ مفارقته لماله ومنزله وأملاكه ومدّخراته وأشيائه النفيسة التي صرف عمره العزيز من أجل تحصيل المزيد منها، بل ان أكثر ما عنده عائد للآخرين وقد تملّكه منهم بالظلم والغصب.. وكم تعلقت من الحقوق الشرعية بأمواله ولم يؤدها.. وهو الآن في تلك الحالة ينتبه الى ما اتلفته وخربته أعماله بعدما انقضى الأمر وانسدّ طريق اصلاحه. فكان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "يتذكر أمولاً جمعها اغمض في مطالبها وأخذها من مُصرَّحاتها، ومشتبهاتها قد لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها تبقى لمن وراءه ينعمون بها فيكون المهنأ لغيره والعبءُ على ظهره". 2
ومن جهة اُخرى فهو يواجه هول قدومه على نشأة اُخرى هي غير هذه النشأة.
ثمَّ انّ عينيه تريان أشياءاً لم ترها قبل ذلك: ﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾. 3
فيرى رسول الله وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حاضرين عنده ليحكموا فيه وانّه يترقب ايّ حكم يحكمون به، وأي شيء سوف يوصون به ؟
ومن جهة اُخرى قد اجتمع ابليس واعوانه ليوقعوه في الشك، وهم يحاولون جاهدين أن يسلبوا إيمانه ليخرج من الدنيا بلا إيمان.
ومن جهة اُخرى يعاني من هول حضور ملك الموت، وبأي صورة وهيئة سوف يجيئه به، وبأي نحو سوف يقبض روحه. الى غير ذلك..
قال أمير المؤمين عليه السلام: "فاجتمعت عليه سكرات الموت، فغير موصوف ما نزل به".
وروى الشيخ الكليني عن الامام الصادق عليه السلام: "أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه اشتكى عينيه، فعاده رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا هو يصيح فقال النبي صلى الله عليه وآله: أجزعاً أم وجعاً ؟ فقال عليه السلام: يا رسول الله ما وجعت وجعاً قط أشدّ منه. فقال صلى الله عليه وآله: يا علي انّ ملك الموت اذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود من نار فينزع روحه به فتصيح جهنم. فاستوى علي عليه السلام جالساً فقال: يا رسول الله أعد عليَّ حديثك فقد أنساني وجعي ما قُلت.
ثمّ قال: هل يصيب ذلك أحداً من امتك ؟
قال: نعم حاكم جائر، وآكل مال اليتيم ظلماً، وشاهد زور". 4
وأما الأشياء التي تهوِّن سكرات الموت
صلة الرحم:
عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: "مَن أحبَّ أن يخفف الله عز وجلّ عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك هوَّن الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقرٌ أبداً"..
برّ الوالدين:
روي: "انّ رسول الله صلى الله عليه وآله حضر شاباً عند وفاته فقال له: قل لا إله إلاّ الله".
قال: فاعتقل لسانه مراراً.
فقال لامرأةٍ عند رأسه: هل لهذا امّ ؟
قالت: نعم أنا امّه.
قال صلى الله عليه وآله: أفساخِطةٌ أنت عليه؟
قالت: نعم ما كَلَّمتُهُ مُنذُ ستّة حجج.
قال صلى الله عليه وآله لها: ارضي عنه.
قالت: رضي الله عنه يا رسول الله برضاك عنه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: قل لا إله إلاّ الله.
قال: فقالها. فقال له النبي صلى الله عليه وآله ما ترى؟
قال: أرى رجلاً أسود الوجه قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح قد وليني الساعة، وأخذ بكَظمَيَّ.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله قل: يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل مِنّي اليسير واعف عنِّي الكثير انَّك الغفور الرحيم.
فقالها الشاب. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: انظر ماذا ترى؟
قال: أرى رجلاً أبيض اللون حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب قد وليني، وأرى الأسود قد تولى عنّي.
فقال له: اعد، فأعاد. فقال له: ما ترى ؟
قال: لست أرى الأسود، وأرى الابيض قد وليني.
ثمّ طفي على تلك الحال.
كسي المؤمن:
وروي أيضاً عن الامام الصادق عليه السلام: "مَن كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنّة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت وأن يوسع عليه في قبره".
اطعام المؤمن الحلوى:
وروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "من اطعم أخاه حلاوة أذهب الله عنه مرارة الموت".
ومِنَ الامور الاُخرى التي تنفع في تعجيل راحة المحتضر قراءة سورة يس والصافات وكلمات الفرج عنده.
وروى الشيخ الصدوق عن الامام الصادق عليه السلام: "مَن صام يوماً من آخر هذا الشهر ( شهر رجب ) كان ذلك أماناً من شدة سكرات الموت، وأماناً له من هول المطلع وعذاب القبر".
واعلم انّ لصيام أربعة وعشرين يوماً من رجب ثواب عظيم فمن جملته: "ومَن صامِ مِن رجب أربعةً وعشرين يوماً فإذا نزل به من ملك الموت تراءى له في صورة شاب عليه حلّة من ديباج أخضر على فرس من أفراس الجنان وبيده حرير أخضر ممسّك بالمسك الاذفر وبيده قدح من ذهب مملوء من شراب الجنان، فسقاه عند خروج نفسه، يهوّن به عليه سكرات الموت ثمّ يأخذ روحه في تلك الحرير فتفوح منها رائحة يستنشقها أهل سبع سماوات فيظل في قبره ريّان حتّى يرد حوض النبي صلى الله عليه وآله".
وقد روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "مَن صلى الليلة السابعة من رجب أربع ركعات بالحمد مرّة وقل هو الله أحد ثلاث مرّات، وقل اعوذ برب الفلق، وقل اعوذ برب الناس، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله عند الفراغ عشر مرّات، ويقول الباقيات الصالحات (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر) عشر مرّات، اظله الله تحت ظلّ عرشه ويعطيه ثواب مَن صام شهر رمضان واستغفرت له الملائكة حتّى يفرغ من هذه الصلاة ويسهّل عليه النزع وضغطة القبر ولا يخرج من الدنيا حتّى يرى مكانه في الجنّة وآمنه الله من الفزع الأكبر". 5
1- سورة ق: الآية 19.
2- نهج البلاغة.
3- سورة ق: الآية 22.
4- منازل الأخرة / المحدّث عباس القمي / 118.
5- منازل الأخرة / المحدّث عباس القمي / 120_124.