يتم التحميل...

الغضب والراجح منه

مواعظ حسنة

و هو كيفية نفسانية موجبة لحركة الروح من الداخل الى الخارج للغلبة، ومبدؤه شهوة الانتقام، وهو من جانب الافراط، واذا اشتد يوجب حركة عنيفة، يمتلى‏ء لاجلها الدماغ والاعصاب من الدخان المظلم، فيستر نور العقل ويضعف فعله، ولذا لا يؤثر فى صاحبه الوعظ والنصيحة،

عدد الزوار: 119

و هو كيفية نفسانية موجبة لحركة الروح من الداخل الى الخارج للغلبة، ومبدؤه شهوة الانتقام، وهو من جانب الافراط، واذا اشتد يوجب حركة عنيفة، يمتلى‏ء لاجلها الدماغ والاعصاب من الدخان المظلم، فيستر نور العقل ويضعف فعله، ولذا لا يؤثر فى صاحبه الوعظ والنصيحة، بل تزيده الموعظة غلظة وشدة. قال بعض علماء الاخلاق: "الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة، الا انها لا تطلع الا على الافئدة، وانها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، وتستخرجها حمية الدين من قلوب المؤمنين، او حمية الجاهلية والكبر الدفين من قلوب الجبارين، التي لها عرق الى الشيطان اللعين، حيث قال: "خلقتني من نار وخلقته من طين". فمن شان الطين السكون والوقار، ومن شان النار التلظي والاستعار".

ثم قوة الغضب تتوجه عند ثورانها اما الى دفع المؤذيات ان كان قبل وقوعها او الى التشفي والانتقام ان كان بعد وقوعها، فشهوتها الى احد هذين الامرين ولذتها فيه، ولا تسكن الا به. فان صدر الغضب على من يقدر ان ينتقم منه، واستشعر باقتداره على الانتقام، انبسط الدم من الباطن الى الظاهر، واحمر اللون، وهو الغضب الحقيقي. وان صدر على من لا يتمكن ان ينتقم منه لكونه فوقه، واستشعر بالياس عن الانتقام. انقبض الدم من الظاهر الى الباطن، وصار حزنا. وان صدر على من يشك في الانتقام منه انبسط الدم تارة او انقبض اخرى، فيحمر ويصفر ويضطرب.

الافراط والتفريط والاعتدال في قوة الغضب

الناس في هذه القوة على افراط وتفريط واعتدال. فالافراط: ان تغلب هذه الصفة حتى يخرج عن طاعة العقل والشرع وسياستهما، ولا تبقى له فكرة وبصيرة. والتفريط: ان يفقد هذه القوة او تضعف بحيث لا يغضب عما ينبغي الغضب عليه شرعا وعقلا. والاعتدال: ان يصدر غضبه فيما ينبغي ولا يصدر في ما لا ينبغي، بحيث ‏يخرج عن سياسة الشرع والعقل، بل يكون تابعا لهما في الغضب وعدمه، فيكون غضبه وانتقامه بامرهما. ولا ريب في ان الاعتدال ليس مذموما، ولا معدودا من الغضب، بل هو من الشجاعة.

و التفريط مذموم معدود من الجبن والمهانة، وربما كان اخبث من الغضب، اذ الفاقد لهذه القوة لا حمية له، وهو ناقص جدا. ومن آثاره عدم الغيرة على الحرم وصغر النفس. والجور، وتحمل الذل من الاخساء، والمداهنة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والفحشاء. ولذا قيل: "من استغضب فلم يغضب فهو حمار". وقد وصف الله خيار الصحابة بالحمية والشدة، فقال: "اشداء على الكفار".

و خاطب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "و اغلظ عليهم". والشدة والغلظة من آثار قوة الغضب، ففقد هذه القوة بالكلية او ضعفها مذموم.

و قد ظهر ان الغضب المعدود من الرذائل هو حد الافراط الذي يخرجه عن مقتضى العقل والدين، وحد التفريط وان كان رذيلة الا انه ليس غضبا، بل هو ضد له معدود من الجبن، وحد الاعتدال فضيلة وضد له ومعدود من الشجاعة.

ثم الناس كما هم مختلفون في اصل قوة الغضب، كذلك مختلفون في حدوثه وزواله سرعة وبطا، فيكونان في بعضهم سريعين، وفي بعضهم بطيئين وفي بعضهم يكون احدهما سريعا والآخر بطيئا، وفي بعضهم يكون كلاهما او احدهما متوسطا بين السرعة والبط‏ء. وما كان من ذلك باشارة العقل فهو ممدوح معدود من اوصاف الشجاعة، وغير مذموم محسوب من آثار الغضب او الجبن.

والغضب من المهلكات العظيمة، وربما ادى الى الشقاوة الابدية، من القتل والقطع، ولذا قيل: انه جنون دفعى. قال امير المؤمنين عليه السلام: "الحدة ضرب من الجنون، لان صاحبها يندم، فان لم يندم فجنونه مستحكم" وربما ادى الى اختناق الحرارة، ويورث الموت فجاة. وقال بعض الحكماء: "السفينة التي وقعت في اللجج الغامرة، واضطربت‏ بالرياح العاصفة وغشيتها الامواج الهائلة ارجى الى الخلاص من الغضبان الملتهب". وقد ورد به الذم الشديد في الاخبار، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل"، وقال الباقر عليه السلام، ان هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم، وان احدكم اذا غضب احمرت عيناه وانتفخت اوداجه ودخل الشيطان فيه، فاذا خاف احدكم ذلك من نفسه فليلزم الارض، فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك". وقال الصادق عليه السلام: "و كان ابي عليه السلام يقول: اي شي‏ء اشد من الغضب؟ ان الرجل يغضب فيقتل النفس التي حرم الله، ويقذف المحصنة" وقال عليه السلام: "ان الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار". وقال الصادق عليه السلام: "الغضب مفتاح كل شر". وقال عليه السلام: "الغضب ممحقة لقلب الحكيم". وقال عليه السلام: "من لم يملك غضبه لم يملك عقله".

ثم مما يلزم الغضب من الآثار المهلكة الذميمة، والاغراض المضرة القبيحة: انطلاق اللسان بالشتم والسب، واظهار السوء والشماتة بالمساءة وافشاء الاسرار وهتك الاستار والسخرية والاستهزاء، وغير ذلك من قبيح الكلام الذي يستحيي منه العقلاء، وتوثب الاعضاء بالضرب والجرح والتمزيق والقتل وتالم القلب بالحقد والحسد والعداوة والبغض ومما تلزمه الندامة بعد زواله، وعداوة الاصدقاء، واستهزاء الاراذل، وشماتة الاعداء، وتغير المزاج، وتالم الروح وسقم البدن، ومكافاة العاجل وعقوبة الآجل.

و العجب ممن توهم ان شدة الغضب من فرط الرجولية، مع ان ما يصدر عن الغضبان من الحركات القبيحة انما هو افعال الصبيان والمجانين دون الرجال والعاقلين، كيف وقد تصدر عنه الحركات غير المنتظمة، من الشتم والسب بالنسبة الى الشمس، والقمر، والسحاب، والمطر، والريح، والشجر، والحيوانات والجمادات، وربما يضرب القصعة على الارض، ويكسر المائدة، ويخاطب البهيمة والجماد كما يخاطب العقلاء، واذا عجز عن التشفي، ربما مزق ثوبه، ولطم وجهه، وقد يعدو عدو المدهوش المتحير، وربما اعتراه مثل الغشية، او سقط على الارض لا يطيق النهوض والعدو. وكيف يكون مثل هذه الافعال القبيحة من فرط الرجولية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الشجاع من يملك نفسه عند غضبه".


* جامع السعادات / العارف النراقي – فصل الغضب

2011-12-20