الروح الاجتماعية لدى المؤمن
مواعظ حسنة
سأل رسول الله صلى الله عليه واله أصحابه: أي عرى الإسلام أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم الجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه واله
عدد الزوار: 106
سأل رسول الله صلى الله عليه واله أصحابه: أي عرى الإسلام أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم الجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : لكل ما قلتم فضل وليس به، ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله.
من الممكن أن يؤدي الإنسان فريضة الصلاة كشكل من أشكال العادة وهكذا بالنسبة للصيام أو الزكاة أو الحج، وقد تدفعه روحه الحماسية إلى الجهاد فيجاهد، ولكن المحك الحقيقي لجوهر الإنسان إنما يمتحن في ولائه وعدائه ومدى انطلاقهما وبواعثهما وهل هما ناجمان عن الحب في الله أو البغض فيه إذ لا يمكنهما أن يكونا عادة من العادات.
وقد ورد في الأخبار والروايات أن أقل حقوق المؤمن أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لها، أي أن تضع نفسك مكانه فتتمنى له ما تتمنى لنفسك فإن كان طبيباً وراجعه مريض شعر الطبيب بأنه هو المريض فيقوم بعلاجه ومداواته كما لو أنه يداوي نفسه ويعالج جسمه، أو كان يعمل في مؤسسة فيعامل المراجعين كما أنه واحد منهم، ينجز معاملاتهم ويلبي حاجاتهم ويسرع في ذلك متصوراً أن المراجع هو نفسه أو أخ له أو أب أو ابن فلا يثور في وجوههم ولا يؤخر أعمالهم ولا يغشهم، وإذا كان يعمل في مصنع ينتج ألبسة أو أطعمة للناس تصور أنه سوف يحملها إلى منزله، فيجهد نفسه في إنتاجها ودقة صنعها.
يقول رسول الله صلى الله عليه واله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
إن الجسم يعيش حالة من التضامن بين أعضائه، أما الجماد أو الميت فلا يعيش مثل هذه الحالة. والمجتمع بدوره يعيش نفس هذه الظاهرة فإن كان هناك نوع من التضامن والتكافل بين أفراده كان مجتمعاً حياً تنبض في أعماقه الروح الاجتماعية بالمحبة والتآلف وإلا فهو مجتمع ميت.
أصاب المدينة المنورة قحط شديد فأرسل الإمام الصادق وراء غلام له يقال له معتب وسأله وقد زاد السعر بالمدينة: كم عندنا من طعام، فقال معتب: عندنا ما يكفينا شهوراً كثيرة. فقال الإمام: أخرجه إلى الناس وبعه. فقال معتب متعجباً: وليس بالمدينة طعام!! فكرر الإمام أمره قائلاً: بعه. فلما باعه معتب قال الإمام الصادق عليه السلام : اشتر مع الناس يوماً بيوم. ثم قال: اجعل قوت عيالي نصفاً شعيراً ونصفاً حنطة فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها ولكني أحب أن يراني قد أحسنت تقدير المعيشة.
وهذا هو معنى الروح الاجتماعية التي تحيى بها المجتمعات الإنسانية عندما تربط أفرادها روح المحبة والتضامن والأخاء تماماً كما قال الإمام الصادق: فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها ولكني أحب أن يراني قد أحسنت تقدير المعيشة.
أسأله تعالى التوفيق في ذلك وأن يستلهم مجتمعنا تلك القيم السماوية السامية وأن تشيع فيه الروح الاجتماعية 1.
1-المواعظ والحكم / الشهيد مطهري ص110_113.
2011-12-05