يتم التحميل...

التعصب الباطل

مواعظ حسنة

ينقل القرآن الكريم عن بعض الناس الذين اعتبروا نزول القرآن كارثة بالنسبة لهم، بل انهم طلبوا من الله أن يرميهم بحجارة من السماء إذا كان ذلك حقاً. قال تعالى: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

عدد الزوار: 111

ينقل القرآن الكريم عن بعض الناس الذين اعتبروا نزول القرآن كارثة بالنسبة لهم، بل انهم طلبوا من الله أن يرميهم بحجارة من السماء إذا كان ذلك حقاً. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  ﴾.الأنفال/ 32

إنه لأمر عجيب حقاً أن تصل الحالة بالإنسان أن لا يتحمل الحقيقة بل يشعر بالمرارة تجاهها ويعتبر نفسه نقيضاً لها وإن في وجودها هلاكاً وفناءً له، في حين ينبغي أن يكون العكس، وأن يكون الحق والحقيقة هدف الإنسان المنشود، ولكننا نرى الإنسان يتمنى الموت على أن لا يواجه الحقيقة.

إننا نسمع في بعض الأحيان من يقول: إن فلاناً قد واجه الحقيقة المرة، وهنا نتساءل هل يمكن أن تكون الحقيقة مرة؟ اليس الإنسان مجبولاً على حب الحقيقة فلماذا تكون مرة في رأيه؟
الجواب: إن الأشياء لا تحمل في ذاتها الحلاوة أو المرارة، الجمال أو القبح، العطر أو النتن. إنها مجرد أشياء توجد في أذهاننا فقط ولقد فطرنا الله عليها بحساب وقدر. إن حلاوة الأشياء ومرارتها، قبحها وجمالها، عطرها ونتنها إنما ترتبط ببناء أجسامنا، فالبعض يتذوق العسل وحلاوته في حين يتذوق البعض الآخر في العسل طعم المرارة، وهذا ما نراه لدى بعض المرضى، فمن يعتبر الحقيقة حلوة لذيذة هم الأشخاص السليمون روحياً، الذين ينشدون الحقيقة ويبحثون عنها، بينما يتمنى البعض الموت على أن لا يواجه الحقيقة التي يستشعر فيها المرارة.
سئل الإمام علي عليه السلام عن معنى الإسلام فأجاب: الإسلام هو التسليم. وهي عبارة زاخرة بالمعاني فالإسلام يعني التسليم لحقيقة، تلاشي العناد والتعصب وهزيمة اللجاجة أمام الحق.
يقول الإمام علي عليه السلام: الحكمة ضالة المؤمن؛ وهذا تصوير دقيق لحالة الإنسان المؤمن فمن أضاع خاتمه تراه دائم البحث عنه فإذا عثر عليه سارع إلى التقاطه، وإذا كان هناك من يمنع ذلك طالب به.

المؤمن لا يهمه مكان الحقيقة؛ الذي يهمه فقط هو الحقيقة ذاتها. لا يهمه أن يكون الكنز لدى القريب أو البعيد وأن صاحب الكنز أسود أم أبيض. الذي يهمه هو الكنز هل هو حقيقي أم لا؟ في صدر الإسلام، وعندما كان المسلمون يتبعون تعاليم الدين الحنيف كانت الحقيقة هي همهم الوحيد، ولذا نجد حلقات الدرس في ذلك الوقت تتألف من العربي والإيراني والهندي والقبطي والبربري. وكثيراً ما نجد أن العرب كانوا يتتلمذون على أيدي أساتذة إيرانيين، وبالعكس. بل إننا نجد ما هو أسمى من ذلك حيث نجد الأساتذة من دين آخر، فالطب ـ مثلاً ـ كان يدرسه أساتذة غير مسلمين وكان المسلمون يقبلون على تعلم هذا العلم بشغف وشوق ولا يهمهم انتماء الأستاذ.

ولو كان التعصب مستشرياً في ذلك الوقت لما تقدم المسلمون في مجالات الفلسفة والطب وغير ذلك من العلوم.

ولقد هاجم الإمام علي الروح العصبية في خطبة مشهورة وذمها قائلاً: "فإن كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور، التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل. فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والأخذ بالفضل، والكف عن البغي 1.


1- _ المواعظ والحكم / الشهيد مطهري ص 45_48.

2012-06-09