البساطة واجتناب التكلف
مواعظ حسنة
جاء في الحديث الشريف: "شر الاخوان من تكلّف له". يجمع المؤرخون على أن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله كان بسيطاً في حياته بعيداً عن التكلف، بسيطاً في ملبسه لكنه نظيف الثوب يفوح منه عطراً وطيباً؛ لقد كانت البساطة تشكل ركناً أساسياً في حياته صلى الله عليه واله.
عدد الزوار: 105
جاء في الحديث الشريف: "شر الاخوان من تكلّف له".
يجمع المؤرخون على أن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله كان بسيطاً في حياته بعيداً عن التكلف، بسيطاً في ملبسه لكنه نظيف الثوب يفوح منه عطراً وطيباً؛ لقد كانت البساطة تشكل ركناً أساسياً في حياته صلى الله عليه واله.
لاشك أن للحياة حدوداً وأصولاً ينبغي رعايتها وإلا تحولت الحياة إلى غابة، ولذا نجد القرآن يشير صراحة إلى هذا المعنى في كثير من آياته، أي إلى وجود حدود إلهية يتوجب على الإنسان عدم تجاوزها.
فالعظماء من البشر هم أولئك الذين تحكم حياتهم بعض الأصول والأسس المحترمة لديهم، وفرق كبير بين تلك الأصول وبين القيود والعادات الفارغة والأمور المتكلفة التي تظهر بين الناس والتي تجعل حياتهم صعبة لا تطاق.
فالأصول التي ينبغي رعايتها تساعد على الاستقرار والطمأنينة في الحياة ولكن القيود والتكلف تزيد من أعباء الحياة وتؤدي إلى الشقاء.
لقد كان رسول الله بسيطاً في ملبسه ولكنه كان يراعي أصول النظافة. كان عليه السلام يرتب هندامه ويرجل شعره في كل صباح وكان ينظر في المرآة قبل أن يخرج من منزله، وكانت النظافة في حياته أصلاً من الأصول ولم تكن قيداً أو تكلفاً، ولكن هناك من يفرط في النظافة وهناك من يفرّط بها، هناك فريق من الناس لا تحدهم حدود وتقيدهم قيود، يعيشون حياة الامبالاة ضاربين عرض الجدار كل الحدود وشعارهم في الحياة البطالة والكسل.
وهناك في المقابل فريق من الناس قد ربطوا أنفسهم بعادات وقيّدوها بتقاليد وإذا هم يعيشون في قفص رهيب، فهناك ألف قيد وقيد في طريقة تناول الطعام وألف قيد وقيد في ارتداء الثياب وآلاف القيود في المعاشرة واستقبال الضيوف وإقامة الأعراس والسفر حتى لتتحول حياتهم إلى مجرد أعباء لا تطاق، فهم يتحركون كالدمى ويتحولون إلى موجودات ورقية أو زجاجية تتحرك وفق آلاف القيود المصنوعة؛ حديثهم تكلف، طريقة مشيهم متصنعة، يتصنعون في ارتداء ثيابهم، يتكلفون في استقبال ضيوفهم، ينهضون بتكلف ويجلسون بتكلف، وبعبارة واحدة إن حياتهم تكلف في تكلف وتصنع في تصنع.
لقد كان رسول الله صلى الله غليه واله يجلس مع أصحابه كأحدهم ولم يكن في مجلسه صدر أو ذيل، فوق أو تحت.
قال سبحانه في محكم كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ﴾.المجادلة/11. إن التكلف والتقيد إنما ينجم عن حقارة في النفس وانعدام في الشخصية فالبعض من الناس يعانون من إحساس بالحقارة يدفعهم إلى إثبات وجودهم بهذا السلوك. إن مثل هؤلاء الأفراد يحاولون توجيه الأنظار إليهم عن طريق هذه التصرّفات.
إن من يتمتع بمقام علمي فإن شخصيته العلمية هذه لا ترى ضرورة للتظاهر، وعلى العكس فإن من يعاني من إحساس بالتخلف يحاول عن طريق الألقاب والعناوين التظاهر بالأهمية وعلى العموم فإن العمل والنشاط والإيجابية تتناقض مع التصنع والتكلف والغرور والخضوع للعادات الفارغة.
إن التكلف والتصنع يهدر الكثير من الوقت ويستهلك الفكر والخيال ويجلب الضجر والملل.
إن المجتمع يسعى أن يكون فعالاً نشطاً متفوقاً ينبغي عليه أولاً أن يتخفف من أعباء التكلف لكي يتحرك نحو الأمام.
ذهب الإمام الصادق ذات يوم إلى الحمام فأراد صاحب الحمام أن يخليه له، فنهاه الإمام عن ذلك قائلاً: "المؤمن أخف مؤونة من ذلك".
يروي سعدي الشيرازي هذه الحكاية: رأيت ابن غني جالساً حول قبر أبيه وقد استرسل بالمناظرة مع ابن فقير يباهيه قائلاً: صندوق تربة أبي حجري محكم مكتوب عليه بالنقش الملون كأزهار الربيع وهو مفروش بالرخام مرصع بالفيروز فماذا بقي من الفخر لابيك المبني قبره بلبنتين المرشوش من التراب بقبضة أو قبضتين.
سمع الفقير هذا الفخر فقال: اسكت أيها الغبي فإنه بينما يتحرك أبوك من تحت ثقل الاحجار يكون أبي قد وصل الجنة ونجا من النار.
وقال الشاعر: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد 1.
1-الحكم والمواعظ / الشهيد مطهري ص 150_153.
2011-12-30