صيانة القرآن عن التحريف
القرآن معجزة النبي (ص)
إن الدليل على ضرورة النبوة يقتضي وصول الرسالات الإلهية للبشر بصورة سليمة غير محرفة، حتى يمكنهم الإستفادة منها لما فيه سعادتهم الدنيوية والأخروية، إذن فلا حاجة للبحث عن صيانة القرآن الكريم من حين صدوره حتى إبلاغه للناس، كأي كتاب سماوي آخر,ولكن وكما علمنا أن سائر الكتب السماوية تعرضت للتحريف.
عدد الزوار: 330
المقدمة
إن الدليل على ضرورة النبوة يقتضي وصول الرسالات الإلهية للبشر بصورة سليمة غير محرفة، حتى يمكنهم الإستفادة منها لما فيه سعادتهم الدنيوية والأخروية، إذن فلا حاجة للبحث عن صيانة القرآن الكريم من حين صدوره حتى إبلاغه للناس، كأي كتاب سماوي آخر، ولكن وكما علمنا أن سائر الكتب السماوية تعرضت للتحريف، بعد وصولها لأيدي الناس، أو أنها هجرت بعد فترة إبلاغها وإختفت، كما هو الملاحظ اليوم، حيث لم يبق عين ولا أثرلكتابي نوح وإبراهيم عليهما السلام، ولا توجد الصورة الأصلية لكتابي موسى وعيسى عليهما السلام، ومع ملاحظة هذه الحقيقة، يبرز السؤال التالي: من أي طريق يعرف أن الكتاب الذي هو بين ايدينا اليوم بإسم القرآن الكريم هو الكتاب نفسه الذي نزل على نبي الإسلام صلى الله عليه وآله لم يتطرق إليه اي تغيير أو تبديل، ولم يتعرض لزيادة أو نقيصة؟
وبطبيعة الحال، فإن كل من اطلع ولو قليلا على تاريخ الإسلام والمسلمين، واهتمام الرسول صلى الله عليه واله وخلفائه المعصومين عليهم السلام، بكتابة الآيات القرآنية وضبطها، وإهتمام المسلمين بحفظ الآيات القرآنية وكما هو المنقول أنه في معركة واحدة قتل من حفاظ القرآن سبعون رجلا وكل من إطلع على التواتر في نقل القرآن خلال أربعة عشر قرنا، والإهتمام بإحصاء آياته وكلماته وحروفه، فإن مثل هذا المطلع على تاريخ القرآن الكريم لا يخطر في ذهنه أي إحتمال عن تحريفه.
ولكن مع غض النظر عن هذه الدلائل والشواهد التاريخية المؤدية لليقين، يمكن الإستدلال على صيانة القرآن الكريم عن التحريف ببيان مركب من دليل عقلي، ودليل نقلي. أي يمكن الإستدلال على عدم زيادته بدليل عقلي أولا، وبعد ذلك نثبت عدم نقيصة القرآن الموجود بين أيدينا اليوم إستنادا لآياته.
ومن هنا نبحث في موضوع صيانة القرآن الكريم عن التحريف من خلال جهتين مستقلتين.
عدم الزيادة في القرآن
أجمع المسلمون كلهم على عدم الزيادة في القرآن الكريم، بل هو مما اتفق عليه كل المطلعين في العالم، اذ لم يطرأ أي حادث أو عامل أدى إلى إحتمال زيادة شيء عليه، ولا يوجد أي شاهد على مثل هذا الإحتمال، ومع ذلك يمكن أن نبطل افتراض زيادته بدليل عقلي بالتوضيح التالي:
إذا إفترضنا زيادة مطلب تام في القرآن الكريم، فإن هذا يعني أنه كان يمكن الإتيان بمثله، ومثل هذا الإفتراض لا يتلاءم وإعجاز القرآن وعدم قدرة البشر على الإتيان بمثله. واذا افترضنا زيادة كلمة أو آية قصيرة عليه أمثال (مُدْهَامَّتَان)1.
فانه يلزم من ذلك إضطراب نظام الكلام وإختلال سبكه وخروجه عن صورته الأصلية و المعجزة، وفي هذه الحالة يمكن تقليده والإتيان بمثله. وذلك لأن النظام والسبك المعجز للعبارات القرآنية مرتبط أيضا بإختيار الكلمات والحروف، وبعروض التغيير عليها يخرج عن حالته المعجزة.
إذن، فنفس الدليل الذي يثبت إعجاز القرآن الكريم، هو الذي يثبت صيانته عن الزيادة، كما أنه بهذا الدليل نفسه ننفي عروض النقيصة في الكلمات والجمل المؤدية إلى خروج الآيات عن حالتها الإعجازية، وأما حذف سورة كاملة، أو مطلب كامل، بصورة لا يؤدي ذلك إلى خروج سائر الآيات عن حالة الاعجاز، فيحتاج نفيه لدليل آخر.
عدم النقيصة في القرآن
صرح كبار علماء الإسلام من الشيعة وأهل السنة، وأكدوا عدم تعرض القرآن الكريم للنقيصة كما لم يتعرض للزيادة، وجاءوا بأدلة كثيرة على هذه الحقيقة، ولكن مع الأسف، ونتيجة لنقل بعض الروايات الموضوعة في كتب الحديث لدى الفريقين، والتفسير الخاطئ والفهم المنحرف لبعض الروايات المعتبرة2، إحتمل البعض، بل ربما ذهبوا إلى حذف بعض الآيات من القرآن الكريم. ولكن بالاضافة إلى وجود الدلائل والشواهد التاريخية المسلمة على صيانة القرآن الكريم عن أي تحريف، سواء كان بنحو الزيادة أو كان بنحو النقيصة، وبالإضافة إلى بطلان الحذف المؤدي لاختلال النظام والسبك القرآني المعجز بدليل الإعجاز يمكن أن نثبت اعتمادا على القرآن الكريم بنفسه صيانته من حذف آية أو سورة مستقلة.
فبعد أن أثبتنا أن كل ما في القرآن المتداول اليوم هو كلام الله، ولم يتعرض للزيادة، فستكون محتويات آياته حجة من أقوى الأدلة والحجج النقلية والتعبدية، ومن المفاهيم التي يمكن إستفادتها من الآيات القرآنية الكريمة، أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الكتاب عن أي تحريف، خلافا لسائر الكتب السماوية، التي وضع مهمة حفظها على عاتق الناس3.
وتستفاد هذه الفكرة من الآية (9) من سورة الحجر: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون).
وتتألف هذه الآية الشريفة من جملتين، أكد في الأولى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر) أن القرآن الكريم نازل من الله تعالى، ولم يتعرض حين نزوله لأي تغيير أو تلاعب. وفي الثانية (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون) حيث أستخدم فيها من جديد أدوات التأكيد، والهيئة التي تدل على الإستمرار، وقد أكد فيها تعهده بحفظ القرآن الكريم عن أي تحريف إلى الأبد. ولكن الملاحظ أن هذه الآية وإن دلت على عدم الزيادة في القرآن، ولكن الإستدلال بها على نفي الزيادة إستدلال دوري، وذلك لأن إفتراض زيادة شيء على القرآن الكريم يشمل زيادة هذه الآية أيضا، ونفي هذا الإفتراض بهذه الآية نفسها غير صحيح. ومن هنا، فإننا أبطلنا هذا الإفتراض بالدليل الذي يثبت أن القرآن الكريم معجزة، وبعد ذلك، وبالإستفادة من هذه الآية الشريفة، أثبتنا صيانته عن حذف آية أو سورة مستقلة (بالصورة التي لا تؤدي إلى الإختلال في نظامه وسبكه المعجز) وبذلك تثبت صيانة القرآن الكريم عن التحريف في الزيادة والحذف ببيان مركب من دليل عقلي، ودليل نقلي.
وأخيرا، يلزم علينا تأكيد هذه الملاحظة وهي: أن صيانة القرآن الشريف عن التحريف لا تعني اعتبار كل كتاب ونسخة من القرآن الكريم قرآنا كاملا مصونا من كل خطأ في الكتابة والقراءة، أو أنه لا يمكن أن يتعرض لأي تفسير خاطئ أو تحريف معنوي، أو أن الآيات والسور قد رتبت بنفس ترتيب نزولها، بل إنما نعني من ذلك، أن القرآن الكريم يبقى بين البشر بصورة يمكن فيها لكل باحث عن الحقيقة من الوصول لآياته كلها كما نزلت، دون زيادة أو نقيصة. ومن هنا فإن نقيصة بعض النسخ القرآنية، أو عروض الخطأ عليها، أو الإختلاف في القراءات، أو ترتيب الآيات والسور بصورة مخالفة لترتيب النزول، أو وجود التحرفات المعنوية، ومختلف أنواع التفسير بالرأي. هذا كله لا ينافي صيانة القرآن الكريم عن التحريفات الذي نبحث فيه.
*دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص160-164
1- كالروايات الواردة في تفسير بعض الآيات، والتعرض لبعض تطبيقاتها و مصاديقها، أو الواردة في مجال رد التفسيرات الخاطئة والتحريفات المعنوية، حيث فهم
منها دلالتها على حذف كلمات أو عبارات من القرآن الكريم.
2- كما ذكر في الآية (44) من سورة المائدة حول علماء اليهود والنصارى (بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء.
3- ذكرت رسائل النبي صلى الله عليه وآله الكتب التاريخية المعتبرة، وقد جمعت في كتاب مستقل اسمه (مكاتيب الرسول).