وفاء أهل البيت(ع) بالنذر
أسبوع الصدقة
قال ابن عباس: " إن الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالو: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام طبقا لبعض الروايات...
عدد الزوار: 416
البرهان العظيم على فضيلة أهل بيت النبي عليهم السلام:
قال ابن عباس: " إن الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالو: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام طبقا لبعض الروايات أن الحسن والحسين أيضا قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم فشفيا وما كان معهم شيء، فاستقرض علي عليه السلام ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم، أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما.
فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه وباتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما ووقف عليهم أسير في الثالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: " ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم " فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة. وقيل: إن الذي نزل من الآيات يبدأ من: إن الأبرار حتى كان سعيكم مشكورا ومجموعها 18 آية.
وما أوردنا هو نص الحديث الذي جاء في كتاب " الغدير " بشيء من الاختصار كقدر مشترك وهذا الحديث من بين أحاديث كثيرة نقلت في هذا الباب، وذكر في الغدير أن الرواية المذكورة قد نقلت عن طريق 34 عالما من علماء أهل السنة المشهورين مع ذكر اسم الكتاب والصفحة.
وعلى هذا، فإن الرواية مشهورة، بل متواترة عند أهل السنة. واتفق علماء الشيعة على أن السورة أو ثمان عشرة آية من السورة قد نزلت في حق علي وفاطمة عليهما السلام، وأوردوا هذه الرواية في كتبهم العديدة واعتبروها من مفاخر الروايات الحاكية عن فضائل أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، واشتهارها كان مدعاة لذكرها في الأشعار حتى أنها وردت في شعر الإمام الشافعي.
جزاء الأبرار العظيم
أشارت الآيات السابقة على هذه الآيات إلى العقوبات التي تنتظر الكافرين بعد تقسيمهم إلى جماعتين وهي " الشكور " و " الكفور "، والآيات في هذا المقطع تتحدث عن المكافآت التي أنعم الله بها على الأبرار وتذكر بأمور ظريفة في هذا الباب. فيقول تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورً﴾.
" الأبرار ": جمع بر وأصله الاتساع، وأطلق البر على الصحراء لاتساع مساحتها، وتطلق هذه المفردة على الصالحين الذين تكون نتائج أعمالهم واسعة في المجتمع، و " البر " بكسر الباء هو الإحسان، وقال بعض: إن الفرق بين البر والخير هو أن البر يراد به الإحسان مع التوجه والإرادة، وأما الخير فإن له معنى أعم.
" كافور ": له معان متعددة في اللغة، وأحد معانيها المعروفة الرائحة الطيبة كالنبتة الطيبة الرائحة، وله معنى آخر مشهور هو الكافور الطبيعي ذو الرائحة القوية ويستعمل في الموارد الطبية كالتعقيم.
على كل حال فإن الآية تشير إلى أن هذا الشراب الطهور معطر جدا فيلتذ به الإنسان من حيث الذوق والشم. وذهب بعض المفسرين إلى أن " كافور " اسم لأحد عيون الجنة. ولكن هذا
التفسير لا ينسجم مع عبارة " كان مزاجها كافورا ". ومن جهة أخرى يلاحظ أن " الكافور " من مادة " كفر " أي بمعنى " التغطية "، ويعتقد بعض أرباب اللغة كالراغب في المفردات أن اختيار هذا الاسم هو أن فاكهة الشجرة التي يؤخذ منها الكافور مغطاة بالقشور والأغلفة.
وقيل: هو إشارة إلى شدة بياضه وبرودته حيث يضرب به المثل، والوجه الأول أنسب الوجوه، لأنه يعد مع المسك والعنبر في مرتبة واحدة، وهما من أفضل العطور. ثم يشير إلى العين التي يملؤون منها كؤوسهم من الشراب الطهور فيقول: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرً ﴾. هذه العين من الشراب الطهور وضعها الله تعالى تحت تصرفهم، فهي تجري أينما شاؤوا، والظريف هو ما نقل عن الإمام الباقر عليه السلام إذ قال في وصفه: " هي عين في دار النبي تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين ". نعم فكما تتفجر عيون العلم والرحمة من بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتجري إلى قلوب عباد الله الصالحين، كذلك في الآخرة حيث التجسم العظيم لهذا المعنى تتفجر عين الشراب الطهور الإلهي من بيت الوحي، وتنحدر فروعها، إلى بيوت
المؤمنين !
" يفجرون ": من مادة تفجير، وأخذت من أصل الفجر ويعني الشق الواسع، سواء أكان شق الأرض أم غير ذلك، و " الفجر " نور الصبح الذي يشق ستار الليل، وأطلق على من يشق ستار الحياء والطهارة ويتعدى حدود الله فاجر ويراد به هنا شق الأرض. والملاحظ أن أول ما ذكر من نعم الجنان في هذه السورة هو الشراب الطهور المعطر الخاص. لكونه يزيل كل الهموم والحسرات والقلق والأدران عند تناوله بعد الفراغ من حساب المحشر، وهو أول ما يقدم لأهل الجنان ثم ينتهون إلى السرور المطلق بالاستفادة من سائر مواهب الجنان. ثم تتناول الآيات الأخرى ذكر أعمال " الأبرار " " وعباد الله " مع ذكر خمسة صفات توضح سبب استحقاقهم لكل هذه النعم الفريدة: فيقول تعالى يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا.
جملة يوفون و يخافون والجمل التي تليها جاءت بصيغة الفعل المضارع وهذا يشير إلى استمرارية وديمومة منهجهم، كما قلنا في سبب النزول فإن المصداق الأتم والأكمل لهذه الآيات هو أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنان عليهم السلام، لأنهم وفوا بما نذروه من الصوم ثلاثة أيام ولم يتناولوا في إفطارهم إلا الماء في حين أن قلوبهم مشحونة بالخوف من الله والقيامة.
" مستطيرا ": يراد به الأتساع والانتشار، وهو إشارة إلى أنواع العذاب واتساعه في ذلك اليوم العظيم، على كل حال فإنهم وفوا بالنذور التي أوجبوها على أنفسهم، وبالأحرى كانوا يحترمون الواجبات الإلهية ويسعون في أدائها، وخوفهم من شر ذلك اليوم، وآثار هذا الإيمان ظاهرة في أعمالهم بصورة كاملة.
ثم يتناول الصفة الثالثة لهم فيقول: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرً﴾.
لم يكن مجرد إطعام، بل إطعام مقرون بالإيثار العظيم عند الحاجة الماسة للغذاء، ومن جهة أخرى فهو إطعام في دائرة واسعة حيث يشمل أصناف المحتاجين من المسكين واليتيم والأسير، ولهذا كانت رحمتهم عامة وخدمتهم واسعة.
الضمير في ﴿على حبه ﴾ يعود إلى الطعام أي أنهم أعطوا الطعام مع احتياجهم له، وهذا شبيه ما ورد في الآية من سورة آل عمران: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. وقيل: إن الضمير المذكور يعود إلى " الله " الوارد في ما سبق من الآيات، أي أنهم يطعمون الطعام لحبهم الشديد لله تعالى، ولكن مع الالتفات إلى ما يأتي في الآية الآتية يكون المعنى الأول أوجه. ومعنى " المسكين " و " اليتيم " و " الأسير " واضح، إلا أن هناك أقوالا متعددة فيما يراد بالأسير ؟ قال كثيرون: إن المراد الأسرى من الكفار والمشركين الذين يؤتى بهم إلى منطقة الحكومة الإسلامية في المدينة، وقيل: المملوك الذي يكون أسيرا بيد المالك، وقيل هم السجناء، والأول أشهر. يرد هنا سؤال: كيف جاء ذلك الأسير إلى بيت الإمام علي عليه السلام طبقا لما ورد في سبب النزول والمفروض أن يكون سجينا ؟
ويتضح لنا جواب هذا السؤال بالالتفات إلى أن التاريخ يؤكد عدم وجود سجناء في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان صلى الله عليه وآله وسلم يقسمهم على المسلمين، ويأمرهم بالحفاظ عليهم والإحسان إليهم، فكانوا يطعمونهم الطعام وعند نفاذ طعامهم كانوا يطلبون العون من بقية المسلمين ويرافقونهم في الذهاب إلى طلب المعونة، أو أن الأسرى يذهبون بمفردهم لأن المسلمين كانوا حينذاك في ضائقة من العيش.
وبالطبع توسعت الحكومة الإسلامية فيما بعد، وازداد عدد الأسرى وكذلك المجرمين، فاتخذت عندئذ السجون وصار الإنفاق عليهم من بيت المال.
على كل حال فإن ما يستفاد من الآية أن أفضل الأعمال إطعام المحرومين والمعوزين، ولا يقتصر على إطعام الفقراء من المسلمين فحسب بل يشمل حتى الأسرى المشركين أيضا وقد أعتبر إطعامهم من الخصال الحميدة للأبرار.
وقد ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " استوصوا بالأسرى خيرا وكان أحدهم يؤثر أسيره بطعامه ". والخصلة الرابعة للأبرار هي الإخلاص، فيقول: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورً﴾.
إن هذا المنهج ليس منحصرا بالإطعام، إذ إن جميع أعمالهم خالصة لوجه الله تعالى، ولا يتوقعون من الناس شكرا وتقديرا، وأساسا فإن قيمة العمل في الإسلام بخلوص النية وإلا فإن العمل إذا كان بدوافع غير إلهية، سواء كان رياء أو لهوى النفس، أو توقع شكر من الناس أو لمكافئات مادية، فليس لذلك ثمن معنوي وإلهي.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وآله إلى ذلك إذ قال: " لا عمل إلا بالنية وإنما الأعمال بالنيات ". والمراد من وجه الله هو ذاته تعالى، وإلا فليس لله صورة جسمانية، وهذا هو ما اعتمده وأكده القرآن في كثير من آياته، كما في الآية 272 من سورة البقرة: ﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ ﴾ والآية 28 من سورة الكهف التي تصف جلساء النبي صلى الله عليه وآله: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
ويقول في الوصف الأخير للأبرار: ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيراً﴾ أي الشديد من المحتمل أن يكون هذا الحديث لسان حال الأبرار، أو قولهم بألسنتهم. وجاء التعبير عن يوم القيامة بالعبوس والشديد للاستعارة، إذ إنها تستعمل في وصف الإنسان الذي يقبض وجهه وشكله ليؤكد على هول ذلك اليوم، أي أن حوادث ذلك اليوم تكون شديدة إلى درجة أن الإنسان لا يكون فيه عبوسا فحسب، بل حتى ذلك اليوم يكون عبوسا أيضا.
قمطرير: هناك أقوال للمفسرين في مادته، قيل هو من القمطر، وقيل: مشتق من مادة قطر - على وزن فرش - والميم زائدة، وقيل هو الشديد، وهو الأشهر. ويطرح هنا سؤال، وهو: إذا كان عمل الأبرار خالصا لله تعالى، فلم يقولون: إنا نخاف عذاب يوم القيامة؟ وهل يتناسب دافع الخوف من عذاب يوم القيامة مع الدافع الإلهي ؟ ويتضح جواب هذا السؤال بالالتفات إلى أن الأبرار يسلكون السبيل على كل حال إلى الله تعالى، وإذا كانوا يخافون من عذاب يوم القيامة فإنما هو لأنه عذاب إلهي، وهذا هو ما ورد في الفقه في باب النية في العبادة من أن قصد القربة في العبادة لا ينافي قصد الثواب والخوف من العقاب أو حتى اكتساب المواهب المادية الدنيوية من عند الله كصلاة الاستسقاء، لأن كل ذلك يرجع إلى الله تعالى، كالداعي على الداعي، رغم أن أعلى مراحل الإخلاص في العبادة تكمن في عدم التعلق بنعم الجنان أو الخوف من الجحيم، بل يكون بعنوان حب الله. والتعبير بـ(إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) شاهد على أن هذا الخوف من الله.
والجدير بالذكر أن الوصف الثاني والخامس من الأوصاف الخمسة، يشيران إلى مسألة الخوف. غاية الأمر أن الكلام في الآية الأولى عن الخوف من يوم القيامة، وفي الثانية الخوف من الله في يوم القيامة، ففي مورد وصف يوم القيامة في أن شره عظيم، ووصفه في مورد آخر بأنه عبوس وشديد، وفي الحقيقة فإن أحدهما يصف عظمته وسعته والآخر شدته وكيفيته. وأشارت الآية الأخيرة في هذا البحث إلى النتيجة الإجمالية للأعمال الصالحة والنيات الطاهرة للأبرار فيقول: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾.
نضرة: بمعنى البهجة وحسن اللون والسرور الخاص الذي يظهر عند وفور النعمة والرفاه على الإنسان، أجل، إن لون وجودهم في ذلك اليوم يخبر عن الهدوء والارتياح، وبما أنهم كانوا يحسون بالمسؤولية ويخافون من ذلك اليوم الرهيب، فإن الله تعالى سوف يعوضهم بالسرور وبالبهجة. وتعبير " لقاهم " من التعابير اللطيفة والتي تدل على أن الله سوف يستقبل ضيوفه الكرام بلطف وسرور خاص وأنه سوف يجعلهم في سعة من رحمته.
* راجع: تفسير الأمثل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج19، ص250-261