يتم التحميل...

تعيين الإمام

الإمامة والخلافة

إن ختم النبوة بدون نصب الإمام المعصوم وتعيينه مخالف للحكمة الإلهية، وأن إكمال الدين الإسلامي العالمي والخالد مرتبط بتعيين الخلفاء الصالحين بعد النبي صلى الله عليه وآله بحيث يكونون متوفرين على كل مناصب النبي الإلهية سوى النبوة والرسالة.

عدد الزوار: 136

إن ختم النبوة بدون نصب الإمام المعصوم وتعيينه مخالف للحكمة الإلهية، وإن إكمال الدين الإسلامي العالمي والخالد مرتبط بتعيين الخلفاء الصالحين بعد النبي صلى الله عليه وآله بحيث يكونون متوفرين على كل مناصب النبي الإلهية سوى النبوة والرسالة.

ويمكن استفادة هذه الفكرة من الآيات القرآنية الكريمة والروايات الكثيرة التي نقلها الشيعة وأهل السنة في تفسير هذه الآيات. ومنها الآية الثالثة من سورة المائدة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا. وهذه الآية اتفق المفسرون جميعا على نزولها في حجة الوداع، وقبل وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بشهور، وبعد أن تشير الآية ليأس الكفار من إلحاق الضرر بالإسلام﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُم تؤكد إكمال الدين في ذلك اليوم، وإتمام النعمة. ومع ملاحظة الكثير من الروايات الواردة في شأن نزول هذه الآية، يتضح جليا أن (الإكمال والإتمام) الذي اقترن بيأس الكفار من الحاق الضرر بالإسلام، أنما تحقق بنصب خليفة للنبي صلى الله عليه وآله من قبل الله تعالى، وذلك لأن أعداء الإسلام كانوا يتوقعون بقاء الإسلام بدون قائد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وخاصة مع عدم وجود الأولاد الذكور للرسول صلى الله عليه وآله وبذلك يكون معرضا للضعف والزوال، بيد أن الإسلام قد بلغ كماله بتعيين خليفة للنبي صلى الله عليه وآله، تمت النعمة الإلهية وانهارت أطماع الكافرين وآمالهم1. وقد تم هذا التعيين حين رجوع النبي صلى الله عليه وآله من حجة الوداع. فقد جمع الحجاج كلهم في موضع يقال له (غدير خم)، وخلال إلقائه خطبته الطويلة عليهم، سألهم: "الست أولى بكم من أنفسكم"2 .

قالوا: "بلى" ثم أخذ بكتف علي عليه السلام ورفعه أمام الناس وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وبهذا أثبت للإمام عليه السلام الولاية الإلهية فبايعه جميع الحاضرون، ومنهم الخليفة الثاني الذي هنأه بقوله: (بخ بخ لك يا على، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)3.

وفي هذا اليوم نزلت هذه الآية الشريفة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فكبّر الرسول صلى الله عليه وآله وقال (تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي). وورد في رواية نقلها أحد علماء أهل السنة الكبار (الحمويني): (فقام أبو بكر وعمر وقالا: يا رسول الله هذه الآيات خاصة في علي عليه السلام فقال صلى الله عليه وآله: بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة، قالا: يا رسول الله بينهم لنا، فقال:

علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في امتي وولي كل مؤمن من بعدي، ثم ابني الحسن، ثم إبني الحسين، ثم تسعة من ولد إبني الحسين، واحدا بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض)(المائدة:67)4.

ويستفاد من روايات عديدة أن النبي صلى الله عليه وآله كان مأمورا قبل ذلك بالإعلان الرسمي عن إمامة أمير المؤمنين عليه السلام على الرأي العام، لكنه كان يخشى حمل الناس مثل هذا العمل منه على رأيه الشخصي، وأن يعرضوا عن تقبله، ولذلك كان يبحث عن فرصة مناسبة، تتوفر فيها ظروف الإعلان عن مثل هذا التعيين، حتى نزلت الآية الشريفة: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس(روى علماء أهل السنة الكبار هذه الواقعة عن سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وهم: زيد ابن أرقم، وابو سعيد الخدري، وابن عباس، وجابر بأن عبد الله الأنصاري، والبراء بأن عازب، وابو هريرة، ابن مسعود)5.

فمن خلال التأكيد على ضرورة إبلاغ هذا النداء الإلهي  الذي هو بمستوى كل النداءات الإلهية الأخرى، وعدم إبلاغه يعني عدم إبلاغ الرسالة الإلهية كلها  قد بشره الله بأنه سيعصمه ويحفظه من جميع الآثار والمضاعفات المتوقعة من هذا العمل. وقد أدرك النبي صلى الله عليه وآله  مع نزول هذه الآية  حصول الزمان المناسب للقيام بهذه المهمة، وليس من الصالح تأخيرها، ومن هنا بادر في غدير خم للقيام بها (الشعراء:214).

والملاحظ أن ما يختص بهذا اليوم هو الإعلان الرسمي عن هذا التعيين أمام الناس، وأخذ البيعة منهم، وإلا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يشير مرارا خلال فترة رسالته لخلافة أمير المؤمنين عليه السلام وبأساليب وتعابير مختلفة. فحين نزلت هذه الآية: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين6 في بدايات البعثة، قال صلى الله عليه وآله لعشيرته: "فأيكم يؤازرني على أمري هذا، على أن يكون هو أخي ووصيي وخليفتي فيكم" واتفق الفريقان على إحجام القوم جميعا إلا علي بن أبي طالب وأنه أول من إستجاب(النساء:59).

وكذلك حين نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ7. حيث فرض فيها إطاعة أولي الأمر بصورة مطلقة، واعتبر إطاعتهم بمستوى إطاعة النبي صلى الله عليه وآله، سأله جابر بن عبد الله من هم الذين وجبت طاعتهم؟

أجاب صلى الله عليه وآله:"هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر،  ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام  ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي"7.

وكما أخبر النبي صلى الله عليه وآله فقد بقي جابر حيا حتى إمامة الباقر عليه السلام وأبلغه سلام رسول الله صلى الله عليه وآله.

وفي حديث روي عن أبي بصير أنه قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُم

فقال: "نزلت في علي بن ابي طالب والحسن والحسين عليهم السلام فقلت له: إن الناس يقولون فما له لم يسم عليا وأهل بيته في كتاب الله عز وجل قال: فقولوا لهم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه آيات الصلاة فلم تذكر شيئا عن الركعات الأربع أو الثلاث وإنما فسرها لهم رسول الله، وكذلك حينما نزلت آية ﴿أَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُم فقال رسول الله من كنت مولاه، وقال صلى الله عليه و آله: أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض فأعطاني ذلك، وقال: لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم إنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة "8.

وقد كرر الرسول صلى الله عليه وآله مراراً هذا القول، ومنها في أواخر أيام حياته قال:إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"9.

وقال صلى الله عليه وآله أيضا: "لا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"10.

وقال مراراً مخاطباً علياً عليه السلام "أنت ولي كل مؤمن بعدي" 11وعشرات من الاحاديث الأخرى(البقرة:124)، لا يسمح المجال لذكرها كلها.


*دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص189-193



1- يشير بذلك للآية 6 من سورة الأحزاب ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾.
2- للتأكد من قطعية سند الحديث ودلالته يراجع عبقات الانوار والغدير.
3- غاية المرام، الباب  58 الحديث 4، نقلا عن الفرائد للحمويني.
4-  للتوسع أكثر حول دلالة الآية يراجع تفسير الميزان، ج‏6، ص 41 فما بعدها.
5- الغدير، ج‏1.
6- عبقات الانوار، والغدير، والمراجعات  المراجعة 20.
7-غاية المرام، ص 267، ج‏10، (ط قديمة)، واثبات الهداة، ج‏3، ص 123، وينابيع المودة، ص 494.
8- غاية المرام، ص 265، ح‏3، ط القديمة.
9- وهذا الحديث من الاحاديث المتواترة أيضا، وقد رواه عن الرسول وبطرق عديدة، جماعة من كبار علماء أهل السنة أمثال: الترمذي والنسائي وصاحب المستدرك.
10- مستدرك الحاكم، ج‏3، ص 151.
11- مستدرك الحاكم، ج‏3، ص 134، وص‏111، وصواعق ابن حجر، ص 103، ومسند ابن حنبل، ج‏1، ص 331، وج‏4، ص 438. الخ.
12- كمال الدين وتمام النعمة  للصدوق، والبحار، للمجلسي.

2009-08-03