السيدة المعصومة تحقيق في سبب جهالة تاريخ ولادتها
ولادة السيدة المعصومة(ع)
ولدت سليلة الطهر والعفاف فاطمة المعصومة، وكانت الظروف التي ألمت بأهل البيت عليهم السلام آنذاك عصيبة جدا إلى حد غاب فيها عن المؤرخين والرواة تسجيل أحداث الولادة وتأريخها، أو ذكر شئ مما يتعلق بها، إذ كانت السلطة العباسية قد أحكمت قبضتها...
عدد الزوار: 98
ولدت سليلة الطهر والعفاف فاطمة المعصومة، وكانت الظروف التي ألمت بأهل البيت عليهم السلام آنذاك عصيبة جدا إلى حد غاب فيها عن المؤرخين والرواة تسجيل أحداث الولادة وتأريخها، أو ذكر شئ مما يتعلق بها، إذ كانت السلطة العباسية قد أحكمت قبضتها وأخذت تتتبع مناوئيها ممن تتوجس منهم وترى أنهم سبب إزعاج لهم ومصدر قلق لسياستهم، وهم العلويون وفي طليعتهم الإمام الكاظم عليه السلام صاحب الحق الشرعي الذي ما فتئ يلمح بل ويصرح بأنه صاحب الحق، وأن العباسيين خدعوا الأمة بسياستهم الملتوية حيث أعلنوا للناس أن حركتهم ضد بني أمية إنما كانت غضبا لبني هاشم مما حل بهم من خصومهم الأمويين، وطلبا لثأرهم منهم، وأن دعوتهم كانت للرضا من آل محمد عليهم السلام، وبذلك استطاعوا أن يسيروا عواطف الناس ومشاعرهم نحو تأييدهم، وانطلت اللعبة على أكثر الناس فاستجابوا لهم في سذاجة وحسن نية، وفي غفلة عما بيته العباسيون، حتى انخدع بذلك القواد الذين كان لهم الدور في توطيد الملك والقضاء على بني أمية وإخضاع البلاد، في ظن منهم أن الدعوة للرضا من آل محمد عليهم السلام دعوة صادقة، وما علموا أن بني العباس إنما استخدموهم آلات لتحقيق أغراضهم، ولذا ما إن استلم العباسيون زمام الأمر واكتشف هؤلاء القواد أنهم خدعوا فأعلنوا سخطهم حتى فتكوا بهم واستأصلوهم كأبي سلمة الخلال، وأبي مسلم الخراساني وغيرهما من القادة العسكريين. ولم تكن هذه اللعبة لتخفى على آل محمدعليهم السلام الذين اتخذهم العباسيون درعا تترسوا به من أجل الوصول إلى أغراضهم، وقد كشف الإمام الصادق عليه السلام هذه المهزلة العباسية وأخذ حذره ولم يتورط في أحداث هذه الحركة المبيتة في حين قد تورط غيره من بني عمه فانساق معهم، وكان مآله أن فتك به كما فتك بغيره. وفي هذه الحقبة الزمنية من التاريخ أحداث كبيرة، و من أجل هذا تحاشى الرواة والمؤرخون من الدنو من أهل البيت عليهم السلام في هذه الفترة لتسجيل ونقل بعض الأحداث التي ترتبط بتاريخهم خوفا على أنفسهم من بطش الحكام وغضبهم بل انضم بعضهم إلى صفوف الحكام تزلفا وطمعا.
وقد غاب عنا كثير من الحقائق وخفيت علينا وقائع كثيرة، وذهبت في طي النسيان، ومنها تاريخ ولادة السيدة المعصومة عليها السلام، فلم يرد في شئ من الروايات ذكر السنة التي ولدت فيها فضلا عن اليوم أو الشهر. وما بأيدينا من المصادر التي ذكرت تاريخ ولادتها عليها السلام هي في الحساب متأخرة جدا، ولم تذكر مستندا لذلك، بل ذكر بعض الكتاب أن ذلك أمر مجهول. ونحن وإن ننقل ما ذكره المؤلفون إلا أننا لسنا على يقين، وتبقى حلقة مفقودة تضاف إلى كثير من الحلقات الضائعة من تاريخ أهل البيت عليهم السلام. ذكر بعض المؤرخين - أن ولادتها عليها السلام كانت سنة 183 ه، وهي السنة التي استشهد فيها والدها الإمام الكاظم عليه السلام، في قول أكثر المؤرخين. وعلى هذا فلم تحظ السيدة المعصومة بلقاء أبيها عليه السلام ورعايته، وعاشت في كنف أخيها وشقيقها الإمام الرضا عليه السلام وصي أبيه والقائم مقامه. واستبعد بعضهم أن تكون ولادتها عليها السلام في تلك السنة، لأن السنوات الأربع الأخيرة من عمره عليه السلام على أقل التقادير كان فيها رهين السجون العباسية، مضافا إلى أنه قد ذكر أن للإمام الكاظم عليه السلام أربعا من البنات، اسم كل منها فاطمة، وأن الكبرى من بينهن هي فاطمة المعصومة عليها السلام، ولذا فلا بد أن تكون ولادتها قبل سنة 179 ه، وهي السنة التي قبض فيها على الإمام عليه السلام وأودع السجن.
ولكن بالالتفات إلى احتمال أن هؤلاء الفاطميات الثلاث - غير الكبرى - لسن من أم واحدة، بل من أمهات شتى، فلا استبعاد في أن تكون ولادتهن في سنة واحدة. على أنه يمكن القول بأنه قد قبض على الإمام عليه السلام وأمهاتهن حوامل بهن، وكانت ولادتهن بعد سنة 179 ه، وأن فاطمة المعصومة كانت ولادتها في سنة 179 ه. ولكن مع ذلك لا يمكن الجزم بشئ، نعم بناء على أن شهادة الإمام الكاظم عليه السلام كانت سنة 183 ه، فمن البعيد أن تكون ولادة السيدة المعصومة في تلك السنة، ولا سيما أنها الكبرى من بين أخواتها الثلاث. ثم إنه قد ذهب آخرون إلى أن ولادتها عليها السلام كانت في غرة شهر ذي القعدة سنة 173 ه. إلا أنه لم يشر إلى مستنده في تحديد هذا التاريخ. وبناء على هذا التاريخ الذي ذكره تكون السيدة فاطمة قد عاصرت من حياة أبيها عشر سنوات، غير أن السنين الأربع الأخيرة من عمره عليه السلام كان فيها رهين السجون العباسية كما ذكرنا، فلم تحظ منه إلا بست سنوات. ولم نقف في شئ من المصادر في تحديد سنة ولادتها عليها السلام.1
1- فاطمة المعصومة (س) – الشيخ محمد علي المعلم - ص 54 – 59.
2011-09-30