يتم التحميل...

الموضوع: أهداف الحكومة في الإسلام ومعارضة الأعداء لحاكمية الإسلام‏

حديث

المخاطب: حامد الغار (الكاتب والمفكر الأمريكي المسلم)

عدد الزوار: 161

التاريخ: 7 دي 1358 هـ. ش/ 8 صفر 1400 هـ. ق‏
المكان: قم‏
المخاطب: حامد الغار (الكاتب والمفكر الأمريكي المسلم)

بسم الله الرحمن الرحيم‏

الأنظمة الحكومية في العالم‏

أنتم تعرفون أنه في النظام السابق والأنظمة الأخرى على مر التاريخ، كانت ملكية، وفي البلدان الأخرى كانت أنظمة غير الهية وغير موحدة. أساس النظام والقوانين الموضوعة في تلك الأنظمة والغايات التي كانت تتابعها تلك الأنظمة سواء النظام الملكي والأنظمة الأخرى- القوانين قوانين بشرية انبثقت من أدمغة بشرية، والانظمة أيضاً كانت مثل تلك القوانين- الغاية كانت الهيمنة والسلطة على الناس، وفي بعض الأحيان نرى أنهم يتعمّقون في وضع القوانين، مثل القوانين التي حدودها الحفاظ على استقرار المجتمع ونظامه، وخير القوانين هي الإلهية وما نستطيع أن نقدّمه منها هو الإسلام. ومثل هذا النظام الحكومي الذي قوانينه إلهية قبل الإسلام نادر أو عدم. قليلة تلك الأنظمة التي يكون نظامها توحيدياً. سوى القانون الإلهي الذي هو ليس منبثقاً عن الأدمغة البشرية، بل هو من إرادة الله، غير ذلك لم تكن أي مبادئ حاكمة. في الإسلام الذي نحن قريبون من صدره قياساً بالأنبياء السلف كانت توجد حكومة محدودة حينها، ضعيفة حيناً، وواسعة حيناً. وما دامت الحكومة إسلامية ولم تختلط بالمقاصد الأخرى يحكم القانون، أي: إرادة الله، ولا حقّ لأحد أن يحكم قبالة هذه الإرادة الحكيمة. هؤلاء الأنبياء وخلفاء الأنبياء، لم يكن يصدر منهم مطلب أو خطوة سوى أنّهم كانوا يتطلعون إلى تطبيق القانون الإلهي، طبعاً كان للحاكم حق التدخل في بعض الأمور الجزئية (الجانبية). أمّا في الأصول وفي تلك الأمور التي كانت يجب أن تطبق في البلاد، فإنهم كانوا تابعين للقانون الإلهي. ورسول الله- صلّى الله عليه وآله وسلم- الذي كان على رأس جميع الأمور لم يكن له في أي وقت غاية خاصّة ولا حكم يقابل قانون الله، بل كان منفّذاً لقانون الله.

اختلاف الحكومة الإسلامية مع سائر الحكومات‏

التفاوت الكبير بين جميع الأنظمة العالمية، بشتى أنواعها، جميع الأنظمة البشرية وكيفما كان شكلها ونوعها تختلف عن النظام الالهي وعن الحكومة التي تتبع القوانين الالهية، والتفاوت الكبير هو أنّ جميع الأنظمة، حتى العادلة والمستحسنة منها تقتصر على الحدود الطبيعية. وأنتم لا تجدون نظاماً تتابع حكومته موضوع تهذيب أنفس الناس (تقوية معنويات الناس) لم يكن نظام يهتم بذلك. الحكومة كانت تهتم فقط بأن لا يفلت زمام أمور النظم من يدها. إن الشخص مهما فعل في بيته لا أحد يتصدى له. إن لم يخرج إلى الشارع ويعربد، ولم يخل بالنظم العام، فإنه حرّ أن يعمل في بيته أي شي‏ء، الأنظمة الإلهية هي الوحيدة التي تتابع الغاية الأساسية، وهي تربية الإنسان كما يجب أن تكون. الإنسان أولًا هو حيوان أسوأ من باقي الحيوانات، إن ترك على هواه يتربّى كما يشاء، لا يوجد حيوان مثل الإنسان في شهوته، في وحشيته، في شيطنته. الحيوانات الأخرى تعرف حدود شيطنتها، حدود شهواتها معلومة. حدود سبعيتها. الإنسان بما أنه موجود أشرف من جميع المخلوقات بحسب الخلق، في جانب ذلك، في طرف شهوته وغضبه وشيطنته يستطيع أن يتمادى إلى ما لا نهاية له، ولا حد له. انتم ترون ان الإنسان إذا حصل- على سبيل المثال- على بيت يبدأ مباشرة التفكير بالعثور على بيت آخر وإن ملك بلاداً ما يبحث عن بلد آخر، وإن خضع جميع العالم لسيطرته يفكر بالسيطرة على القمر أيضاً، ويستغرق في الذهاب إليه. ولو كان في المريخ أيضاً، لما اكتفى بالوجود. انه غير محدود، لا شهواته محدودة، فيكتفي بواحدة، أو اثنتين، أو عشر، ولا مئة، ولا طمعه محدود، فيكتفي ببلد، أو اثنين، أو عشرة بلدان. الأنبياء بُعثوا ليحدّدوه، أي ليحتووه. هذا الحيوان الذي أطلق لجامه ولا تحده حدود، إن تركوه حرّاً و لم يربّوه، فإن لجامه سيفلت، إلى درجة أنه يريد كل شي‏ء لنفسه ويريد الجميع فداءً لنفسه. جاء الأنبياء للسيطرة على هذا الذي أفلت زمامه، وإرغامه على الخضوع للقوانين بعد أن تتم السيطرة عليه. ليرشده إلى الطريق وتربيته التربية التي توصله إلى مرتبة الكمال والسعادة ليست الدنيا هي الغاية، هذه الطبيعة فقط! إن هذه الدنيا وسيلة لدى الأنبياء، فهي طريق فحسب، طريق للوصول إلى الغاية العليا التي لا يعرفها الإنسان وهؤلاء يعرفونها، هؤلاء يعرفون إلى أين ينتهي الإنسان إن أفلت زمامه، وإلامَ ينتهي، وإن تمّت السيطرة عليه وسار في الطريق الذي هو سبيل للوصول إلى المراتب الإنسانية السامية نال الكرامة والسعادة.

طريق الأنبياء؛ هو طريق سعادة البشر

جميع هذه الأمور التي تعد غايات عند هذه الحكومات هي طرق من منظار الأنبياء، جيمع العالم من منظار الأنبياء، وليست بغاية، ليست محراباً ولا غاية. انه طريق سلوكة إلى المرتبة الإنسانية السامية، فلو وصل إنسان إلى هذه المرتبة السامية، لكان سعيداً، وسعادته لا تنحصر بهذا العالم. إنهم رأوا ما وراء ذلك. رأوا ذلك العالم الغيبي الذي هو مجهول عندنا الآن، لقد جاؤوا للسيطرة على هؤلاء الذين إن أفلت زمامهم، فسيقومون بأي شي‏ء وأي عمل، وللسيطرة على غضبهم وقواهم الشهوانية، وقواهم الشيطانية. جاءوا للسيطرة على هؤلاء أولًا، وهدايتهم إلى الطريق الذي يجب أن يسلكوه. وهذه القوى تمانع من سلوك ذلك الطريق، انهم يأخذونه لسلوك ذلك الطريق والوصول إلى الغاية العليا. هذا هو عمل الأنبياء، وما نأسف عليه هو أنّ الأنبياء لم ينالوا كلّ ما أرادوا بهذا العمل الذي كانوا يريدون إنجازه وتطلعوا إليه دائماً. العقبات كانت كثيرة، لأن الإنسان بحسب فطرته يميل إلى الشهوات، والهوى والغضب والقيام بالأعمال الشيطانية وأمثالها. والذين ينوون مخالفة هذه الأمور والسيطرة عليها يواجهون عقبات عديدة، يبتلون بموانع تحول دون نجاحهم، وقليلًا ما نجحوا، لكن مع ذلك ما يوجد من محاسن في العالم وبركات فهو من فضل هذه الجهود التي بذلها الأنبياء بالقدر الذي استطاعوا، وبالقدر الذي امتدت إشعاعات تعليماتهم للناس، تمكنوا من السيطرة على النوازع جزئياً، فالسيطرة المطلقة عليها صعبة وقليلًا ما توصّلوا إليها. ولكن كلّ ما في الحياة من محاسن ومكارم إنما هو من ثمار الهداية النبوية، ولو جرت الحياة بمنأى عن الأنبياء، أي: بطرح إنقاذهم للناس وهدايتهم للخير، لرأيتم ما يحدث وما يحل بالعالم. إن الأنبياء هم الذين قاموا بالسيطرة على نوازع الشر في الناس، ونجحوا في ذلك إلى حد ما وهذه البركة والخيرات الموجودة في العالم هي من تلك النجاحات المحدودة.

الإسلام لجميع الأبعاد الإنسانية

أولى الإسلام الأبعاد الإنسانية اهتماماً كبيراً، فلديه مناهج لتهذيبها، ولديه قانون لا يختص بعالم الغيب فقط، ولا يُحد بالشهادة فقط، كما أن الإنسان لا ينحصر في بُعدٍ خاصّ، والإسلام جاء ليصنع هذا الإنسان ويربيه من جميع الجوانب، ولا يعالج جانباً واحداً فقط. ولا يتناول الجانب المعنوي وحده وينسى جانبه المادّي. ولا يقبل الاكتفاء بالجانب الطبيعي دون الآخر، فإن هذه المادّة وسيلة، والمعنى هو الغاية. لكنهم كانوا مكلفين باصلاح هذه الوسيلة لتصبح مثمرة. وما يؤسف عليه أن الإسلام ابتلي بعد مدّة قصيرة فرأيتم في التاريخ ما فعل به بنو أمية وبنو العباس. وبعد ان انتشر الإسلام ووصل إلى الإيرانيين والسلاطين‏ ما فعلوا به لقد مسخوه، وبدّلوه إلى شي‏ء آخر. بنو أمية كانت تسير نحو تبديل الإسلام كلياً، فغاية الإسلام الإلهية المعنوية حاولوا ان يبدّلوها إلى حكومة عربية، غايتها تفضيل العرب على سائر الأمم. على النقيض من غاية الإسلام الذي كان يريد نبذ القوميات وجعل البشر أمة واحدة في ظلّ نظام واحد، لكي لا يعلو قوم على قوم ولا يرقى لون عن لون. وجاء بنو أمية للتمسك بالعروبة ولو نجحوا لبدّلوا الإسلام إلى مفهوم يسعى إلى استعادة العروبة الجاهلية، إنهم كانوا يريدون إحياء الجاهلية. واليوم أيضاً يدعي بعض القادة العرب في بعض المناطق التي يسكنها العرب أنّهم يسعون إلى إحياء العروبة الأموية أي العروبة الجاهلية، أنّهم يريدون إحياء العروبة الأموية. ولم يسمحوا بأن يدرك الإسلام كما هو عليه ولم يدعوا الناس يفهمون أوضاع حكومتهم في الوقت الذي تعد الحكومة ما يمتّ إليها في المرتبة الدانية والمرتبة العليا لغيرها من الشؤون. حتى هذا النظام الطبيعي أيضاً لم يسمحوا له أن ينكشف للناس، وبقي مجهولًا على مر التاريخ لأسباب منها أنه كان تحت رحمة جهات مختلفة والاعلام المتنوع.

رضا خان والمهمات الموكلة اليه‏

على مرّ هذه الاعوام الخمسين التي شاهدتها أنا، وربّما لا يسمح عمركم بتذكر ذلك، لكني شاهدت خلال هذه الأعوام الخمسين الماضية منذ أن جاء رضا خان إلى هنا، وقام بانقلابه- على الظاهر سنة 1920 م، منذ ذلك الحين ونحن نعيش هذا النمط من الحكومة لغاية اليوم. عندما جاء رضا خان إلى سدة الحكم بمساعدة البريطانيين وهذا ما اعترف به البريطانيون فيما بعد وقالوا: نحن الذين جئنا بهذا- في إذاعة نيودهلي- في الحرب الشاملة (العالمية)- ولمخالفته لنا أزحناه ثانية. أخذوه إلى ذلك المكان الذي كان يجب ان يأخذوه إليه. ومنذ أن جاء إلى الحكم، جاء بسلاح الإسلام. وبدأ حربه للإسلام بسلاح الإسلام. بدأ بأعمال تبث الرضى في نفوس المسلمين، حسناً، رأى قضية سيد الشهداء- سلام الله عليه- مهمّة جداً في إيران، فركّز جلّ اهتمامه عليها، فراح يقيم مجالس العزاء، ويزور التكايا التي كانت تقام فيها مجالس العزاء، وقيل: إنه كان يحضر حافياً. كان يذهب إلى التكايا للتلاعب بالناس، وبهذا السلاح الذي كان يهتم به الناس ويريدونه، وهو يخطّط لأمور ضد الناس. وبقي مدّة هكذا، حتى استقرت أركان حكومته. وحين استقرت أركان حكومته بدأ بتطبيق تلك الأمور التي علموه أيّاها وكان هو يريدها، فقد علّموه مثلًا أو تعلم هو نفسه أشياء من آتاتورك. وبدأ تقدّمه بسلاح العلمانية. وأوّل ما قام به هو محو آثار الإسلام في إيران. كيف يجب محو آثار الإسلام؟ أحدها ان يسلب الشي‏ء الذي يهتم به جميع الشعب‏ ويدمّره وتدميراً، هذه المجالس، مجالس عزاء سيّد الشهداء التي كانت مهمة جداً لدى الشعب، بما فيها من مربين وبما قدمته من تعاليم تربوية للناس، سلبها.

قام بمنع مجالس العزاء في كل إيران، فلم يكن في أنحاء إيران من يستطيع إقامتها ولو بحضور عدد محدود، لم يكونوا يستطيعون إقامة مثل هذا المجلس في مدينة قم التي هي طبعاً مركز علماء الدين في ذلك الوقت والآن، لم يكن مجلس عزاء في قم. وان كان يجب ان يختتم فيما بين الطلوعين- قبل أذان الصبح كان يجتمع نفر قليل، أربعة، خمسة، عشرة، ويذهبون إلى مكان ما، ويتحادثون ويذكرون مصيبة سيد الشهداء، وقبل الاذان أو بعده بقليل كانوا يتفرّقون. والمفتشون ومن كانوا يتابعون خطوات أولئك والجواسيس يسعون بهم، فيقضي عليهم أيضاً. والأسوأ أنه كان يريد تدمير الأساس، أي أنه كان يريد تدمير علماء الدين. فبدأ بالحديث بمعارضته لعلماء الدين، وأنه يجب نزع عمّة علماء الدين، ولا يحق لأحد أن يعتم. حتى إنّ بعض وجوه الحكم من كان يقول: يجب أن لا يكون في جميع إيران أكثر من 6 معممين. وهذا أيضاً كان كذباً، لأنهم لم يكونوا يرغبون في هذا العدد أيضاً.

الضربات الموجعة لعلماء الدين ضد بريطانيا

والمسألة الأصلية أنهم انتبهوا إلى علماء الدين فاولئك الذين كانوا يجبرونه على القيام بهذه الأمور، شاهدوا خلال القرن الماضي في اقل التقادير انهم كلما ارادوا فرض هزيمة على الشعب حال علماء الدين دونها، وكلما اقتربت البلاد من شفير هزيمة دفعها علماء الدين عنها. قد شاهدوا على سبيل المثال في العراق الذي كانت بريطانيا قد احتلته تقريباً، ذلك العالم العظيم المرحوم السيد ميرزا محمد تقي كيف وقف إزاءهم واسترجع العراق منهم. استعاد استقلال العراق من أيدي هؤلاء. وكانوا قد شاهدوا أيضاً قبل ذلك كيف أنقذ ميرزا الشيرازي إيران من أيديهم بجملة واحدة. ولذلك كان هؤلاء يرون في علماء الدين عقبة كأداء. وان كانوا يريدون ضمان تلك الأشياء التي يريدونها وهي عبارة عن مصادر الشرق وثروات الشرق، إنهم كانوا يريدون هذه الأشياء فضلًا عن تحويل الشرق إلى سوق لمنتجاتهم. فمن جانب ينهبون مصادرهم، ومن جانب آخر جعل الشرق سوقاً لهم ولمنتجاتهم. إنهم يحاولون تبديلنا إلى مستهلكين. وكانوا يرون بقاء العلماء أحياء واعين يحول بينهم وبين مطامعهم في إيران، ولذلك وجّهوا هجماتهم القاضية إلى درجة ان عدد طلبة الحوزة العلمية الذي كان يصل الى الف ونيف وصل إلى اربعمئة نسمة فقط. وأولئك أيضاً كانوا عدة من ضعيفي النفس الذين لا يقوون على شي‏ء، ولا يستطيعون قول كلمة واحدة، كلمة واحدة. منعوا المنابر في جميع إيران. ألجموا جميع الخطباء في انحاء البلاد.

قيدوا جميع العلماء في شتى أنحاء إيران. ومع ذلك نهض العلماء مرّتين أو ثلاثة. وبما أن هذه النهضة جاءت من قبل شعب مرعوب لم يستطع مسايرة العلماء لم تسجل أي نجاح. انتفضوا من آذربيجان، نهضوا من خراسان، من جميع إيران في وقت واحد واجتمعوا في قم، وانتفضوا، إلا أنهم هزموا. وهذا لأنهم كانوا يرون انهم لو نهبوا كل ما لدينا علينا ألا ننبس ببنت شفة فعليهم تدمير أولئك لكي لا يكون للشعب مكان ما تتم قيادته فيه وتتمركز قواه هناك. هذا هو المقصود. العلماء كانوا في هذه الموارد وقبل ذلك المدافعين عن الإسلام وقوانينه، ولكنهم بحسب المورد كانوا يسجلون تقدماً في وقت ما، مثل قضية الميرزا الشيرازي الذي تبعه جميع الشعب، فباء المعتدون بالخيبة وكثيراً ما كانوا يخيبون!

محمد رضا شاه وخيانته‏

في هذه المدّة الأخيرة حين بدأ محمد رضا ببعض الأعمال الشيطانية بسلاح الإسلام أيضاً ما بدأ بالمقولات التي كان أبوه قد استعملها، كطبع القرآن الكريم مثلًا. وكان يذهب مرة أو مرتين إلى مشهد، ويؤدي الصلاة ليستغفل الناس. وفي بعض الأحيان كان يستغفل مجموعة ما. ورويداً رويداً رأى أنه لم يعد بحاجة إلى التلاعب ولذلك بدأ يفرض قوته، فحرم الناس من جميع المواهب، وأنتم تعرفون أنّه لم يكن أحد يستطيع التنفس في إيران. وجميع الصحف والمجلات والأقلام والإذاعة والتلفزيون جُنّدت له ضد الشعب. جميع هذه كانت في خدمته، والناس كانوا مضطهدين وجميع المصادر تم سلبها. صخب، على أني ملزم بخدمة وطني ولذلك كتب كتاب (مهمة لوطني) وكل ذلك الضجيح حول رقي الشعب ورقي أولئك. حسناً، الشعب أيضاً كان يرى جميع هذه الأشياء خطأ. الفقر كان يسود إيران كلّها. جميع إيران كانت ترزح تحت وطأة الفقر. الناس لا يملكون بيوتاً، وأيديهم خالية من كل شي‏ء في ذلك المكان الذي يعد حقلًا للنفط، وفوق هذه الحقول يجلس شعب يموت من الجوع. يتمشون وهم حفاة نصف عراة. في وقت ما مررت بمكان قرب أهواز، بإحدى القرى التي تقع في الضواحي فتقاطر علينا أطفال حفاة شبه عراة، عسى أن ينالوا منا شيئاً. كان هذا في ذلك المكان الذي تحته حقل النفط الذي كان ينقل إلى مكان آخر. الحقول قدّموها للآخرين وفي المقابل لأمريكا، يقولون في المدّة الأخيرة كانت أمريكا كلّ شي‏ء، فبريطانيا لم تعد تملك مصالح كثيرة هنا، ولذلك تقدّمت أمريكا. نفط الحقول قدّموه إلى الأجانب مقابل ما قدّمته أمريكا لشعبنا من القواعد العسكرية التي أنشأتها لنفسها، مثل هذا الابتلاء أهان شعبنا إذ سلبونا المال والنفط، وفرضوا على إيران اتفاقيات لم تكن لمصلحتها قط، ووضعوا الشعب تحت هيمنة هؤلاء. جرت مثل هذه الأشياء، وعانى الشعب الضيق، وكان على الناس عيش مثل هذه الحياة التي يجب أن تمضي في‏ السجن، أو في المنفى حتى دمّرت. ومن كان خارج السجن ليس حرّاً، لا، فجميع إيران كانت سجناً، الجواسيس كانوا يترقبون أن ينبس أحد بكلمة ما، فلو جاء أحد مثلكم إلى إيران لما كان بإمكانه أن يقوم بحوار حتى لو كان الحوار عدّة كلمات، بشأن الأوضاع. ليس لكم، وليس لأحد.

نهضة الخامس عشر من خرداد العظيمة

لقد سئم الناس، وراحوا ينتظرون انطلاقة صوت ما، لكي يتبعوه. وفي الخامس عشر من خرداد، وقبله صدح مثل هذا الصوت، بدأ من قم حين صدع علماؤها بالإعراب عن معارضتهم، رفضوا وتكلموا، حتى انتهى الأمر إلى الخامس عشر من خرداد الذي شهد نهضة عظيمة جابهها هؤلاء بإبادة كبيرة. انا كنت في السجن وعندما خرجت- لم اكن على اطلاع بما يجري في الخارج- لم أكن على اطلاع وحين خرجت وبعد ذلك أيضاً قضيت مدّة تحت الإقامة الجبرية، وسحبت من بيت ما. طبعاً كان الوضع يختلف عن السجن. هنالك أعلموني بان 15 ألف نسمة قُتِلوا، وأنّ عدّة اعتقلوا والله أعلم، لا ادري. تبدلت معنويات الشعب وانقلب، فلم تعد الحياة بذلك الشي‏ء المهم الذي يتلهفون له. الحياة كانت آنذاك تعني العيش مع الأشرار. والحياة مع الأشرار ليست حياة صحيحة. الحياة التي يرى فيها الأب ابنه مسجونا، والابن يرى أباه مسجوناً، والزوجة ترى زوجها مسجوناً. ليست بحياة، وإنّما هي امتحان صعب كلّ الصعوبة. كانوا يتربصون بشرارة تنطلق ليتابعوها. ونهضة الخامس عشر من خرداد والنهضة التي بدأت قبلها وأسفرت عن نهضة الخامس عشر من خرداد رفعت صوت الشعب، لكنهم دمّروها وأيادوها. لكن الشعب لم يهزم هزيمة قاطعة. بل بقي متربّصا يناضل بشدة وضعف في بعض الأحيان، حتى حدثت القضايا الأخيرة التي بدأت منذ عامين تقريباً، وتواصلت حتى الآن.

دافع الاستشهاد وصناعة الثورات‏

الناس أيضاً كانوا مستعدين، لأنهم كانوا مستائين من الحكومة، وكرهوا الحياة، إضافة إلى أن الله أنعم عليهم بتحوّل روحي ومشعّ في المدّة الأخيرة، فتبدّلت معنويات الناس والآن أيضاً نشهد القليل من تلك المعنويات، فاصبحوا كالذين كانوا في صدر الإسلام يتلهفون للشهادة.

الآن أيضاً ترون في الحضور عدداً ممّن يلبسون الكفن، أي أنهم: مستعدون للشهادة. الأمهات اللاتي فقدن ابناءهن، واحداً، اثنين، يأتين إلى هنا، ويطلبن مني أن أدعو أن يُستشهد ابناؤهن الآخرون أيضاً، كراراً، هؤلاء الشباب والنساء والرجال يطلبون مني أن أدعو لكي‏ تكون الشهادة من نصيبهم. وهذا تحوّل روحيّ حدث للشعب بيد الله، وحصل بإرادة الله. واجتمعوا على أمر ما، لأن الجميع كانوا مستائين. إن هذا لم يفعل شيئاً ليكسب رضى أي شريحة غير ذوي المراتب العليا في الجيش وقوى الأمن. البقية لم يولهم اهتماماً، لا في الإدارات ولا في الجيش، لا ذوي المناصب الدانية، ولا الناس، لا البازار، ولا المساجد، ولا علماء الدين، ولا الجامعات، لم يول هؤلاء اهتماماً. كانوا لا يعتبرون هؤلاء شيئاً. وأكبر خطأ ارتكبوه هو أنهم لم يعتبروا الشعب شيئاً، فتكاتف الشعب بعضهم مع بعض لأنهم كانوا مستائين، وحين ارتفع صوتهم نريد جمهورية إسلامية، لم يعارضهم أحد. جميع أنحاء إيران- طبعاً أقصد في البدء- جميع إيران كانوا يخرجون إلى الشوارع، ويقولون: نريد جمهورية إسلامية، لا نريد هذا النظام الملكي. وبعد أن نجحوا، وتقدموا بهذه القوة الالهية في الوقت الذي كانت جميع الدول وجميع القوى العالمية معه (الشاه) وتدعمه، أمريكا وبريطانيا كانتا تصرّحان أكثر من الآخرين، الآخرون أيضاً كانوا معه حتى البلدان الإسلامية كانت حكوماتها كذلك، إلا ما قلّ وندر مع الأسف.

الديمقراطية والمفهوم الغامض‏

بعد أن حطّم الناس هذا الحاجز، وأزاحوه، بدأ الكلام في ذلك الوقت، وانكشفت المقاصد. بدأت الخلافات التي قد يكون الكثير منها من اختلاق من هم خلف الكواليس، أولئك الذين يحرّضون على نشوب مثل هذه الخلافات في جميع أنحاء إيران. توجد شواهد على أنهم يخططون لاستهداف تلك النقطة التي تعد قوة الشعب، وحرمان الشعب بركتها، ونقطة القوة هذه تكمن في شيئين: الأولى وحدة الكلمة، والأخرى هي، نريد جمهورية إسلامية. فالإسلام هو هذه القوة المعنوية وعارضوا قضية الجمهورية الإسلامية ما استطاعوا، وقالوا لتكن الجمهورية، فما حاجتنا إلى إسلاميتها!! لتكن جمهورية ديمقراطية، لنشطب إسلاميتها. شعبنا لم يقبل بذلك، قالوا: انّ ما نفهمه هو أننا نفهم الإسلام، وندرك الجمهورية أيضاً، لكن الديمقراطية المتلوّنة التي تخرج كل يوم بحلة جديدة لها معنى في الغرب ولها معنى آخر في الشرق، وأفلاطون كان يقول شيئاً بشأنها، وأرسطو يقول شيئاً آخر، هذا ما لا نفهمه. فما الضرورة ان نذكر شيئاً لا ندركه، وندرجه في الانتخابات في الوقت الذي لا نستطيع أن ندلي بصوتنا له. إن ما ندركه، وما نعرفه هو الإسلام. يعني إننا نعرف انه نظام عادل. طبعاً لا نقول أننا نعرف، فنحن لا نعرف الإسلام حقيقة، نعرف أنه نظام عادل. هذه العدالة كانت في الأحكام التي نزلت في صدر الإسلام. ومثل علي ابن ابي طالب علّمنا ما هو الدين وماذا يفعل. والجمهورية نعرف معناها أيضاً، وهو أن الناس يدلون بأصواتهم، ونحن نوافق على هاتين، لكن ديمقراطيتها، حتى لو وضعتموها إلى جانب‏ الإسلام لا نوفق. أضف إلى ذلك أني قلت في إحدى المرات إننا لا نقبل بهذا الأمر، لأنه يشكل إساءة للإسلام. وإن وضعتم هذا إلى جانب الإسلام، فهذا يعني أنّ الإسلام غير ديمقراطي. هذا في الوقت الذي تسود ديمقراطية الإسلام على جميع الديمقراطيات. إن انتم وضعتم هذه إلى جانب الإسلام فهذا مثل أن نقول: جمهورية إسلامية عادلة. إن هذه إساءة للإسلام، فالعدالة جوهر الإسلام. لهذا لا يقبل شعبنا بذلك أيضاً.

ثرثرة التنوير

أصحاب القلم والمفكّرون- بعضهم- كانوا يسعون جدياً إلى أن لا تكون كلمة الإسلام، ونحن فهمنا أنهم لا يريدون ذلك، لأنّهم تلقوا ضربة قوية من الإسلام. لقد ادركت جميع القوى أنهم سلبوا النفط هنا، ومن الذي سلبهم ذلك؟ الذي سلبهم هو الشعب الذي يردد كلمة الإسلام. ولذلك هلموا نشطب كلمة الإسلام، وليكن ما يكن، وهذا الأمر لا يحتاج إلى نقاش. فالشعب لا سند له. كانوا يحاولن سلب الجمهورية سندها، فسند كل حكومة هو الشعب. إن لم يكن شعب ما سنداً لحكومته فإن قيام هذه الحكومة لا يمكن أن تؤسس. انهم كانوا يحاولون سلب الحكومة هذا السند، ويصرون على هذا السلب، والآن أيضاً يصرون، ولكنهم بصورة أخرى فيقولون الدستور ليس قانوناً وطنياً، لأنه ناقص وغير مكتمل. وهذه قضية قام الشعب فيها باختيار ممثليه لتأييدها، وبعد ذلك شارك في التصويت عليها ووافق، والآن تقوم أقلية نعرف قادتها، ونعرف خفايا تاريخها صغيرها وكبيرها بمعارضة الشي‏ء الذي وافق عليه الشعب. هل هذا يعني شيئاً آخر غير أنهم يريدون عودة جميع المسائل (القضايا) السابقة واستعادة مصالحهم. لقد تلقوا الضربة من الإسلام ولذلك يريدون الحيلولة دون تحققه.

علماء الدين؛ الحصن الحصين لايران‏

خلال تلك المراحل أجمع، كان العلماء طليعة الخير. وهذا يعني أنّ الجامعيين والمفكرين كانوا أيضاً، لكن ليس كلهم، الجامعيون قاطبة تقريباً، البازار وغيرهم، جميع هؤلاء شاركوا، لكن الذين عبّأوا الناس هم علماء الدين. أي أنّ كل محلة كان فيها مسجد أو أربعة مساجد، وفي هذه المساجد أربعة علماء دين، الناس كانوا يؤمنون بهم. ولهذا أوصي الشعب الإيراني دائماً بأن لا يفقد هذا الحصن، وأن لا يفقد المفكّرين الذين يريدون لبلادهم أن تكون مستقلة، أن تكون بلادهم حرة، ولقد أوصيت بأن هؤلاء حاجز عظيم إن فقدتموهم، فلن تستطيعوا فعل شي‏ء من دونهم. فلو شطبنا الشريحة العلمائية من النهضة الأولى، لم تكن تحدث أي نهضة، لأن الناس كانوا لا يستمعون إلى غيرهم. الناس لا يذعنون للمفكرين. إنّ هؤلاء مئة نسمة، ألف في أكثر التقادير. أنا لا أعرف إن كان حزب يضم في عضويته ألف نسمة. إذا كان هناك غير الحزب الإسلامي، فإن الناس لا يصغون إليه. فليصرخوا باستمرار، مهما صرخوا، فإن كلامهم لا اعتبار له. إن الذي يستطيع تجهيز شعب وسوقه للأمام حتى الموت، هو هذه الشريحة. حين تقولون: كان لهم دور كبير، فالحقيقة هي كذلك كما نحن على اطلاع بمدى حب وصلة الناس بالعلماء، لكن سعة نفوذ علماء الدين تختلف من واحد لآخر، ومهما كان مدى نفوذهم فان الناس الذين يقعون في شعاع تلك المنطقة يستمعون إليهم. أي أنهم يدركون أنهم لو تبعوا هؤلاء سيضمنون لهم السعادة، لأنهم يريدون الخير لهم، حتى وإن قتلوا، فإن ذلك سعادة.

دور العلماء والمساجد في الثورة

هؤلاء هم الذين عبأوا الناس في أنحاء إيران، الناس، الخطباء، علماء الدين، أصحاب المساجد هم الذين تحرّكوا وتبعهم الجميع. جميع الشعب سجّل حضوره، وجميع الشرائح الشعبية، لكن الذي عبأ الشعب تعبئة عامّة، وجهزه لهذه الواقعة هو هذه الشريحة. وأنا أطلب دائماً من جميع الشرائح الوطنية أن تحافظ على هؤلاء، ليحفظهم الله، أنتم وطنيون، فحافظوا على هؤلاء. لا تفقدوهم أنتم ترونهم اليوم يثيرون المناقشات باستمرار في هذا الموضوع، يريدون هزيمتهم. وهذا لا يصب لا في مصلحة دينهم ولا دنياهم. أنا لا أحاول تنزيه هذه الطائفة، ولا أقول: إن كل من وضع عمامة على رأسه إنسان مهذب، ومستقيم ونزيه. أنا لا أدّعي ذلك، ولا يدّعي ذلك إنسان آخر. أنا اقول: إن من يخالف هذه الطائفة، ليس هكذا، أولئك الذين يخططون لا يتوهمون بأنهم يعارضون الأشرار، بل يخالفون المحسنين. إنهم يعارضون ذوي النفوذ. فلو كان لهؤلاء غاية صحيحة فيما يتحدثون به لينجحوا، فالغاية الصحيحة يجب ان تنجح، ونحن أيضاً نقبل ذلك. وحين تتجلّى نقوم بتنقيحها. لكن في هذه الحقبة الحسّاسة التي يواجهها شعبنا والبلوى التي تعم البلاد بعد الثورة، التي تقدمت الثورة إلى الامام قليلًا، وعادت البلاد إلى ما يجب أن تكون عليه، جميع هذه المشكلات كانت في جميع ثورات العالم بل أكثر في ثورتنا. في هذا الوقت الذي يواجه شعبنا قوة عظمى، بل قوى عظمى، اليوم ليس أن نفقد سند الشعب، ذلك الرمز الذي بامكانه تعبئة الشعب. لو فرضتم أنّ لنا عتاباً على احد، لو أن لنا مأخذاً على أحد أو نفر، يجب أن نرجئه فالوقت ليس وقت مؤاخذة وعتاب.

قصة السيد والملّا والدرويش‏

الذين يحيكون الدسائس لديهم مخططات لتدمير الجميع، ولكن تدريجياً. أنا لا أدري أسمعتم بهذه القصة أولًا، يقال: دخل أحدهم بستانه، فرأى سيّداً وعالم دين ورجلًا عامياً يسرقون، فقال طيب هذا سيّد وهو من سلالة الرسول، جيّد جداً، وهذا أيضاً من علماء الدين واحترامه واجب. أما انت يا فلان فماذا تقول؟ فا تّحد مع هؤلاء الاثنين وأوثقوا العاميّ وشدّوا يديه ورجليه. بعد ذلك جلس، وقال: في الواقع السيّد هو من سلالة الأنبياء، ولا يمكننا أن نؤاخذ أولاد الأنبياء، لكن ماذا تقول أنت أيها الشيخ وقد أتيت إلى السرقة بهذه اللحية والعمامة؟ فوافق السيّد صاحب البستان واوثقا الشيخ. بعد أن أوثق هذين الأثنين قال للسيد: أيّها السيد، هل قال جدك بالسرقة؟ وكان البستاني قوياً، فأمسك بالسيّد وأوثقه أيضا. إنّ هؤلاء أوضاعهم هكذا. وفقاً لهذا المخطط يقولون: هذا سيد من سلالة الأنبياء، وذلك كذا وكذا، طيّب، وماذا يقول هؤلاء الشيوخ؟ ما معنى الشيخية؟ بلادنا يجب أن لا تكون بيد الشيوخ. إنّ هؤلاء يتوهمون أن العلماء يريدون الهيمنة على البلاد لتقديمها إلى الآخرين ويفعلون ما يشاءون. المسألة هي هذه. إنّهم يحاولون تطبيق هذا المخطط. لكي يقطعوا الصلة بين الناس والعلماء الذين هم رأس مال الشعب ويستطيعون عمل كلّ شي‏ء، يحاولون الإمساك بهؤلاء، وفصلهم عن الشعب، المخطط في زمان رضا شاه أيضاً كان كذلك. وبعد ذلك يبدأون بهم فرداً فرداً، يبدأون من الدانين وهكذا إلى العالين. فيستدرجون واحداً بعد الآخر، حتى يقضوا على هذه الشريحة.

الإسلام دين السياسة

هؤلاء الذين يستطيعون ترويج الإسلام في العالم واعطاءه دوره المتوخى، هؤلاء الذين يستطيعون تقديم الإسلام إلى العالم ونشره، ولو تم فصلهم عن الناس، لفقدوا الإسلام شيئاً فشيئاً. الأساس هو الإسلام، وأساس هؤلاء أيضاً هو الإسلام. وأساس العداء أيضاً الإسلام، الاثنان كذلك.

هذا الذي قلتموه: للعلماء دور في الثورة فهل يستمرّ في المستقبل؟ دور العلماء هو الإرشاد، والنصح للناس، وكانت الجهود تصب في مجال عزل هؤلاء عن الشعب، أي: أنهم يحاولون فصل الدين عن السياسة، ووضع الدين في جانب، ووضع السياسة في جانب آخر. أصل الإسلام هو أنّه دين السياسة.

أنتم درستم أنّ الإسلام دين حتى أحكامه العبادية سياسية، هذه الجمعة وخطبها، ذلك العيد، خطبه، هذه الجماعة والاجتماع، هذه مكّة، وهذا المشعر، وهذه منى، وهذه عرفات، جميعها قضايا سياسية. برغم أنها عبادة، إلا أن في عبادتها سياسة، وسياستها أيضاً عبادة. إنّ هؤلاء كانوا يجزّئون الإسلام ويفصلون الدين عن السياسة. يقولون: الامبراطور يجب أن يجلس على العرش، والشيخ يجب أن يذهب إلى المسجد. فما شأن الشيخ في نهب رضا شاه الناس وإيذائه إيّاهم؟ فعلى الشيخ أن يؤدّي صلاته، ويذهب، فلا علاقة له بنهب النفط ولا صلة له باتفاقيات تقصم الظهر، فكلّ ما عليه هو أن يضع عباءته على رأسه، ويؤدّي صلاته في المسجد ويقرأ ما يشاء من الدعاء. مَن يعارضه؟

التحريف في دين السيد المسيح‏

من يقرأ ما يشاء من الدعاء لا يعارضه أحد. لا أتوقع أنّ السيّد المسيح كما تحدّثون به الآن. من يعقل أنّ من تعاليم السيد المسيح هو الموافقة على الظلم؟ إن صفعوك على خدك الأيمن، قدّم الأيسر. هذه ليست من تعاليم الله، ولا من تعاليم السيّد المسيح. والسيد المسيح بري‏ء من ذلك، السيد المسيح يعارض استعمال القوة، قد بُعث لكي يرفع هذه المظالم، ويفعل ما يجب فعله، لكنه ابتلي بجهات أساءت تقديمه إلى الجميع. الإسلام أيضاً ابتلي بهذا الأمر، لكن في كل حقبة كان علماء حالوا دون هذا الأمر، والآن اتّسعت رقعة هذا الأمر قليلًا. الزمان تغير، وأفكار الناس تغيرت، وجميع هذه الأشياء تغيرت.

ولاية الفقيه المطلقة

إن كان المقصود هو أن علماء الدين يجب أن يضطلعوا بدور، فالجواب هو نعم. الشيوخ لهم دور، ولهم دور في الحكومة أيضاً. لا يريدون الحكم، لكنهم يريدون الاضطلاع بدور. في قضية رئاسة الجمهورية هذه اقترحوا علينا، والاقتراح كان من قبل جماعة، حتى من الأوساط الجامعية. اقترحوا أنه بعد مضي مدّة طويلة أدركنا أنه لا يمكننا الوثوق بالآخرين، فليكن الرئيس من علماء الدين، وأنا كنت أقول لا، فالعالم يجب أن يضطلع بدور، لكنه يجب أن لا يصبح رئيساً. وفي الوقت نفسه عليه أن يكون له دور في الرئاسة. تجب عليه الرقابة للشعب والبلاد. لا نريد أن يكون عالم الدين- على سبيل المثال- رئيساً للحكومة، لكنه يضطلع بدور فيها. إن أراد رئيس الجمهورية أن يصبح كذا، أو يخرج عن الطريق، فإن العالم سيقف في وجهه ويتصدّى له. هذه المسألة تم ذكرها في الدستور. وإن كانت ناقصة عليها مآخذ كثيرة. فإن للعلماء اختيارات أكثر من هذه في الإسلام، ولكن السادة لكي لا يخالفوا كثيراً المفكّرين تنازلوا قليلًا هذه التي توجد في الدستور، هذه بعض واجبات ولي الفقيه، وليست جميع صلاحياته. ولن يتضرر أحد في ولاية الفقيه التي وضعها الإسلام بتلك الشروط التي حدّدها. يعني أن الأوصاف التي تتوفر لدى الولي الفقيه، تلك‏ الأوصاف التي جعله بها ولياً، والإسلام نصبه ولياً، مع تلك الأوصاف ليس بإمكانه الحياد عن جادّة الحق، ولو قيد أنملة. إن تفوّه بكلمة كاذبة، كلمة واحدة، إن قام بخطوة خاطئة، فإنه سيفقد ولايته.

أفضل مادة من مواد الدستور

إننا نريد التصدي للاستبداد، بهذه المادة الموجودة في الدستور التي أقرّت ولاية الفقية نتصدى للاستبداد. والذين يخالفون الأساس يقولون: هذه المادة تجلب الاستبداد، أي استبداد تجلب؟ أي استبداد بعد الحدود التي وضعها القانون. أجل قد يأتي فيما بعد مستبد. وأنتم مهما فعلتم فإن المستبد الطاغي إذا جاء يفعل ما يشاء. لكن الفقيه لن يصبح مستبداً. الفقيه الذي يتمتّع بتلك الأوصاف هو عادل عدالة تختلف عن العدالة الاجتماعية، عدالة لو قال كلمة خاطئة فقدها، نظرة واحدة إلى غير المحارم تفقده عدالته. ومثل هذا الإنسان لا يقوم بعمل خاطئ، لا يفعل خطأً، إنه يريد منع وقوع هذه المخالفات. هذا رئيس الجمهورية لا يشترطون فيه العدالة، ولا يشترطون في توليه الحكم أياً من الشروط التي يشترطونها في الولي الفقيه، قد يحاول الرئيس القيام بعمل خاطئ، فيقف الولي في وجهه أو يسيطر عليه. ذلك القائد في الجيش ان قام بعمل خاطئ فإن ذلك القانون من حقه عزله (من حق القانون عزله). أفضل مادة في الدستور هي المادة الخاصة بولاية الفقيه. والبعض يتغافل عن هذه المادة والبعض يخالفها عن قصد لنوايا في نفسه.

العلماء خبراء القانون‏

تقولون: عالم الدين الذي يزمع العمل في الحكومة لا يريد أن يكون رئيساً للوزراء، ولا رئيساً للجمهورية، ولا يصلح له أن يكون كذلك، لكنه يراقب، وله دور. العلماء لهم دور في الحكومة، وليسوا هم الحكومة. وهذا الدور كان موجوداً من الأول، إلّا أنّهم أقصوه، والآن منحهم الله فرصة. حشد هؤلاء الناس اجتمعوا وهتفوا، وهذه النداءات هي التي فعلت ذلك، اجتمعوا وهتفوا، والآن لعلماء الدين دور. وهو الدور اللازم لهم الذي يجب أن تقوم به رقابة الشؤون، وما لهم من اختصاص سواه.

فهل من الممكن أن يصبح عالم الدين قائداً لفوج من الجيش. إنّ هذا العمل ليس من اختصاصه. عالم الدين الذي لا خبرة له في شأن ما، لا يتصدّى له، فهذا العمل لا معنى له. لكن عالم الدين بما أنّه يعرف موارد الخطأ والزلة وفق القوانين المستنبطة من الإسلام، تلك القوانين التي إن تم تطبيقها فإنّ جميع الغايات ستحقق، بما أنه مطلع على هذه القوانين‏ وهو من ذوي الخبرة فيها، نصّبوه مع تلك الشروط التي اشترطوها فيه، ونحن ملزمون بمتابعته. لكن المسألة ليست هذه، بل هي أعلى منها.

حسنا، الشعب أراد شيئاً ونحن تابعون له، ومثل عالم الدين هذا إن تصدّى لمسؤولية الحكومة، فإنّه لن يسمح لرئيس الوزراء ولا لرئيس الجمهورية القيام بظلم إن رأى ذلك، فعالم الدين ملزم بالحيلولة دون ذلك. وإن أراد ان يستعرض عضلاته فانه سيتصدى له. إن كان هنالك استبداد وقف في وجهه. إن أراد احد ما مجانبة الحرية منعه من ذلك. إن حاولت الحكومة إبرام اتفاقية مع حكومة أخرى تصبح البلاد وفق نصوصها تابعة وبحاجة متصلة بها حال عالم الدين دون ذلك. هذه مادة بإمكانها إصلاح أسس هذه البلاد. هذه مادة قيّمة إن تحققت إن شاء الله صلحت أمور البلاد جميعاً.

وإذا سألتم: هل يريد عالم الدين الانضمام إلى الحكومة؟ لا، لا يريد أن يصبح حكومة، ولكنه ليس خارجاً عنها، لا هو حكومة ولا خارج عنها. ليس هو حكومة، لأنّه لا يريد الذهاب إلى قصر الرئاسة والقيام بأعمال رئيس الوزراء. وليس هو خارجاً عن الحكومة لأنه إذا أراد رئيس الوزراء الحياد عن جادة الصواب يتصدى له، ومنعه. فهو ذو دور، لكن لا دور له. أنا وقتي انتهى أيضاً، قضايا أخرى، آمل أن تكونوا انتم بصحّة وسلامة إن شاء الله.


* صحيفة الإمام، ج‏11، ص: 355-368

2011-07-08