يتم التحميل...

العدل الالهي وافعال العباد

العدل

إنَّ العدل من صفاته سبحانه، وكأن هذا الوصف يقتضي البحث عن كيفية صدور أفعال العِباد منهم، وهل هم فاعلون بالاختيار وبالجبر والإلجاء؟ والأول موافق لعدله سبحانه والثاني يخالفه. وقبل الخوض في المقصود نقدم أمور: في كون المسألة عامة:انَّ الوقوف على كيفية صدور فعل الإِنسان منه، وان كان مسألة فلسفية.

عدد الزوار: 72

إنَّ العدل من صفاته سبحانه، وكأن هذا الوصف يقتضي البحث عن كيفية صدور أفعال العِباد منهم، وهل هم فاعلون بالاختيار وبالجبر والإلجاء؟

والأول موافق لعدله سبحانه والثاني يخالفه. وقبل الخوض في المقصود نقدم أمور:

الأمر الأول: في كون المسألة عامة
انَّ الوقوف على كيفية صدور فعل الإِنسان منه، وان كان مسألة فلسفية، غاص فيها كبار المفكرين من الفلاسفة الذين يقدرون على تحليل المسائل العامة في الفلسفة الإلهية، إلاّ انَّ اشتمال المسألة على خصيصة خاصة وهي صلتها بمصير الإِنسان في مسيره جعلتها مسألة مطروحة أيضاً بين البسطاء والعاديين من الناس. ولأجل ذلك تغايرت فيها أفكارهم وآراؤهم.

فهذه المسألة من حيث العمومية كالمسائل الثلاث الفلسفية التي يتطلع كل إنسان الى حلّها سواء أقدر عليه أم لا وهي: من أين جاء؟ ولماذا جاء؟ والى أين يذهب؟.

ولأجل هذه الخصيصة في المسألة لا يمكن تحديد زمن تكّون هذه المسألة في البيئات البشرية ومع ذلك فالمسألة كانت مطروحة في الفلسفة الإغريقية، اشراقيّها ومشّائيها، ثم تسربت الى الأوساط الاسلامية ومنها تسربت الى المجتمعات الغربيّة، كغيرها من المسائل والعلوم الاسلامية.
 
الأمر الثانى: في الجبر بأقسامه
إن أحد شقوق هذه المسألة هوالقول بالجبر، وأنَّ الإِنسان مسلوب الاختيار، ولكن تصويره يختلف حسب نفسيات الباحث والمِلاكات التي يجعلها محور البحث. فالإلهي القائل بالجبر، يطرحه على نمط مغاير لما يطرحه المادي والفلسفي القائلين به. فالإلهي لا يصوّر للجبر عاملاً سوى ما يرتبط بالله سبحانه من تقديره وقضائه وعلمه الأزلى ومشيئته القديمة المتعلقة بأفعال الإِنسان1. والمادي بما أنه غير معتقد بهذه المبادئ يسند الجبر الى العامل المادي وهو"الوراثة" و"التعليم" و"البيئة"، التي تسمى بمثلث الشخصية، وأنَّ نفسيات كل انسان وروحياته تتكون في ظل هذه العوامل الثلاثة، وهي عوامل خارجة عن الاختيار. ومن المعلوم أنّ فعل كل انسان رد فعل لشخصيته وملكاته التي اختصرت فيها.

وللفلاسفة القائلين بالجبر منحى آخر فيه. فتارة يستندون الى أنَّ الارادة الإِنسانية هي العلة التامة للفعل، بحيث اذا حصلت في ضمير الإِنسان يندفع الى الفعل بلا مهلة وانتظار، وبما أنَّ الارادة ليست أمراً اختيارياً، تتسم أفعال الإِنسان بسمة الجبر لانتهائها اليها.

وأخرى الى انتهاء العلل الطولية الى ذاته سبحانه فهوالعلة التامة لتلك السلسلة، فيكون النظام الخارجي ومنه الإِنسان وفعله واجب التحقق وضروري الكون.

وثالثة الى أن الشيء ما لم تجتمع أجزاء علته، فلا يتحقق في الخارج، فوجود كل شيء ومنه فعل الإِنسان ضروري التحقق عند اجتماع أجزاء علته التامة. وما هوكذلك كيف يتسم بالاختيار. وإلى ذلك يشير قولهم: "الشيء ما لم يجب لم يوجد".

فهذه مِلاكات ثلاثة للذهاب إلى الجبر عند بعض الفلاسفة.

وبذلك يتضح أنَّ القول بالجبر ينقسم إلى أقسام تبعاً للقول بمِلاكات خاصة فينقسم إلى:

1ـ جبر إلهي مسند إلى علّة سماوية.
2ـ جبر مادي مسند إلى علل مادية.
3ـ جبر فلسفي مسند إلى علة نفسية وغيره.

ولأجل ذلك يجب البحث عن كل قسم على حِدة.

الأمر الثالث: في الاختيار بألوانه
ومن شقوق هذه المسألة القول بالاختيار وهوينقسم حسب انطلاق القائلين به عن مواضع مختلفة، إلى أقسام:

1ـ الاختيار بمعنى التفويض، بمعنى أنه ليس للّه سبحانه أي صنع في فعل العبد، وأن ذات الإِنسان وإن كانت مخلوقة للّه سبحانه، ولكن لا يمت فعله إليه بصلة، فهومستقل في فعله وفي إيجاده وتأثيره، حفظاً لعدله سبحانه. فيكون الإِنسان في هذه النظرية خالقاً ثانياً في مجال أفعاله، كما أنه سبحانه خالق في سائر المجالات. وهذا مذهب "المعتزلة".

2ـ الاختيار بمعنى تكوُّن الإِنسان بلا لون وماهية، وأَنَّه مذ يرى النور يوجد بلا خصوصية ولا نفسية خاصة، بل يكتسب الكل بإرادته وفعله، لأنه لوظهر على صفحة الوجود مع الخصوصية المعينة لزم كونه مجبوراً في الحياة، وهذا هومنطق الوجوديين في الغرب.

وبذلك تقف على أنَّ المعتزلة تنطلق من مبدأ العدل، كما أنَّ الوجوديين ينطلقون من مبدأ تكون الإِنسان بلا لون ولا ماهية.

3ـ الاختيار بمعنى الأمر بين الأمرين لا على نحوالجبر ولا على نحوالتفويض. وهذا هو موقف القرآن الكريم وأئمة أهل البيت عليهم السَّلام .

وبذلك تقف على أنَّ الجبر لا يختص بالإِلهي بل يعمه والمادي، كما أنَّ الاختيار مثله. فالإِلهي والمادي تجاه هذه المسألة متساويان والاختلاف في ذلك ينطلق من الطرق التي يسلكها المستدل، فيلزم لتوضيح البحث إفراد كل واحد من هذه المناهج عن البقية حتى يكون الباحث على بصيرة.

الأمر الرابع: الجبر على مسرح التاريخ الإسلامي
الآيات القرآنية والمأثورات التاريخية تشهد بأن فكرة الجبر كانت موجودة قبل الإِسلام .

ومن المؤسف أن يكون الاعتقاد السائد بين بعض أهل الحديث هوالقول بالجبر لعلل سياسية من السلطات الغاشمة، واحتكاكات ثقافية مشبوهة بين المستسلمين من الأحبار والرهبان، والمسلمين. وإليك ما له صلة بهذا المقام.

1ـ نقل القاضي عبدالجبار عن أبي علي الجبّائي في كتاب (فضل الاعتزال): "ثم حدث رأي المجبرة من معاوية لما استولى على الأمر، وحدث من ملوك بني أمية مثل هذا القول. فهذا الأمر الذي هوالجبر نشأ في بني أمية وملوكهم وظهر في أهل الشام ثم بقي في العامّة وعظمت الفتنة فيه"2.

2ـ وقال ابن المرتضى: "ثم حدث رأي المجبرة من معاوية وملوك بني مروان فعظمت به الفتنة"3.

3ـ وهذا معبد الجهني وهوأول من قال بنفي القدر بمعنى نفي الجبر ونشر هذه الفكرة، فقتله الحجّاج بن يوسف الثقفي الذي تولى إمارة العراق من قبل الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 80. وقيل إنَّ الذي تولى قتله صلباً هونفس عبدالملك بن مروان4.

4ـ وهذا غيلان الدمشقي أخذ القول بالاختيار عن مَعْبَد الجَهني، فنشر الفكرة في دمشق فكاد عمر بن عبدالعزيز أن يقتله لولا أن تراجع غيلان عن رأيه وأعلن توبته ولكنه عاد إِلى هذا الكلام أيام هشام بن عبدالملك فأمر هشام بصلبه على باب دمشق، بعد أن أمر بقطع يديه ورجليه، عام 5.25.

5ـ قال ابن الخياط: إنَّ هشام بن عبدالملك لما بلغه قول غيلان بالاختيار، قال له: ويحك يا غيلان لقد أكثر الناس فيك، فنازعنا في أمرك، فإن كان حقاً اتَّبعناك. فاستدعى هشام، ميمون بن مروان ليكلمه فقال له غيلان: أشاء اللّه أن يعصى. فأجابه ميمون: أفعصي كارهاً؟ فسكت غيلان. فقطع هشام بن عبدالملك يديه ورجليه6.

6ـ وجاء في رواية ابن نباتة: إنَّ عمر بن عبد العزيز لما بلغه قول غيلان بالاختيار استدعاه وقال له: ما تقول؟

قال: أقول ما قال اللّه.
قال: وما قال اللّه؟
قال: إنَّ اللّه يقول: ﴿هل أتى عَلَى الإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُور...(الانسان:1) حتى انتهى إلى قوله سبحانه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾(الانسان:3)
قال له عمر بن عبدالعزيز:إِقرأ.

فلما بلغ إلى قوله سبحانه: ﴿َمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(الانسان:30)، قال: يا ابن الأتانة، تأخذ بالفرع وتدع الأصل!7.

فهذه النصوص التاريخية تفيد: أولاً: أن السلطة الأموية من لدن عصر معاوية إلى آخر حكّامها كانت تروّج فكرة الجبر، وتسوس من يقول بالاختيار بسياسة الإِرهاب والقمع، وتنكل بهم أشدّ التنكيل. والغاية من إشاعة هذه الفكرة معلومة فإنها تخلق لهم المبررات لتصرفاتهم الوحشية وانهماكهم في الملذات والشهوات واستئثارهم بالفيء، إلى غير ذلك من جرائم الأعمال ومساوئها.

وثانياً: إِنَّ معبد الجهني في العراق وتلميذه غيلان الدمشقي في الشام كانا يتبنيان فكرة الاختيار ونفي الجبر لا فكرة نفي القدر والقضاء الواردين في القرآن الكريم. والشاهد على ذلك أنَّ معبد الجُهَني دخل على الحسن البصري وقال له: يا أبا سعيد إِنَّ هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قضاء اللّه وقدره. فقال له الحسن البصري: كذب أعداء اللّه. انتهى. ومن المعلوم أنَّ الحسن البصري لم يكن ينكر ما جاء في الكتاب العزيز من أنَّ: ﴿وَكل شَيء فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ * وَ كُلّ صَغِير وَ كَبير مُسْتَطَرٌ(القمر:52-53). وغير ذلك من الآيات، وإنما ينكر أن يكون القضاء والقدر مبررين لطغيان الطُغاة وجرائم الطغمة الأثيمة من الحُكّام. فبالنتيجة كان معبد وأستاذه الحسن من دعاة القول بالاختيار لا من دعاة منكري القضاء والقدر. ولما كان الأُمويون، يرون أنَّ القول بالقضاء والقدر يساوق الجبر وسلب الاختيار، اتهموا القائلين به بنفي القضاء والقدر مع أنَّ بين القول بالاختيار ونفي القدر بوناً بعيداً.

ويشهد على ذلك أيضاً أنَّ غيلان يعرب عن عقيدته في محاجته مع عمر بن عبدالعزيز بالاستشهاد بقوله سبحانه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾(الانسان:3)، فالرجل كان يتبنى الاختيار ويكافح الجبر، لا أنَّه كان ينكر ما ثبت في الكتاب والسنَّة الصحيحة. كما أنَّه في محاجته مع ميمون بن مروان أعرب عن عقيدته بقوله: "أشاءَ اللّه أن يعصى؟" قائلا بأنَّه ليس هناك مشيئة سالبة للاختيار جاعلة الإِنسان مجرد متفرّج في مسرح الحياة.
 
وأظن أنَّ اتهام الرجلين ومن جاء بعدهما بالقدرية تارةً (نفي القضاء والقدر بالمعنى الصحيح) وبالتفويض وأن الإِنسان في غنى عن اللّه تعالى في أفعاله، أُخرى، لم يكن في محله. فهؤلاء كانوا يكافحون فكرة الجبر لا نصوص الكتاب والسُّنَّة. وأما فكرة التفويض فإنما تمخضت ونضجت إثر إصرار الأمويين على الجبر، واتخذته المعتزلة مذهباً في النصف الثاني من القرن الثاني، وإلاّ فالمتقدمون عليهم حتى مؤسس الاعتزال واصل بن عطاء مُبَرُّأون عن فكرة التفويض.

فالقول بالتفويض الذي هوصورة مشوهة للاختيار، إِنَّما تولد من إصرار الأُمويين والمتأثرين بهم من أهل الحديث على القول بالجبر من جهة، وإصرار هؤلاء الأقدمين على اختيار الإِنسان وحريته في مجال الحياة. وإلا فإنّه لم يكن من التفويض أثر في كلمات الأقدمين.

ومن الأسف أنَّ القول بالجبر قد بقي بين المسلمين بصورة خاصة حتى في المنهج الذي ابتدعه إمام الأشاعرة، إلى العصور الحاضرة. والمنكر إنما ينكر بلسانه ولكنه موجود في المنهج الذي ينتسب إليه.

وقد كان اليهود القاطنون في شبه الجزيرة العربية خير معين على إشاعة هذه الفكرة، بل منهم انبعثت.

نعم هناك رجال من أهل السنَّة والجماعة، متحررون عن عقيدة الجبر وفي مقدمهم الشيخ محمد عبده فقد ردّ على من نسب الجبر إلى الكتاب العزيز والمسلمين عامة وقال: "إن القول بالجبر قول طائفة ضئيلة إنقرضت وغلب على المسلمين مذهب التوسط بين الجبر والإختيار وهومذهب الجد والعمل"8.

ولا يخفى ما في كلام الأستاذ من الملاحظة فإن الأكثرية الساحقة من أهل السنَّة على مذهب الإِمام الأشعري، فكيف يمكن أن يقال إنَّ الجبر قول طائفة ضئيلة.

وعلى كل تقدير فقد أجاد في هذا البيان وأبان القول الحق.

الأمر الخامس: رؤوس المجبرة وأقطابها في العصور الإِسلامية الأولى

الجهميَّة
إعتبر أصحاب الملل والنحل الطائفة الجهمية9. أول طائفة قالت بالجبر، ووصفوها بالجبرية الخالصة، وكان جهم يخرج بأصحابه فيقفهم على المجذومين ويقول: "أُنظروا أرحم الراحمين يفعل مثل هذا!"، إنكاراً لرحمته. وكان يقول: "لا فِعْلَ ولا عَمَلَ لأحد غير اللّه، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز"10.

وقال الأشعري في (مقالات الإِسلاميين): "تفرَّد جهم بأمور منها: إنه لا فعل لأحد في الحقيقة إِلاَّ اللّه وحده، وإنَّ الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز، كما يقال تحركت الشجرة، ودار الفلك، وزالت الشمس"11.

وعرفهم الشّهرستاني بأنهم يقولون: "إِنَّ الإِنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة وإنما هومجبور في أفعاله لا قدرة له ولا استطاعة ولا إرادة ولا اختيار وإنما يخلق اللّه تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضاً كان جبرا"12.

النجاريّة
ويليهم في القول بالجبر الطائفة النجارية13. فقالت: إنَّ أعمال العباد مخلوقة للّه وهم فاعلون وإنه لا يكون في ملك اللّه سبحانه إلاّ ما يريده وإنَّ الاستطاعة لا يجوز أن تتقدم على الفعل14.

وعرفهم الشّهرستاني بأنهم يقولون إِنَّ الباري تعالى هوخالق أعمال العباد خيرها وشرها، حسنها وقبيحها، والعبد مكتسب لها، ويثبتون تأثيراً للقدرة الحادثة، ويسمّون ذلك كسبا15.

ولأجل أنَّ النجارية أضافت نظرية الكسب إلى القول بأنَّ اللّه سبحانه خالق أفعال العباد، خرجت عن الجبرية الخالصة. وقد تبنّت هذه النظرية أيضاً الطوائف الأُخرى.

الضِّراريّة
ويليهم في تبنّي الجبر، الطائفة الضِرارية16. فقالت: إنَّ أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى حقيقة والعبد مكتسبه. ووافقت المعتزلة بأنَّ الاستطاعة تحصل في العبد قبل الفعل17.

وهذه الطائفة تسمى بالجبرية غير الخالصة أيضاً، لإِضافتها نظرية الكسب إلى أفعال العباد.

قال الشهرستاني: "الجَبْر هونفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الربّ تعالى فالجبرية أصناف: فالجبرية الخالصة هي التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً. والجبرية المتوسطة هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً. وأمَّا من أثبت للقدرة الحادثة أثراً ما في الفعل، وسمى ذلك كسباً، فليس بجبري. والمصنفون في المقالات، عدّوا النجارية والضِرارية من الجبرية"18.

ولكن الحق أنَّ إضافة نظرية الكسب من النجّارية والضِّرارية، ومن الأشاعرة تبعاً لهم لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تخرج القائل من القول بالجبر قدر شعرة، وإنما هوغطاء وتلبيس على القول بالجبر. ويكفي في عد منهج الأشعري منهجاً جبرياً، ما ذكره في (الإِبانة)و(مقالات الإِسلاميين) عند بيان عقيدة أهل السنَّة التي هي عقيدته (بعد رجوعه عن الاعتزال والتحاقة بمنهج أهل الحديث)، يقول: "وأقروا بأنه لا خالق إلاَّ اللّه، وأنَّ سيئات العباد يخلقها اللّه، وأن أعمال العبد يخلقها اللّه عزوجل. وأنَّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا منها شيئا"19.

فترى أنَّ هذه الجمل لا تفترق عمَّا ذكره الجهمية والطائفتان الأُخريان.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج2،ص255-265


1- هذه ثلاثة من العوامل التي دفعت الأشاعرة إلى القول بالجبر. وهناك عامل رابع، وهوالقول بكون أفعال العباد مخلوقه لله سبحانه مباشرة.وعامل خامس وهوما يبدومن القرآن الكريم من نسبة الهداية والضلالة الى الله سبحانه وهذه هي النقاط الرئيسية لأبحاثهم في المسألة.
2- فضل الاعتزال، ص 122.
3- البحر الزخار، لابن المرتضى، ج 1، ص 39، س 17
4- الكامل لابن الأثير، ج 4، ص 456
5- تاريخ الطبري ج 5، ص 516. والكامل، ج 5، ص 363.
6- الانتظار لابن الخياط، ص 139.
7- لاحظ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة، ص 174.
8- رسالة "هل نحن مسيرون أم مخيّرون"، ص 11.
9- نسبة إلى جهم بن صفوان تلميذ الجعد بن درهم، الذي قتله خالد بن عبداللّه القسري سنة 124 هـ.
10- الفَرْقُ بين الفِرَقْ، ص 128.
11- مقالات الإِسلاميين، ج 1، ص 312.
12- الملل والنحل، ج 1، ص 87.
13- هم أصحاب الحسين بن محمد بن عبداللّه النجار، وله مناظرات مع النظام، توفّي عام 230 هـ
14- مقالات الإسلاميين، ج 1، ص 283.
15- الملل والنحل، ج 1، ص 89.
16- هم أصحاب ضِرار بن عمرو. وقد ظهر في أيام واصل بن عطاء، وقد ألف قيس بن المعتمر كتاباً في الرد على ضرار سماه: "كتاب الرّد على ضِرار".
17- الملل والنحل، ج 1، ص 90 و91. ومقالات الإسلاميين، ص 129.
18- الملل والنحل، ج 2، ص 85 و86.
19- مقالات الإسلاميين، ج 1، ص 321.

2009-08-01